مقايضة الامان بالمال!


نادية محمود
2019 / 10 / 21 - 22:10     

ليس للرأسمالية حلا تقدمه. وقد وصلت الى طريق مسدود. ليس في العراق فحسب بل في كل المنطقة والعالم. في العراق تحولت السلطة السياسية الى فرصة استثمار يدر الاموال على القابضين عليها. مقابل افقار يتسع ويتعمق كل يوم. بطالة جديدة كل يوم، وفقدان الامل بالمستقبل. الوضع متفجر، ويتفجر في اية لحظة. لقد انتهى زمن الامان للرأسمالية. ان تحكم وتنهب وتتمتع بالامان. ان بقاء هذه الطبقة في الحكم لحد اللحظة ليست دليلا الا على شيء واحد، ان الجماهير لم تطرحهم ارضا وتطيح بهم وتاخذ زمام السياسة بيدها. استمرارها في البقاء لحد اللحظة عائد لهذا السبب ولا سبب غيره.
امام الرأسمالية في لحظة الاحتجاجات الراهنة خيار واحد وهو ان تقايض امنها بالتنازل عن ارباحها وتعيد توزيع الثروات، او ازاحتها بالقوة. لا يمكن للرأسمالية ان تتمتع بالاثنين معا في ان واحد: المال والامان! لا يمكن الاستحواذ وسرقة الاموال ونهبها من قبل لصوص، وتبقى بمأمن من غضب الجماهير ورفضها. لا يمكن مهما احاطوا انفسهم بعصابات مسلحة، وارتدوا ربطات عنق واطلقوا على انفسهم اعضاء برلمان ووزراء. وحولوا الدولة الى متراس لهم لحمايتهم. وهنالك 40 مليون انسان يعيش في هذا العصر يجهلون كيف يؤمنوا لقمة العيش، واين سيسكنوا، وماهو مصيرهم في الغد. يعيشون في خوف من المستقبل حيث الحاضر بالغ البؤس. لا تستقيم الامور هكذا. العنف ليس حلا، و القتل ليس حلا. لا يمكن ان تقتل 10 ملايين انسان من اجل ان يرغد بالعيش كم مئة شخص واسرهم.
لا يمكن ان تستمر الامور على هذا المنوال. لقد كان العراق قبل الاول من اكتوبر، يجلس على فوهة بركان. العاطلين عن العمل من الخريجين وحملة الشهادات العليا سأموا من الاعتصامات التي لم تجلب لهم حل. وعلى حد تعبير احد الشباب العاطلين عن العمل من الاميين: "ان كان من يحمل الشهادة العليا يرش عليه الماء ويطردوه بان لا فرصة عمل، فما عساهم سيفعلوا بي؟" لقد وصل الشباب الى حد من الفقر والعوز لم يعد لديه ما يخسروه في التظاهر والاحتجاج، فلا اسرة يخشون عليها، ولا راتب يخافوا ان يفقدوه، ولا حياة كريمة يريدوا الحفاظ عليها. وما حرك الجماهير بهذا الشكل الغاضب والذي لم يخف من الموت والقتل والرصاص في ظهيرة يوم الاول من اكتوبر، هو حجم العنف الذي استخدمته الحكومة وميلشياتها والذي اغضبها و حسم كل تردد لديها، بان نزلوا للشارع فعلا ليواجهوا النار والرصاص، وقد حولوا سماء بغداد وبقية المدن الى سحابات دخان.
ستنفجر الاوضاع، ان كان اجلا او عاجلا. وان هدأت اليوم، ستتفجر غدا. الوضع الاقتصادي لملايين العاطلين والعمالة الهشة يحتاج الى حل حقيقي وليس الى كاريكاتيرات حلول. معيشة الناس ليس امر قابل للمزاح معه والتلاعب به. ان تتحمل الناس بالنسة الاولى او الثانية ستنفجر بالثالثة. الامر لم يعد مطالبة بماء او كهرباء في حر الصيف. الامر له صلة بجوع وامان وسكن الانسان. هذه اكثر الحاجات اساسية، وتحتاج الى جواب، وجواب حقيقي.
الحكومة ترهن مصادر وثروات العراق لديون من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والاخيران يعرفان حق المعرفة بان تلك الحكومة الفاسدة ستسرقها.وبهذا هم لا يسرقون اموال هذا الجيل، بل والجيل الذي يليه لان عليه تسديد ديون الجيل الحالي. تعرف هذه البنوك ان هذه الحكومة هي حفنة لصوص وفاسدين ومع هذا تعطيهم قروض، حتى تمسك بخناق هذه الحكومة بان لا تقوم بالتعيين، فالقطاع العام خطر يهدد القطاع الخاص بما يقدم من اجور اعلى وضمانات اكثر. والقطاع الخاص اجور اقل وانعدام حقوق. والحال لا قطاع عام يقوم بالتعيين حسب شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولا قطاع خاص! فكيف سيؤمن ملايين الشباب العاطل عن العمل فرص لهم؟
الملايين تحتاج الى سبيل عيش، الى صحة، الى تعليم والى سكن. النسمة في ازدياد، 40 مليون انسان و50 مليون انسان في بحر سنين، كيف ستؤمن معيشتهم؟ لا الراسمالية العالمية ليس لديها حل ولا المحلية. والاخيرة مرتبطة بالاولى. هذا هو بيت القصيد. لذلك، الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات هي تلويح وتهديد و انذارات ليس الا. ان المسالة التي تمسك بخناقنا جميعا، هي انتزاع السلطة من هذه الطبقة. فحيث الحصول على الاموال ومراكمتها هو هدفها، فنحن بمواجهة اقتصادية سياسية اجتماعية يومية وكل ساعة.
يكثر الحديث هذه الايام، عن احتمالية استقالة عادل عبد المهدي، ان استقالته من عدمها لن تغير من الامر شيء. السؤال هو: كيف ستتم الاجابة على حاجات الناس، سواء عبد المهدي او غيره؟ ان دعاة " الاصلاح" لم يقولوا اي اصلاح سيقوموا به؟ واثبتوا ان كلامهم هو مجرد كلام. اذا لم يحل العراق واية حكومة نفسها عن التزاماتها وقروضها مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كخطوة اولى واولية للاجابة على حاجات الناس، ستبقى هذه الانفجارات وتكرر. ان ما نتحدث عنه الان هو اصلاح فقط، اصلاح في الوضع القائم، ان لم تبادر الرأسمالية في العراق، بالتنازل، وتنظر بجدية الى تقديم حلول لحاجات المجتمع، فعليهم ان يصغوا الى تجربة غيرهم من الرأسماليات في الغرب: بان "ان لم تعطهم الاصلاحات سيعطوك الثورة"!