ابراهيم فتحى – فى الإستراتيجية والتكتيك ، والموقف من الحركة الشيوعية العالمية - من وثائق حزب العمال الشيوعى المصرى التأسيسية (1970 – 1971 ) القسم الثانى


سعيد العليمى
2019 / 10 / 19 - 00:59     

6-- فى ذكرى اتحاد الجمهوريات العربية :
تتجه حركة الجماهير الشعبية فى البلاد العربية المختلفة إلى تحقيق أهدافها الثورية رغم تفاوت مراحل التطور الاجتماعى داخل كل منها فى مواجهة نفس الأعداء الإمبريالية الاميركية على رأس المعسكر الاستعمارى والصهيونية والرجعية العربية .
وتلعب البرجوازية القومية بكافة أشكالها الليبرالية ورأسمالية الدولة فى كل بلد من هذه البلاد دور المناوئ للأعداء التقليديين فى الحدود التاريخية لهذه الطبقة وفقاً لميزان القوى الطبقية داخل كل بلد .
وفى هذه المرحلة التى تمر بها البلاد العربية بعد النكسة ، يتضح أكثر فأكثر عجز البرجوازيات القومية الحاكمة فى ما يسمى بالبلدان العربية المتحررة عن قيادة حركة التحرر الوطنى ، بل أنها فى هذه المرحلة بالذات تتجه إلى مزيد من التهادن والمساومات رغم أنها لم تستنفد بعد إمكانيات تناقضها مع الأعداء التقليديين . إنها فى كل من مصر وليبيا وسوريا والعراق معادية لحركة الجماهير الشعبية وللمواجهة الثورية الحاسمة مع الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية .
واستمراراً لهذا تحاول البرجوازيات الحاكمة فى البلاد العربية أن تتناول مسألة القومية العربية من زاوية مصالحها الأنانية الضيقة ، فهى تشترك جميعاً فى العمل على تحقيق أشكال علوية من الالتقاء بين الأنظمة يطلق يد كل واحدة فى بلدها ، ويدعم حكمها فى مواجهة الاستعمار والرجعية من ناحية ، وفى مواجهة الجماهير الشعبية بشكل تتزايد حدته ويعلو صوته يوماً بعد يوم من ناحية أخرى .
إنها أشكال من التنسيق السياسى والعسكرى والاقتصادى لا يخطو طرف فيها خطوات أبعد مما تسمح به استفادة نظامة الخاص منها , فلم تعد البورجوازية البيروقراطية المصرية حصنا تستند عليه البورجوازيات العربية المختلفة فى حل تناقضاتها , كما كان الحال أيام الوحدة المصرية السورية ، إنها تحاول أن تخلق شركة مساهمة سياسية للبرجوازايات العربية . ولكن التناقض بين مصالح هذه الأطراف يهدد أن تسير هذه الاتحادات الكونفيدرالية نحو مزيد من التماسك ، فالبيروقراطية المصرية تنظر إلى القومية العربية باعتبارها مجالها الحيوى الاقتصادى ، والبرجوازيات الأخرى تحسب ما تكسبة وما تخسره من الاتحاد وفقاً لمصالحها المؤقتة .
ويقوم الاتحاد الكونفيدرالى بين مصر وليبيا وسوريا باعتباره خطوة حاسمة فى اتجاه تحقيق الوحدة العربية . ولكن الجماهير الشعبية تعتبر قضية الوحدة العربية فى وضعها الراهن هى قضية الكفاح المشترك بين القوى الشعبية فى هذه البلاد لمواجهة الأعداء المشتركين والاستعمار الاميركى وعميلته إسرائيل فى المحل الأول .
إنها قضية كفاح كل شعب من الشعوب العربية لخلق أدوات نضاله ، كالتنظيمات الاقتصادية والسياسية والجماهيرية المستقلة للطبقات الشعبية منتزعة إياها من التنظيمات الحاكمة ، وتوثيق الروابط النضالية بين هذه التنظيمات فى جبهة عربية مشتركة ، تلتقى فيها القوى الثورية ، محتضنة التنظيمات المقاتلة للثورة الفلسطينية التى تلحق بها الرجعية العربية والتواطؤ المنافق من جانب الأنظمة البرجوازية السائرة فى طريق الحل السلمى أفدح الأضرار .
بالإضافة إلى ذلك فإن الجماهير الشعبية لا تكافح لتحقيق وحدة من أجل الوحدة ، بل باعتبار النضال الوحدوى هو أفضل إطار للسير بالثورة إلى الأمام .
إنها تكافح من أجل توثيق رباط الحركة الثورية العربية ، لا لخنقها فى فرض ما يسمى بالحركة العربية الواحدة عليها ، وهى تنظيم بوليسى بيروقراطى يوجه أقسى ضرباته للدعامة الأساسية للنضال الثورى للحركة العمالية والفلاحية وتنظيماتها السياسية والنقابية الحقيقية وفكرها المعبرعنها .
إن كل محاولات تقديم الاتفاقات العلوية والاجتماعات المغلقة وقرارات التنسيق بين الدوائر الحاكمة باعتبارها نصراً ضخماً يحجب الوضع المزرى ، الذى تتردى فيه المسألة الوطنية بين الدهاليز الاتصالات الدبلوماسية فى فترة مد وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى ، أو محاولة تقديم الاتحاد وبياناته رنانة الألفاظ بمظهر القوة الذى يمثلة كورقة للضغط على العدو ، إنها كلها محاولات قصيرة يكشفها الواقع .
وبالإضاقة إلى ذلك فان الشرايين التى تربط ليبيا بأوروبا الغربية وان السياسة الرجعية للحكومة الليبية التى مازالت تعترف بفورموزا وفيتنام الجنوبية وكوريا الجنوبية هى قناطر محدودة للبرجوازية العربية لتدعيم علاقاتها مع جانب من الغرب الاستعمارى للضغط على أميركا وموازنة الارتباط بالاتحاد السوفياتى وبلاد المعسكر الاشتراكى لتواصل بطريقة أكثر فاعلية سياسة اللعب على الحبال فى حل القضية الوطنية بعيداً عن الطريق الوحيد الذى يؤدى إلى الحل الحقيقى ، طريق الحرب الشعبية المسلحة .
إن الاتحاد فى هذه المرحلة والطريقة التى يتم بها لا يتجه نصله الحاد ضد الاستعمار لتوجيه الضربات إليه ، ومن أجل التعجيل بالمواجهة العسكرية مع العدو بل أنه يستهدف تدعيم مراكز البرجوازايات الحاكمة فى إطار العلاقات القائمة حالياً ، وأساليب المساومة والتهادن واعتبار الاستعداد العسكرى ورقة للضغط على مائدة المفاوضات فحسب .
ومن ناحية المبدأ فان الجماهير الشعبية لا ترفض شكلاً للاتحاد تقيمة طبقات قومية وتعمل من أجل إرساء أساس لهذا الشكل ، وموقفها من شكل الوحدة يحدد إلى أى مدى يتفق أو يتعارض هذا الشكل مع نمو الحركة الثورية ومع توجيه الضربات إلى الاستعمار والعدو الصهيونى .
ونحن نربط موقفنا من هذا الاتحاد بهذه الأسس :
- رفض أسلوب التهادن والتنازلات للاستعمار الاميركى وإسرائيل متمثلاً فى قبول قرار مجلس الأمن والمواقف التالية .
- رفض أسلوب التواطؤ مع الرجعية العربية عملية الاستعمار الاميركى
- إطلاق يد تنظيمات المقاومة الفلسطينية فى الأقطار الثلاثة والسماح لها بالعمل الجماهيرى وتجنيد المتطوعين وتدريبهم وجمع التبرعات .
- السماح للتنظيمات السياسية والجماهيرية المستقلة للطبقات الوطنية بحرية العمل وإلغاء احتكار فئة واحدة للعمل السياسى .
- خلق جبهة وطنية متحدة داخل كل بلد عربى وعلى النطاق العربى تكون أداة الكفاح الشعبى مع مواجهة الأعداء بالحرب الشعبية .
- الوقوف مع بلاد المعسكر الاشتراكى وحركة التحرر الوطنى فى العالم ضد الاستعمار العالمى البريطانى والفرنسى والألمانى الغربى ..الخ بقيادة الاستعمار الاميركى .
لذلك فعلى الرغم من إننا لا نقول " لا" لمبدأ الاتحاد إلا إننا نرفض الشكل الذى تتقدم فيه البرجوازيات الحاكمة الآن ونقدم الأسس الثورية لتحقيق متطلبات الوحدة العربية .
7- موقفنا من التغييرات الأخيرة

لم تكن البيروقراطية البرجوازية طبقة متجاسة منذ نشأتها ، فقد تشكلت باستيلاء الدولة على المواقع الرئيسية للإقتصاد الرأسمالى فى مصر . من مجموعات وأجنحة متباينة . وكان الاتجاه السائد بطبيعة الحال هو الاتجاه الذى يهدف إلى تدعيم رأسمالية الدولة فى مواجهة الرأسمالية التقليدية ، إلى إرساء أسس التنمية الاقتصادية وتقويض أركان الملكية الكبيرة للأرض ، باعتبارها عائقاً أمام نمو السوق الرأسمالية فى الريف والمدينة ، وقبل ذلك يهدف إلى انتزاع الاستقلال السياسي والاقتصادى من الإمبريالية العالمية والدفاع عنه .
وهذا الاتجاه السائد هو الذى كان يهدف إلى السيطرة على مراكز السلطة الأخرى : أجهزة القمه ، المخابرات والمباحث العامة ، وبقية الحلقات المماثلة فى مواجهة الجماهير الشعبية ، واستكمالا لذلك كانت الواجهة السياسية " الاتحاد الاشتراكى " هى السرادق الجماهيرى لهذا الاتجاه ، وهذا الاتجاه كان هو المحدد للطبيعة النوعية للتطور الرأسمالى فى مصر . الذى نقش كلمة الاشتراكية بارزة على رايته .
وفى مقابل هذا الاتجاه عرفت البيروقراطية الحاكمة اتجاهاً آخر بمثابة يمين هذه الطائفة أكثر ميلاً إلى تحقيق الاستقلال دون القطيعة مع الغرب بل بالعمل على تحسين العلاقات بهذا الجزء أو ذاك من الرأسمالية التقليلدية . وعلى ألا يحتدم التنافس بين القطاع الخاص والقطاع العام . فالقطاع الخاص مجاال استثمارى لفائض الدخول لا بد من استبقائه . وأقل ميلاً إلى تحديد الملكية الزراعية فى الريف .

وهذان الاتجاهان ، بوصفهما ميولاً موضوعية فى الحركة العامة للبرجوازية البيروقراطية .لم يتجسدا فى الأسماء السياسية البارزة على سطح السلطة فحسب , بل فى كافة المجالات فى الحياة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والثقافية الخ ... وهما لم يقتسما الأجهزة بحيث يقع نوع منها فى أيدى اتجاه ونوع اخر فى أيدى الاتجاه المقابل ، فلم تكن هناك أجهزة تقدمية وأجهزة أقل تقدما ، بل كان الصراع هناك بين الاتجاهين هو صراع داخل الأجهزة . ونتيجة لضمور الحياة السياسية فى مصر وهزال الأشكال السياسية التى تعبر عن التناقضات الاجتماعية فقد أخذ الصراع بين الاتجاهين طابع ما عرف باسم مراكز القوى .
أحد الرؤوس السياسية فى قمة السلطة على رأس هرم من الأتباع تغلغل فى عدد من المواقع داخل الجهاز الاقتصادى والبوليسى والعسكرى والإعلامى . وتتم عمليات التنسيق والمنافسة بين تحالف عدد من المراكز أو صراعها ، وكان الرئيس الراحل يقيم قياداته فى الفترة ما قبل النكسة على امساك الميزان فى الصراع بين مراكز القوى وترجيح جانب الاتجاه الأكثر تماسكاً فى معاداة الإمبريالية .
ولكن النضج الاقتصادى للطبقة الحاكمة فى مجموعها ، وتحقيقها الحد الأدنى من أهدافها بإرساء أسس اقتصاد رأسمالى مستقل ، وتحويلها من طبقة فى مرحلة التكوين إلى طبقة تتبلور بشكل محدد كان يقضى أن يمسك " الزعيم " بقبضة أكثر رسوخا على المواقع الرئيسية فى السلطة ، وأن يسدد الضربات إلى الأشكال المصاحبة لنشأة البيروقراطية . أشكال تعدد مراكز اتخاذ القرارت ، خاصة وأن حدة التناقضات بين الاتجاهين تميل إلى الخفوت .
فمنطق تطور البرجوازية البيروقراطية يدفعها إلى التهادن مع الاستعمار وإلى فتح مجالات أوسع أمام القطاع الخاص ، وإلى الوقوف بإصلاحها الزراعى عند الحد الذى يتمشى مع مصالح الرأسمالية الزراعية التى سيطرت على الريف بعد ضرب كبار ملاك الأرض ، مما يخلق بشكل تدريجى وبمرور الزمن أساساً لانصهار الاتجاهين داخل الطبقة الحاكمة ، رغم أنهما ما يزالان متعارضين فى معدل السير نحو حل سلمى ، وفى مدى العلاقة مع الاتحاد السوفياتى وفتح الباب لرأسمالية القطاع الخاص .
وجاءت وفاة الزعيم الراحل لتدفع بالإطار السياسى الذى تتبلور داخله الطبقة الحاكمة خطوة إلى الوراء ، لقد فقد الاتجاه الأقل استعداداً للتهادن أقوى ممثلية وأصبح من المحتم بغيابه أن يعود الصراع بين الاتجاهين ليتخذ شكل مراكز القوى .
وجاء اختيار السادات الذى كان مبعداً عن الفاعلية والسيطرة رئيساً للجمهورية تعبيراً عن أن الصراع لم يحسم بعد رغم أن ميزان الصراع كان يميل بشكل واضح لصالح الاتجاه الذى كان يمثلة الرئيس الراحل .

ولكن اتجاه الطبقة الحاكمة " ككل " إلى الحل السلمى بحكم مصالحها الأنانية وإبعادها الجماهير عن المعركة الوطنية ، والتاريخ الأسود لممثلى الأتجاه الأقل تهادناً فى مجال الاعتداء على حركة الجماهير الشعبية وحرياتها كان يفقد الصراع بين الاتجاهين فى نظر الجماهير الشعبية أى مضمون تقدمى جدير بالتأييد .
ولما كانت البيروقراطية فى أشد الاحتياج فى فترة تبلورها الحالية إلى شكل مستقر على رأسه حاكم مطلق لا يحققه صراع مراكز القوى ، بالاضافة إلى أنها فى مرحلة حاسمة من مراحل التسوية مع أعدائها التقليديين , الغرب الاستعمارى والرجعية العربية ، والانفتاح على رأسمالية القطاع الخاص وإقامة صيغة جديدة للعلاقة بينهما فقد أصبح الإطار السياسي الممزق الحافل بالصراعات والمناوشات ووليد المراحل " القديمة " فى النشأة عائقاً موضوعياً أمام مصالح الطبقة فى مجموعها لابد من حسمه .
إن المصالح الخاصة بكل مركز من مراكز القوى وكل مجموعة أو طائفة داخل السلطة البيروقراطية تأخذ وزناً وأبعاداً أكبر من مصالح الطبقة فى مجموعها نظرا للطبيعة الطفيلية للبيروقراطية .
وليس الإنقلاب الأخير ، الذى دفع السادات إلى موقع الحاكم المطلق إلا حلاً لها التناقض ، فقد أقصى عن السلطة رؤوس الاتجاه الأقل تهادناً فى مواجهة الاستعمار داخل البيروقراطية مستغلاً الاتجاه الأشد ضرواة فى إحكام القبضة البوليسية على الجماهير . بحكم كونه الاتجاه السائد والمسيطر بالتالى على وسائل القمع . باذلاً الوعود البراقه " بعهد جديد" من سيادة القانون والدستور الدائم وأمن المواطنين .
غير أن هذا الانقلاب لا يمكن تفسيره بالسيطرة المطلقة للإتجاه الأكثر استعداداً للتهادن مع الاستعمار الأميركى وإسرائيل : القضاء على رؤوس الاتجاه الأقل تهادناً لا يعنى بعد التصفية النهائية للأساس المادى والإقتصادى والسياسى له . ولم يكن هذا الاتجاه أملاً لأحد فى الاستمرار المتماسك بالمعركة الوطنية . إلا أن إقصاء مجموع ممثلية البارزين كاتجاه سياسى كامل فى قمة السلطة لأول مرة فى تاريخ مصر فتح الباب على مصراعيه لكل العناصر اليمينية الداعية إلى التهادن مع الاستعمار الأميركى وإسرائيل ، مما يعرض القضية الوطنية لأفدح الأضرار التى تنتهى إلى الكارثة الوطنية .
ومن ناحية أخرى فان البيروقراطية الحاكمة فى أضعف أوضاعها الآن فأجهزتها التقليدية البوليسية والسياسية مزعزعة والجماهير برغم النجاح المؤقت للسلطة فى الإمساك بأذانها – تهتف بشعارات الديمقراطية وتتحرك مطالبة بها .
لقد أشهر الواقع إفلاس " الديمقراطية الحقة " فى طبعتها البيروقراطية ، طبعة شعراوى جمعه وعلى صبرى والمرتدين الماركسيين ، ولكن الذين يتهادنون مع الاستعمار ويصفون القضية الوطنية لن يعطوا الشعب حقوقه الديمقراطية ، إنهم يقدمون لكل الفئات الطبقية ذات الامتيازات ضمانات لحماية امتيازاتهم فى الملكية والحياة الخاصة المطمئنة .