ابراهيم فتحى – فى الإستراتيجية والتكتيك ، والموقف من الحركة الشيوعية العالمية - من وثائق حزب العمال الشيوعى المصرى التأسيسية (1970 – 1971 )


سعيد العليمى
2019 / 10 / 17 - 20:52     


غاية هذا الموجز وضع بيان بكتابات رفيقنا الحزبى الراحل ابراهيم فتحى ( 23 أغسطس 1931 – 3 أكتوبر 2019 ) ( حداد - أو مرسي مصطفى على ، كما أسمته هيئة تحرير مجلة " شيوعى مصرى " ) وقد كان قائدنا الحزبى فى الفترة من 1970 – 1973 . وكتابات رفيقنا وفق ملحق العدد رقم 28 من مجلة الشيوعى المصرى الصادر فى ديسمبر – كانون الأول 1977 تتقوم فى البيان التالى :
أولا : صدر بقلم الرفيق كتاب بعنوان ( طبيعة السلطة فى مصر) فى بيروت يحتوى على الأعمال التالية : 1 – سلطة البيروقراطية البورجوازية فى مصر . ( اغسطس 1970 ) 2 – طبيعة الثورة المقبلة . ( ديسمبر 1970 ) 3 – قضية التحالف الطبقى فى مصر . ( ربيع عام 1971 ) .ويلاحظ ان مقال ( الطبقة العاملة المصرية ) الصادر فى العدد الأول من الشيوعى المصرى هو فى الأصل من هذه الوثيقة الهامة . 4 – مطالب الحريات الديموقراطية فى مصر ( مايو 1971 ) 5 – موقفنا من التغيرات الأخيرة ( مايو 1971 ) 6 – اتحاد الجمهوريات العربية . ( مايو 1971 ) . ثانيا : مقالات سياسية اخرى : 7 – التعديل الوزارى الأخير . ( يونيو 1970 ) 8 – ماهى أهداف وخلفيات قانون الوحدة الوطنية . ( 1972 ) 9 – الماركسية والفراغ العقائدى والوحدة . ( 1972 ) 10 – الوقفة الموضوعية وذيولها . ( صيف 1972 ) 11 – هذه الشرارة . ( يناير 1972 ) 12 – القسم الأول من مقال ( حول انتخاب رئيس جمهورية جديد ) . ( 1970 ) ثالثا : 13 – حول خطوط الحركة الشيوعية العالمية . ( 1972 ) وهو نقد لمواقف الرفيق محمود حسين فى كتابه ( الصراع الطبقى فى مصر ) من هذه المسألة وقد نشر ضمن أحد كتيبات ( شيوعى مصرى ) . رابعا : كتابات تنظيمية : 14 – لائحة حزب العمال الشيوعى المصرى ( ديسمبر 1970 ) 15 – الأسلوب البورجوازى الصغير فى العمل السياسي والعمل التنظيمى ( ديسمبر 1971 ) خامسا : كتابات مفقودة : 16 – تقرير تنظيمى . ( ااغسطس 1971 ) 17 – افتتاحية العدد الأول من نشرة الصراع . ( يناير 1972 ) 18 – مقال فلسفى مبسط بعنوان مبادئ منهجية .
جدير بالذكر ان الفهارس المنشورة فى هذا العدد قد ضمت أبرز مؤلفى الحزب حسب ترتيب أسمائهم وهم : ابراهيم فتحى ، خليل كلفت ، سعيد العليمى ،صلاح العمروسي ، أروى صالح ، سعيد أحمد خليل ( اسم قلم ) ، مجدى أحمد حسين ، سعيد عبد المنعم ناطورة ، فتح الله محروس . كما حاولت هيئة التحرير تصنيف كتابات كل مؤلف حسب الموضوعات كلما امكن ذلك . ويلاحظ أن قائمة الكتابات ليست كاملة فيما عدا أعمال الرفيق مرسي مصطفى على فهى كاملة . تنويه أخير وهو أنه لم يبق على قيد الحياة ممن زاملوا قائدنا الراحل فى قيادة الحزب المركزية – أى خبروه مباشرة فى الممارسة السياسية والتنظيمية العملية سوى ثلاث رفاق كنت واحدا منهم . وأعيد هنا نشر الوثائق الخطية التأسيسية : 1 – حول سلطة البيروقراطية البورجوازية ( طبيعة السلطة الطبقية فى مصر ) 2 – طبيعة الثورة المقبلة 3 – قضية التحالف الطبقى فى مصر 4 – مطالب الحريات الديموقراطية فى مصر 5 – ملاحظات اولية حول خطوط الحركة الشيوعية العالمية .
******************************************
- حول سلطة البيروقراطية البورجوازية

نشأة وتطور الرأسمالية المصرية :
نشأت علاقات الانتاج الرأسمالية فى مصر داخل اطار التبعية الاستعمارية ، أى إطار الرأسمالية العالمية فى آخر مراحلها . ولم يكن فى استطاعتها أن تكون تكرارا لنشأة الرأسمالية فى الغرب .
وباستثناء فئة " الكومبرادور" أى الوكلاء المباشرين للمؤسسات الاستعمارية ، نشأت الرأسمالية المصرية متناقضة المصالح مع الاستعمار تقف على أقدام صنعتها بنفسها ، ولم يكن من المتصور أن يرحب رأس المال الاستعمارى بنشأة اقتصاد رأسمالى ينافسة فى البلاد التابعة له ، ولكن هذه الرأسمالية لم تكن تستطيع الإفلات من هذه الدرجة أو تلك من درجات التبعية للاستعمار ، الذى كاان قد أكمل اقتسام أسواق العالم .
لقد نشأت هذه الرأسمالية من ناحية أساسية مستمدة جذورها من كبار ملاكى الأرض الذين كانت العلاقات البرجوازية تتغلغل فى اقتصادهم مع انتشار زراعة القطن . الذى أدخل مصر إلى دائرة التبادل الرأسمالى العالمى ، معتمدة على ما يجنون من أرباح نتيجة لبيع القطن .
وقام بعضهم فى بادئ الأمر باستثمار ما لديهم من فائض فى الشركات الرأسمالية الأجنبية ، التى يرتبط نشاطها بالإنتاج الزراعى ، ثم تفتحت أمام البعض الآخراّفاق العمل المستقل فى الصناعة والتجارة وخاصة بعد ثورة 1919 . أى أن الرأسمالية القومية المصرية نشأت منذ البداية رأسمالية كبيرة . ونتيجة للظروف ، التى أحاطت بمولدها على أيدى كبار ملاكى الأرضى، لم يكن أمامها أن تحاول طرح المسألة الزراعية للحل , لخلق سوق رأسمالية فى الريف ، كما كان الحال مع البرجوازيات الغربية عند نشأتها . فلم تطرح أبدا شعارات خاصة بالأرض ، وكان محكوما عليها نتيجة لذلك أن تظل أسيرة التخلف مزعزعة الأساس.
فهى إذن رأسمالية بلد تابع تقيم اقتصادها على هامش السوق الاستعمارية ، فى الصناعات الخفيفة ، بدون قاعدة متينة فى الريف ومن المحال أن تعرف فى تطورها تلك الدرجة النسبية من النمو المتوازن لقطاعاتها المختلفة .
وكانت شعاراتها القاصرة على الاستقلال والدستور انعكاساً لطموحها إلى السيطرة على السوق وعلى السلطة وكانت تعتمد على الاستيلاء جزئيا وتدريجيا بطريقة بطيئة قاتلة البطئ ، على مواقع اقتصادية وسياسية . فاشتركت فى أعقاب ثورة 19فى السلطة بدون أن تسيطر عليها , فقد كانت عاجزة منذ البداية عن الإطاحة بالاستعمار وكبار ملاك الأرض , وقد فرض عليها أن تقنع باقتسام الغنيمة معهما .
وعلى الرغم من نشأة هذه البرجوازية فى ظروف متقدمة من الصراع الطبقى على النطاق العالمى والداخلى . إذ أن عودها بدأ يشتد بعد ثورة أكتوبر فقد كان موقفها من حركة الجماهير الشعبية موقفاً مزدوجا فهى تحاول استخدام الشارع للضغط على العدو ومساومته . وقد حققت درجة معينة من الديمقراطية البرجوازية المحدودة لنفسها ، كما كسبت الجماهير بعض الحريات السياسية النسبية ، ولكن ما أكثر ما وجهت الضربات إلى أشد القوى الثورية .
وبالإضافة إلى ذلك ، ونتيجة لتزعزع قاعدتها الاقتصادية ، كانت متواضعة المطامح ، فلم تتلمظ على السوق العربية ، وأحاطت مصريتها بسياج محكم كما لم تحاول أن ترتبط بالحركة الوطنية العربية ، وأعتبر قائد الثورة البرجوازية سنة 1919 البلاد العربية مجموعة أصفار !
ولقد نمت هذه البرجوازية القومية حتى أعقاب الحرب العالمية الثانية حتى وصل مجموع رأس المال الذى يملكه مصريون 39% من مجموع الاستثمارت الرأسمالية لتواجه علاقات عالمية جديدة . فالسوق الرأسمالية العالمية لم تعد السوق الوحيدة ، بل برزت فى مواجهتها سوق اشتراكية ، وتقلص نفوذ الإمبريالية القديمة وبرز دور الاستعمار الأمريكى ، وتعاظمت حركة التحرر الوطنى فى شتى البلاد المستعمرة والتابعة . وظهرت الجماهير الشعبية على المسرح السياسي كقوة لا يمكن إغفال وزنها . وكان نمو الرأسمالية المصرية يتناقض مع خصائص نشأتها ، فكلما ازداد نموها برزت قضية العلاقات المتخلفة فى الريف كعائق هام أمام هذا النمو ، وكلما اشتد خطر الجماهير الشعبية , وبدأت تستكمل وعيها وتعرف طريقها إلى الأشكال المختلفة للتنظيمات الاقتصادية , والسياسية المستقلة ، برزت خطورة الأشكال البرلمانية والحريات السياسية النسبية .
وكانت حركة 23 يوليو مخرجا لتفاقم أزمة الحكم فى النظام القديم ، ومحاولة لأن تستكمل البرجوازية القومية سيطرتها الكاملة على السلطة والاقتصاد ، وأن تفتح الطريق أمام تطور العلاقات الرأسمالية فى مواجهة أوضاع عالمية جديدة ، وعلى الأخص لتوجيه الضربات إلى حركة الجماهيرية الشعبية ومكاسبها الديمقراطية .
البيروقراطية البرجوازية :
لم تكن السلطة الجديدة بقادرة على أن تقفز خارج العلاقات الطبقية التاريخية ، لقد ظلت تمارس دورها الاقتصادى كحلقة من حلقة الثورة البرجوازية تتطلع الى أفق جديد ، وسقطت كل مكاسب الاستقلال فى فم البرجوازية الكبيرة .


لقد بلغت أرباح الفترة من 56-1958 نسبة 38.8% فى الشركات الغذائية و25.5%فى صناعة النسيج ، بل بلغلت الأرباح فى عام 58-1959 بمفرده فى 141 شركة مساهمة 35% من رأس المال و23% من مجموع ما يملكه المساهمون , بل أن معظم الشركات التى أممت فى عام 1961 كان رأسمالها قد تضاعف فى الفترة التى تلت 1952 .
التراكم البيروقراطى لرأس المال:
ونتيجة لتزعزع أركان البرجوازية المصرية كطبقة ، ولاختلال نموها وافتقارها الى التوازن النسبى ، كانت السلطة الجديدة مدعوة منذ البداية لتحقيق التراكم الرأسمالى وهو تراكم يختلف بطبيعة الحال عن التراكم البدائى الذى نشأت على أساسه الرأسمالية . ويمكن أن نسمية التراكم البيروقراطى لرأس المال ، فهو تراكم تقوم به السلطة وسط علاقات رأسمالية قائمة بالفعل لخلق القاعدة الاقتصادية لرأسمالية مستقلة .
وفى المرحلة الأولى بدأ تحقيق التراكم البيروقراطى بالإصلاح الزراعى ، بأن بدأت الدولة تجمع تحت سيطرتها ما كان يحصل عليه كبار الملاك من استغلال الفلاحين . فقد بلغت إيرادات الدولة من أراضى الإصلاح الزراعى ، أى الأراضى التى لم يستكمل توزيعها على الفلاحين 2.754.800 مليون جنية عام 1955 ، ثم أعقب ذلك الاستيلاء على ممتلكات الشركات , والبنوك الاستعمارية , وخلق المؤسسة الاقتصادية العامة .
وفى هذه المرحلة ، بدأت البراعم الجديدة للبيروقراطية البرجوازية فى التفتح . فالرأسمالية القومية موزعة فى الصناعات الخفيفه التى تدر أرباحا هائلة ، وبعض أجزائها وصلت إلى درجة عالية من التمركز ، وحققت أوضاعا احتكارية تسد الطريق أمام النمو الرأسمالى .
وكان من الممكن أن تستقر هذه الأوضاع كما هو الحال فى الهند على سبيل المثال ، ولكن الظروف المحيطة بمصر كانت تختلف كل الاختلاف ، منها اضمحلال كبار الملاك ، كما أن تحقيق الاستقلال وتدعيمه تم فى مواجهة تحديات تدفع بالتناقضات إلى الاحتدام ، كوجود إسرائيل كرأس حربة عسكرياً واقتصاديا موجهة بشكل دائم إلى صدرها ، ارتباط الاستقلال بالعالم العربى فى مجموعة , وما يدور فيه نتيجة لسياسة الأحلاف الاستعمارية ، ثم فى النهاية بروز سلطة جديدة ليست مرتبطة بهذا الجزء او ذاك من البورجوازية الكبيرة القومية , ولكنها مكونة من أفراد ينحدرون من أصول طبقية تنتمى على الأغلب الى البرجوازية الصغيرة السياسية أو الاقتصادية .
وكان دور العناصر البيروقراطية الجديدة هو إقامة رأسمالية دولة تزيل العوائق أمام تطور الرأسمالية ، وتعمل على أن تصب كل مصادر التمويل فى خلق قاعدة رأسمالية على أسس جديدة . وكانت هذه العناصر الجديدة تبدو كجزء متميز فى الرأسمالية المصرية (أحمد فؤاد – محمد رشدى ، محمد العتال، حسن إبراهيم الخ.... الذين كانوا يحملون الماء إلى طاحونة الرأسمالية التقليدية ) .. ولكن التناقضات كانت تزداد احتداما بين هذه العناصر وبين الرأسمالية التقليدية ، وكان هناك تناقض حاد بين المتطلبات الموضوعية الموضوعية الضرورية لتطور الرأسمالية وبين المصالح الجزئية المؤقتة لأفراد الرأسمالية المصرية الكبيرة الذين نشأوا فى شبكة العلاقات القديمة ، واتجهت الاستثمارات بعيدا عن الصناعة .
ففى عام 1956 ، على سبيل المثال . بلغت استثمارات قطاع المبانى 47.3% من مجموع الاستثمارات الخاصة ، وقد أدى إحجام الرأسمالية التقليدية عن الإسهام فى عملية التراكم اللازم لخلق القاعدة الرأسمالية إلى تعاظم دور عناصر البرجوازية البيروقراطية وتزايد تمايزها وبروز مصالح لها مختلفة عن مصالح الرأسمالية التقليدية ، وكانت إجراءات يوليو 61 " الاشتراكية " انفجاراً لهذا التناقض بين مصالح البيروقراطية البرجوازية وبين البرجوازية التقليدية .
لقد سيطرت هذه المجموعات التى تشكل طبقة جديدة فى مرحلة التكوين على الدعامات الرئيسية للاقتصاد الرأسمالى فى مصر .
الفرق بين البرجوازية البيروقراطية
كطبقة اجتماعية وبين البيروقراطية كأداة :
وهنا يجب أن نفرق بين البرجوازية البيروقراطية كطبقة اجتماعية وبين البيروقراطية كأداة ضرورية فى كل أجهزة الدولة القائمة على الاستغلال ، لديها سلطة الإدارة واتخاذ القرارات . فالجهاز البيروقراطى القديم فى مصر ظل مستمراً بعد عام 52 ، بعد إدخال بعض التعديلات الضرورية عليه ، أما البرجوازية البيروقراطية فهى طبقة جديدة لم تنشأ وتتشكل داخل البيرقراطية خلال عمليات التحول الاجتماعى والاقتصادى والتكنولوجى ، بل نشأت وتشكلت أساسا من خارج أفراد الجهاز البيروقراطى القديم ، ولم تجند أفرادها أستناداً إلى مناصبهم فى السلم التصاعدى للبيروقراطية القديمة ، بل انطلاقا من إدماج كادر جديد من قلة من السياسيين وجمهرة من الفنيين داخل الحلقة الموثوق بها من العسكريين ، الذين أحاطوا بضابط يوليو منذ البداية . ويضاف إلى هؤلاء عدد لا يستهان به من منظمى شركات الرأسمالية التقليدية ومديرى أعمالها .
ومن الخطأ ، اعتمادا على كلمة بيروقراطية ، الوقوع فى براثن الفكر البرجوازى ، والقول بأن هذه الفئةً الاجتماعية تتجه بحكم تركيبها المهنى إلى القيادة التكنوقراطية وتقديم جداول عن نسبة الحاصلين منهم على المؤهلات الجامعية العالية فليست الكفاءة الفنية مقياساً لصعود أحد فى هذا السلم البيروقراطى ، الذى لا يقتصر دوره على اتخاذ القرارات والحصول على امتيازات ، بل يعيد تشكيل طبقات المجتمع وفقاً لأهدافه ،
المجموعات والأجنحة
داخل الطبقة البرجوازية البيروقراطية :

لقد نشأت هذه البرجوازية البيروقراطية وهى أبعد ما تكون عن التجانس ، مجموعات وأجنحة تحيط بالقمم المرتبطة مباشرة بالحلقة الداخلية من القادة السياسيين الذين كانوا بدورهم يعكسون أوجها مختلفة من نمو الرأسمالية المصرية بكل ما فيه من تتناقضات .
وكان من الطبيعي أن تنزوى تلك المجموعات المحيطة بالداعين إلى أن تلعب رأسمالية الدولة دور البقرة الحلوب للقطاع الخاص ، فتقوم نيابة عنه بالمشروعات ، التى يعجز عن القيام بها وتفتح له مجالات اجتناء الأرباح المضمونة ( بغداد، كمال الدين حسين , حسن إبراهيم ) وهؤلاء بطبيعة الحال من أصحاب الاتجاه إلى البرامج شديدة التواضع فى التصنيع ، كما يعملون على ألا تستفحل التناقضات مع رأس المال الاستعمارى الأمريكى والألمانى الغربى على وجه الخصوص ، كما يدعون إلى سياسة انعزالية إلى حد ما فيما يتعلق بالسوق العربية ويحذرون من "التورط " فى مشكلات العالم العربى .
بدأت المجموعات والأجنحة التى تعد بدايات تكوين البرجوازية البيروقراطية كطبقة اجتماعية تجد أرضاً مشتركة فى تركيز كل ملكيات الدولة فى هيكل اقتصادى واحد . ولكن هذه الأرض المشتركة كانت ميداناً لصراع بين الكتل المختلفة داخل هذة الطبقة التى تسير فى طريقها إلى التكوين،ويمكن أن نميز داخلها اتجاهين أساسيين :
1. الاتجاه المسيطر ، وهو أكثر تماسكاً فى اتجاهه إلى توسيع نطاق رأسمالية الدولة على حساب الرأسمالية التقليدية ، وأكثر طموحاً إلى التأميم ، والحد من الملكيات الكبيرة للأرض وفتح المجال أمام سيطرة الدولة على أجهزة التسويق والتعاون الريفية وعلى مزيد من الأراضى المستصلحة . ومن المنطقى أن يكون هذا الاتجاة أعلى صوتا فى مجال التناقض مع الاستعمار . نتيجة لذلك كان هذا الاتجاه هوالذى يتبنى " الاشتراكية " قومية الطراز ، التى تعنى سيطرة الدولة على الإنتاج ، و " الدولة هى نحن " .
2. والاتجاة الآخر أكثر ميلاً إلى إفساح المجال أمام النشاط الاستثمارى لرأس المال الخاص والتهادن مع الملكيات الكبيرة فى الريف ، وهو أكثر تطلعاً إلى البحث عن انتقال الرأسمالية المتخلفة التابعة الهشة المزعزعة الأركان إلى رأسمالية جديدة مستقلة ذات قاعدة اقتصادية وطيدة ، تفتح الباب أمام احتمالات متغايرة للنمو وفقا لميزان القوى الطبقية على النطاق العالمى والمحلى .
وقد أدى هذا الوضع ، الذى كان لابد من أن يفتقر إلى التحدد ، إلى بروز سياسة مراكز القوى ، وتعدد المؤسسات الاقتصادية ، التى تقوم بالنشاط الإنتاجى الواحد لتوزيع الغنائم وللقيام بتسويات وحلول وسطى بين المصالح المتعارضة الممثلة فى عدد متضخم من المناصب الإدارية العليا .

ويمكن الوصول إلى ان ملكية الدولة لوسائل " الإنتاج الرئيسية هى الشكل القانونى الذى تمارس به البرجوازية البيروقراطية سيطرتها الفعلية على وسائل الإنتاج . فالتفاوت الهائل فى "الأجور " وهى ليست إلا إحدى قنوات الدخل لهذه الطبقة ( الذى يصل إلى 33 ضعفا والذى لا مثيل له فى أى بلد من بلدان العالم الرأسمالى ) والإلغاء الكامل لحقوق العاملين فى تنظيماتهم السياسية أو النقابية المستقلة وإبعادهم الكامل عن مراكز اتخاذ القرارات يشير إلى أن علاقة العاملين بالقطاع العام بقممة المسيطرة هى علاقة المستغلين بالذين يستغلونهم".
فوضى الإنتاج جزء جوهرى من منطق رأسمالية الدولة :
لا يتم التراكم البيروقراطى لرأس المال لخدمة الجماهير الشعبية . فهناك أولا النمو الطفيلى للجهاز الإدارى ، والتوسع فى خلق المناصب العليا (61% من ناحية العدد و215% من ناحية الدخل) مقابل انخفاض عدد الوظائف العمالية فى القطاع العام ، أثناء الفترة من 62 إلى 66-67، وقد زاد الاستهلاك فى قطاع الدولة خلال خمس سنوات بمقدار 55,2%مقابل17,2% فى قطاع الأفراد ( القطاع الخاص) أى أن ما هللت له صحافة البيروقراطية حول ارتفاع المقدرة الشرائية وزيادة الاستهلاك كان فى حقيقته امتيازاً طبقياً للمسيطرين عى أجهزة الإدارة والتوجيه ، ووضع الفائض الاقتصادى تحت تصرفهم . وعبئاً على التنمية .
ولكن إلى أى مدى أمكن للبرجوازية البيروقراطية أن تحقق هدفها فى إقامة اقتصاد رأسمالى مزدهر فى عالم تضمحل فيه العلاقات الرأسمالية وتزداد أزمتها هى نفسها استفحالا ؟
هل نجحت فى إقامة القاعدة الأساسية ، التى تنمو نموا مطرداً وترتكز عليها المشروعات الانتاجية المترابطة ؟ أى هل نجحت فى إقامة اقتصاد قائم على التخطيط ؟
لا يمكن إنكار أن هناك درجة معينة من وضع برامج للاسثتمار ومحاولة التوفيق بينها إلا أنه لا علاقة لها بالتخطيط الشامل ، الذى يدخل فى حسابة الإنتاج والعمالة والاستهلاك والدخول مجتمعة .
فالإنتاج فى مصر تتحكم فيه الطلبيات التى يتسع لها " السوق" وهو يتجه لإشباع الطلب الذى يخلقه التفاوت الهائل فى الدخول ، وذلك الطلب هو الذى يحدد الأولويات فى الإنتاج ، حتى ان لم تكن القاعدة الاقتصادية قد نضجت لتلبيته ، مثل صناعة السيارات الخاصة , والأدوات المنزلية الكهربية , وسائر الكماليات .. مما يدفع المشروعات إلى الاعتماد على سلع وسيطة وأحيانا أساسية مستوردة باهظة التكاليف .
ولنأخذ صناعة الأدوية على سبيل المثال لنرى نسبة ما تنتجه من أدوية للأمراض المستوطنة , وأمراض الصدر من ناحية ، والفيتامينات والمقويات وأدوات التجميل من ناحية أخرى . وحتى ما ينفق على الخدمات .
ففى بلد كمصر ترتفع فيه نسبة الأمية إلى 70% يتضاعف فيه عدد الذين يدرسون فى التعليم العالى ثلاث مرات فى كل عشر سنوات ... بالإضافة إلى أن المبدأ الموجه للإنتاج هو " الربح " الذى تحققه الوحدة الاقتصادية وتحقق مركزاً ممتازاً للمسيطرين عليهما لا كفاءة هذة الوحدة فى تطويرها لمجموع الاقتصاد القومى ، وفى آثارها بالنسبة للتنمية ، لذلك نجد المنافسة الحادة بين الوحدات المختلفة التى تنتج نفس السلعة أو تؤدى نفس الخدمة ، ويتضح ذلك فى مجال التجارة الخارجية على أسوأ صورة .
ولاتعكس الأرقام الإجمالية التى تقدمها البيروقراطية ، عن نجاحاتها ، الصورة الحقيقية للإنتاج ، فقد كان تحقيق مشروع السنوات الخمس الأول بمقدار 90%وهو بالفعل متوسط حسابى بين تجاوز أهداف الخطة فى مجالات ثانوية والقصور عن تحقيقها فى المجالات الرئيسية ( شارل بتلهايم ).
فإن العامل الموجه للإقتصاد هو " الربح" ربح البيروقراطية كطبقة من ناحية ، فى حصولها على نصيب الأسد من الفائض الاقتصادى ، الذى لا يتجه إلى التنمية , وفى توجيه هذه التنمية إلى تحقيق متطلباتها ، وربح أفرادها ومجموعاتها المختلفة من ناحية أخرى , وهناك تناقضات حادة بين مكاسب البيروقراطية كطبقة ومكاسب أفرادها ومجموعاتها كل على حدة فيما يتعلق بمعدل التنمية , ومجال الاستثمار خارج رأسمالية الدولة الذى تتجه إليه ما يتراكم من أرباح .
أن فوضى الإنتاج جزء جوهرى من منطق رأسمالية الدولة ، التى لا تهدف إلى تلبية الاحتياجات الأساسية للجماهير الشعبية ، وليس خلللاً عارضاً ناشئاً عن وجود علاقات الرأسمالية الخاصة .
ويطرح نضج هذه الطبقة التى فى طور التكوين واتجاهها إلى التبلور العديد من القضايا التى تؤدى إلى إعادة النظر فى نقاط ابتدائها ، ولأن الإنتاج من أجل الإنتاج وهو شعار الرأسمالية الطافى على السطح فى فترات التراكم ، لا يعود هو الشعار السائد : فالتوسع فى التأميم وشد الأحزمة على البطون ، والعلاقات مع السوق الرأسمالية العالمية لا تظل فى نفس الوضع داخل الأوضاع الجديدة ، التى طبعت فيها هذه الطبقة المجتمع بطابعها ، أو العلاقات الدولية المتغيرة .
الطبقات فى ظل سلطة البرجوازية البيروقراطية :
لقد وجههت الطبقة الجديدة ضرباتها إلى رأس المال الكومبرادورى ، والى رأس المال الاستعمارى كما عملت على تصفية كبار ملاك الأرض كطبقة ، وأدى ذلك إلى الخروج من قبضة السيطرة الاستعمارية الاقتصادية . ونجد اثر ذلك فى الريف ، فقد فتح الباب على مصراعيه لنمو العلاقات الرأسمالية فيه وقد نمت الطبقة الرأسمالية الزراعية ( من 10-50 فدان ) من ناحية العدد ، ومن ناحية حجم الملكية ، ومن ناحية نسبة ما تمتلك من أرض إلى المجموع العام .
وعلى الرغم من أن صغار الفلاحين الذين يمتلكون من فدانين إلى خمسة قد زاد نصيبهم من الأرض . وأرتفع متوسط الملكية للفرد ، فإن من يمتلكون اقل من فدانين تزداد ملكيتهم تدهورا وتتفتت بشكل هائل ، وهم لا يقلون عددا عن مليون فلاح .
فالقوانين الرأسمالية بشكلها الكلاسيكى تؤدى دورها على أكمل وجه فى الريف المصرى ، بالإضافة إلى أن الملكيات القزمية لا يمكن أن تستوعب نصف طاقة العمل لأسر أفرادها مما يدفعهم إلى محاولة بيع قوة عملهم موسمياً فى سوق عمل تغص بـ14مليونا من أفراد أسر فلاحيه (83%من الفلاحين) لا يملكون أرضا على الإطلاق .( انظر جدول الخبير دريل ) .
ان جيش العمال الاحتياطى فى الريف هائل ، وهو مجال خصب للبطالة السافرة والمقنعة ويتدفق الآلاف إلى المدن بحثاً عن العمل بعيداً عن ريف يخضع للسيطرة المزدوجة من جانب البرجوازية البيروقراطية على أجهزة التمويل والإقراض والتسويق متحالفة مع الرأسمالية الزراعية سندها الاجتماعي فى الريف.
ان البرجوازية البيروقراطية لم تقم بثورة زراعية فى الريف رغم التحولات التى أدخلتها فى التركيب الطبقى له . وفى المدينة نلتقى بنصف مليون من البرجوازية المتوسطة ، تعمل فى الصناعة حول القطاع العام وفى التجارة بالإضافة إلى بقايا البرجوازية الكبيرة التقليدية فى المقاولات والعقارات ، وهم فئات اجتماعية تتقاسم فائض القيمة مع البرجوازية البيروقراطية .
ورغم أن البرجوازية الصغيرة فى مجموعها تتعرض للقهر الاقتصادى والسياسى ، إلا أن مراتبها العليا يتساقط عليها فئات من مائدة التصنيع كما أن أبناءها هم الكوادر الفنية التى تدمجها الطبقة البيروقراطية فى جهازها ، وهم يشاركون فى ثمار التطفل فالعمالة الزائدة التى لا تقوم على احتياجات فعلية للإنتاج تمثل رشوة لهذه الفئات المثقفة عالية الصوت ، وهى ليست حلا للبطالة بل جزء من سلسلة تفاقم البطالة مستقبلاً .
إن صفوة البرجوازية الصغيرة تربطها وشائج من التبعية بالبيروقراطية وتحلم بآفاق من الصعود فى أجهزتها ... وفى المجال العمالى ازدادت الطبقة العاملة عدداً ، وهى تتعرض لتكثيف الاستغلال محرومة من كافة الأجهزة الاقتصادية والسياسية المستقلة التى تستخدمها كأسلحة فى الحصول على حقوقها وقد تمكنت رأسمالية الدولة من خلق فئة اجتماعية عمالية ضئيلة العدد هى : الأرستقراطية العمالية فى المجال النقابى، ( الذى يفتقر تماما إلى تواجد أبسط الحقوق الديمقراطية )، وتتنزع هذه الأرستقراطية العمالية مكاسب كبيرة وتلعب دور العميل المباشر للسلطة .
الوضع الدولى :
نشأت هذه الطبقة الجديدة مع تعاظم دور المعسكر الاشتراكى الاقتصادى والسياسى وتفاقم أزمة الرأسمالية العالمية ، واشتداد عود حركات التحرر الوطنى . وقد مكن ذلك الوضع المؤاتى هذه الطبقة من أن تسدد إلى الاستعمار ضربات قاصمة ، وان تحقق استقلالاً سياسياً واقتصادياً من الناحية الأساسية ، ولكن يجب ألا نذهب بهذا الاستقلال بعيداً .
فالعملية الإنتاجية الرأسمالية عملية مترابطة على النطاق العالمى ، ويجب ألا نأخذ لحظة تاريخية ونعزلها خارج السياق ، الذى تتطور فيه الرأسمالية . فهى لم تكف أبداً عن أن تبحث لنفسها عن عقد صلات مع السوق الرأسمالية العالمية : الولايات المتحدة وألمانيا الغربية واليابان ، ولكنها ليست علاقات التبعية القديمة ، بل علاقات البحث لأقدامها ، التى بدأت تعرف القوة عن مواقع داخل السوق المصرية والعربية والعاالمية ...

ولما كانت هذه الطبقة لا تعرف الاعتماد على الجماهير فى صداماتها مع الاستعمار ، ولا تقوى على خوض حرب دامية مع الإمبريالية ، فان عناصر المهادنة ماثلة فى صميم وضعها فى أشد لحظات احتدام الصراع مع الاستعمار ، مثل التسوية بعد انتصابر 1956 بمرور السفن الإسرائيلية فى خليج العقبة ، والإقرار الفعلى بحدود التوسع الإسرائيلى بالموافقة على قوات طوارئ تحرس هذه الحدود ، ومحاولة التفاهم مع شركات ملاحة أمريكية على توسيع القناة ، بالإضافة إلى القروض والتسهيلات الائتمانية التى سعت إلى عقدها مع الغرب الاستعمارى .
وحينما تنهض البرجوازية البيروقراطية المصرية المصرية بدور الحاجز القوى أمام نمو القوى اليسارية والثورات الشعبية التى يمكن أن تقودها الطبقة العاملة ، وتبرز أظافرها الحادة فى معاداة الشيوعية فى مصر والعالم العربى ، فإن ذلك يشكل أمام الاستعمار الأمريكى نقاطاً للتهادن لا يمكن إغفالها .
ومن ناحية أخرى ، فان البرجوازية البيروقراطية لا يمكن أن تقيم اقتصادها الجديد داخل الأسوار المصرية كما لا يمكن لها أن تتجاهل حفاظاً على استقلالها دور الاستعمار فى العالم العربى . إن الخطة الاقتصادية لهذه الطبقة تضع فى حسابها السوق العربية أول ما تضع ، تطرح قضية القومية العربية بشكل ملح . وهى بالفعل تطرح قضية القومية العربية من زاوية مصالحها الأنانية االضيقة ، فهى باعتبارها اكثر البرجوازيات العربية نمواً مدعوة للسيطرة ، لذلك تقول بقومية عربية جاهزة الصنع مزقها الاستعمار ، ويتحقق لها منذ مئات السنين مقومات القومية ... كما تدعو إلى وحدة غير ديمقراطية تسيطر عليها .
إن البرجوازية البيروقراطية لا يمكن أن تفهم أن القومية العربية هى قومية فى مرحلة التكوين ، لا تتشكل من أقاليم وقطاعات وأجزاء ، بل من قوميات متفاوتة النضج أو فى سبيل النضج . فمصر قومية متكاملة ، وكذلك العراق ، وكذلك الحال مع البلاد أو مجموعات البلاد العربية على أساس تاريخى . إن كل هذه القوميات المختلفة قد خضعت لعوامل مشتركة فى تكوينها وتواجه أهدافاً واحدة أمام نفس الأعداء ، وهذا الأساس هو الأساس الموضوعى لا لخلق قومية برجوازية على أساس السوق الموحدة والدولة القومية الموحدة ، كما كان الحال فى مرحلة الثورة البرجوازية ، بل لخلق قومية فى مجرى الثورة الاشتراكية العربية على أساس انصهار هذه القوميات بقيادة الطبقة العاملة ، انصهاراً يتيح ازدهار السمات القومية المختلفة ويتفادى تنافس البرجوازيات المختلفة ، ويتم عبر مراحل تدريجية من الكفاح الشعبى المشترك لا وفق اتفاق مؤقت من أعلى بين القوى البرجوازية كما هو الحال اليوم .
إن سياسة البرجوازية المصرية إزاء حركة التحرر العربى تميزت بالأنانية القومية من ناحية والعداء للتنظيمات الشعبية والثورية والحريات الديمقراطية عموماً .
لذلك لم تحقق فى هذا المضمار نجاحا يتفق مع ما أحرزته قبل النكسة من انتصارات على الأعداد التقليديين للشعوب العربية ، وهى تضطر فى أغلب الأحوال إلى عقد صفقات سياسية مؤقتة مع البرجوازايات الحاكمة ، والى التهادن فى أحوال كثيرة مع القوى الرجعية . فهى سياسة لا تقوم على قوى الثورة الحقيقية فى البلاد العربية .
البناء السياسى للبرجوازية البيروقراطية :
منذ البداية والبرجوازية البيروقراطية الحاكمة توجه الضربات إلى حركة الجماهير الشعبية وإلى تنظيماتها السياسية والنقابية ، وإلى كل الحريات الديمقراطية التى انتزعتها هذه الجماهير .
وكانت التنظيمات السياسية التى أقامتها السلطة تجسيداً لهذه السياسة . فهى لا تحكم بحزب سياسى جماهيرى ، وتنظيمها السياسى ليس جهازها الحاكم ، فالسلطة واتخاذ القرارات فى أيدى الحلقة الضيقة من المسؤوليين يزاولونها من خلال الأجهزة العسكرية والبوليسية فى المحل الأول . ويبقى للتنظيم السياسى دور سلبى من الناحية الأساسية أى تصفية التنظيمات والأفراد والاتجاهات والحركات التى تظهر فى صفوف الجماهير باحتكاره العمل السياسى ، وفرض الوصاية البيروقراطية على كل التنظيمات النقابية والمهنية واتحادات الطلبة والصحافة .
لذلك لم يكن من المستغرب أن تتسلل إلى تنظيم للسطلة القوى الرجعية التقليدية بحكم سيطرتها التاريخية وأن يكون بالتالى نصله الحاد موجها إلى اليسار .
ويتبنى هذا التنظيم الأيديولوجية الرسمية الملفقة : فالاشتراكية تعنى سطوة الدولة ، وإبعاد الجماهير عن المشاركة ، والقومية تعنى الجانب المتخلف المنعزل عن التضامن الأممى والاستفادة من التجارب الاشتراكية ، وإستبقاء العلاقات الرأسمالية فى الزراعة اعتمادا على تراثنا القومى ، والقيم الروحية تعنى الاتكاء على الفكر المتخلف لاعاقة الفكر العلمى . وقد قدم ضرب البرجوازية التقليدية أساساً موضوعياً للحديث عن إلغاء الاستغلال واعتبار أن هناك علاقات برجوازية غير استغلالية ( الرأسمالية الوطنية غير المستغلة !) .
ولما كانت البرجوازية الصغيرة طبقة غفيرة العدد ، تتجه البرجوازية البيروقراطية إلى صفوفها لتجنيد كوادرها ، فان الأيديولوجية الرسمية تغازل الميول الفكرية لهذه الطبقة بدون أن تتبنى الجوانب الليبرالية لديها.
الهزيمة :
لم تكن الهزيمة بالنسبة للطبقة ، التى حاولنا أن نقدم الخطوط العريضة لملامحها حدثاً مستغرباً وإن مصالحها المتناقضة مع الاستعمار ، والتى تدفعها فى نفس الوقت إلى قطع الطريق أمام القوى الشعبية والثورية ، تضعها دائماً فى مأزق . وإن التغير فى الوضع العالمى ببروز اتجاهات المراجعة فى القيادة السوفياتية تسلب منها ورقة ضخمة من أوراق المناورة واللعب على الحبال ... وهكذا وضعت الهزيمة هذه الطبقة عند منعطف جديد.
إنها لا تستطيع مواصلة السير بنفس الطريقة القديمة ، وقد جاءت الهزيمة وهذه الطبقة على وشك تحقيق أهدافها الأساسية من الناحية الاقتصادية . فقد كانت بصدد استكمال فترة الانتقال ، فترة خلق الحد الأدنى من هيكل رأسمالى حديث ، ورسوخ أقدامها وتبلورها كطبقة . وهى الآن قد أنجزت مهمة إرساء هذا الهيكل وبدأت أمامها مشكلات جديدة ، مشكلات رأسمالية نامية .

إن عناصر الأزمة التى كانت مستقرة فى فترة البحث عن رؤوس أموال للتنمية ، والوثوب إلى مواقع كان يحتلها رأس المال الأجنبى أو كبار الملاك أو الرأسمالية التقليدية ، بدأت فى البروز كمشكلات التسويق واختلال التوازن . وهى بعد أن أحكمت قبضتها على السلطة السياسية منفردة ، وعلى الاقتصاد ، لابد أن تسعى جاهدة للبحث عن حرية للحركة فى السوق الاستعمارية وعن المشاركة بها . فهى ليست على استعداد فى حل تناقضاتها مع الاستعمار إلى إعطاء القوى الشعبية أى دور فى المعركة . لان معنى ذلك التنازل عن احتكارها للسلطة وانخفاض أرباحها.
فهى بدلا من ذلك تبحث فى شبكة العلاقات المحيطة بها عن تسويات وأنصاف حلول مع القوى المعادية . فهى قد تهادنت مع الرجعية وأطلقت يد فيصل فى اليمن والخليج العربى وتحمى ظهر حسين ، وتعد العدة للإعتراف الفعلى بإسرائيل ووبحدودها الآمنة مقابل الانسحاب ، كما بدأت فى توجيه الضربات للثورة الفلسطينية التى تشكل بكل نواقصها منطقاً جديدا فى مواجهة الاستعمار والصهيونية ، منطق الحرب الشعبية .
إنها تعتبر الاستعمار الاميراكى ليس العدو الأول فى المنطقة ، بل تعتبر كل وزرة قاصرا على مساندة إسرائيل . وهى تصور تهادنها معه على انه نوع من استخدام التناقض بينهما ، إنها تتعهد للإستعمار الاميركى بالمحافظة على مصالحه فى العالم العربى مقابل أن يضغط على إسرائيل للانسحاب واصبحت المعركة تعنى الجيش النظامى فحسب , استيراد اسلحة والتدريب عليها لإعطاء مركز أقوى فى مفاوضات الحل السلمى .
لا يمكن الوصول مما سبق قوله إلى أن البرجوازية البيروقراطية قد فقدت كل أساس للتناقضات مع الاستعمار الاميركى أو الاستعمار العالمى فمصالحها مازالت متناقضة مع الاستعمار . ولكن ما يبدو الآن جديدا هو وزن هذا التناقض والطريقة التى تمارس بها البرجوازية المصرية حله .
هل أصبح هذا التناقض هو العامل الحاسم فى توجيه سياستها وهل طريقة حله فى الوضع الحالى تدفع الثورة إلى الأمام أو تضع أمامها العراقيل ؟
الواقع لقد أصبح العمل من أجل عزل الخط السياسى والفكرى والتنظيمى لهذه الطبقة من قيادة الجماهير شرطاً ضرويا لمواصلة المعركة ضد الاستعمار واسرائيل .
************************************************

2 طبيعة الثورة المقبلة

الحزب الشيوعى المصرى هو حزب الطبقة العاملة المصرية ( ليس المقصود الحزب الذى تأسس فيما بعد فى 1975 ومثل احد الاجنحة اليمينية للحركة الشيوعية المصرية - الناشر ) ، يدافع عن مصالح كل الكادحين فى مصر ، ويتصدى لقيادة كل الطبقات المعادية للإمبريالية العالمية وعلى رأسها الإمبريالية الاميركية .
ويسترشد الحزب فى كفاحة بالنظرية الماركسية اللينينية ، نظرية الطبقة العاملة ، مستهدفا الجمع بين منهجها الشامل وبين قضايا الثورة المحددة فى واقع معين هو الواقع المصرى .
وتتعرض الماركسية اللينينية على النطاق العالمى لعدوان فصائل المراجعة المختلفة ، التى تلتقى جميعاً فى إحلال خط الوفاق الطبقى محل الصراع الطبقى .
والتى تضع التعايش السلمى والمنافسة السلمية والانتقال السلمى الى الاشتراكية فى مكان الصدارة ، بدلا من الخط العام اللينينى للحركة الشيوعية العالمية ، خط الصراع الطبقى الحازم فى البلاد الرأسمالية من أجل التطويح الثورى بالبرجوازية وإقامة دكتاتورية البروليتاريا ، خط الثورات الوطنية فى المستعمرات والبلاد التابعة والبلاد المستقلة حديثاً من أجل التصفية الكاملة للسيطرة الاستعمارية والسير بالحركة الوطنية بقيادة الطبقة العاملة حتى نهايتها المنطقية ، الاشتراكية ، خط تدعيم دكتاتورية البروليتاريا فى البلاد الاشتراكية . وكذلك بين هاتين الثورتين والتطور الثورى للبلاد الاشتراكية .
إن الخطر الرئيسى الذى تواجهه الحركة الشيوعية من داخلها هو خطر المراجعة . وفى مصر لعبت المراجعة الذيلية المصرية أمام البرجوازية الحاكمة دورها الاجرامى فى تصفية الحركة الشيوعية وتواصل دورها فى تدعيم الدكتاتورية البرجوازية وإضفاء صفات الاشتراكية عليها ، ومحاربة المنبر المستقل للطبقة العاملة . لذلك فان الماركسية اللينينية التى نسترشد بها تتحدد ملامحها الأساسية بوضع خطوة فاصلة بينها وبين أشكال المراجعة العالمية ، كما أن إلحاق الهزيمة بالمراجعة المصرية شرط ضرورى لإبراز المنهج الماركسى فى فهم قضايا الثورة المصرية .
ولكن القول بأن الخطر الرئيسى يأتى من جانب المراجعة لا ينسينا أنه فى ظروف معينة يمكن للنزعة العقائدية أن تشكل خطراً ، بل قد تستفحل العقائدية كرد فعل لانتشار الاتجاهات المراجعة فالتشدق بالنصوص الجاهزة ، أو النقل الأعمى لتجارب ومواقف أحزاب شقيقة كبيرة تطمسان معالم واقعنا ، ، ويضللان العمل النضالى بدلاً من إرشاده وتتمثل العقائدية الكسول فى واقعنا ، فى القول بأن الاتحاد السوفياتى بلد اشتراكى إمبريالي وفى محاولة تعميم نموذج ثورى واحد على كل ما يسمى ببلاد العالم الثالث (نموذج لا يتعدى مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية وحلف الطبقات الأربع ) ونؤكد بأننا نتعلم من كل التجارب الثورية للأحزاب الشيوعية ولا نخفى استفادتنا من النضال العظيم للحزب الشيوعى الصينى ، ومن فكر الرفيق ماوتسى تونغ ، إن طريق مصر إلى الإشتراكية ومصرية هذا الطريق لا يمكن استنباطها بشكل آلى من التجربة الصينية ، بل إننا استناداً إلى واقع الحركة الثورية فى مصر والعالم العربى نتخذ موقفاً نقدياً من بعض القضايا المبدئية التى ينتهجها الحزب الشيوعى الصينى ( مثل طبيعة النظام فى الاتحاد السوفياتى والبلاد الاشتراكية الأخرى )
لقد أنجزت الثورة البرجوازية المصرية بقيادة البرجوازية خلال حلقات متعاقبة وبالطريقة التدريجية وانتقلت سلطة الدولة بكاملها إلى البرجوازية المصرية بعد 1952، وكان الأعداء التاريخيون لهذه الثورة هم الإمبريالية وكبار ملاك الأرض والبرجوازية المتحالفة مع الاستعمار. وتم انتزاع السلطة من هذا الحلف الرجعى عبر المشاركة الجزئية والصراع الحافل بالمهادنة طوال تاريخ مصر الحديث ابتداء بالحلقة الأولى من الثورة البرجوازية فى عام 1919 التى تم استكمالها بالحلقة الثانية فى 1952 ولكن البرجوازية لا يمكن أن تنجز ثورتها حتى النهاية ، فهى تترك الكثير من بقايا العلاقات الإقطاعية بالريف وانعكاساتها الأيديولوجية ومؤسساتها السياسية لتستخدمها فى تكثيف استغلالها وإحكام قبضتها ، كما أنها لا تعرف التصفية النهائية للعلاقات مع السوق الاستعمارية ولا تكف عن إقامة علاقات جديدة مع الاستعمار فى علاقات القوى المتغيرة . لذلك فإن استكمال الثورة البرجوازية والسير بها لنهايتها تصبح مهمة ملقاة على عاتق الطبقة العاملة ، ولكن حجم هذه المهمة وطبيعتها يبتعدان بها عن أن تكون مهمة استراتيجية ، فالسلطة من الناحية الأساسية تنفرد بها البرجوازية ، والعلاقات السائدة فى الاقتصاد والسياسة والفكر هى علاقات برجوازية وذلك يجعل طبيعة الثورة القادمة اشتراكية من زاوية مضمونها الطبقى ومهماتها الرئيسية ، ويحتم من ناحية أخرى استكمال الثورة البرجوازية كمهمة تكتيكية ملقاة على عاتقة الثورة الاشتراكية ، فلا يستوجب هذا الاستكمال مرحلة تاريخية كاملة .
لقد تمكنت البرجوازية فى مصر من تحقيق الحد الأدنى من الاستقلال ومن إرساء أسس الاقتصاد الرأسمالى متبعة الطريق غير التقليدى لنمو الرأسمالية ( رأسمالية الدولة ) وتدعيم الروابط مع المعسكر الاشتراكى الذى كان يقودة الاتحاد السوفياتى ولكن المدى الذى تستطيع السير فيه مشروط بطبيعتها الطبقية وباستفحال خطر المواجهة العالمية . إن البرجوازية الحاكمة لا يمكن أن تواصل طريق الثورة حتى النهاية بحكم طبيعتها الطبقة الأنانية الضيقة المعادية لمصالح العمال والفلاحين وخاصة بعد أن حققت أهدافها الرئيسية : السوق الرأسمالية , السلطة الرأسمالية . لقد انتقلت قضية الصرع ضد الإمبريالية وقضية الثورة الزراعية من المحور البرجوازى الديمقراطى المعادى للإقطاع للمحور الاشتراكى المعادى للرأسمالية فالمسألة الجوهرية فى أى ثورة هى قضية السلطة من أى الطبقات تنتزع ولإقامة أى علاقات إنتاجية ؟
إذن لقد أنجزت الثورة البرجوازية من أعلى المهام الأساسية للثورة البرجوازية فى مصر بعد 1952 وبطبيعة الحال فقد أنجزت هذه المهام لصالح البرجوازية وبطريقتها فالثورة البرجوازية المصرية التى كان نصلها الحاد موجهاً ضد الإمبريالية ، والتى اتخذت طابعا وطنياً واضحاً ، لم تقودها الطبقة العاملة المصرية ولم تطبعها بطابعها رغم إنها قدمت فى معارك الاستقلال أكبر التضحيات ، بل لقد تلقت ضربات فادحة من البرجوازية الحاكمة وجهت إلى تنظيماتها الجماهيرية وحقوقها السياسية وفكرها المستقل . كما تعرض الفلاحين لنفس المصير ولم ترتبط المسألة الزراعية بثورة فلاحية تعطى الأرض لمن يفلحها ، بل لقد ارتبطت المسألة الزراعية بأهداف خطة التنمية البرجوازية ، ويعانى الفلاحون من قهر مزدوج من جانب البرجوازية البيروقراطية والرأسمالية الزراعية ، ولم يسمح لهم بأى شكل من أشكال التنظيم الديمقراطى المستقل . ولم يكن مصير الحريات الديمقراطية النسبية التى انتزعتها الجماهير الشعبية فى غمار معارك الاستقلال قبل 1952 هو التدعيم والتطوير . بل لقد سلبتها البرجوازية البيروقراطية من الجماهير ، إن الطابع المعادى للديمقراطية يميز الطريقة التى أنجزت بها البرجوازية الثورة البرجوازية ، ويستفحل هذا الطابع بعد أن انتظمت البرجوازية من طبقة مقهورة يخنقها الاستعمار إلى طبقة حاكمة تنفرد بالسلطة وتستغل الجماهير الشعبية استغلالا يزداد كثافة ، إن مصالحها الأنانية الضيقة تدفعها إلى مناصبة العداء لكل أشكال التنظيم المستقل للطبقات الشعبية ولنضوج وعيها وتعاظم فعاليتها .
ولما كان الاستقلال ليس وضعا قانونياً كما تفهمة البرجوازية بل معركة طويلة المدى ضد الإمبريالية العالمية تستلزم تضافر القوى الشعبية المنظمة المسلحة فإن معاداة الديمقراطية التى تنتهجها البرجوازية تشكل عقبة هائلة أمام تهيئة الظروف المؤاتية لخوض هذه المعركة وقطع الطريق على القوى الأساسية التى تستطيع محاربة الإمبريالية إلى النهاية . وهذه الحريات الديمقراطية هى الأسلحة الرئيسية للجماهير الشعبية فى خوض المعركة الوطنية ، لا تنتزعها لخوض المعركة الوطنية من الإمبريالية أو من كبار ملاك الأرض كما كان الحال قبل إنجاز الثورة البرجوازية ، بل من البرجوازية الحاكمة وتشكل خسائر لها ورفضاً لمنهجها فى حل المسألة الوطنية .
ولا تطالب الجماهير الشعبية بأية حريات للقوى المعادية للمسألة الوطنية بل على العكس من ذلك تطالب باستئصالها وتصفيتها ، وتطالب الجماهير الشعبية بحرياتها الديمقراطية لتتمكن من الإجهاز الكامل على هذه القوى الرجعية ، لذلك فان قضية الديموقراطية فى مصر تتعدى النطاق البرجوازى اللبيرالى ، فهى منذ البداية موجهة نحو : الحد من سيطرة البرجوازية الحاكمة وعزلها عن قيادة الحركة الوطنية ، وإلحاق الهزيمة بمنهجها المتهادن الاستسلامى . وهى بالإضافة إلى ذلك معادية إلى النهاية لأية تنازلات مع القوى الرجعية ، كبار ملاك الأرض ، والبرجوازية المتحالفة مع الاستعمار والمتطلعة إلى التحالف معه . ويؤدى بنا ذلك إلى تأكيد الطابع النوعى لمسألة الحقوق والحريات الديمقراطية فى مصر باعتبارها حلقة الوصل بين الثورة الوطنية التى نمت من أعلى وسقطت ثمارها فى فم البرجوازية ، وبين الثورة الاشتراكية التى لا يمكن أن تنجزها إلا الجماهير الشعبية بقيادة الطبقة العاملة .
وهذه الثورة الاشتراكية تطرح قضية سلطة البرجوازية البيروقراطية ومستقبلها للمناقشة فهذه الفئة الاجتماعية لم تتكون وفقاً للتطور التلقائى للرأسمالية المصرية فى عملية تاريخية اجتماعية يقتضيها تغلغل الرأسمالية وانتشارها ، كالرأسمالية الصناعية أو المصرفية على سبيل المثال . ولكن هذا الشكل الجديد للرأسمالية نشأ بواسطة استخدام السلطة لإعادة صياغة رأس المال القائم بالفعل وإدخال تغييرات على الهيكل الاقتصادى الرأسمالى التقليدى ولتحقيق التراكم البيروقراطى .
ونحن بإزاء فئة يرتبط وجودها بكونها أداة انتقالية تحقق التراكم لتفتح الباب أمام نمو العلاقات الرأسمالية وهذا الشكل من أشكال الرأسمالية استطاع فى فترة تاريخية فى مصر أن يلعب دوراً تقدمياً فى مواجهة الإمبريالية والمراكز الاحتكارية المرتبطة بالإمبريالية فى رأس المال المصرى . وأن يسهم فى البناء الاقتصادى المستقل ، وكان هذا الدور التقدمى الوجه الرئيسى لفترة تاريخية محددة . ولكن هذا الشكل البيروقراطى يتضمن بالضرورة جانباً طفيليا فى صميم تكوينه ، جانب المضاربة واستخدام ملكية الدولة للمصالح الجزئية للأفراد والمجموعات والشلل ، مما يفتح الباب للتسلل الاستعمارى ، وهذا الجانب الطفيلى يزداد بروزاً كلما قطع نمو الرأسمالية أشواطاً بعد إرساء أسس البناء الرأسمالى ومواجهة الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التى لا فكاك منها ، ويتجه جزء من هذه البيروقراطية متحولاً إلى قطاع رأسمالى خاص أو إلى الالتحام بالقطاع الخاص متطلعا إلى الغرب . وحتى داخل الاتجاه السائد الذى يضع مصالح مجموع الطبقة ومتطلبات نموها فى المحل الأول يستفحل اتجاه يعمد إلى حل مشكلات التسويق والأزمة ومواجهة الجماهير الشعبية بالدخول فى علاقات مشاركة مع الامبريالية داخل رأسمالية الدولة نفسها .
أن البرجوازية البيروقراطية التى تبنى اقتصاداً رأسمالياً فى عصر اضمحلال الرأسمالية العالمية فى مواجهة تناقضاتها القاتلة الناشئة عن طبيعتها الاستغلالية ، عن أزمة نموها . لذلك فاحتمالات الردة الوطنية وظهور قنوات مختلفة للاتصال بهذه الكتلة أو تلك من الكتل الإمبريالية المتناقضة تتزايد ، وفى نهاية منعرجات السياسة التهادنية التى لا تستبعد حدوث مساومات عالية الصوت ، ومناوشات نظامية مسلحة مع إسرائيل وبيانات شديدة اللهجة موجهة ضد الاستعمار الاميركى ، يلوح الارتباط بالاستعمار العالمى نتيجة حتمية للنمو التلقائى للرأسمالية المصرية ، وهو ارتباط يختلف عن العمالة القديمة .

ومن هنا يصبح التناقض بين الجماهير الشعبية والبيروقراطية الحاكمة على المدى الاستراتيجى وثيق الاتصال بالتناقض بين الجماهير الشعبية والإمبريالية العالمية . ولا يمكن القول بأننا إزاء نوعين مختلفين من التناقضات .
إن الحركة الوطنية لا تستطيع لكى تتجاوز المأزق الذى تضعها فيه القيادة البرجوازية إلا أن تضع على عاتقها منذ البداية مهمات معادية للرأسمالية ، ولا يتحقق الانتصار لهذه الحركة فى بلادنا وفقا لأوضاعنا الخاصة إلا بالتطويح النهائى بالنظام الاقتصادى للرأسمالية .
ويؤدى ذلك بنا إلى القول بأن طبيعة التحالف الاستراتيجى فى بلادنا يختلف عن نموذج البلاد التى تمر بمرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية .
**************************************************
3

قضية التحالف الطبقى
مقدمة نظرية :
ليست الجبهة المتحدة مفهوماً تكتيكياً يقترب من الاتفاقات المؤقتة أو التحالفات الانتخابية ، أو إلى التقاء عرضى حول هدف مؤقت بين أحزاب سياسية ، فهى التجسيد التنظيمى ، للمسألة الرئيسية فى الثورة ، مسألة التحالف الطبقى بين القوى الثورية من أجل السلطة فى نهاية المرحلة الاستراتيجية ، والنضال الدائم عبر المنعرجات والمنعطفات التكتيكية لتحقيق الشروط الموضوعية والذاتية التى تقضى إلى هذا الهدف .
إن الجبهة فى المحل الأول هى حلف طبقى من أجل السلطة وهى بذلك ترتبط بطبيعة الثورة وأهدافها وبالعلاقات الاجتماعية على طول المرحلة الاستراتيجية .
فلا يمكن التفكير فى الثورة بدون التفكير فى حلفاء الطبقة العاملة .
وهذا الحلف الطبقى ليس مجموعة من الروابط تنشأ تلقائياً داخل المجتمع ، بالتقاء كفاح الطبقات الثورية فى مجرى الأحداث السياسية والاقتصادية والفكرية فالجبهة لا تنشأ موضوعياً نتيجة لوجود الطبقات الثورية ، والتقاء كفاحها التلقائى فى مختلف نواحى النشاط فى المجتمع ثم تستكمل وجودها ببناء أشكال التنظيم المختلفة.
إن هذا المفهوم التلقائى الذيلى عن جبهة قائمة بالفعل لا ينقصها إلا الشكل التنظيمى ، معاد للمفهوم الماركسى اللينينى عن الطبقة ، فالطبقة ليست مجرد وضع اقتصادى أو مكان لمجموعة من الناس فى عملية الإنتاج إلا عبر صراعها مع غيرها من الطبقات فاكتشافها وعيها التاريخى ورسالتها الاجتماعية وامتلاكها أشكال التنظيم الملائمة نسبياً لخوض معارك صراع الطبقات .
إن الطبقة العاملة فى ألمانيا حينما تمزقت إلى أفراد فى الجيش السياسى للهتلرية وأسلمت نبض قلبها لأمانى أعدى أعدائها التاريخيين ليست طبقة لذاتها فى هذه المرحلة .
إن مسلكها السياسى والاجتماعى فى تلك الفترة لم يكن يخدم مصالحها النابعة من وضعها . كذلك الحال مع الطبقة العاملة فى أى بلد من البلدان لم تصل فيه تلك الطبقة إلى درجة محددة من الوعى والتنظيم المسترشد بهذا الوعى ، فالتلقائية تعنى الخضوع لوعى الطبقة السائدة وأهدافها وما تحدده من أشكال للتنظيم وأساليب للعمل.
وهنا يصبح الحلف الطبقى مختلفاً عن مجرد الربط بين أوضاع جاهزة بالفعل. إنها حركة ثورية واعية منظمة ، وفى مكان الصدارة من هذا الحلف توجد قضية التنظيم الطبقى لا باعتباره شكلا يستكمل بل بإعتبار التنظيم هو الحركة الواعية التى تواجه التلقائية ، وأساليب النضال لتحرير الطبقات الثورية من طبقات فى ذاتها " قد تخدم حركتها اليومية وتخلفها الفكرى أعداءها " إلى طبقات لذاتها تتحرك من أجل مصالحها هى .
إذن ، فقضية الجبهة هى قضية التنظيم السياسى فى المحل الأول باعتباره أعلى أشكال التنظيمات الطبقية , ولكنها لايمكن ان تقف عند هذا الحد . فالعلاقة بين الاحزاب السياسية وطبقاتها حافلة بالتعقيد ، فكفاح الحزب الشيوعى لكى ينظم طبقته ليس معناه أن يستوعبها كلها ، بكل أجزائها وقطاعاتها وأفرادها داخله ، انه جزء من الطبقة يلعب دور الطليعة ويحاول أن يقود طبقته التى تنشأ فى أحضان المجتمع البرجوازى فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية . رغم افتقار الأجزاء المختلفة لهذه الطبقة للتجانس فى تقدمها الفكرى وفى استعدادها لقبول الوعى الاشتراكى وانطلاقها فى التنظيم الثورى . وليس أمام الحزب الشيوعى إلا أن يناضل فى صفوف طبقته فى كل المجالات ولا يختلف الأمر فى هذا السياق مع الطبقات الثورية الأخرى رغم النوعية الخاصة للحزب الشيوعى باعتباره ممثلاً للطبقة العاملة الطبقة الوحيدة الثورية إلى النهاية ، التى تعتبر تحرير الطبقات الأخرى من القهر والاستغلال شرطاً لتحريرها هى .
فالحلف الطبقى ليس مجرد الالتقاء بين الأحزاب السياسية ، طلائع الطبقات الثورية الأخرى وأن تكن هذه الطلائع ضرورية وفى مقدمتها الحزب الشيوعى ، إن هذا الحلف يشمل أيضاً التنظيمات الأخرى الاقتصادية ووالاجتماعية والثقافية للطبقات الثورية ، بل أن يتسع للطبقات الثورية الأخرى التى لاتستوعبها هذه الأشكال ، ويجب أن نؤكد هنا أن الجبهة لا تبنى وفقاً لمواصفات مثالية بل لابد أن تنبع من الخصائص النوعية للصراع الطبقى فى كل بلد من البلاد ، من الطابع المميز للأحزاب السياسية وأشكال التنظيم السياسى ودرجة التطور الاجتماعى فى كل بلد من البلدان .
والجبهة باعتبارها مسألة استراتيجية ، لا يمكن أن تبنى إلا انطلاقاً من المواقف التكتيكية ، ولابد أن تتسع وتضيق وفقاً للفترات المختلفة ، والانحراف اليمينى يرتكز على هذه الضرورة العملية ليهبط بالجبهة إلى مستوى أى التقاء عرضى بين أى قوى سياسية ، ليغفل الأهداف النهائية .
فالجبهة رغم ما تقضيه الأوضاع المتغيرة من تغير فى تركيبها تركز على نواة أساسية ، على التحالف بين القوى الأساسية للثورة بمقدار ما استطاعت التعبير عن أهدافها فى الفترات التكتيكية . إن هذه النواة الأساسية لا يمكن أن تكون فى بلادنا إلا التحالف بين العمال والفلاحين بقيادة الطبقة العاملة .
وهذه النواة الأساسية لا تتحقق بإبراز الأسس النظرية للتحالف بين العمال والفلاحين فحسب ، فالجماهير تتعلم من خبراتها الذاتية ، من احتكاكها بالواقع فى حركته ، والمسألة المحورية للحركة الذاتية للجماهير الشعبية هى علاقة الجماهير بالسلطة فهى التى تطبع يطابعها الموقف من الأهداف النهائية للثورة .
الانحراف الرئيسى فى الحركة الشيوعية المصرية :
والموقف من السلطة بعد52 هو الذى طبع أيضاً بطابعة موقف الحركة الشيوعية المصرية من الجبهة ، والذى أدى إلى انتحار هذه الحركة . فما دامت السلطة وفقاً لهذا الموقف ، متناقضة المصالح مع الاستعمار . فهى حليف للطبقة العاملة ، وما دامت حليفا فكل التناقضات معها ثانوية لا تصبح مدرجة للحل إلا بعد انتهاء المعركة مع الاستعمار . وإلا وقعنا فى خطأ تغليب التناقض الثانوى مع السلطة على التناقض الرئيسى مع الاستعمار ولم يكن هذا الموقف إلا نقطة البداية التى اعتبرت قضية الجبهة هى تحالف الشيوعيين مع السلطة من ناحية الأساس .
وبدلا من أن تصبح الجبهة قضية الحلف الطبقى ، اختزلت إلى قضية الاتفاق السياسى المؤقت مع السلطة . وهذا الموقف يطرح سؤالا هاماً : هل يؤجل الشيوعيون اتخاذ مواقف من سلطة تناوئ الأعداء التاريخيين للشعب المصرى إلى أن يستكملوا تدعيم حزبهم وربط الطبقة العاملة بخطة وتوجيهاته وتحقيق تحالف بين العمال والفلاحين ، خاصة فى اللحظات المصيرية من معركة حاسمة مع الاستعمار " غزو أو تهديد به أو نجاح لهذا الغزو "؟
إن موقفا كهذا هو موقف خاطئ لا فى اللحظات المصيرية فحسب ، بل فى كافة اللحظات ..فإن الحزب الشيوعى لن يرتبط بطبقته ويعمق جذوره فى صفوفها ولن يجذب الفلاحين إلى الالتفاف حول الطبقة العاملة إلا بتحديده ، موقفاً صحيحاً من السلطة ، قائماً على التخطيط الطبقى العلمى ، وبتحديده برنامجاً ثورياً مقابل سياسة السلطة فى كافة المجالات وفى المحل الأول فيما يتعلق بقضية المعركة مع الاستعمار .
فمنذ بدأت سلطة 52 تصطدم مع المصالح الإمبريالية وتلحق الضرر وتوجه الضربات إلى هذه المصالح . فان واجب الشيوعيين يصبح حشد أوسع الجماهير الشعبية حول برنامج وطنى متماسك ، لمتابعة هذه المواقف الوطنية وتدعيمها ، وتدعيم هذه المواقف من جانب الجماهير الشعبية ليس معناه أن تتحول الطبقات الثورية إلى توابع تدور فى فلك الطبقة الحاكمة ، وتخضع كفاحها لمتطلبات هذه الطبقة وللنطاق الذى تفرضه الحركة الوطنية ، بإنتقال مضمونها الطبقى من الإطار البرجوازى إلى الإطار البروليتارى!
إن الحزب الشيوعي يؤيد كل المواقف التى تتخذها أى طبقة قومية ضد الأعداء التاريخيين . فإن كل المواقف الإيجابية ، التى تسهم فى إضعاف الإمبريالية وعملائها وحلفائها هى موضوعياً ، مهما تكن الطبقة التى تتخذها ، فى حساب الثورة الاشتراكية العالمية . وهذا التأييد ليس موقفاً شكلياً يقتصر على إعلان التأييد وتسجيلة فى الوثائق بل هو موقف ثورى مبدئى .
إن الحزب الشيوعى يكشف كل مؤامرات الاستعمار ويعبئ الجماهير لمواجهتها ويقف بحزم ضد محاولات الانقلابات الاستعمارية ، وضد الفتن الرجعية ، ويناضل بصلابة من أجل توجيه أفدح الضربات إلى الاستعمار وركائزه . ولكن هذا التأييد شئ مختلف تماماً عن تبنى البرنامج البرجوازى فى معاداة الاستعمار وعن أن يذوب الحزب فى الجوقة القومية البرجوازية الطابع ، التى لا يمكن أن تسير فى معاداة الاستعمار حتى النهاية بل أن طبيعة تناقضها مع الاستعمار من زاوية مصالحها الطبقية الضيقة تجعل قيادتها أخطر على استمرار المعركة مع الاستعمار ، وتحمل فى طياتها عناصر التنازل والتهادن ثم المشاركة والتحالف .
إن الحزب الشيوعي لا يتنازل أبدا عن تنظيمة المستقل ، عن واجبه إزاء طبقته العاملة والطبقات الشعبية ، عن إبراز خطة الثورى فى الحركة الوطنية ، ذاك الخط الذى هو مسقبل الحركة الوطنية وخط الطبقة العاملة ، وليست العلاقة بين خط البورجوازية فى الحركة الوطنية وخط الطبقة العاملة علاقة تجاور بين خطين مطروحين للمفاضلة أو الصراع الفكرى فحسب ، إنها علاقة صراع طبقى منذ اللحظة الأولى يدور فى الظروف المحددة من علاقات القوى فى حركة الثورة . وتضع مسألة التأييد للمواقف التى تتخذها البرجوازية من الاستعمار فى مكانها الصحيح من سياسية حزب لا يمكن أن تكون سياته إلا النفى الجدلى لسياسة البرجوازية وإلا المعارضة الجذرية لهذه السياسة .

والمعارضة بمعناها الجدلى ليس معناها رفض كل المواقف التى تتخذها البرجوازية ضد الاستعمار ، بل متابعة هذه المواقف وإدماجها فى مجرى الثورة بتحريرها من نطاق التهادن والتنازلات ، وربطها بحركة الجماهير الشعبية لأن هذه الجماهير لن تقفز إلى الخط الثورى من فراغ ، بل انطلاقاً من الأوضاع التى تفرضها البرجوازية على المسألة الوطنية .
وابتداء من موقف السلطة المصرية فى باندونج وما تبع ذلك من مواقف معادية للإمبريالية ، وما استتبعه بالضرورة من محاولات ضارية من جانب الاستعمار العالمى لإسقاط هذه السلطة ، فان الموقف المبدئى للشيوعيين فى هذه الفترة كان يجب أن يكون التأييد لهذه المواقف ضد مؤامرات الاستعمار وعملائه . ولكن هذا الوجه للمسألة لا يستغرق العلاقات الأساسية بين الشيوعيين والسلطة فى هذه الفترة فالسلطة معادية لحق الطبقات الشعبية فى تشكيل تنظيماتها السياسية والجماهيرية ، معادية للشيوعية بشكل خاص , معادية لأن تتجاوز المعركة الوطنية نطاق الاجراءات العلوية والاتصالات الدبلوماسية لاستخدام التناقض بين المعسكر الاشتراكى والمعسكر الاستعمارى بديلاً من تنظيم الشعب وتسليحة ، أى إنها كانت تضعف الحركة الوطنية وتسلبها مقدرتها على مواجهة طويلة المدى مع الأعداء ، لذلك كان يجب أن يدور صراع حاسم مع السلطة حول المسائل المتعلقة بفاعلية الطبقات الثورية فى المعركة الوطنية ، بالحريات الديمقراطية والمطالب الأساسية للجماهير .
لقد كان الموقف اليمينى الذى اتخذته القطاعات الانتهازية فى الحركة الشيوعية موقف الذيلية للسلطة عاملاً فى أن تسقط ثمار الانتصار المؤقت عام56 فى فم البرجوازية الكبيرة المصرية فزادت أرباحها وتعاظمت امتيازاتها كما ساعدت على تقوية القبضة البوليسية الإرهابية للسطلة ، وكانت عاملاً فى تهيئة ظروف الردة الوطنية فى الانعطافة التى بدأت عام 1959 بالهجوم على المعسكر الاشتراكى والحركة الديمقراطية العربية كالأحزاب الشيوعية العربية .
ونقف هنا عند عينة نموذجية من التبريرات الأيديولوجية فى هذه الفترة .
الخلط بين المواقف :
سادت فى هذه الفترة الفكرة التلقائية عن الجبهة ، ودارت على الأقلام كلمة الجبهة الداخلية كمرادف للتحالف الطبقى المنظم ، وطرحت مسألة التأييد بمعزل عن الصراع الطبقى ، وتقدم الثورة . وكان التأييد يهدف إلى طمس الحدود بين الطبقات ، وتحويل الجماهير الشعبية إلى طابور سلبى يتبنى فكر البرجوازية القومية ويعمل من أجل مصالحها ، ويعتبر أى معارضة لمصالحها الأنانية الضارة بالحركة الوطنية خيانة وطنية وتحالفاً موضوعياً مع الاستعمار .
وسادت فى هذه الفترة الفكرة الهزلية عن أن معاداة الاستعمار تساوى التبعية الكاملة لسياسة السلطة . ولقد وضعت قضية الوحدة مع البرجوازية الحاكمة فى مواجهة الاستعمار باعتبارها قضية تبنى خطها ومنهجها , وإهدار جانب الصراع ، جانب تدعيم حزب الطبقة العاملة وارتباطه بالجماهير وتنظيم الجمااهير ، وإنضاج وعيها وفاعليتها ومشاركتها فى ثمار الاستقلال السياسى والحد من امتيازات البرجوازية واحتكار السلطة للعمل السياسى . والوقوف أمام محاولة السلطة إلغاء الحياة السياسية .
وكان الاتحاد القومى هو الثمرة المرة لهذه الفترة ومن المفارقات التاريخية ، أن هذا الاتحاد الذى قدمته السلطة بديلاً للجبهة ، والذى سمته ( حدتو) " جبهة وطنية" . وبررت السياسة البوليسية المتمثلة فى حق هذا الاتحاد فى الاعتراض على مرشحى مجلس الأمة ، وفى اشتراط عضوية النقابات العمالية والمهنية فى هذا الاتحاد ، بضرورة الوقوف ضد الرجعية والاستعمار . وقد تحول بمقتضى " النقد الذاتى " الرسمى للسلطة إلى عش الرجعية القديمة وعملاء الاستعمار . وهكذا أدت سياسة حزب " اليسار " إلى ازدهار القوى اليمينية والمحافظة بكل فصائلها .
قضية البديل:
وسادت فى هذه الفترة فكرة بسيطة تقول بأن الوضع السياسى يمكن إجماله فى أن هناك الاستعمار والرجعية فى ناحية ، وسلطة البرجوازية ، التى تناورها من زاوية أساسية ، فى ناحية أخرى ، وكان بودنا أن تكون هناك قوى أكثر ثورية قادرة على الوصول إلى السلطة ، ولكن ما أمامنا هو التأييد الكامل للسلطة حتى لا يثب الاستعمار الاميركى على هذه السلطة إذا عملنا على إسقاطها ... وهذه االفكرة مازالت سائدة فى فلول الحركة الشيوعية المصرية المنتحرة ... وهى فكرة ميتا فيزيقية من ناحية المنهج ، تولى ظهرها للروابط الحافلة بالتناقضات بين القوى الاجتماعية وتثبت الواقع فى حدود جامدة . وتنتهى بالدفاع عن استبقاء حكم البرجوازية إلى الأبد .
فالبورجوازية لن تستمر فى معاداة الاستعمار إلا فى حدود مصالحها . وهى تعمل جاهدة لوأد البديل الثورى فى مهده ، ولا تكف لحظة عن محاربة القوى التى على يسارها ، مما يسهم فى فتح الباب للاستعمار والرجعية فى تحقيق الانتصارات أمام واقع الحركة الوطنية الذى تقوض البرجوازية أسسه وأركانه ، ويتحول الشيوعيين وفقاً لهذا المنهج إلى الجناح الراديكالى للطبقة الحاكمة فى أحسن الأحوال أو إلى سماسرتها وأبواقها فى صفوف الجماهير العازفين عن اتخاذ أى موقف يغضبها أو يخيفها باتجاه خلق البديل الثورى ، وما حاجة منهج التواطؤ إلى بديل ثورى ، وهو يعمل كل ما مافى وسعه لمحاربة هذا البديل ؟
إن البديل الثورى فى الكلمات الغائمة ، وفى رحم مستقبل يعمل هذا المنهج على أن يستبقيه إمكاناً نظرياً مجرداً ، ليس إلا قناعاً لتبرير الوجه المعادى للجماهير الشعبية فى خط البرجوازية الحاكمة . أن هذا المنهج هو منهج الكارثة الوطنية التى تقود إليها البرجوازية باعتبارها قدراً لا فكاك منه . وفى هذه الفترة لم تطرح قضية تأييد المواقف الوطنية للسلطة من زاوية السير منفردين ، والضرب معا، من زاوية الصراع من أجل خلق الأسلحة التنظيمية للجماهير الشعبية ، وتحقيق الحد الأدنى من مطالبها الأساسية ، وتدعيم فاعليتها . وإبراز الدور القيادى للطبقة العاملة فى معترك النضال الوطنى ، إنما التحالف بين شراذم من المعتلقين والمسجونين والمطاردين والمعزولين وبين السلطة ، فى عرائض تأييد وبرقيات تهنئة وهتافات فى السرادقات بحياة رئيس الجمهورية فى شكل هزلى من أشكال ممارسة المسؤولية الثورية ، لا فاعلية حقيقية له حتى فى ما يزعمه من حماية الحكومة الوطنية من أعدائها .
وكما طرحت قضية الجبهة خارج الصراع الطبقى والمسار التاريخى لحركة الثورة . طرحت أيضاً خارج العلاقة بسلطة الدولة . فلم يخطر ببال المدافعين عن الخط الذيلى ، أن الجبهة مع طبقة حاكمة معناها مقاسمتها السلطة فى النهاية ، والكفاح من أجل تحرير انفراد طبقة واحدة بالسلطة إلى مشاركة الطبقات الوطنية فى هذه السلطة . وهكذا ظلت الجبهة أسيرة قالب فكرى مستمد من أوضاع كفاح طبقات وطنية مقهورة ضد سلطة الاستعمار والرجعية " بالإضافة إلى الاختلافات النوعية من حيث طبعية الطبقة الحاكمة واتجاه حركتها فى المستقبل وعلاقاتها بالقوى الشعبية "
وإنتقلت الجبهة بعد ذلك نتيجة للتغيرات التى طرأت على البينان الاقتصادى فى مواجهة التناقضات القائمة وبروز البيروقراطية البرجوازية بوصفها الطبقة الحاكمة . انتقلت إلى مستوى آخر أكثر إيغالا فى التدهور ، وانتقلت الجبهة التى ترفضها سلطة تحتكر الحياة السياسية بالكامل ، إلى القول بوحدة العمل بين الشيوعييين "والمجموعة الاشتراكية " ، وهو اسم التنكر الديماغوجى للبيروقراطية داخل هيكل تنظيمى واحد ثم هرول دعاة الجبهة الذيلية إلى القول بحزب واحد لكل الاشتراكيين . حزب السلطة ، ووصلت القصة إلى ذورة المأساة ، بحل التنظيمات الشيوعية والوقوف على باب التنظيم السياسى للسلطة كأفراد من أخلص المخلصين لسياستها .
الموقف الماركسى اللينينى
الثورى من البرجوازية البيروقراطية :
فى مقابل خط التصفية والنكسة الذى سارت علية الحركة الشيوعية السابقة ، يطرح الواقع الاحتياج الموضوعى إلى موقف ثورى من السلطة ويجب أن نحدد أن السلطة الحالية مرت بمراحل مختلفة ، وأن مسارها فى المستقبل ليس تكراراً للمراحل السابقة أو لوضعها الراهن ، إنها سلطة طبقة أنجزت بطريقتها التدريجية ولصالحها من أعلى مهام الانتقال إلى مجتمع رأسمالى مستقل من زاوية رئيسية . وكان موقفها ضد كبار ملاك الأرض والإمبريالية والرأسمالية المتحالفة معها يضعها إلى جانب القوى الوطنية ، وهى الآن أوشكت أن تستكمل إرساء اقتصادها الرأسمالى وتسيطر على السلطة سيطرة كاملة ، وأعادت تشكيل المجتمع وفقاً لمصالحها . وقد تم ذلك تاريخيا بإبعاد الجماهير الشعبية عن المشاركة .
إن مصالحها الموضوعية تنأى بها عن تقديم تنازلات أساسية لمطالب الجماهير . وإن بنائها السياسى البيروقراطي البوليسى ليس قابلاً للآنفتاح على حركة ديمقراطية ، وليس من السهل أن يقدم الديمقراطية السياسية للجماهير طواعية . وبطبعية الحال فإن هذه السلطة والطبقة التى تمثلها سارت تدريجياً من الجانب الذى تشغله باعتبارها قوة وطنية توجه ضربات ساحقة للإستعمار والرجعية إلى قوة تهدد بسياستها داخل المجتمع القوى الوطنية الأساسية ، وتطبع الحركة الوطنية بالعجز عن مواجهة الاستعمار والصهيونية وتفرض الهزيمة فى المدى القريب .
ومن ناحية أخرى ، فإنها على المدى الإستراتيجى ، مدفوعة بمصالحها ، ستنتقل إلى الضفة الآخرى ، ضفة القوى المرتبطة بالاستعمار . إن هذه الطبقة تمر عبر سلسلة من المراحل الانتقالية إلى معسكر العدو ، وان الموقف فى أثناء كل حلقة يجب أن يخضع لعلاقات القوى الطبقية وطبيعة الهدف الذى تضعه الطبقة العاملة أمامها .
وفى الحلقة الراهنة ، فإن تناقضاتها مع الاستعمار والصهيونية ، التى تحتل أراضينا ، ما تزال قائمة وإن مصالحها الضيقة تفرض عليها أن تعمل بأساليبها على ألا تضحى بما حققته من مكاسب أساسية بالشروط التى يفرضها الاستعمار ، وما تزال قادرة على اتخاذ مواقف معادية للإستعمار والصهيونية ، رغم أن هذه المواقف لا تخرج عن نطاق منهج التنازلات والمساومات وإضعاف الحركة الوطنية الديمقراطية .
إن قضية تحالف طبقى مع السلطة يتخذ شكل جبهة منظمة ليس مطروحاً فى علاقات القوى الحالية ، إن القضية الرئيسية هى عزل قياداتها ، هى انتزاع حقوق الطبقة العاملة والجماهير الشعبية فى التنظيم السياسي والجماهيرى ، كما تأخذ هذه القضية شكلاً آخر ، فامتيازات البيروقراطية وحلفائها عقبة كأداء أمام أى برنامج اقتصادى يهدف إلى تحقيق الحد الأدنى من اقتصاد حرب ، مهما تكن تلك الحرب نظامية محدودة ، واقتصادها الحالى لا يصمد ، لآى معركة ولا يفترض أى معركة قادمة . إنه اقتصاد يراهن على الحل السلمى ولذلك فالقضية الرئيسية تأخذ فى المجال الاقتصادى شكل المطالبة بالحد من امتيازات البيروقراطية وحلفائها لتقديم برنامج حرب تحمل الطفيليات جانباً كبيراً من تضحياته ، ولا يلقى بأعبائه كلها على الشعب . فالمطالب الرئيسية للطبقة العاملة فى هذه المرحلة تصطدم بمصالح البيروقراطية التى لم تقدم فى تاريخها كله إلا التنازلات الهامشية للجماهير الشعبية والتى تقاوم بضراوة المطالب الرئيسية للطبقة العاملة .
ومن ناحية أخرى فإن الاستقلال الذى حققته هذه البرجوازية ، رغم أنها تعجز عن صيانته ، بالاضافة إلى عدم استعدادها للتسليم لشروط الاستعمار الاميركى والصهيونية رغم تهاونها واعتمادها على المعسكر الاشتراكى (رغم زعزعته) ، يطرح قضية الموقف منها فى واقع احتلال القوات الصهيونية للأراضى المصرية والعربية ، وبروز شعار تحرير الأرض كمطلب عاجل ملح يشغل مكان الصدارة عند الجماهير الشعبية فى علاقات بعيدة عن البساطة .
ويزداد الأمر تعقيداً إذا نظرنا إلى التركيب الداخلى لهذه الطبقة الذى يتميز بوجود جناحين يسرع الجناح اليمينى منها إلى التسليم بمعدل متزايد للعدو بينما ينتقل الجناح الأقل استعداد للتسليم إلى مواقع أكثر يمينية .
إن الموقف الثورى ، من هذه الطبقة لا يستدعى طرح شعار الإطاحة بالنظام فى المرحلة التكتيكية الراهنة ، فهو شعار مغامر بالنسبة إلى علاقات القوى الطبقية الداخلية والعلاقات داخل حركة التحرير الوطنى العربية وعلاقات القوى العالمية . استناداً إلى شبكة العلاقات التاريخية لهذا النظام فى مواقف المعادية من الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية ، فبالاضافة إلى أن الهدف التكتييكى المباشر الذى ترتبط به كافة الأهداف هو تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلى رأس حربه الاستعمار الأميركى فى المنطقة العربية .
ومن ناحية أخرى فإن الحركة الوطنية المصرية فى واقعها الفعلى ما تزال على الأرض التى حققها النظام إبان انتصاراته ، رفض الأحلاف وتأميم الاحتكارات الاستعمارية وتأييد حركت التحرر الوطنى العالمية ، والتحالف مع المعسكر الاشتراكى .
وهنا يبدو شعار الاطاحة قفزة خارج حركة الجماهير الشعبية التى ماتزال تعتقد أن الناصرية رمز الكفاح ضد الأعداد التاريخيين . لذلك فإن عزل قيادة البرجوازية البيروقراطية للحركة الوطنية وإبراز الدور القيادى للطبقة العاملة هو المهمة الملقاة على عاتق الحزب الشيوعى ن ولن يتحقق ذلك إلا بتعميق الصراع داخل الحركة الوطنية ضد التنازلات وإقصاء الجماهير الشعبية وضد منهج البيروقراطية كطبقة ككل .
وتستوجب خطورة الموقف الذى يقودنا إليه هذا المنهج أن يشن هجوم جماهيرى ساحق على أقصى يمين السلطة الداعى إلى الاستسلام مستهدفاً الإطاحة به ، على ألا تقتصر مطالب الإطاحة بأقصى اليمين على فرد معين بل على تلك المجموعات المتربعة فى المراكز القيادية فى الاقتصاد والاتحاد الاشتراكى والجماعاات الناعقة بالاستسلام للاستعمار الاميركى .
ولابد من الإشارة إلى أن أى وضع تحتدم فيه التناقضات بين الاستعمار وبين السلطة يستوجب من الشيوعيين أن يقفوا موقف التأييد من كل ضربة توجهها السلطة للأعداء . التأييد الثورى دون خلط بين تأييد مواقف معينة وبين قضية الجبهة . وعلى أساس الموقف من السلطة يتحدد الموقف من الطبقات الاجتماعية الآخرى من زاوية الجبهة . فالسلطة حالياً لا تمثل الطبقة فى فترة صعودها ، وأوج مقدرتها على تحقيق الإنجازات والانتصارات وتوجيه الضربات إلى الأعداء بل فى فترة انحدارها التدريجى ومحاولتها التزام الجانب الدفاعى فى التمسك بما يمكن التمسك به من مكاسب الفترة السابقة .
فلننتقل الى موقف الطبقات الاجتماعية المختلفة من الطبقة الحاكمة فى إطار حركة التحرر الوطنى باتساعها وعمقها الحاليين الذى ترك أثره على تركيب السلطة وإتجاه حركتها . لقد عجزت الحركة الوطنية طول تاريخها الماضى عن أن تفرض فى فترة صعود البرجوازية القومية وتصادمها مع الإمبريالية ، حلفاً وطنياً ، وتربعت البرجوازية القومية ثم البرجوازية البيروقراطية منفردة على مواقع القيادة بإستخدام أساليب القهر البوليسى والتضليل الفكرى فاستفحلت نزعاتها المعادية للديمقراطية والشيوعية إلى أن صار تبلور الطبقة الجديدة البيروقراطية تدريجيا بعيداً عن ضغوط الجماهير الشعبية . فبدلا من جذب العناصر والمجموعات الأكثر تماسكاً فى معاداة الامبريالية على مواقع التحالف ، ( بفعل خشية هذه الطبقة على نفوذها ، وأرباحها ). فإنها لجأت وقتها كطبقة فى طور التكوين ، إلى طرق الانصهار التدريجى مع المجموعات الأكثر استعداداً للتهادن مع الإمبريالية والصهيونية ، وتسوية سائر المسائل المعلقة معها على مبدأ " السلام العادل ".
فالطبقة الحاكمة كانت قد تعلمت ، من تجربتها التاريخية على رأس حركة وطنية تتميز بضعف مراكز الطبقة العاملة وتفتت الفلاحين وتردد البرجوازية الصغيرة أن أكبر الثمار يمكن اجتنائها بمواصلة إقصاء الجماهير الشعبية عن أن تلعب دورها كطبقات ينمو وعيها وتنظيمها وتهدف إلى المشاركة فى السلطة ومكاسب تحرر الجماهير كأدوات لا وقود لمعاركها .
لقد سارت البرجوازية القومية ، ثم البرجوازية البيروقراطية المصرية فى طريق النمو الرأسمالى منذ طويل ، ولم يؤد الاستقلال السياسى إلى أن تستولى الحركة الوطنية بكل طبقاتها على السلطة ، بل أدى إلى انفراد طبقة واحدة بالسلطة نتيجة للواقع الفعلى لميزان القوى الطبقية فى مصر .
وسوف نقوم ، فى المستقبل القريب ، بتحليل موجز للطبقات الأساسية فى المجتمع المصرى من زاوية العلاقة مع البرجوازية القائدة داخل الحركة الوطنية .

الطبقة العاملة المصرية :
" الصفحات التالية هى فى الأصل قسم من الوثيقة المعنونه " قضية التحالف الطبقى فى مصر ، والتى ظهرت ضمنها فى إبريل 1971. وفى هذه الصفحات محاولة لمعالجة طبقتنا العاملة من زاوية التحالف الطبقى ، أى زاوية قضية تنظيمها الحزبى ، قضية بناء حزبها الشيوعى فى المرحلتين السابقتين مرحلة حزب 24، ثم المرحلة منذ الحرب العالمية الثانية حتى أواسط السيتنيات "

أسهمت الطبقة العاملة المصرية فى الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطانى بدور مجيد ، وكانت لها رايتها المستقلة فى ثورة 1919 ووصل تطورها إلى انضواء مئات من أبنائها تحت قيادة الحزب الشيوعى المصرى 1925 وناضلت أجزائها الواعية ممثلة فى طليعتها ببسالة ضد الإمبريالية الإنجليزية وعملائها : الملكية البوليسية ، وكبار ملاكى الأرض ، والرأسماليين المتحالفين مع الاستعمار . كما اتخذت موقفا ثورياً من تهادن الوفد ، حزب الإصلاحية الليبرالية القومية ، فكشفت مساوماته لتصفية النضال الثورى مقابل الحصول على تنازلات لصالح البرجوازية وملاك الأرض . وعملت على أن تنتزع قيادة حركة التحرر الوطنى من بين براثن الوفد ، الذى حطم التنظيمات المناضلة للطبقة العاملة الاقتصادية والسياسية وسار فى طريق التفاهم مع العدو .
ولقد نجح الحزب الشيوعى المصرى ( الأول ) فى أن يقود كفاح الأجزاء المتقدمة من الطبقة العاملة المصرية لتشكيل اتحاد عام للعمال المصريين . وتشكل هذا الاتحاد بالفعل . كما قامت فصائل من الطبقة العاملة بقيادة الحزب بسلسلة من الإضرابات الاقتصادية . ولكن الحزب الشيوعى المصرى بتراثة العظيم وتضحيات أعضائه الهائلة ، ارتكب أخطاء قاتلة فهو فى المحل الأول اتخذ موقفاً يساريا من الوفد ، حزب البرجوازية المتقدمة ، فوضعه فى صفوف أحزاب الخيانة ، ولم يتخذ موقفاً جدليا من طبيعة الوفد المزدوجة فى تلك المرحلة ، فلم يفرق بين عزله عن قيادة الحركة الوطنية وبين الهجوم عليه كأحد فصائل العدو . فأدى ذلك إلى إنعزال الحزب نفسه عن جماهير الحركة الوطنية ، التى كانت ما تزال تتبع الوفد وهو حزب من الناحية الموضوعية كان قادرا على توجيه الضربات للاعداء وعلى الإسهام فى أن تنتزع الجماهير الشعبية الحريات الديمقراطية النسبية فى مواجهة الاستعمار والقصر ، رغم تأرجح مواقفه . كما أدى الموقف الانعزالى بالحزب إلى إغفاله التفرقة بين الكفاح السياسى للطبقة العاملة وكفاحها النقابى . ووصل إلى درجة أن أصبح للحزب والاتحاد العام للنقابات مقر واحد .
وقد ساعد ذلك على حصر دور العمل النقابى فى عدد ضئيل من العمال الواعين طبقياً بدلاً من أن يكون مدرسة نضالية للآلاف من أبناء الطبقة العاملة مهما يكن قصور وعيهم السياسى والفكرى . كما وضع ذلك أيضاً قيوداً على عمل الحزب الشيوعى فى صفوف الطبقات الوطنية غير العمالية فلم يعمل فى صفوفها.
وفى الأركان المنعزلة تمكن الاستعمار وعملائه متعاونين مع البرجوازية القومية من توجيه الضربات القاتلة إلى حزب الطبقة العمالية من خارجه بالقمع البوليسى الوحشى ، ومن داخله بالتخريب والتجسس وتقديم رقبة الحزب لسكين العدو .
وظلت الطبقة العاملة منذ تصفية الحزب الشيوعى فريسة للتلقائية ، تقع فى شباك أعدائها فى الكثير من الأحوال . ولكن ما أكثر ما تألقت ومضات فى هذه التلقائية فلم يكف العمال المصريون عن كفاحهم فى مستوى الوعى التلقائى من أجل تشكيل اتحاد عام لهذه النقابات ومن أجل الحصول على شروط أفضل لبيع قوة عملهم مستخدمين الأساليب القانونية المختلفة لتحقيق هذه الأهداف بما فيها حق الأضراب .
وفى المستوى السياسى وقف العمال ضد الاستعمار ومعاهداته وعملائه ، كما شاركوا بشكل واضح فى معارك الحريات السياسية ، التى لم تنفصل أبداً عن الكفاح الوطنى .
ولكن هذه الومضات من الوعى السياسى ظلت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية انعكاسا لوعى البرجوازية الليبرالية ولا علاقة لها بالوعى الاشتراكى .
وبعد انتصار الاتحاد السوفياتى على الفاشية ونجاح عدد من الأحزاب الشيوعية فى شرق أوربا فى الوصول إلى السلطة واندلاع الحركة التحررية فى جنوب شرق آسيا ، اكتسح المد الثورى بلادنا وبدأت المرحلة الثانية فى تاريخ الحركة السياسية للطبقة العاملة المصرية ، بعد تصفية أول حزب شيوعى مصرى ، ونشأت التنظيمات الشيوعية المختلفة متعادية منفصمة منذ لحظة الميلاد ، وكان التياران الرئيسان فيها : الحركة المصرية للتحرر الوطنى والفجر الجديد ، وقد اتخذ كل منهما أسماء أخرى بعد ذلك . فالتيار الأول ( حدتو) ، ثم الحزب الموحد ، ثم حدتو مرة ثانية والثانى د.ش ( الديمقراطية الشعبية ) ، ثم طليعة العمال ،ثم حزب العمال والفلاحين .
وعلى الرغم من الصراع اللامبدئى بين التيارين ، فهما يشكلان فصيلة انتهازية ذات ملامح فكرية واحدة من ناحية الأساس ، رغم الاختلافات الفرعية والتكتيكية والمنعرجات المتباينة ، التى سارا فيها حتى نهايتها الموحدة .
المرحلة الثانية للحركة الشيوعية :
لقد نشأت الحركة الشيوعية فى مرحلتها الثانية فى أعقاب انتصار الاتحاد السوفييتى على الفاشية الهتلرية . مما دفع عدداً من مثقفى اليهود الذين لا جذور شعبية لهم إلى التعاطف المؤقت مع الاتحاد السوفييتى ومع الماركسية ، والى أن يتصدوا لتكوين التنظيمات الشيوعية نتيجة للتخلف الفكرى لدى المثقفين المصرين ذوى الأصول الشعبية . وعجزهم عن ملاحقة التيارات الفكرية فى العالم فى جو سياسى يبعد الجماهير عن الثقافة ولا يفتح أبواب التعليم فى الخارج إلا أمام الطبقات الاستغلالية .
فلم يكن الإلمام بالفكر الماركسى متاحاً إلا للصفوة من الأجانب والمصريين الذين سمح لهم وضعهم الطبقى بالتعليم فى الخارج . وكان للدعاية الاستعمارية المعادية للشيوعية أثرها الواضح فى إبعاد المثقفين المنحدرين من أصول شعبية عن الإلمام الواسع بالماركسية ، الذى يمكنهم من التصدى لتكوين التنظيمات الشيوعية .
وترك التكوين الاجتماعى للقيادة طابع الميوعة على الحركة فى بدايتها , طابع اليهود المتمصرين والأجانب وأبناء البرجوازية الكبيرة المصرية ، والمراتب العليا من الإقطاع ( هنرى كورييل ، وشوارتز ، جاكوب دى كومب، أحمد صادق سسعد ، ريمون دويك ، يوسف درويش ، محمد سيد أحمد ، نبيل الهلالى ، الهامى وعادل سيف النصر) .
وكان من الممكن لتطور الحركة فى المستقبل أن يقوم بتمصير التنظيمات ، وأن يزيح هذا الطابع المتخلف جانباً .، بل وأن يعيد تشكيل أصلب العناصر التى اشتركت فى التأسيس ، وقد حاول ذلك عدد من املثقفين الثوريين منذ البداية ، مثل (شهدى عطية الشافعى ، وعبد المعبود الجبيلى ، وأسعد حليم ، وفوزى جرجس ) ومعهم بعض العمال الواعين ، وقد تحقق فى هذا الصدد بعض الانتصارات .
ويجب أن يكون واضحاً أن الحركة الشيوعية المصرية فى أعقاب العالمية الثانية لم تنشأ نتيجة لمؤامرة يهودية ولم تكن مجرد أداة فى أيدى الأجانب ، بل إن اشتراك هؤلاء فى تأسيسها كان نتيجة لعوامل موضوعية ، وكانت نشأة المرحلة الثانية للحركة الشيوعية فى إطار حركة وطنية محتدمة سفحت دماً غزيراً تواجه حكومات القصر وكبار ملاك الأرض والرأسمالية المتحالفة مع الاستعمار .
وكان الوفد ، حزب البرجوازية القومية ، يلعب دوراً بارزاً فى معارضة الحكومات ومشروعات الأحلاف العسكرية بطريقته ، ولصالح طبقته . وكانت أجزاء كبيرة من البرجوازية الصغيرة فى المدن وأعيان الريف تلتف حوله . بينما كانت أجزاء محدودة أخرى من هذه الفئات تتجه إلى اليمين ، إلى الإخوان المسلمين المتحالفين مع الرجعية السياسية .
وكانت حركة الطبقة العاملة النقابية فى هذه الفترة الفترة تتعرض لهجوم وحشى من جانب الحكومات العميلة وكان القادة النقابيون يتطلعون إلى حكومة وفدية تنقذهم من هجمات صدقى والحكومت العميلة ومحاولات الإخوان لتحطيم الحركة النقابية لخلق نقابات إسلامية وكان ذلك مناخاً دفع بالحركة الشيوعية الوليدة إلى أن تقفز من الانحراف اليسارى لحزب 24 إلى الانحراف اليمينى الذى طبعها بطابعه، وقد أسهم تكوين قيادتها فى تثبيت هذا الانحراف وتعميقه .
والانحراف اليمينى قد تجسد فى المبالغة فى دور البرجوزية القومية وتأييد مواقفها ذيلياً ، والخشية من إبراز شعارات الطبقة العاملة المستقلة حتى لا تفزع البرجوازية واهمال جانب الصراع من التنظيم .
لقد دافعت حدتو عن خط القوات الوطنية والديمقراطية وأطلقت على التنظيم الشيوعى المزعوم اسم حركة ديمقراطية التحرر الوطنى ، حركة فضفاضة لا تعرف الحدود الفاصلة بين خط الطبقة العاملة فى الحركة الوطنية وخط البرجوازية ، ووضعت فى برامجها بنداً دائماً هو العمل على مجئ حكومة الوفد وحمايتها حينما تشترك فى السلطة . وأصبحت اللجان الوفدية وسرادقات الوفد الانتخابية والمظاهرات الهاتفة بحياة الرئيس الجليل ( مصطفى النحاس ) هى أشكال الكفاح الجماهيرية الأساسية ، إن خط القوات الوطنية الديمقراطية ، خط يونس ( هنرى كورييل) وشكرى ( مصطفى طيبة حينما كان فى حدتو) كان خط التصفية الطبقية منذ البداية .
ومن الناحية الأخرى ذهبت مجموعة الديمقراطية الشعبية (د.ش) إلى أبعد من ذلك . لقد اعتبرت الوفد جبهة وطنية يمكن أن ينشأ الحزب الشيوعى من داخله باعتباره جناحه اليسارى . بل كونت داخل الوفد ما سمى باسم الطليعة الوفدية كبرعم ينمو ويأخذ شكلاً حزباً شيوعياً فيما بعد . فالتياران الانتهازيان رغم صراعهما استمرا يحملان معا أيديولوجية التعاون الطبقى وإخضاع مصالح الطبقة العاملة لمصالح البرجوازية القومية باسم التحالف الطبقى . وقد غرق التياران معاً فى الحركة القومية البرجوازية وأغفلا الرابطة الجدليه بين الحركة الوطنية والصراع الطبقى داخلها . وأصبحت مجالات النضال الأساسية هى المجالات التى تخلقها البورجوازية , صحفها ومنابرها وسرادقها ولجان أحزابها .
وعلى الرغم من ذلك ، فقد اخترق نضال الشيوعيين فى هذين التيارين الحدود الرسمية وأرغموا القيادة الانتهازية فى بعض الأحوال القليلة على اتخاذ مواقف ثورية . ولكن الطابع العام للعمل كان يمحوا الحدود الفاصلة بين الطبقات فى الكفاح الوطنى ضد الرجعية . وضمن هذا المنهج اتجه التياران إلى الطبقة العاملة .
اتجهت حدتو إلى عدد من رؤساء وأعضاء مجالس النقابات وأدمجته فى العمل السياسى الوطنى ، وكانت الدعاية والإثارة قاصرة على كشف الاستعمار الأنجلو أمريكى وعملائه .
واقتصرت د.ش على العمل النقابى ، الضيق الأفق، البعيد عن السياسة ، بل لقد وقفت قياداتها الانتهازية بشكل سافر ضد ربط العمل النقابى بالعمل السياسى .
ونأخذ إضراب شبرا الخيمة الكبير 1946 ولجنته من الطلبة والعمال التى عبرت عن احتدام التناقض بين الجماهير الشعبية والسلطة الرجعية . فماذا كان موقف التيارين الانتهازيين من هذا الاضراب ومن هذه اللجنة ؟
تصدت حدتو لقيادة الاضراب الذى استمر ما يقرب من 45 يوماً فى مواجهة عدوان رأس المال الاستعمارى والمتحالف مع الاستعمار على حقوق العمال وتشريدهم وإغلاق عدد من المصانع ، فى فترة كان يعلو فيها صوت الرجعية لإقامة حلف عسكرى مع الاستعمار ، وكان للأحزاب وجهها الثورى بلا جدال ، ولكن القيادة الانتهازية دخلت الإضراب دون إعداد ثورى ، دون شبكة من لجان قاعدية تسانده واقتصرت على لجنة اضراب علوية من عدد ضئيل من أعضائها .
وحرصت أن تخفى الوجه السياسى للإضراب حتى لا ينزعج حلفائها من البرجوازية من اتساع الحركة العمالية وظهورها كقوة جديدة مستقلة ... واكتفت بأن يتحول هذا الإضراب الضخم إلى أداة للضغط والمساومة مع اصحاب العمل من أجل المكاسب الاقتصادية .
ولم ينجح الإضراب فى تحقيق ماكان يمكن أن يحققه . وتصدت حدتو أيضاً لقيادة لجنة الطلبة والعمال ،. وكان لهذه اللجنة ان تكون بشكل من الأشكال نواة التحالف بين الطبقة العاملة وفئة ثورية فى المعترك الوطنى ولكنها كانت لجنة بلا جذور أو دعامات . فلم يكن هناك تنظيم طلابى يسندها بل لم يكن لها لجان قاعدية على الاطلاق ، كما أن مشاركة الحركة النقابية فيها كان قاصراً على الماركسيين وأصدقائهم . فاختنقت هذه الشرارة أمام ضربات الرجعية دون أثر فعلى .
فقد كان الكفاح الجماهيرى بالنسبة لخط القوات الوطنية والديمقراطية ومحدوداً بالنطاق الذى لا يمكن أن تتخطاه البرجوازية القومية أو الذى تخشى تجاوزه . نعم لكل أشكال الكفاح ، ولكن شرطا ألا يتحول الإضراب العمالى من عمل يزعج الحكومة الرجعية إلى إبراز قوة جديدة ، وإلا ستتحول لجنة الطلبة والعمال إلى قوة ثورية منظمة متغلغلة فى صفوف الجماهير . فالعمل الجماهيرى هو إحداث أكبر قدر ممكن من الضجة . وتنحسر الضجة ولا يبقى أى شكل من أشكال التنظيم الجماهيرى مرتبط برباط عضوى بالحزب الطليعى ولا أى شكل من أشكال الحركة والوعى السياسى يكفلان استمرار العمل النضالى .
أما (د.ش) فقد حاربت قياداتها الإضراب لأسباب اقتصادية . فمادام أصحاب العمل يغلقون المصانع فكيف نساعدهم على ذلك بالإضراب؟ ولم تستطيع قياداتها أن ترى المناخ السياسى للإضراب المتمثل فى احتدام التناقض بين الجماهير الشعبية والحكومة الرجعية . أو ترى الأفق السياسى لإضراب عمالى كبير يرتبط بالمد الثورى الوطنى ، يحول الصدام الاقتصادى إلى صدام بالنظام .
إن القيادة الانتهازية ظلت حبيسة انحرافها النقابى وذيليتها لأساليب عمل حزب البرجوازية القومية التى تقتضى ألا تخرج الحركة العمالية فى فترات المد الثورى عن نطاق المطالب الاقتصادية المحدودة . كما وقفت هذه القيادة ضد لجنة الطلبة والعمال بحجة أن هذه اللجنة سابقة على نضج الحركة الوطنية . فلقد كانت هذه القيادة متمسكة فى عملها الدائب على أن يدور الكفاح العمالى فى النطاق النقابى فحسب حيث يمكن للوفد أن يقدم تنازلاته .
فمنذ البدايات كانت (حدتو) ود.ش شقا الرحى ، وقد طحنت الحركة السياسية للطبقة العاملة بين هذين الشقين اللذين كانا منذ البداية يلعبان دور ذيل البرجوازية القومية فى صفوف الطبقة العاملة والحركة القومية .
الطبقة العاملة والتيار الإصلاحى :
وننعطف هنا عند تأثير البرجوازية القومية فى الطبقة العاملة على مستوى الكفاح النقابى . هذا التأثير الذى كان سنداً لانتهازية الانحراف اليمينى . لقد كانت الحريات الديمقراطية المحدودة ، التى تتيحها حكومة الوفد حتى تتمكن من مواجهة خصومها من اليمين ، سلاحا استخدمته الحركة العمالية لانتزاع مشروعية تكوين النقابات عام 1942 وقانونا التعويض عن إصابات العمل ، وبعض المكاسب الاقتصادية ، وكانت هذه المكاسب منفذ الوفد داخل العمال الذى كان ينشر الأوهام الإصلاحية ويحاول إخضاع الحركة النقابية لقيادته ويحصل على أصوات انتخابية لترجيح كفته .
ولم تعمل القيادات الشيوعية الانتهازية على الوقوف ضد التيار الإصلاحى داخل الطبقة العاملة المصرية ، بل على العكس ساعدت على تدعيمة . ففى مواجهة هذا التيار الذى يقصر كفاح الطبقة العاملة على المطالب الاقتصادية الجزئية ، كان يقتصر دورها السياسى على اتخاذ مواقف التأييد لخط البرجوازية القومية فى مواجهة الاستعمار .
كانت التنظيمات الشيوعية الصغيرة التى تكونت فى مجرى الصراع ضد الانتهازية اليمينية ( نحشم , النواة، طليعة الشيوعيين) تحاول أن تحمل الوعى الاشتراكى إلى الطبقة العاملة . وأن تبرز منهجها المتماسك فى مواجهة الاستعمار وأن تكافح من أجل استقلال الحركة النقابية وتحويلها إلى قاعدة للنضال الثورى ، وأن تعمق الصراع مع البرجوازية داخل الحركة الوطنية . ولكن هذه المحاولات كانت خافتة مبعثرة ضعيفة الأثر فى مواجهة التيار الإصلاحى السائد .
وحينما طويت صفحة الوفد وفى أعقاب 1952 كان الكفاح الأساسى داخل الحركة النقابية هو حماية النقابات العامة أمام مؤامرات أصحاب العمل والأجهزة البوليسية للحيلولة دون تفتت الحركة النقابية .
وكان هذا الواقع إيذانا برفع شعار اتحاد عام للعمال ، وهو شعار كانت تجرمه الحكومة الرجعية . وكان كفاح ( حدتو) لخلق هذا الاتحاد قاصراً على الدعوة إلى تشكيل لجنة تحضيرية لاتحاد العمال تضم فيها اتباع السلطة لخلق واجهات شكلية لقاعدة عمالية مناضلة من ناحية ، وإغفال المغزى السياسى لتكوين اتحاد للعمال ومحاولتها السيطرة على الحركة النقابية من ناحية أخرى .
وأما قيادة (د.ش) فاعتبرت الكفاح السياسى من اجل تحقيق الوحدة النقابية لحركة الطبقة العاملة فى مواجهة العوائق الثانوية ومحاولة السيطرة من جانب السلطة سابقاً لأوانه ، وطالبت بتدعيم النقابات العامة كطريق تدريجى لتحقيق الاتحاد فى المستقبل . مؤجلة مواجهة البرجوازية فى هذه المسألة الهامة من مسائل الحريات الديمقراطية وحقوق الطبقات الشعبية ، أى تاركة السلطة وحدها فى هذا المجال .
وحينما حسمت السلطة المسألة ، ولم تنتظر أحداً وشكلت اتحاداً لنقابات العمال . اتحاداً شكليا تسيطر عليه تماماً ، وعينت قيادته من عملائها ووضعت على رأسة النقابى الأصفر أنور سلامة ، لتصفية الحركة النقابية كحركة مستقلة وتحويلها إلى مصلحة حكومية ! رحبت القيادتان الانتهازيتان بالعمل الثورى العظيم !!
وتلا ذلك التظيم الحركة النقابية بحيث أصبحت خاضعة للاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى . وأهدرت أبسط أشكال الديمقراطية النقابية بتدخل الأجهزة السياسية والإدارية ومنحها حق الاعتراض على المرشحين للمستويات المختلفة وجاء إلغاء الانتخابات الفعلى ومنع الجمعيات التأسيسية من الانعقاد تتويجاً لمحاولات الإجهاز على الحركة النقابية .
وبعد إجراءات يوليو 1961 الاقتصادية والسير خطوات فى طريق التنمية أصبح لدى البرجوازية البيروقراطية الحاكمة فتات لتقدمة للنقابيين الصغار القدامى ولمن تستطيع إفساده من النقابيين الشرفاء ، فجهازها الإدارى فى حاجة إلى اعداد متزايدة من الأتباع لكى تضمن إخضاع التنظيمات العمالية لأهدافها ، ولإفراغ هذه التنظيمات من محتواها ولخنق أى محاولة لكفاح نقابى حقيقى .
لقد برز طفح الأرستقراطية العمالية على الطبقة العاملة متغلغلا فى الحركة النقابية وفى أشكال " التمثيل " الأخرى للطبقة العاملة فى مجالس إدارات ولجان الاتحاد الاشتراكى ومجلس الأمة ، وأصبحت هذه الأرستقراطية العمالية هى السند الرئيسى للسلطة فى صفوف الطبقة العاملة .
وبالإضافة إلى ذلك ، أدى التصنيع إلى انضمام فئات جديدة من الفلاحين المعدمين النازحين من القرية ، ومن الحرفيين المفلسين إلى الطبقة العاملة . وهى جماهير لم تعرف حتى التنظيم النقابى من قبل . بالإضافة إلى انخفاض مستوى معيشتها إلى أقصى درجة ، ويسهم ذلك مؤقتاً فى تميييع الكفاح الاقتصادى والسياسى ، وإضفاء الهدوء النسبى على الحركة التلقائية للطبقة العاملة .
ومن جهة أخرى ، كان أثر التصنيع والقطاع العام ( رأسمالية الدولة ) على الحركة الشيوعية شديدة الوطأة ، فبعد القليل من التأرجح اتفق التياران الانتهازيان على أن البلاد تسير فى طريق التطور غير الرأسمالى المؤدى إلى الاشتراكية وأعلنا فى تسابق محموم حل تنظيميهما وتقدمت القيادتان إلى الأجهزة الرسمية بطلبات الاستخدام .
ولكن الحقائق أشياء عنيدة ، فالاستغلال الرأسمالى يسحق بوطأتة مصالح الأكثرية الساحقة من العمال ويتضاءل نصيبهم من ناتج عملهم لصالح حفنة تتضخم امتيازاتها من الطفيليات فى القطاع العام والخاص ، ويكشف التضليل بالاشتراكية عن وجهه الحقيقى فى الصدام اليومى بين مصالح العمال ومصالح الإدارة فى القطاع العام ومختلف القضايا ، التى يفصل فيها لصالح الإدارة . وتكشف نسبة الـ50% الشكلية عن زيف التمثيل العمالى المزعوم . فالعمال يحال بينهم وبين الاشتراك فى توجيه الانتاج أو الرقابة عليه ، كما هو يحال بينهم وبين أى مشاركة فى التشريع .
ويؤكد ما سبق أن الحزب الشيوعى ضرورة موضوعية للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة االتاريخية فى مواجهة البرجوازية البيروقراطية ورأسمالية القطاع الخاص . وليخلص هذه الطبقة من قصورها الذاتى الإصلاحى لكى تصبح قادرة على القيام برسالتها على رأس الحركة الوطنية حتى تصل بالثورة إلى نتيجتها المنطقية الاشتراكية .
******************************************************
4 -- مطالب الحريات الديمقراطية فى مصر :

كانت هجمات الاستعمار والطبقات الرجعية على القوى الوطنية فى مصر تأخذ دائماً شكل حرمان هذه القوى من حرياتها الديمقراطية ، ومحاولة إلغاء ما استطاعت هذه القوى انتزاعه من هذه الحريات . وتؤكد تجربة الكفاح الوطنى المصرى أن معركة الاستقلال ارتبطت دائماً بمعركة الحريات الديمقراطية . وكان دستور 1923 يحدد المواقع الجديدة التى استطاعت القوى الوطنية فى ثورة 19 أن تصل إليها داخل النظام الملكى التابع للإستعمار ، وكانت البرجوازية القومية المعادية للاستعمار هى التى ترفع راياتها على هذه المواقع . إن شعار الحلقة الأولى من الثورة البرجوازية القومية كان " الاستقلال والدستور".

التيار الليبرالى المصرى :
ونتيجة لقيادة البرجوازية القومية لهذه الحركة الوطنية ونجاحها فى أن تفرض على هذه الحركة ألا تتجاوز المصالح الضيقة للبرجوازية ( تلك االبرجوازية التى استمدت أصولها من أعيان الريف ، فلم تطرح شعار الأرض ولم تربط المسألة القومية بالمسألة الفلاحية ، وبرزت إلى المسرح السياسي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية فى ظروف متقدمة من الصراع الطبقى فبدت عليها علامات الذعر من حركة الطبقة العاملة ، ومعاداة الشيوعية منذ البداية ) فقد نشأ التيار الليبرالى المصرى محدوداً ضيق الأفق ، رغم أهميته التاريخية ، ففى مواجهة الحكم المطلق للقصر وعملاء الاستعمار ، كانت الليبرالية المصرية تدافع عن شكل من أشكال البرلمانية البرجوازية على الرغم من أنه استبعد الحزب الشيوعى على وجه التحديد ، وحرم وجوده ، فانه يتيح للقوى الوطنية أن تجد منافذ وأدوات الضغط والهجوم على السلطة الرجعية ، لذلك كان القصر والاستعمار دائما يعملان على إلغاء الحياة النيابية وفرض الأحكام العرفية .
وحقق التيار الليبرالى المصرى ، الذى تقوده البرجوازية القومية الكبيرة (وتنطوى بين صفوفه جماهير البرجوازية الصغيرة فى المدينة وخاصة قطاعاتها المثقفة ) الكثير من الانتصارات التى أضعفت النفوذ الاستعمارى والرجعى المصرى . ففى ظله صنعت الحركة أسلحة النضال الديمقراطى ( بعض التنظيمات السياسية والوطنية ، حقوق التنظيم الجماهيرى والتعبير والتجمع والتظاهر والإضراب ) . ومكن هذا التيار – رغم تناقضه- الشارع فى مصر من أن يلعب دوراً موجها فى الحياة السياسية ، ولم تنجح الحكومة فى أن تفرض أى شكل من أشكال الأحلاف العسكرية على بلادنا ولقد كانت الردة الوطنية دائما مصاحبة للإعتداء على الحريات الديمقراطية النسبية التى اكتسبها الشعب بدمه وكفاحه العنيد .

ولم تكن الحريات الديمقراطية النسبية فى فترة ما قبل 52 واجهة شكلية أقامها الاستعمار والرجعية ، بل كانت أسلحة نضال صنعتها الحركة الوطنية فى غمار المعركة المعادية للإستعمار والرجعية ،وعبرت عن الحجم الفعلى للحركة الوطنية.
وتميزت الليبرالية المصرية فى فترة ما قبل 52 بتأكيدها الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تعبيراً عن حق البرجوازية القومية فى أن تجد لنفسها مكانا داخل السلطة الإقطاعية والاستعمارية وعن نجاحها الجزئى فى أن يحقق ممثلوها أحياناً أغلبية فى المجالس التشريعية وفى القضاء ، بكسر الهيمنة المطلقة للطبقات الرجعية الحاكمة . وبطبيعة الحال كان ذلك يفترض وجود معارضة سياسية منظمة ، ويعمل على كفالة استمرارها ، بالإضافة إلى محاولة تحقيق ضمانات قانونية للمواطنين فى مواجهة بطش الطبقات الرجعية المسيطرة دائماً على أجهزة القمع برفع شعار استقلال القضاء وعدم قابلية القضاة للعزل .

سلطة يوليو والحكم البونابرتى :
ولقد استطاعت الطبقة العاملة أن تستفيد إلى بعض الحدود من المنافذ والثغرات ، التى صنعتها الليبرالية فى الأسوار المفروضة على الحياة السياسية والاقتصادية المصرية فقامت إلى هذه الدرجة أو تلك بدورها فى المعركة الوطنية وتلقت دروساً ثمينة على أرض المظاهرات والإضرابات ومعارك الحريات السياسية فى اتجاه نضجها الثورى .
وحينما ننتقل إلى الحلقة الثانية من الثورة البرجوازية القومية فى 1952، نجد تناقضات نمو البرجوازية منعكسة فى مسألة الحريات الديمقراطية . لقد وجهت سلطة يوليو أقسى ضرباتها إلى الليبرالية البرجوازية والى كل التنظيمات السياسية والاقتصادية والجماهير الشعبية . وفى مواجهة الجماهير الشعبية من ناحية أخرى ، وبدت منذ البداية وكأنها قوة تقف فوق المجتمع ، فقد كانت مستقلة إلى درجة معينة عن الارتباط العضوى بالأجهزة السياسية والاقتصادية للبرجوازية الكبيرة القومية المعادية للاستعمار ، التى يدار الحكم لصالحها ، واتخذ الشكل السياسى للحكم الطابع البونابرتى .
لقد نحيت الطبقات الحاكمة الرجعية كما نحيت البرجوازية القومية ، التى كانت تشارك جزئيا فى الحكم عن الإمساك بالسلطة ، وأصبحت علاقة البرجوازية الكبيرة بالسلطة غير مباشرة ، فهى لا تحكم بأبنائها ولا بأجهزتها التقليدية ( أحزابها وبرلمانها وتنظيماتها الاقتصادية ) رغم ضخامة مكاسبها واتساع نطاق اقتصادها ، ودوران البلاد فى فلك مصالحها وسيادة أيديولوجيتها ، بل عن طريق أفراد جدد استولوا على جهاز الدولة .
إن الضربة لم توجه إلى الأشكال الرجعية للحياة السياسية فحسب بل إلى كل الأشكال السياسية ، إلى كل الحريات الديمقراطية لكل الطبقات الوطنية ، بل كان للطبقات الشعبية أكبر نصيب من هذه الضربات . فلقد اضطهدت السلطة الجديدة الشيوعيين والديمقراطيين الوطنيين والعمال النقابيين وملأت بهم السجون والمعتقلات وألغت كل المنابر المستقلة ، وصفت كل الضمانات القانونية وأعلنت حكم الشعب ممثلاً فى جهاز بوليسى متعدد الأفرع شديد الضراوة .
وليس هنا مجال الحديث عن تطور الاقتصاد البرجوازى وتكوين البيروقراطية البرجوازية تجسيداً لمنطقة فى الظروف النوعية الخاصة لمصر ، مما استدعى توجيه الضربات إلى دعائم البرجوازية التقليدية وإعلان ( الاشتراكية ) قومية الطراز شعاراً لطريق النمو الرأسمالى فى بلادنا .
فما يعنينا فى هذا الصدد هو ما أدى إليه ذلك من شمول سيطرة الدولة ، ونمو أجهزتها سرطانيا من ناحية والطبيعة الفريدة للشكل السياسى البونابرتى . الذى اتخذته البرجوازية البيروقراطية من ناحية ثانية .
لقد عصفت هذه الطبقة بالبرلمانية , بالحكومة التمثيلية وبأى شكل من أشكال التنظيم السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى أو الثقافى المستقل لأى طبقة من الطبقات الوطنية وأقامت ديكتاتورية صارمة لأجهزة السلطة التنفيذية ، أجهزة القمع البوليسى والمخابرات والدوائر الضيقة من القادة السياسيين المسيطرون على هذه الأجهزة وعلى رأسهم زعيم كلى الجبروت ، وأصبحت الإجراءات الاستثنائية لفترة الانتقال ، التى استغرقت ما يقرب من 19 عاما ، نظاما راسخاً ، وكان هذا الشكل سياجا تنمو داخله البيروقراطية البرجوازية بمعزل عن اليمين واليسار فى فترة تميزت بإحتدام التناقضات التى صاحبت نشأة هذه الطبقة ونموها .
ونتيجة لأن الوجه الرئيسى لصراع البونابرتية فى فتررة نشأة الطبقة الجديدة ونموها كان الصراع ضد الاستعمار وكبار ملاك الأرض والرأسمالية المتحالفة معه والرأسمالية التقليدية . فقد كان الاتجاه المسيطر داخل هذه الطبقة هو الاتجاه الأقل تهادناً مع الأعداء التاريخيين ، وكان محتوما أن يستكمل استيلاءه على أجهزة القمع وان يفرز فيما يتعلق بالديمقراطية نظرية ديماغوجية تدعم سيطرته الفكرية على الجماهير الشعبية .
ومن المفارقات ، أن ظهور هذه النظرية استلزم تزييف جوانب منزوعة فى وحشية من سياقها فى نظرية ( ديكتاتورية البروليتاريا ) فى ظروف التجربة السوفياتية بالذات . تلك النظرية التى تضعها السلطة فى مقدمة خلافاتها مع الماركسية .. فالسلطة هى ممثلة الشعب كله . وليست الأحزاب إلا أدوات للرجعية والاستعمار . والحريات الديمقراطية ليبرالية استعمارية .
وفى الواقع كان ( الاتحاد الاشتراكى) ديكوراً سياسياً . فلم يكن أبداً حزباً حاكماً يستولى ، بوصفه حزباً ، على السلطة ، أو تحدد التناقضات داخله مسار التغيرات فى حركة السلطة ، بل كان على العكس أداة هزيلة فى أيدى المسيطرين على الأجهزة ، وبوقاً محدود الأثر لهم ، فلم يكن فى صالح البيروقراطية أن تخلق لنفسها حزباً جماهيرياً حتى فى فترة صعودها ، حزباً لابد أن تنعكس داخلة التناقضات بينهما وبين الجماهير الشعبية ، وأن يصبح أداة للضغط عليها . فقد كان شاهداً ينتصب على قبر حرية التنظيم السياسى للجماهير الشعبية ، وتأكيداً لعزم السلطة على مواصلة انتزاع السلاح التنظيمى من الجماهير .

وعلى الرغم من ذلك , فقد أعلن أن هذا الديكور هو تحالف قوى الشعب العاملة . ( قوى) متحالفة بدون أن يكون لأى منها وجود منظم على الإطلاق . وكانت الأجهزة البوليسية تعين إما مباشرة أو بانتخاباتها المزورة ممثلى هذه القوى من العملاء والمنتفعين والذين لا يشكلون أى خطر على سيطرتهم .
وكان لابد لديكور التحالف المزيف من ديكور تنظيم ( طليعى ) يلعب دور مؤخرة السلطة فى الوحدات الاقتصادية والجامعات والنقابات والاتحادات الخ ... تنظيم تآمرى سرى على الجماهير يعمل على إحكام سيطرة الأجهزة البوليسية على المراكز القيادية فى كل المرافق ويضمن أن تظل حركة الجماهير الشعبية ذيلا للسلطة .
كما أعلن أن استقلال السلطات نظرية برجوازية ، لا تتمشى مع الاشتراكية وتحالف قوى الشعب العاملة . وأصبح مجلس الأمة أصابع جاهزة مرفوعة دائماً بالموافقة . والقضاة مرغمين على الادغان لأوامر الأجهزة بعد التطهيرات المتوالية للقضاء ، وبعد أن سلب حق السيادة الذى أسبغته السلطة التنفيذية على نفسها فى الكثير من المجالات أى دور للقضاء فى تنفيذ القانون ، على الرغم من أن القانون ليس إلا قانوناً برجوازياً . فالأجهزة البوليسية لا تقيد نفسها بأى قانون قد يعوقها عن بطشها الوحشى بخصوم النظام أو بما يدافع عن أبسط الحقوق الديمقراطية فى مواجهة الطبقة الحاكمة وامتيازاتها .

دكتاتورية البيروقراطية :
وأدت هذه " الديمقراطية الحقيقة " إلى إضعاف القوى الشعبية إلى آخر مدى ، إلى زعزعة الحركة الوطنية ودمغها بالسلبية وتحويل المعركة مع الاستعمار إلى مسألة قرارات تتخذها السلطة من أعلى وتحويل الإقتصاد إلى بقرة حلوب لامتيازات الأقلية يتعذر أن يصبح اقتصاد حرب ولو بضعة أيام . لقد أسهمت " الديمقراطية الحقيقية " هذه بدور أساسى فى تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية للهزيمة ولاستمرار نتائجها حتى الآن .
وكان الاتجاه الآخر فى الطبقة الحاكمة ، الاتجاه الأكثر تهادناً مع الاستعمار ، الأقل طموحا فى تنمية رأسمالية الدولة الراغب فى إقامة علاقات تزاوج سريعة بين القطاع الخاص وقطاع الدولة ، يقوم بدور منافق فيما يتعلق بقضية الحريات الديمقراطية .. فهو يبارك من صميم قلبه وبأعلى صوته كل الضربات الموجهة لليسار ، وللحركة النقابية , و لكل من يدعو إلى تنظيم الشعب وتسليحة ، لكل من يطالب باتخاذ موقف ثورى من الاستعمار الاميركى أو الرجعية العربية ، لكل من يدعو إلى تدعيم حركة المقاومة الفلسطينية . ولكن هذا الاتجاه يعلق " الديمقراطية الحقيقية حقاً " وتقنين الثورة " على جدران وغرف الاستقبالات ، والمقالات الافتتاحية فى " الاهرام " .
ولا حاجة بنا إلى تأكيد أن البيروقراطية البرجوازية لا تجانس بين أجزائها ، وأنها رغم اتجاها إلى التبلور تظل متصارعة الأجزاء المختلفة بين تيارين رئيسين يتفاوت الوزن النسبى لكل منهما وفقاً للأوضاع المحددة ، وتؤدى السيطرة الخانقة للأجهزة البوليسية والعسكرية التى تضم أفراد المجموعات المتصارعة إلى أن يتخذ الصراع بين الاتجاهات المختلفة للطبقة أكثر الأشكال حدة , الصدام المباشر ومحاولات الانقلاب واستخدام السجن الحربى أو المعتقل أو المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى أو الإعدام السياسي ، وسيلة لحسم الصراع الذى يدور فى المجتمعات البرجوازية عادة متخذاً شكل الحملات الصحفية والمناورات البرلمانية والمعارك الانتخابية وسقوط وزارة ومجئ أخرى . لذلك فان الاتجاه اليمينى فى السلطة الذى لم يكن يسيطر على أجهزة القمع يرفع شعارات الحرية والديمقراطية وتقنين الثورة فى المناسبات والمواسم ، فى مواجهة التيار الأخر المسيطر على الأجهزة .
ولكن ما هو مفهوم الديمقراطية وسيادة القانون عند هؤلاء ؟ إنه مواصلة استخدام الصيغة الزائفة المفرغة من كل مضمون تقدمى ، التى تموه الواقع عن ( تحالف قوى الشعب العامل ) المؤكدة لإلغاء حق الطبقات الوطنية فى التنظيم السياسي المستقل والتنظيم الجماهيرى المستقل . والعمل على خلق ديكور اتحاد اشتراكى يسيطر عليه عملاؤهم .
إنه استمرار للشكل البونابرتى فى الحكم ( سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية ، ومجلس أمة صورى . وأجهزة قمع يسيطرون عليها ... إلى أخر القصة المعادة ) فما هو الجديد ؟ إنهم يختزلون الحريات الديمقراطية إلى مسألة طمأنة الفرد المنتمى إلى الفئات صاحبة الامتيازات وحقه فى التعبير عن ( الخلافات ) الثانوية بين هذه الفئات دون بطش الأجهزة . إلى مسألة طمأنة الملاك وأصحاب الثروات على أن ( الثورة ) قد وصلت إلى المرحلة النهائية فى اجراءاتها الاقتصادية التى وجهت الضربات إلى الأشكال التقليدية للملكية وأن نمطاً من العلاقات تتجه إليه رأسمالية الدولة يتميز بإفساح المزيد من الفرص أمام رأس المال الخاص ..
أما الذين يقومون بالصراع ( مطالبين بالحل الثورى) للمسألة الوطنية وبحقوق الطبقات الشعبية فى التنظيم , وبالحد من الامتيازات لإقامة اقتصاد حرب وبالمشاركة الفعالة للجماهير الشعبية المبعدة عن الإمساك بمصيرها ، فانهم " يمزقون " ما يسمى بالجبهة الداخلية الغارقة فى السلبية ويزعجون نوم القوات المسلحة على الجبهة المواجهة للعدو ، ولهم ديمقراطية المفرمة والسحق .
حقا أن هذه التعبيرات استخدمت ضد " المجموعة الاشتراكية " البوليسية ، ولكنها تلقى الضوء على آفاق المستقبل الديمقراطى فى مرحلة تتجه فيها الطبقة الحاكمة إلى تسوية سلمية وتخفت فيها حدة الصراع مع الاستعمار وعملائه والرجعية الداخلية ، وفى ظروف النجاح المؤقت للطبقة الحاكمة فى السيطرة الفكرية على الجماهير الشعبية مما لا يتطلب من أجهزة القمع أن تعمل بأقصى طاقتها ، ومما يتيح مؤقتا بأن يسمح للنيابة والقضاء بأن تنفذ القانون الذى وضعته السلطة لخدمة الفئات صاحبة الامتيازات .
ولكن قضية الحريات الديمقراطية التى تتفق مع المصالح الرئيسية للشعب المصرى فى معركته الوطنية تطرح برنامجاً لا يتفق مع البرنامج الفعلى للبيروقراطية ، برنامجاً يقدم الشعار الدعائى الآتى ) جمهورية برلمانية – ليست رئاسية – تقوم على مجلس نيابى واحد يتشكل نتيجة لانتخابات ، متحررة من التزييف البوليسى تخوضها أحزاب الطبقات الوطنية المعادية للاستعمار والرجعية وبينها الحزب الشيوعى ، حزب الطبقة العاملة وينتخب هذا المجلس كل أجهزة السلطة التنفيذية ).
الكفاح فى سبيل الحرية :
ويجب أن يكون واضحاً أن هذا الشعار ليس معناه تغيير الطبيعة الطبقية للسلطة فهى التى تجرى الانتخابات ، وهى التى تمتلك وسائل الإنتاج الرئيسية ، ولكنه يهدف إلى إرغام الطبقة الحاكمة على تغيير الشكل السياسى لسلطة الدولة وفقاً لعلاقات جديدة للقوى الطبقية فى مصر ، لعلاقات تحد من نفوذ الطبقة الحاكمة وتفتح أمام الطبقات الشعبية أفاقاً لتطوير كفاحها . إن هذا الشعار لا يعنى سلطة الحلف الطبقى الثورى بقيادة الطبقة العاملة ، فهذا الحلف لن تأتى به انتخابات إلى السلطة . ولكن هذا الشعار لا يمكن الوصول إليه إلا بالكفاح من أجل تحقيق مطالب مباشرة تتعلق بالحريات الديمقراطية :
• استقلال النقابات والروابط والاتحادات والتنظيمات الجماهيرية عن التنظيم السياسى للسلطة وعن الأجهزة الإدارية والبوليسية ، وإجراء انتخابات ديمقراطية لمجالسها .
• تشكيل لجان المواطنين من أجل المعركة فى الأحياء والقرى ومواقع العمل بالمبادرة والجماهيرية من جميع العناصر الوطنية بعيداً عن الاتحاد الاشتراكى واللجنة القيادية البيروقراطية الحالية ، وأن يكون لها دور عسكرى بأن تشرف على التعبئة العسكرية للمدنيين .
• إلغاء القوانين المعادية للحريات ، مثل قانون مكافحة الشيوعيين الذى أصدرته حكومة صدقى فى غياب البرلمان . وتعديل لوائح الجامعات والنقابات التى تحد من الفاعلية السياسية لجماهيرها .
• إشراف نقابة الصحفيين المنتخبة ديمقراطيا على الصحف ووقف تدخل الجهاز السياسى والادارى فى شؤونها .
• إلغاء الرقابة على المطبوعات والإنتاج الفنى إلا فيما يتعلق بالأمور العسكرية .
• تقرير حق العمال والعاملين عموماً فى الاضراب
• إخضاع الأجهزة البوليسية للرقابة الشعبية ، وإلغاء حق السلطة التنفيذية فى الاعتراض على قرارات محكمة تظلم المعتلقين فى أثناء حالة الطوارئ.
• تشكيل جمعية عمومية لكل وحدة من وحدات القطاع العام تعقد دورياً ، يكون لها حق المشاركة فى رسم الخطة الإنتاجية والسياسية والإدارية وحق متابعة التنفيذ وانتخاب العدد المقرر من الأعضاء المنتخبين فى مجالى الإدارة وسحبهم قبل المدة القانونية .
والنتيجة المنطقية لتحقيق هذه المطالب المتعلقة بالحريات الديمقراطية هى المطالبة بحق التنظيم السياسي المستقل لكل الطبقات الشعبي والوطنية وبينها الحزب الشيوعى حزب الطبقة العاملة .
******************************************
5 - تنويه : كتبت وثيقة ملاحظات أولية حول خطوط الحركة الشيوعية العالمية عام 1972 ، ولم يطلع عليها إلا عدد محدود من رفاق التنظيم الشيوعى المصرى فى البداية . غيرأنها نشرت مضمومة مع مقال موقفنا من القائلين بسلطة البورجوازية الصغيرة ومن خطوط الحركة الشيوعية العالمية بقلم شيوعى مصرى ، الصادر عن دار الطليعة بيروت ، 1974 . وكاتبها هو الرفيق إبراهيم فتحى ( مرسي مصطفى على ) وقد سبق لى أن نشرت ثبتا بكتاباته على موقعى بالحوار المتمدن . والوثيقة تتناول الملحق الثانى المعنون " احياء الرأسمالية فى الاتحاد السوفياتى والثورة الثقافية الصينية فى كتاب : الصراع الطبقى فى مصر من 1945 – 1970 – بقلم محمود حسين ، ترجمة عباس بزى وأحمد واصل – دار الطليعة بيروت ، الطبعة الأولى 1971 . ومن أهم ملامح الوثيقة هى عرضها الجدلى لواقع وتناقضات التجربة السوفيتية فى فترة الإنتقال دون إنحياز عقائدى يفتح الأفق مشروطا لتعدد الإحتمالات حسب السياق التاريخى ، رغم أنها رفضت فكرة وجود طبقة بيروقراطية إستغلالية فى الداخل وإمتدادها فى " إمبريالية إشتراكية " فى الخارج . وفى نفس الوقت قدمت الوثيقة نقدا مبدئيا جذريا لبعض مظاهر السياسة الخارجية السوفيتية وأثرها التخريبى على نضالات الشعوب العربية .
من ناحية أخرى تقدم لنا الوثيقة نموذجا لأساليب الجدال بين الرفاق فى خندق الثورة وكيفية حل تبايناتهم الفكرية والسياسية فقد كان محمود حسين ( الرفيقان عادل رفعت وبهجت النادى ) ينتمى لوحدة الشيوعيين المصريين ومن أبرز كوادرها – وقد كان هذا التنظيم فى توجهه السياسي هو السلف التاريخى لحزب العمال الشيوعى المصرى . سعيد العليمي
حزب العمال الشيوعى المصري
ملاحظات أولية حول خطوط الحركة الشيوعية العالمية
بقلم
شيوعي مصري
مقدمة
تعرضت الثورة الاشتراكية فى الاتحاد السوفياتى للهجوم المستمر من جانب أعدائها الطبقيين ؛ ولم يبخل هؤلاء الأعداء على أي انجاز من انجازاتها العظيمة " بالتفسيرات العلمية " التى تجعل منه كارثة تحيق بالشعوب السوفياتية . وترتبط هذه " التفسيرات العلمية " ، رغم التباين الهائل فيما بينها برباط أساسي : فكلها تنتهى بأن الثورة التى انتصرت تحت راية الماركسية اللينينية لم تخلق نظاما اجتماعيا جديدا يستهدف الغاء استغلال الانسان للإنسان ، بل خلقت نظاما اجتماعيا يرتكز على النعمة الابدية التى لايملك البشر منها فكاكا : الاستغلال الطبقى وما يستتبعه من قهر سياسى وفكرى .
ولم يختلف الامر بالنسبة الى الثورة الصينيه ، فقد استخدمت ضدها كل انواع الافتراءات الممكنة وغير الممكنة . فالسيد ريمون آرون – على سبيل المثال – يجمل موقف أعداءالاشتراكية من الثورتين بقوله " لم تفعل الثورتان شيئا سوى إستبدال صفوة حاكمة بصفوة أخرى ".
ومن الطبيعي أن ينصب العداء كله فى محاولة اثبات إخفاق الثورتين الاشتراكيتين فى تحقيق الهدف الرئيسي : بناء مجتمع لا يقوم على الاستغلال . ويتضمن ذلك بالضرورة اعتبار المجتع الرأسمالي نظاما طبيعيا لا جدوى من محاولة تقويضه ... فالملايين من البشر الذين بذلوا اقصى التضحيات عشرات السنوات لاقامة نظام معادٍ فى جوهره للرأسمالية باسم الماركسية يثبتون ان اوهامهم الثورية خلقت واقعا آخر : رأسمالية الدولة او دكتاتورية البيروقراطية الشاملة او أي اسم آخر يجعل الذعر يدب فى القلوب.


ولا يقف الامر عند الأعداء، فالثورة الاشتراكية وبناء الاشتراكية عمليتان معقدتان حافلتان بالتناقض لا ينبعان من وصفات جاهزة أو مخطط تجريدى . كما أن الباب مفتوح لانواع متعددة من الصراع الاجتماعي داخل صفوف القوى الثورية ذاتها . وما يترتب على ذلك من صراع سياسي وفكرى . وليس هناك ضمان إلهى يحول دون استفحال الصراع ، واتخاذه اشكالا عدائية ، وما يستنبع ذلك من غبار كثيف تثيره المعارك الناشبة من تناقضات حقيقية داخل البلد الواحد او فى علاقاته الخارجية ، وقد يحجب هذا الغبار الطبيعه الحقيقية للتناقضات او قد يموهها . وما أكثر ما نرى فى التقييم المتبادل للحزبين الشيوعيين السوفييتى والصيني " تفسيرات علمية" لا تقل فى ضراوتها الهجومية عن افدح هجمات الاعداء . وليس من الممكن وجود قضاة محايدين يقفون خارج الصراع الاجتماعى التاريخى ويمسكون بأيديهم موازين الخطأ والصواب ليحكموا لهذا لجانب او ذاك – فإن تحديد موقف من النزاع الصينى – السوفييتى لابد ان يرتبط باتجاه حركة ثورية فى بلادنا العربية توجه ضرباتها ضد الاعداء التاريخيين : الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة، والصهيونية والرجعية العربيه . وتستهدف دكتاتورية الطبقة العاملة . وتلك الحركة لا يمكن لها ان تتخذ من النزاع الصينى – السوفييتى موقف المتفرج ، فهذا النزاع يمس أسسها الفكرية والسياسية والتنظيمية بل يمس كفاحها اليومي ، وموقف تلك الحركة الثورية من هذا النزاع يطرح نفسه لاختبار التجربة النضالية فى واقعنا باعتباها جزءاً من العملية الثورية العالمية .
مثال مرفوض
ان ما جاء من ملاحظات وآراء الساسه والعلماء السوفييت بالنسبة الى مشروع البرنامج السياسى للحزب الشيوعي السوري حول "قضية فلسطين وإزالة آثار العدوان لا يمكن قبوله دون الاضرار بالحركة الوطنية العربية فى مجموعها .
ان ما جاء فى هذه النقطة ( " النضال فى سبيل حل سياسي على أساس عادل- وهذا يؤدى الى تقوية الأنظمة التقدمية التى بدونها لا حديث عن أية وحدة عربية ولا حديث عن ازالة آثار العدوان – من نتائج ذلك أيضا .... مع تغيير المناخ الدولى فى صالح العرب – على اساس السياسة الحكيمة لبعض الدول العربية يجري فضح اسرائيل دوليا .... الخ – هكذا اذن ليس السبب فقط لأننا لا نريد الحرب بل ان الحرب ستؤدى الى كوارث بالنسبة للأنظمة العربية التقدمية ...") ( 1 ) ان ما جاء فى هذه النقطة لا ينبع من أخذ المصالح الحقيقية للقوى الشعبية العربية فى الإعتبار بل ينبع من براجمتية ضيقة الأفق تضع علامة التساوى بين ما يسمى الانظمة العربية التقدمية والشعوب العربية ، دون أية محاولة لابراز مسئولية هذه "النظم " عن الهزيمة وعن مواصلة السياسة التى تؤدى الى الهزيمة وعن استحاله فرض ما يسميه السوفييت بالسلام العادل على اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية " – لوضوح عجز هذه الانظمة عن تهديد الاحتلال الاسرائيلي فيقبل سلميا ما يمكن ان يفرض عليه بالقوة – وكذلك مسئولية هذه النظم عن التهادن مع القوى الامبريالية والرجعية التقليدية العربية .
وهذه السياسة السوفيتية الضارة موضوعيا بالحركة الثورية العربية لا تلقى رغم براجماتيتها الضيقة النجاح العملى أى ما يسميه السوفييت بالانظمة التقدمية ، ابتداء من السودان . جاء فى الوثيقة المذكورة تلك النصيحة الرديئة بالغة الرداءة للشيوعيين السودانيين : " كان واجب الحزب الشيوعي السودانى ان يساعد النميري لا مقصرا عنه ولا مسرعا عنه أوسابقا له . النميري قال لنا أريد بناء الاشتراكية " !!! إلى مصر وليبيا ، وإن اتباع المصالح التى قدمها الرفاق السوفييت تؤدى الى وضع حركة الطبقة العاملة تحت رحمة السلطات البورجوازية التى لا تخفى عدائها الشيوعية وتحاربها اكثر مما تحارب الاستعمار ( مصر – ليبيا) وتفرض عليها العقم والموت ، كما تؤدى الى ان تظل الحركة المعادية للاستعمار كسيحة فريسة لمناورات البورجوازية ومساوماتها .
فلا يكفى اطلاق كلمة " الديمقراطيين الثوريين" على أمثال النميري ليسير السودان الى الاشتراكية سلمياً " ولن تناقش هنا حديث الساسة السوفيت عن التطور التدريجى وتحالف الحزب الشيوعي مع العناصر الديمقراطية اليسارية التى تسير نحو الاشتراكية " فى قمة السلطة" اعتمادا على ان الحياة لم تعط بعد حلا لهذه القضية ،( قضية ما يسمى بطريق التطور اللارأسمالي وآفاقه ونتائجه) ، فقضية السير وراء البورجوازية الحاكمة قدمت لها الحياة الحل الحاسم ،المذبحة الفعلية او المعنوية الشيوعيين فى ظروف بلادنا العربية ، وتصفية الاسلحة التنظيمية السياسية والجماهيرية للطبقة العاملة – وتحويلها الى أفراد مبعثرين تحاول البورجوازية الحاقهم بجيشها السياسي .
إحباء الراسمالية فى الاتحاد السوفييتى ؟
ومن المثال السابق واشباهه تنتهى بعض الاتجاهات فى الحركة الشيوعية المصرية الى نتيجة حاسمة ، تضع الاتحاد السوفييتى فى صفوف العدو . ورغم ضآلة هذا الاتجاه داخل الحركة الشيوعية المصرية الا ان تأثيرة اكبر كثيرا من وزنه الفعلى فى ظروف اتساع سياسة العداء للسوفييت التى تتجه اليها أقسام متزايدة من البورجوازية المصرية بالاضافة الى اليمين التقليدى الذي بدأ فى الانتعاش . وفوق ذلك فأن ارتباط الفكر السوفييتى بحل التنظيمات الشيوعية القديمة ، وقيامه يدور فى تصفية التنظيم الشيوعي المستقل لحساب الناصرية جعل الكثيرين من الجبل الجديد فى اليسار الماركسي بميلون الى رفض الموقف السوفييتى بكامله . ولا جدال فى ان انضج تعبير عن هذا الاتجاه فى صفوف الماركسية المصرية نجده فى كتاب الرفيق محمود حسين " صراع الطبقات فى مصر" ( 2 ) وفى الملحق الثانى للكتاب على الاخص .
والكتاب يحاول ان يربط بين المنطق الداخلى للسياسة الخارجية السوفييتية وبين تغيرات البنية الطبقية فى الاتحاد السوفييتى ، ليصل الى ان السلطة الحاكمة فى الاتحاد السوفييتى بورجوازية بيروقراطية تبلورت فى قلب للدولة الاولى لدكتاتورية البروليتاريا ، ويعتبر الكتاب ان تفسير هذه الظاهرة مستحيل فى اطار اللينينية وحدها؛ أي فى أطار نظري يلتحم بمرحلة من الصراع الطبقى اقل تعقيدا من مرحلة الصراع الطبقى المعقد بين البروليتاريا والبورجوازية طوال مرحة الانتقال من الرأسمالية الى الشيوعية ، أن اللينينية تتناول هذا الصراع الطبقى فى البلاد الاشتراكية بصيغة مجردة ، ويعتبر الكتاب ان فكر " ماوتسى تونج" هو مرحلة جديدة فى تطور الماركسية اللينينية ، مرحلة تلتحم بصراع طبقى اكثر تعقيدا ، هو ذلك الصراع الطبقى داخل النظام الاشتراكي ، لتكشف عن مضمون العلاقات الرأسمالية الجديدة فى ظل الاشكال الاشتراكية .
فالحديث يدور هنا حول مرحلة تاريخية تتميز عن اللينينية ربما بمقدار ما تتميز اللينينية عن المرحلة الماركسية السابقة ، والفارق النوعى بين المرحلتين مرحلة لينبن ومتابعتها فى مرحلة ماو هو الصراع الطبقى بين الراسمالية والاشتراكية داخل الاقتصاد الاشتراكي والدولة الاشتراكية .
ويسرى عند مناقشة التحليل الذي سيأتى بعد ذلك خطأ الزعم بمرحلة جديدة متميزة عن اللينينية يمثلها فكر ماوتسي تونج . وهذا التحليل لواقع الصراع الطبقى فى المرحلة الجديدة الذي يقدمه الكتاب واصفاً اياه بالتعقيد الشديد وان آلياته تتجاوز نطاق اللينينية ، ليس الا عرضا تبسيطيا لنموذج آلى يقوم على الاستنباط المنطقى ولايتناول التناقضات العينية فى سياقها التاريخى ، وتتتابع المفهومات المجردة فيه تتابعا جزافيا يحركها الغضب الاخلاقى والنزاعة الارادية بدلا من ان تنتج من الممارسة الاجتماعية وتناقضاتها الفعلية ، ونؤكد مرة ثانية ان ما يقدمه الكتاب من نموذج نظرى للصراع الطبقى فى المجتمع الاشتراكي ليس تطويرا للينينية بل إغفالا للجدل المادى الماركسي ، فهذا النموذج لا يرتكز على دراسة موضوعية للتناقضات الواقعية فى حركتها التاريخية ، بل على نزعة أخلاقية إرادية .
يبدأ هذا النموذج بتساؤل عن القواعد الطبقية للطريق البورجوازية فى بلد كالاتحاد السوفييتى غداة الثورة البلشفية ويجيب بما يتفق عليه جميع الماركسيين ، فالطبقات المخلوعة ورأس المال العالمى وآثار هذه الطبقات على الجماهير الشعبية ايديولوجيا هى عناصر الردة سواء فى محاولات التدخل المسلح او محاولات التفكك السلمى للنظام فى الداخل .
ثم يضيف ان تقسيمات العمل الكبرى التى يطبع بها التاريخ السابق المجتمع عشية الثورة : التقسيم بين العمل اليدوى والعمل الذهنى بين الريف والمدينة بين الزراعة والصناعة هى فى النهاية مرتكز مجمل الوسائل التى يملكها الطريق البورجوازى .
ويصل الى ان هذه التقسيمات تحدد التناقض المرسوم على جميع مستويات المجتمع والذى يشكل الاساس الأكثراستقرارا لقهر الجماهير واستغلالها انه التناقض بين الذين يمارسون وظيفة جزئية وليس لهم الا وجهة نظر محدودة حول العملية الاجتماعية والانتاجية وبين الذين يمارسون دور تنسيق وتنظيم ومركزة اى دور سيطرة على الوظائف الجزئية فيملكون وجهة نظر شاملة حول العمليات الاجتماعية والانتاجية أى وجهة نظر مطابقة لمصالحهم الشاملة .

والطرف الاول للتناقض هو الجماهير الكادحة التى لا يمكن ان تكتسب فى إطار هذا التنظيم وجهة نظر شاملة مطابقة لمصالحها الشاملة . والطرف الثانى هو الفريق القائم بالتوجيه والتنسيق وهو يخضع الجماهير لسيطرته فى الانتاج والفكر ، وبمقدار ما تقر الجماهير هذا التنظيم الاجتماعى على نحو ثوري يصبح فى الامكان حل ذلك التناقض . ويتم ذلك تدريجيا ، فالاستيلاء على السلطة السياسية يسبق الاستيلاء الفعلى على السلطة الاقتصادية وقد يتحقق ذلك الاستيلاء الفعلى بينما تسيطر الطبقات القديمة على اذهان الجماهير وعاداتها . ويحل التناقض وفقا لكل مرحلة بعد الاستيلاء على السلطة بمعالجتها على انها تناقضات فى صفوف الشعب لتوحيد غالبية الشعب ضد الأقلية الصغيرة وبعد التحويل الاشتراكى لملكية وسائل الانتاج يتركز جهد الطبقات المالكة فى استعادة السلطة على الصعيد الايديولوجى . فالبورجوازية ستحاول ان تستعيد السلطة انطلاقا من الافساد البورجوازى لقادة جهاز الدولة والجهاز الاقتصادى الجديد .


والقاعدة الاجتماعية الاساسية لإمكان الافساد موضوعيا هى التناقض بين القاده من خلال الحزب والدولة .والواقع انه طالما ظل هذا التناقض قائما فإن القياديين او قسما متهم يمكن لهم ان ينعزلوا عن الجماهير ويشكلوا نقطة اجتماعية لالتقاء القوى الاجتماعية المذكورة . وبذلك توضع سلطات هؤلاء القياديين فى مقدمة احياء الراسمالية وتخريب الإنتقال الى الإشتراكية ، وبذلك تبدأ آليات الرأسمالية فى تصقية الثورة ، وهى تبدأ بتسريح الجماهير الكادحة والحط من معنوياتها وتتولى الايديولوجية البورجوازية والفردية تحطيم وحدة الجماهير النضالية ، ويزداد لجوء القادة السياسيين والاقتصاديين الى القوى البورجوازية فى المجتمع والى احياء مناهج وأساليب ذات طراز راسمالى ثم يتلو ذلك قمع الجماهير . وما هو البديل لهذا التدهور البورجوازى ؛وما هى معايير التفرقة بين الطريق البورجوازى والطريق الاشتراكي ، يجيب ذلك النموذج بأن مهمة القياديين الثوريين البروليتاريين هى مساعدة الجماهير الواسعة على ان تحطم جميع أشكال تقسيم العمل .... وخاصة تقسيم العمل بين قلة من اليقاديين تملك رؤيا شاملة من جهة وتحتكر بالتالى القرارات المتعلقة بالسياقات الشاملة وبين الجماهير الواسعه من جهة ثانية المحدودة برؤى جزئية والخاصة بسلطة قادتها .
ونصل فى النهاية الى خلاصة القضية : فليس الدور الاسمى للقادة الثوريين البروليتارين ان يشكلوا " نخبة" جديدة ، بل على النقيض من ذلك ان يساعدوا الجماهير الواسعه على ان تكتسب بنفسها طاقات قيادية وان تنظم نضالاتها الطبقية على نحو يتيح لها ارتكازا متزايدا على طاقتها الجماعية الواعية على المبادرة ويقلل شيئا فشيئا من حاجتها الى الطاقة القيادية والتنظيمية لبضع مئات من القادة .
ويحسن بنا ان نقف الآن لنناقش ما اسهمنا فى نقلة عن الترجمة العربية للكتاب، ان هذا " النموذج" لا يتناول التجربة السوفييتية تناولا تاريخيا ، يقدم تطور ما يزعمه من تناقضات فى واقعها المحدد ، موضحا خصائصها النوعية ؛ بل يقدم تجريدا عاما يزعم انه يلمس التناقض الرئيسى بين القادة والمقودين ، وهو تناقض يضرب بجذوره فى تقسيم العمل ، تقفز اليه أشباح البورجوازية ، لتعيد العلاقات الراسمالية متنكرة وراء الملكية " القانونية " الجماعية لادوات الانتاج . وهى علاقات رأسمالية تولدها مشاعر الأنانية والمصالح الشخصية ، ومتى بدأت هذه الردة ؟ هل فى أواخر عهد لينين أو ستالين او لم تبدأ الا مع القادة الذين أعقبوا ستالين رغم تاكيد الرفاق الصينيين ان مآساة ستالين نكمل فى العزاله عن الجماهير اي فى دفعه " التناقض الرئيسي " إلى منتهاه ! لا يجيبا هذا النموذج الآلى بشئ ، بل يتعمد إغفال مناقشة الديمقراطية الاشتراكية فى تعرجاتها ومنحنياتها المختلفة فى المراحل المتعاقبة للبلد الاشتراكي الاول رغم وثوق ارتباطها بما يسميه التناقض بين القاده والجماهير ، لأن المناقشة التاريخية لتطور الديمقراطية السوفيتية ومشكلاتها تقذف بهذا النموذج الوهمى جانبا . وصار المساران المتعارضان ( القيادة البروليتارية أو البورجوازية ) خاضعين لاعتبارات أخلاقية . فالقادة الأبراريذوبون فى الجماهير والأشرار ينضمون الى البورجوازية التى ألحقت بها الهزيمة ، ولكن ما هى القوانين الموضوعية التى تحكم ذلك التمايز الجوهري داخل قيادة إرتبطت بالاشتراكية عشرات السنين ؟ لا حديث عن ذلك ، بل كاريكاتير قصصى عن انانية قادة يحولون بارادتهم قوانين المجتمع الاشتراكية الى قوانين راسمالية بعد نصف قرن من الاشتراكية واستنادا الى نفس القوى الاجتماعية التى أطيح بها فى اكتوبر 1917 .
واذا تركنا انعدام الإتساق فى المنطق الداخلى لهذا النموذج الكاريكاتوري الذى يترك مصير الاشتراكية وقفا على ارادة بعض القادة باسم تقسيم العمل ، فاننا يجب ان نناقش موضوعية المقدمات التى يرتكز عليها .
فلا جدال فى ان المجتمع الاشتراكي تحكمه قوانين اقتصادية موضوعية لا تخضع لإرادة الافراد : وهى قوانين تحكم تنظيم المجتمع الاشتراكي اقتصاديا . وتتعلق تلك القوانين بالأشكال التى تأخذها علاقات الانتاج ( التنظيم الاجتماعيى للانتاج ) ، وهذه الاشكال لا تكف عن التغير متكيفة بتطور القوى المنتجة . وهناك كما يؤكد كل الاقتصاديين الماركسيين تناقض دائم بين القوى المنتجة وأشكال تنظيم الاقتصاد الاشتراكي وهو تناقض قابل للحل . ولا ينكر احد وجود التناقضات فى المجتمع الاشتراكي بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج او بين القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقى السياسي والايديولوجى الاشتراكي ، وتبدأ الماركسية من ان مستوى تطور القوى المنتجه هو الذى يحدد طبيعة علاقات الانتاج ، وهى علاقات تجد تعبيرها القانونى الذى يتلاءم معها الى هذه الدرجة او تلك فى احد اشكال ملكية وسائل الانتاج.ويعلمنا لينين الا نخلط بين الشكل القانونى للملكية وبين التملك الفعلى فى المراحل الاولى للإنتقال الى الاشتراكية ، وهنا يجدر بنا ان نعود الى التجربة السوفييتية .
لقد انتصرت الثورة الاشتراكية الاولى فى بلد كانت القوى المنتجة فيه غير متطورة الى درجة كافية فليس شرطا مسبقا ان تنضج الثورة فى بلد يصل فيه التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج درجته القصوى ، لذلك كانت روسيا الثورة كما يقول لينين متقدمة سياسيا متخلفة اقتصاديا ، ويؤدى ذلك بالضرورة كما يقول شارل بتلهيم مستلهما لينين الى وجود تناقض بين الإمتلاك " القانونى "لوسائل الانتاج من جانب السلطة الاشتراكية وبين مقدرتها الفعلية على إدارته ، الى وجود انفصال مؤقت بين الوجود القانونى والوجود الاقتصادى ؛ فإن الاشكال العليا من الملكية الاشتراكية ذات دلالة تاريخية فهى لا توجد الا حبنما يصل تطور القوى المنتجة الى درجة معينة ولابد من وجود اشكال دنيا من الملكية الاشتراكية ( مثل ملكية المزارع الجماعية ) لتتناسب مع وجود تطور تلك القوى ، وتجد تلك الاشكال الدنيا من الملكية الاشتراكية تبريرها – كما يقول شارل بتلهايم – فى الكفاءة الاقتصادية التى يمكن للمجتمع من خلالها استخدام وسائل الانتاج . اذن كان لا يد من وجود اشكال ومستويات مختلفة للملكية الاشتراكية وهو مرادف للقول بتوزيع سلطات اقتصادية وسياسية لهيئات ولجان ومجالس محلية متعددة والى وجود عدد من مراكز اتخاذ القرارات ترتبط فيما بينها ويتكامل نشاطها على المستوى الاجتماعى العام عن طريق التخطيط المركزى والسلطة المركزية .

ولهذا، فان ذلك الانفصال – كما يقول شارل بتلهم – بين الملكية القانونية من جانب الدولة الاشتراكية وبين تملكها الفعلى الناشئ عن انخفاض مستوى القوى المنتجة يخلق الشروط الموضوعية لمضاعفة الاجراءات الخاصة باصدار التعليمات ورقابة تنفيذها وتضخم الجهاز البيروقراطي .
ان التشوية البيروقراطى للدولة الاشتراكية خطر ماثل فى البلدان التى تعانى من تناقض بين علاقات انتاج " شكل ملكية " اشتراكية ومستوى متخلف للقوى المنتجة وقد عانت من هذا التشوية التجربة السوفييتية منذ بدايتها ولا تخلو كتابات لينين من الاشارة الى خطر البيروقراطية
( ويجب ان تلاحظ ان القوى المنتجة تعنى ايضا مستوى خبرات العاملين الانتاجية وهو يرتبط بمستواهم الثقافى . )
والتقى هذا الشرط الموضوعى بالظروف التاريخية التى صاحبت تجربة بناء الاشتراكية فى الاتحاد السوفييتى من احتدام الصراع الطبقى فى الداخل وإحكام الحصار الراسمالى حوله مما أفسح المجال للاعتماد على القرارت العلوية ، واستفحال خطر الأساليب البيروقراطية فى العمل السياسي والاقتصادى والفكرى .
ولا يقتصر التشوية البيروقراطي على اعتبارة ممارسة أساليب ضارة بالعمل ، بل انه يرتبط فى المجتمع الاشتراكي بالتشبث بما يسميه لينين بالحق البورجوازى ، بالتفاوات الكبير فى الاجور وفقا لكم العمل ونوعه . ان هذا الحق البورجوازى – أى لكل حسب عمله – ليس معناه ان فئة طفيلية لنتزع فائض القيمة من العاملين ، بل معناه أو مضي استمراره والتشبث به إبطاء " وتيرة" الانتقال من المجتمع الاشتراكى الى المجتمع الشيوعي .
فمن الواضح ان التباين فى الأجور ، وتاكيد الحوافز المادية لا تستهدف تراكما راسماليا ولكنها تؤدى الى تاكيد عملية الإقتناءوالاستمتاع والفردية وتسد الطريق أمام التطور الاقتصادى .
ان أشكال تنظيم الملكية الاشتراكية للانتاج والتوزيع فى الاتحاد السوفييتى تتناقض مع متطلبات تطوير القوى المنتجة والانتقال الى المجتمع الشيوعى .
ويصطدم هذا التشوية البيروقراطي بالتقاليد العمالية النضالية الثورية ودرجة التنظيم العالية للطبقة العاملة ، وخبرات الممارسة الجماعية طيلة عشرات السنوات ، وتراث الماركسية اللينينية ، وولاء الجماهير للاشتراكية ، ولكن مثل هذه التشويهات البيروقراطية قادرة على استدامة اشكال من التنظيم الاقتصادى والاداري والسياسي، لا تتفق مع مقضيات التطور ، وهى بذلك لابد ان تعتمد على التبريرات الايديولوجية للحد من فاعلية أوسع الجماهير الشعبية ، وعلى الاستجابة لتحيزات القطاعات المتخلفة من الطبقة العاملة التى تتاثر بالاتجاهات القومية ، وهى ، فى النهاية لا تشن حربا ايديولوجية على الفكر البورجوازى والعادات البورجوازية فى أذهان الجماهير ، وتستطيع هذه التشويهات البيروقراطية ان تنتج افرادا مبعثرين هنا وهناك يطمحون الى الحصول على اكبر نصيب ممكن من العائد الاجتماعى دون جهد مقابل والى تحويل الاقتصاد الاشتراكى الى اقتصاد يتيح لهم ذلك .
ولكن هل يمكن الحديث عن تبلور فئة طبقية حاكمه من البيروقراطية انتزعت السلطة من الطبقة العاملة واحيت الرأسمالية فى الاتحاد السوفييتى استنادا الى التناقض الرئيسي بين القادة والمقودين .


لنستمع الى لينين : " ان وضع المسألة بهذا الشكل : ديكتاتورية الحزب ام ديكتاتورية الطبقة ؟ وديكتاتورية " حزب" الزعماء ام ديكتاتورية " حزب" الجماهير ؟ "- . يشهد وحده باختلال الفكر اختلالا عجيبا لا يرجى شفاءه ... وان الطبقات فى العادة .... تقودها الاحزاب السياسية ، وان الاحزاب السياسية كقاعدة عامة تدار من قبل جماعات ثابتة الى حد ما من الاشخاص ذوى السمعه والنفوذ والتجربة ممن انتخبوا لمناصب أكثر مسئولية ويدعون بالقادة تلك كلها اموربدائية ان كل ذلك بسيط وواضح . فما الداعى الى استبدال ذلك بمثل هذه التمتمة وهذه الرطانة الجديدة ؟
.... أن كلمات الجماهير والقادة التى غدت " موضة" فى عهدنا تستعمل بدون اى تفكير او ترابط . وقد سمع هؤلاء الناس وحفظوا أشياء كثيرة من الهجمات على القادة ووضعهم فى الجهة المقابلة " للجمهور" ولكنهم لم يستطيعوا ان يفكروا فى ماهية الامر.
ويستمر لينين ليتحدث عن الحزب البلشفى الحاكم الذى " تديره" لجنة مركزية منتخبة فى المؤتمر ومؤلفة من 19 عضوا وتدير الاعمال اليومية فى موسكو هيئتان اقل عددا من تلك هما المكتب السياسي والتنظيمى وكل منهما مؤلف من خمسة اعضاء من اللجنة المركزية وينتخبان فى دورات الجنة المركزية والنتيجة هى اذن وجود " حكم القلة "بكل معنى الكلمة ولا توجد هناك مسألة هامة سياسية او تنظيمية تقوم بحلها دوائر الدولة فى جمهورتنا دون ارشادات توجيهية من لجنه الحزب المركزية " ( مرض اليسارية الطفولى فى الشيوعية – ترجمه موسكو العربية) . فليست الخطورة كاملة فى تناقض يصل فى تجريديته الى السخف بين القادة والجماهير ، بل من ارتباط القادة بالجماهير من اجل حل التناقضات الموضوعية القائمة فى المجتمع الاشتراكي للدفع بالمجتمع الى الامام ، وان الصراع ضد التشويهات البيروقراطية التى تعنى عزلة الحزب والأجهزة القيادية الى هذه الدرجة او تلك عن الجماهير صراع يخوضه الشعب السوفييتى كل يوم ، فقد جاء فى وثائق المؤتمر الرابع العشرين للحزب الشيوعى السوفييتى ان 70 % من القيادات المركزية فى الجمهوريات ، ورؤساء مجالس الوزراء واللجان التنفيذية بدأوا حياتهم كعمال او فلاحين . واكثر من نصف المديرين فى اكبر المشروعات الصناعية بدأوا حياتهم عمالا عاديين . ومهما تكن دقة هذه الارقام قابلة للمناقشة فان ابراز تلك القضية على هذه الصورة له دلالته ، فلم تتبلور طبقه بيروقراطية بورجوازية تقف بين العمال والفلاحين وبين السلطة ، وتقطع الطريق بينهم وبين السلطة . ولماذا لا يرجع الكتاب الذي نناقشة " بالفضل" فى اكتشاف البيروقراطية الحاكمة فى الاتحاد السوفييتى الى صاحبه الاصلى الى تروتسكى ، انها النغمة السائدة فى كتاباته عن الاتحاد السوفييتى . ومن المفارقات التاريخية ان تلك النظرية الخرقاء عن الطبقة البيروقراطية من قيادة الحزب والدولة فى الاتحاد السوفييتى لم تبدأ بفكر ماوتسي تونج ، بل فى كتابات القادة اليوفسلاف فى تطويرهم " الخلاق" للماركسية ، بتكرارهم الصيغ التروتسكية القديمة .

عودة الى الموقف العربى
وربما يدعونا ما يسمية الرفيق محمود حسين المنطق الداخلى للسياسة الخارجية السوفييتية الى ان نتساءل عن المنطق الداخلى للسياسة الخارجية الصينية ؟ هل نقفز معه ونحن نرى ما يسمى بالتقارب الصينى الامريكى وموقف الرفاق الصينيين من الشعب السودانى وحركة تحرير اريتريا ... الخ الى خلق طبقة حاكمة جديدة فى الصين الاشتراكية ؟
ان التناقضات داخل المجتمع الاشتراكى لا يمكن ان نفهمها باقامة تقابل مجرد بين الرأسمالية والاشتراكية ودون تحليل الاشكال والمراحل المحددة لفترة الانتقال كلها من الراسمالية الى الاشتراكية . فهذه الفترة تتميز بلوحة معقدة من التناقضات تختلف من بلد الى آخر ومن المحاولات الصائبة والخاطئة والمتكاملة والناقصة لحل هذه التناقضات انطلاقا من علاقات القوى الطبقية فى حركتها التاريخية .
وليست الطبقة العاملة او الجماهير الشعبية او الطليعة الماركسية تجريدات نقية تتحرك فى فراغ اخلاقى ، انها لا توجد باشكالها النقية قاطعة التحدد أبدا ، بل فى سياق تاريخى اجتماعى بالغ التشابك والتعقيد.
لذلك ليس مفيدا فى واقعنا العربى ان تتحول الحركة السياسية للطبقة العاملة الى ببغاء يردد باسم الاممية ما بقولة هذا الحزب "القائد" او ذاك. فعلينا مسؤولية لا يستطيع احد ان يقوم بها نيابة عنا ، كيف ونحن نعمل جاهدين لانجاز ثورتنا ان نرتبط بالوجه الثورى الرئيسي سواء فى النظرية السوفييتية او الصينية ارتباطا جدليا ، يقوم على المتابعه النقدية لما تقدمة الثورتان الكبيرتان من اسهام لا غنى له .
*****************************************************************
1-المقصود كتاب : قضايا الخلاف فى الحزب الشيوعى السورى – وثائق ، دار ابن خلدون 1972-الناشر .
2- ربما كتاب شارل بتلهايم وآخرين ، بناء الإشتراكية فى الصين ، ترجمة فواز طرابلسي ، دار الطليعة بيروت 1966 . لم يكن كتاب بتلهايم المعنون الصراع الطبقى فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية قد ظهر بعد – صدر عام 1978 .- الناشر
3 – مرض " اليسارية " الطفولى فى الشيوعية – لينين ، ص ص 31 -32 – دار التقدم – موسكو .

الفهرس
ملاحظات اولية حول خطوط الحركة الشيوعية العالمية
مثال مرفوض
احياء الراسمالية فى الاتحاد السوفييتى
عودة الى الموقف العربى

________________________________________