حماس تضع بيضها في سلة اردوغان


ناجح شاهين
2019 / 10 / 15 - 11:52     

حماس تضع بيضها في سلة إردوغان
"هل قرر سامي أبوزهري ومن يقف وراءه "تأجيل" قضية فلسطين إلى حين الانتهاء من عمليات الجهاد ضد الدول العربية الكافرة وقتل أبنائها المسيحيين، والعلمانيين، والمختلفين في المذهب الإسلامي ذاته؟"
ناجح شاهين
مهما ساءت الأحول بين حكومة ابومنشار وغيره من اقطاب الدول السنية وبين حركات الإخوان المسلمين فإن العدو الأكبر والأخطر على الإسلام يظل هو هو: إنه الخطر الشيعي المجوسي الرافضي المشرك الذي يعبد الأئمة من دون الله.
يستطيع حزب الله أن يذبح مجاهديه واحداً بعد الآخر وصولاً إلى حسن نصر الله بالذات. لكن الحقيقة تظل جلية لا لبس فيها: إن حزب الله والحوثيين والعلويين النصريين في دمشق ملة كفر واحدة يتزعمها مرشد الرافضة الأكبر في طهران. هكذا يجب أن نفهم السياسة المحلية والإقليمية والكونية. يجب علينا أن لا نفكر حتى في أن هناك صراعاً في الدنيا يتركز حالياً بين الصين الصاعدة والولايات المتحدة الهابطة. كلا، ثم ألف كلا، الصراع الرئيس في الأكوان كلها ينصب حالياً على الحرب الجهادية التي يتزعمها سلطان الدنيا والدين رجب طيب إردوغان ضد ملة الكفر الشيعية. هناك بالطبع شيء من الالتباس، لأن الأكراد هم قوم الرمز الذي يمكن أن يتماهى معه إردوغان ألا وهو صلاح الدين الأيولي، الذي يرتبط اسمه بالصرخة المعروفة: "أين أنت يا صلاح الدين؟". حبذا لو كان الرجل تركياً لا كردياً.
أتحسس قلبي كلما شاهدتهم يحجون بقلوبهم وعقولهم وأجسادهم إلى تركيا للسياحة والتسوق وتقديس الحجة (تركيا مهوى أفئدة المسلمين/سامي أبوزهري). أحس رعباً حقيقياً يتخلل عظامي: إذا كانوا يرون حزب الله منافقاً مشركاً يستحق القتل والجهاد الفوري غير القابل للتأجيل، فأين يا ترى موقع المسيحي والعلماني والشيوعي وغيرهم وغيرهم في عقل هذا الفكر وقلبه وضميره؟ هل من مكان لأحد في وطن يمكن أن يسيطر عليه أصحاب هذا الفكر؟ كأنما الإفلاس السياسي يلد وحش التطرف الكريه في الفكر الديني والاجتماعي والسياسي على السواء. إن حماس، ولا ألومها على ذلك، تعيش الإفلاس السياسي بعد حصارها من سلطة رام الله ونظام السيسي، وخنقها من إسرائيل. إن حماس تعاني الإفلاس. ولذلك تبحث عبثاً عن الطريق؛ لكنني لن أخدع نفسي في التماس الأعذار: هناك يقين إيماني لدى حماس فحواه أن "أهل السنة والجماعة" هم الفئة الناجية وأن البقية فئات ضالة لا بد من قتلها عندما تحين اللحظة المناسبة.
الفكر الديني/الإسلامي السني فكر كلياني، مطلق الصحة لا مكان فيه للاختلاف. لكن المشكلة أن كل فكر ديني هو فكر مطلق لا مكان فيه للقبول بأية اختلافات. هل يمكن في باب البراغماتية السياسية والاجتماعية التظاهر بقبول الآخرين من أجل أن تستمر الحياة على هذه الأرض؟ أليس الحوثيون مقتنعين بأن "دينهم" هو الدين الصحيح من بين "الأديان" كلها؟ أليس الشيعة الزيدية على قناعة مطلقة بأنهم على حق، وأنهم الفئة الناجية من بين فرق الشيعة جميعاً؟ أليس الروم الأرثوذكس على إيمان لا يتزعزع بأنهم أصح إيماناً من الكاثوليك والبروتستنت والمنونايت؟ أليس " البوذيون الزن" مؤمنين بأنهم الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في مواجهة البوذيين الآخرين؟ إنها معضلة لا حل لها: ُيجمع أصحاب الفرق الدينية كلها على أنهم الحق كل الحق، وأن غيرهم الباطل كل الباطل. ما العمل لحل المعضلة؟ إما أن يقتل الناس بعضهم بعضاً كما يفضل "أهل السنة والجماعة" من قبيل داعش والقاعدة والنصرة ومن لف لفهم، وإما أن يقبل كل طرف بضلال باقي الأطراف ويترك أمر الفصل في هذا النزاع لخالق البلاد والعباد، وهو أحسن الحاكمين.
كنت أظن مخلصاً أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تتبنى الخيار الثاني، أعني خيار الآية الكريمة:"يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون." وبهذا الشكل يمكن لها أن تتعاون في مشروع المقاومة من أجل دحر الاحتلال مع فصائل وطنية علمانية مثل فتح، أو فصائل علمانية يسارية يعرف عنها الاتجاه الإلحادي والاشتراكي بهذا القدر أو ذاك، من قبيل الحزب الشيوعي والجبهتان الشعبية والديمقراطية. لكن هذا الاصطفاف المرعب مع العدوان التركي بعد الكارثة التي حلت بحماس والقضية الفلسطينية نتيجة الموقف من الحرب في سوريا في الأعوام الماضية يؤكد أنهم في "نهاية التحليل" يفضلون الجهاد ضد الرافضة على النضال من أجل فلسطين. الوطن ليس مهماً مثلما تقول الايديولوجيا الدينية لأهل السنة والجماعة المعاصرين؛ المهم هو دين الله. وهذا يفتح بالطبع على الرفض المطلق للآخرين وصولاً إلى تصفيتهم جسدياً إن لزم الأمر على طريقة داعش.
لست في سياق مناقشة السياسية الاستعمارية في المنطقة وموقع المقاومة منها، وما يمثله "الروافض" من حزب الله، وإيران، والحوثيين، وسوريا بالنسبة للاستعمار بوصفهم لبنة أساس في المشروع الكوني ضد الهيمنة الاستعمارية. ولا بد أن الدكتور الزهار يكفيني مؤونة ذلك لأنه نوه دائماً بدور "الروافض" في دعم المقاومة بما فيها حماس. كما أنني لا أريد أن أناقش إسهام "أهل الحق" من قبيل داعش والنصرة والقاعدة وإردوغان في النضال ضد الصهيونية والاستعمار الأمريكي. من الواضح أن هذا نقاش عابث، لأن الناس كلها رأت بعيونها أن ثوار النصرة وداعش والجيش الحر قد تلقوا العلاج والرعاية الكاملة في مشافي الاحتلال الإسرائيلي وتمتعوا بزيارات عيادة المرضى من نتانياهو شخصياً. أما إردوغان فقد شاهدناه طوال الوقت يصرخ ضد إسرائيل ويقصف سوريا، ينسق مع إسرائيل أمنياً واستخبارياً وعسكرياً ويهاجمها في الإعلام بينما يسلح العصابات ويغذيها بالمال والتدريب والرعاية من أجل أن تنفذ أعمال الجهاد الوحشية في سوريا.
ليس موضوع البحث هنا هو السياسة. إنما تساؤل عن بقية من عقل: هل قرر سامي أبوزهري ومن يقف وراءه "تأجيل" قضية فلسطين إلى حين الانتهاء من عمليات الجهاد ضد المجتمعات العربية الكافرة بغرض قتل أبنائها المسيحيين، والعلمانيين، والمختلفين في المذهب الإسلامي ذاته، وإرجاء المعركة ضد الاستعمار، إلى ما بعد الانتهاء من ذبح الإخوة "الكفار" والقضاء على الحكومات الكافرة من قبيل حكومة الأسد وحكومة بشار الكافرة وحكومة البعث المجرمة وربما (حكومة؟) حزب الله والحوثيين...الخ لا جرم أن فوزي منصور على حق: إنهم إن قرروا ذلك، إنما يكتبون الصفحات الأخيرة في كتاب "خروج العرب من التاريخ." وخروج قضية فلسطين من دائرة الأمل نهائياً، فهذا الجنون العدمي لا يذهب بأهله ومجتمعه إلا إلى الانقراض.