مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-


خالد الصلعي
2019 / 10 / 6 - 11:02     

لا أحد يعبأ بمدمني المخدرات الصلبة أو لهم ، لا أحد يهتم لهم أو بهم . لم يعودوا من جنس البشر . خرجوا بطريقة أو أخرى من سجلات البشر . ربما هم أشباح اعتدنا على سحناتهم وسلوكهم وأفعالهم . حتى حميدو الذي يقطن بالحي ، نسيته أمه التي تمر من أمامه يوميا أكثر من مرة دون أن تلتفت اليه . وكأنها لم تلده يوما ، ولم تربه ، لم تعتن به ، لم تحمله تسعة أشهر في بطنها . ولم تتوجع أثناء ولادته وتتاوه .
يقال أنه قبل ثلاثين سنة كانت المرأة تلد بلا اوجاع ، أو باوجاع خفيفة ، لكنها اليوم لا يمكن لها أن تلد الا في المستشفيات . ما هو السبب ؟ احد لم يبحث عن السبب .
هو الآن يعتبر بمثابة رئيس جماعة المدمنين القذرين . هو الآمر الناهي في منطقته . فهو ابن الحي ، ولا يزال شكل جسمه يحيل الى سابق ما كان عليه من صلابة وقوة . يرتب لهم أماكنهم ، ويشاركهم في جميع ما يتناولونه بحكم منحهم مكانا ىمنا لتعاطي مخدراتهم بامن وأمان . وهو من أبناء الحي ، اذا ما حاول أحدهم أن يعتدي عليه أو كانوا جماعة فان شباب الحي سينهشونه نهشا .
انه يتوفر على أكثر من امتياز ليسودهم ويتأمر عليهم .
وهو سجين سابق خبر السجن أكثر من مرة ، يعرف كيف ينظم نزنزانته . كيف لا يعرف وهو الآن تحت امرته ست أو سبع نفر ، في حين ان نزانة السجن تحوي أكثر من خمسين فردا ، مكدسين كالسردين الى جانب بعضهم . ومع ذلك فان عريف الزنزانة ينظمهم تنظيما محكما .
في أحد الأيام وعند اقتراب زيارة الملك الى المنطقة ، طلب منه مقدم الحي " عون سلطة " ، اهم ركيزة النظام أن يغير مكانه . وكان قد ضرب على جدار القيسارية ما يشبه خيمة ، ترافقه فيها خليلته ، كزوجة داخل غرفة بيت . وطبعا يمكن لأي مدمن أن يدخل الخيمة ما دام يتوفر على مقدار من المخدر سيشركه في تناوله . لكن حميدو أبى أن يهجر مكانه ويفكك خيمته ، نشأ صراع بينهما . فالمقدم "عون السلطة " جديد " ، وهو بالمناسبة ابن مقدم متقاعد " حتى هذه المهنة أصبحت محتكرة ، يرثها الابن عن أبيه ، ويورثها الأب لابنه. المخزن سيد كل شيئ .
في أحد الأيام وعند اقتراب زيارة الملك الى المنطقة ، طلب منه مقدم الحي " عون سلطة " ، اهم ركيزة النظام أن يغير مكانه . وكان قد ضرب على جدار القيسارية ما يشبه خيمة . قطعة قماش كبيرة مغروسة بمسامير الى الجدار ، مثبتة على بعد متر على ثلاث قضبان خشبية . ترافقه فيها خليلته ، كزوجة داخل غرفة بيت . وطبعا يمكن لأي مدمن أن يدخل الخيمة ما دام يتوفر على مقدار من المخدر سيشركه في تناوله . لكن حميدو أبى أن يهجر مكانه ويفكك خيمته ، نشأ صراع بينهما . فالمقدم "عون السلطة " جديد " ، وهو بالمناسبة ابن مقدم متقاعد " حتى هذه المهنة أصبحت محتكرة ، يرثها الابن عن أبيه ، ويورثها الأب لابنه. المخزن سيد كل شيئ .
صعد الشجار بينهما ، المقدم يتوعد ويهدد ، وحميدو يشتم ويلعن . لا بل هو أيضا يهدد عون السلطة بفضح معاملاته الرشوية ، بالدليل والحجة ، ليس عند قائد المنطقة بل عند وكيل الملك . حميدو مخبر قديم يعتمده رجال الشرطة كعين ساهرة لهم على المنطقة منذ مدة طويلة ، منذ أمجاد العزري الشينو .
ارتعب المقدم حين سمع اسم "وكيل الملك " وخفض من لهجته ، واقترب منه يقول له " ساعدنا اخاي حميدو، وعند انتهاء الزيارة عد الى مكانك " . لكن حميدو بدا عنيدا ومصرا على رأيه وأنه لن يتزحزح من مكانه ول جاءب كل عناصر القوة .هو في النهاية لن يخسر شيئا . ماذا سيخسر لقد ذهبت كل حياته جزافا ؟
أمسك المقدم هاتفه وراح يكلم شخصا ما ، فهاج حميدو وسأله ساخرا " هل تهاتف الملك ؟ . أنا لآ أخاف أحدا . أخاف ربي فقط . أريد حقي من الطاولات التي وزعتموها على معارفكم وقبضتم ثمنها . انا ابن المنطقة ، هنا ولدت ، وهنا نشأت وهنا سأموت ، الله يلعن الدين دباباكم " .
بعد لحظات ما كان على حميدو الا أن يطوي رجليه للريح ويهرب وهو يسب ويلعن ، لقد رأى سيارة رجال القوات المساعدة قادمة نحوه . هنا انتفخ المقدم وراح يسب هو أيضا ويلعن ويشتم مهددا اياه بارساله الى الحبس .
المضحك المبكي ان قبالة حائط مدمني المخدرات الصلبة ، مدرسة للبنين والبنات . وقبل سنتين تم فتح روض للأطفال الصغار على الدانب الأيمن ،يقال أن صاحب المركب التجاري تاجر مخدرات كبير .
قام عون السلطة بمساعدة رجال القوات المساعدة بخلع الخيمة ورمي محتوياتها في صندوق القمامة الذي لا يبعد عنهم الا بضع أمتار . طلب عون السلطة من يونس ، وهو مدمن سيلسيون ، لا يفارقه عن انفه . هو أيضا من ابناء الحي ، داره التي لا يذهب اليها أبدا بعدما تم محوه من شجرة العائلة بسبب اخياره هذا الطريق المنحرف .
أمره عون السلطة بغسل المكان الذي كانت تصعد منه رائحة جد كريهة ، وعلى الأرض بقع كبيرة داكنة السواد .
قام يونس وهو يترنح ويتمايل يمينا ويسارا ، أماما وخلفا ، بملء سطل من الماء من بركة بالجوار ، ركبتها السلطات المعنية على أساس انها نافورة ماء . لكنها في ظرف سنة واحدة أصبحت بركة آسنة ، تملأها مياه الأمطار . ويلعب فيها الأطفال حين تجف .
كان يونس يحمل السطل الذي لا يثبت بيده ، يرشح منه الماء كله تقريبا بفرط عجزه عن المشي بخطى ثابتة ، حاطا يده التي تحمل قطعة قماش مملوءة بالسيلسيون ، يشم وينظر الى المكان الذي يتمايل أمام عينيه .
لم يكن المكان هو الذي يتمايل ،فالمكان ثابت في مكانه ، لكنه هو من كان يتمايل ويترنح الى درجة انه يكاد يسقط أرضا . لكن بفعل التوازن الذي اكتسبه جراء السنين الطويلة على ممارسة هذه العادة ، فانه كان ينقذ الموقف ، ويواصل مشيه المعوج نحو وجهته .
حين وصل نظر الى السطل فلاحظ انه شبه فارغ ؟ تساءل مع نفسه وهو يرفع عينيه الذابلتين الى المقدم وأحد رجال القوات المساعدة :
-واااه ، فاين الما ؟
انفجر الرجلان ضحكا ، الى درجة دفعت يونس نفسه الى مشاركتهم الضحك ؟
يقولون في تفسير عقائد الدين وأحكامه ان الرجال قوامون على النساء ويستفيضون في الشرح والتعليل والتحليل . عندما تمر ام حميدو الستينية أمامه ، وهي امرأة أرملة لا سند لها ، بعد ان غرق ابنها الوحيد في معاقرة المخدرات . وليس لها من معيل الا ما يتصدق عليها به جيرانها ، وما تحصله من شقائها في غسل وتنظيف بعض المؤسسات الخدماتية البسيطة .
عندما تمر امامه وهي تتصنع أنها لم تره ، ولم يُلفت نظرها ، مشيحة عينيها عنه ، ينفطر قلبها . لا قلب يرتعش للانسان أكثر من قلب الأم . لا قلب يحترق من أجل الانسان أكثر من قلب الأم .
ربما كان قلبها قد احترق وارتد رمادا ، ربما كان قلبها قد تجمد عند درجة الاحباط التام .
ربما خبأته في مكان ما من جسدها ، لكنه حتما لن يكون تحت قدميها .
يقولون في تفسير عقائد الدين ان الرجال قوامون على النساء ويستفيضون في الشرح والتعليل والتحليل . بطلنا لا يصدق واقع العبارة ، وانما أصبح مؤمنا أشد الايمان بعبارة الواقع .
تلك الآية ممسوحة من واقعه . وهو يؤكد بالأرقام والبيانات ، والدلائل الدامغة والمدموغة ، وبالحجج الناطقة والصارخة ، أن النساء قوامات على الرجال بما فضل النظام بعضهم على بعض وبما بكابدن ويشقين .
الواقع أصدق انباء من العبارات .