من حركة التضامن فى بولندا الى حركة الاحتجاج فى هونج كونج. صراع بين جمهورية الصين (الدولة والمجتمع) والشركات العملاقة الغربية؟


خالد فارس
2019 / 10 / 5 - 20:18     

كيف يمكن ربط ما يجرى فى هونج كونج بما جرى فى بولندا ابان بزوغ نجم ليخ فاليسا قائد حركة التضامن العمالية فى بولندا فى ثمانينات القرن العشرين, ويلح علينا سؤأل آخر تناظرى يتعلق بأفول نجم ليخ فاليسا الذى لم يدم طويلاً, بما يشى بأن الشعب البولندى أدرك أنه شعبوياً ليبرالياً, مما أدى الى انهيار شعبيته فى وسط العمال؟

عندما خاض فاليسا الانتخابات للمرة الثانية, خسر أمام المرشح الشيوعى كوارزنيسكي, الذى فاز بالرئاسة لفترتين متتاليتين, حيث فاز فى الرئاسة حتى أكتوبر 2015. ولكنه لم يستطع استعادة برنامج الحزب الشيوعى ولم يستطع الحزب وقتها استعادة نهوض استراتيجيات جديدة, تتجاوز انهيار الاتحاد السوفييتى. يعمل ليخ فاليسا الآن فى مسائل حوار الأديان.

يعتقد كاتب هذه المقالة أن هناك نقاط تقاطع, أو نمط استنساخ للتجربة البولندية, واعادة انتاجها فى هونج كونج. فى محاولة الى فرض حكومة موالية لأميركا وبريطانيا ضمن مشروع اسقاط الصين, التنين الاقتصادى والسياسى والثقافى, الذى أصبح أكبر معضلة تاريخية تواجه المعكسر الليبرالى, وبالأخص أميركا وبريطانيا.

المقاربة بين تجربة نقابة التضامن العمالى البولندية وحراكات الاحتجاج فى هونج كونج, أصبح حاجة بريطانية أمريكية, وقد تتشكل قاعدة التحالف الجديدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى على أساس تقسيم الصين أو انتزاع الفائض التجارى الصينى.
حيث تجد أميركا وبريطانيا فى الصين علاجاً لأزماتها الاقتصادية منها عجوزات الميزان التجارى, أميركا (566) وبريطانيا )92( مليار دولار, فى مقابل الصين التى لديها فائض (162) مليار دولار, حسب أحصائيات عام 2017.

أما المُشَغّلْ الفعلى لهذا الصراع, فهو الشركات العالمية العابرة للقارات. حيث تجد هذه الشركات فى الصين التحدى الأكبر الوجودى لها. صحيح أن الصين دولة ومجتمع تعمل ضمن آليات اقتصاد السوق الرأسمالى, وهو ما تسعى له هذه الشركات الكبرى, الا أن الفرق الجوهرى يكمن فى أن دولة الصين هى التى تدير وتوجه هذه الشركات, أما فى العالم الغربى الليبرالى فان هذه الشركات هى التى تدير وتوجه الدولة الليبرالية.
وهذا بحد ذاته ينزع ويسحب البساط من تحت أقدام هذه الشركات ويعزل دورها القيادى الممتد منذ القرن التاسع عشر, على الأقل, فى تقرير مصير الجيو-سياسى والاقتصادى فى العالم. اننا أمام صراع بين شركات تتحكم فى الدول ودولة الصين التى أصبحت هى التى تتحكم فى الشركات, بلغة أخرى, تغيير فى مجرى التاريخ.

الدولة الغربية الحديثة تسمى ليبرالية ديمقراطية بمقدار ماهى دولة قانون ودستور وحرية فردية على أن تتمكن فيها الشركات العملاقة من احداث توسعات رأسمالية غير مُقَيّدَة.
أنتجت الصين شركات تقارع وتنافس الشركات الغربية, واستحوذت الشركات الصينية على نصيب كبير من السوق العالمى. الخوف الكبير الذى يسكن العالم الليبرالى يكمن فى أن تتمكن دولة الصين من قيادة دفة هذه الشركات, وتتحكم بها, ومن ثم تحويل ذلك لصالح المشروع الاشتراكى العالمى.

الاتحاد السوفييتى أراد أن يكون اشتراكيا, مقدمةً ونتيجة, لذلك أراد أن يكون اشتراكيا نقياً أو محضاً منذ البدء, وفشل فى ذلك, أما الصين تنطلق من مقدمات رأسمالية للوصول الى نتائج اشتراكية, فهى رأسمالية خاصة, أو يمكن تسميتها الرأسمالية التى تُمَكّن الانتقال الى مابعدها, أن تتجاوز ذاتها, ولا تقبل الصين بنظرية نهاية التاريخ التى أصبحت أخطر اتجاه شعبوى وعنصرى عبر التاريخ, كما ينظر لها "الليبرالى".

أيد الرئيس الأمريكى السابق رونالد ريجان, وبشدة, حركة التضامن البولندى, وقَضى ذلك بأن تلعب وكالة المخابرات الأمريكية الدور الأكبر. تَحَمّسَتْ رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر لهذه الحركة, وعند لقائها فى حوض جيدينسك للسفن,نوفمبر 1988, مع خمسة آلاف من العمال, قالت
"لا شىء يمكن أن يوقفكم", وفى عشاء مع ليخ فاليسا نفسه, ألحت عليه أن يضع خطة عملية للحرية.

لم يكن لدى الحزب الشيوعى البولندى القدرة والحنكة على حسم الأمور بالأدوات السياسية البنيوية: الاقناع, الجدل السياسى الحر, البروبوغاندا, تغيير آليات القرارا السياسى ومنحها للعمال, وانتزاعه من النخب, ثم بعد ذلك يمكن أن تأتى أدوات السياسة العنفية مثل تدخل الأمن والعسكر. وهى أدوات تلجأ لها كافة نظم العالم.

و لم يتواجه الحزب الشيوعى مع ليخ فاليسا, أنما مع العمال عندما لجأ الى الاحكام العرفية, وهى طريقة بدائية, ومشينة سياسيا, فى التعامل مع الحركات ذات الطابع المجتمعى أو التى تصبح جزءاً من نسيج المجتمع. لم يدرك الحزب الشيوعى البولندى أن ماتطالب به الحركة, مثل الاحتجاج على البيروقراطية والوصاية المركزية المفرطة على العمال والنخب, مخالف أصلاً لمبادىء تحرر الانسان.
مَثّلَ ذلك للعمال فى نقابة التضامن البولندى استلاب حرية تقرير مصيرهم.

بعد فوز حركة التضامن العمالية فى اول انتخابات جرت فى بولندا, فى يونيو 1989, أسست أول حكومة غير شيوعية فى قلب المعسكر الاشتراكى, وبعد ذلك بستة أشهر سقط جدار برلين.

والسؤال الذى يراودنا يدور حول التغيير السياسى القادم من هونج كونج, وماهو المطلوب؟

سوف تكون هونج كونج ساحة عمليات لاسقاط الصين. وهناك مؤشرات خطيرة تشير الى صراع كبير يدور فى الحيز الجيو-سياسى الصينى.
ننظر الى حراكات هونج كونج كونها محاولة لتأسيس رأس حربة ليبرالية على الطريقة الغربية الامريكية البريطانية, يضمحل فيها دور الدولة الصينية, وتنتقل السلطة الى الشركات العابرة كقائد فعلى للدولة والمجتمع, فى مقابل ذلك يحصل المجتمع على حريات فردية ودولة قانون ودستور, وغير ذلك الفوضى والحروب.

هل ستلجأ الصين الى الأحكام العرفية, نحذر من ذلك, وهو ما تريده أميركا, وستدفع باتجاهه, أم أن لدى الصين أدوات تأثير سياسية عميقة, بنيوية, تمكنها من تجاوز هذه المرحلة, والانطلاق نحو تأسيس آليات قرار سياسى تمنح العمال والمثقفين صلاحيات أوسع فى تمثيل أنفسهم واتخاذ قرارت تعزز وتعمق التجربة الصينية.