ساحة التحرير الدامية اليوم .. إنها نذر الثورة في العراق


فلاح علوان
2019 / 10 / 2 - 00:37     

"بغداد حمراء كأمس،
وهذه الأجساد قد صبغت بوجه اليأس
درباً،
بالدم المسفوك صوب الغد"
لم تكتف القوات القمعية للنظام الفاسد بإطلاق الغازات المسيلة للدموع، بل واجهت المتظاهرين بالرصاص الحي، وقتلت 3 متظاهرين وجرحت 60 حتى الساعة الخامسة مساءاً، وإطلاق الرصاص الحي يتواصل، ومعه يتواصل التحدي.
لم تواجه الحكومة والقوات القمعية يوماً عصيباً مثل هذا اليوم، لا في تظاهرات 2011 ولا في 2015 ولا في 2018. كان التحدي غير مسبوق، والغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه لم تجدِ مع ممثلي شعب منهوب، مطعون في كرامته، متجاوز على حقوقه، يواجه مصيراً مجهولاً ومستقبلاً خطيراً. ولقد استنفرت قوات من كل الأصناف للسيطرة على الموقف، وأصاب الارتباك قوات الحكومة التي لم يسبق ان واجهت صموداً وتحدٍ بهذا الشكل.
هتف الشباب " الشعب يريد إسقاط النظام" جهاراً وهدرت البنادق بوجههم، وتوالى تعزيز القوات الأمنية، وتقاطرت ناقلات الأفراد والآليات المدججة.
هتف المتظاهرون بما يريدون، وردت الحكومة بالرصاص. المعادلة وصلت الى غايتها المنطقية. طلاب الحياة مقابل ماكنة الموت. الشعب يريد الحياة والحكومة تفرض الموت. الشعب أمام العدو الان، و لم يعد أمامه سوى التحدي.
يشكل يوم 01-10-2019 تحولاً في المواجهة الممتدة منذ سنوات بوجه السلطة ، ويشكل بداية تحول في موقع القوى والأحزاب التي كانت تشارك في التظاهرات وتوجهها حسب متطلبات سياستها.
روجت الحكومة شاعات عن كون التظاهرة مرتبة من قبل هذا السياسي أو ذاك الحزب، وخاصة الاحزاب المكروهة من الشعب والمعروفة بهيمنتها على السلطة ونهبها للمال. فيما امتنعت قوى عن المشاركة مثل التيار الصدري أو دعت الى عدم المشاركة مثل الحزب الشيوعي العراقي. وكان خروج الجمهور الذي تعرف على أساليب الحكومة القمعية خلال سنوات من المواجهات، أوسع بكثير من حضوره في التظاهرات السابقة التي كانت تتواجد فيها تلك القوى السياسية. من الممكن أن تتصاعد هذه الحركة، ومن الممكن أن تقمع، ومن الممكن كذلك أن تتراجع، وهذا هو حال الحركات الجماهيرية. ولكن تقييم درس اليوم وفهمه سياسياً هو المعنى العملي للإنخراط في حركة المجتمع وتقديم البرنامج السياسي المعبر عن مضمون الحركة الواقعي.
ان تظاهرة اليوم الشاملة، في عموم العراق، هي تظاهرة فقراء المدن المعدمين والمعطلين والثائرين بوجه الفساد وأنصار الحرية، أساساً، أي انها تظاهرة ذات صبغة عمالية، وان مشاركة أفراد أو مجاميع بهتافاتها الخاصة هو أمر منطقي، وليس لأحد أن يمنع المتظاهرين من ترديد شعارات بعينها بحجة عدم نقائها الايديولوجي.
سيعود من ابتعد عن تظاهرات اليوم لينتحل الحركة من جديد، وستقوم الحكومة بدس ممثليها ومخربيها، وربما ستشتري أو ترشي البعض، وسيقوم مخربون وبلطجية وشقاوات بالاندساس والتخريب، وسينبري قائد هنا وسياسي هناك. كل هذا من المتوقع أن يحصل، والأحرى لابد أن يحصل اذا ما تصاعدت الحركة واستمرت رغم قمعها الدموي. ولكن كل هذا ليس مبرراً لان تخرج بيانات تدعو الشعب المقهور الى عدم التظاهر بحجة عدم نقاء التظاهرات.
إن بناء التيار الاشتراكي خلال هذه الحركة ليس أمراً ممكنا فحسب، بل إن هذا هو الميدان الحقيقي لإعداد البرنامج الثوري للطبقة العاملة.