الثورة بالغرب الإفريقي من خلال تجربة الشهيد إبراهيم صيكا - 4


الأماميون الثوريون
2019 / 10 / 1 - 20:38     

ما بين 1995 و2005 تمت سمسرة السلع السياسية البائرة خلال سنوات السبعينات والثمانينات : الماركسيون اللينينيون الفاشلون يحومون بضواحي القصر، الشعب المغربي يتم استبعاده عن اللعبة السياسية للمرة الثانية تحدث المؤامرة بأياد جديدة، يحملون ملفاتهم الفارغة من المضمون السياسي الماركسي اللينيني، يعرضونها للبيع، يتهافتون في طوابير تسليم الشيكات من زعيمهم القيادي التاريخي التصالحي "بنزكري"، لكل زعيمه في تجارة الملفات السياسية ولكل منهجه في لعبة المؤامرة على الشعب المغربي، في نسخة مشوهة لملفات "المقاومة وجيش التحرير" نسخة باسم "الإنصاف والمصالحة" على حساب مصالح العمال والفلاحين، في النسخة الثانية من بيع دماء الشهداء، هذه المرة تمتزج معها دماء شهداء الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية واليسار الثوري المغربي، بعد بيع دماء شهداء حملة السلاح ضد الاستعمار القديم والجديد، وحملة سلاح الفكر الماركسي اللينيني.

في ظل هذه الشروط، قطع الشهيد إبراهيم صيكا مسار سنوات الدراسة الابتدائية والثانوية، ليلج الدراسات الجامعية، وقد عرفت قضية الصحراء الغربية نشاطا كبيرا بداخل أسوار الجامعات المغربية، عبر نضالات الطلبة الصحراويين السياسية والاقتصادية، التحق الشهيد بهذه الحركة فأصبح أحد قيادييها البارزين، كانت حنكته في التنظيم قوية، أصبح تحت أعين المخابرات والبوليس السياسي، علمه حرمانه في سنوات الطفولة كيف يكون أمميا في طرحه للقضايا السياسية بارتباطها بالحرب الإمبريالية ومصالحها الطبقية على الشعب الصحراوي، ساهم في بروز الطرح التقدمي الأممي لقضية الصحراء الغربية الذي تجاوز الطرح القومي للجبهة، أي ربط قضية تقرير مصير الصحراويين بالواقع الموضوعي للاستعمار الجديد بالمغرب في علاقته بتقرير مصير الشعب المغربي، الطرح الذي يلتقي بالمنظور الماركسي اللينيني للقومية في علاقتها بالأممية البروليتارية، الذي تخلى عنه رواد "التجميع" و"الإنصاف والمصالحة"، رواد الانتهازية التي برزت بشكل علني بعد "العفو سنة 1995"، التي اختزلت مصير الشعب المغربية في نزاعاتهم الزعاماتية داخل الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية التي تم تصريفها على شكل تنظيمات سياسية تحريفية قزمية.

كان للحركة السياسية داخل الحركة الطلابية للشباب الصحراوي التي قادها الشهيد بشكل عقلاني أثر كبير في الضغط الجماهيري بالصحراء الغربية من طرف الشبيبة عبر الاحتجاجات بالأحياء الشعبية خاصة بالعيون، مما أعطى نفسا جديدا للطرح السبعيني الذي قاده الشهيد الولي مصطفى السيد داخل الحركة الطلابية المغربية قبل تأسيسه للجبهة والدولة، مما أثار انتباه البوليس السياسي والمخابرات السرية المغربية التي تتابع حركة الطلبة الصحراويين التي عرفت دينامية جديدة بعد كشف مؤامرات النظام الملكي الدموي وتهاون قيادات الجبهة في ظل مفاوضات مغشوشة دون الوصول إلى حل للقضية، مما ساهم في تأسيس خط الشهيد الولي مصطفى السيد في صفوف الشبيبة الصحراوية المناقض لخط قيادات الجبهة، مما قطع الطريق أمام محاولة خلق شبيبة صحراوية موالية للانتهازية الصحراوية بالأحزاب الاصلاحية التي تم فضحها وتغيير مسار الحركة الطلابية الصحراوية في علاقتها بالطلبة الماركسيين اللينينيين المغاربة بالجامعات المغربية، أدى على إثرها الشهيد ضريبة النضال الثوري بثلاث سنوات سجنا نافدا، في محاكمة صورية تم فيها تلفيق تهم رخيصة للشهيد كعادة البوليس السياسي من أجل تفادي المحاكمة السياسية للطلبة الصحراويين.

هكذا بدأ من جديد المسار الحقيقي لدولة المخابرات، دولة البوليس السياسي، استمرارا لسنوات القمع الأسود بطرق أكثر مأساوية، التي يتبجح رفاق بن زكري بتجاوزها ومعالجتها عبر تلقي الرشاوى مقابل كتابة توصياته الوهمية حبرا على ورق سرعان ما تم طرحها في مزبلة التاريخ، التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي عبر تلفيق تهم لطلب غاضبين عن أوضاعهم الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وأوضاع عائلاتهم الفقير بالبوادي وهوامش المدن المغربية والصحراء الغربية، وأصبحت السجون بالمدن الجامعية مليئة بالطلبة المعتقلين الماركسيين اللينينيين والصحراويين، بتهم ملفقة، حد الاستشهاد.

غادر الشهيد إبراهيم صيكا السجن، حاملا إجازة في علم الاجتماع، يعلم أنه لا مجال لمتابعة دراسته في ظل شروط القمع الأسود، متجها إلى مصر لدعم من عائلة ماديا ومعنويا، كما فعل يوما بن خلدون لما ضاقت به الحال بالمغرب، بعد هروبه من طغيان أمراء الأندلس رفضا حياة البلاط، رفض كراسي السلطة على أنقاض الفقراء وحل بمصر نشرا المقدمة : الكتاب الذي حول مجرى النظر إلى التاريخ، وضعا أسس علم الاجتماع، انطلاقا من الدراسة المادية للوقائع والأحداث خارج القصور والدواوين، في الممارسة العملية للواقع الموضوعي المتحرك، هكذا اختار الشهيد ديار الغربة من أجل متابعة دراسته حيث حصل على شهادة الماسر في علم الاجتماع السياسي، وكأنه يعيد ما جرى لابن خلدون في شروط أكثر مأساوية، يعتبر فيها كل صحراوي رافض للواقع المزري للصحراويين، رفض المتاجرة بقضية الصحراء الغربية، متهما بالانفصال، التهمة المجهزة لنزع هويته الإنسانية، ككائن بشري يفكر، من حقه التعبير عن رأيه والدفاع عنه بكل حرية.

رجع الشهيد حاملا تجربة خارج حدود البلاد التي كان فيها يوما غريبا بسبب أفكاره معمقا نظرته الأممية للقضايا وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية، أممي في دراسته، تحليله، أنشطته الجماهيرية، ضد الفقر، الفقر قضية أممية، قضية الصراع ضد الطبقات المسيطرة، ضد الأولغارشيا، في التحالف الجماهير، في الوحدة في العمل الجماهير، ضد العدو الوحيد، في تحالف الطبقة العاملة والفلاحين، كل خطاباته تنبع منها روح الأممية، روح نداء ماركس "يا عمال العالم اتحدوا !".

للمرة الثانية، يعيد البوليس السياسي ممارسته الحاطة بالكرامة، ضد الشهيد، في شروط أكثر مأساوية، بباب الصحراء الغربية، أيت باعمران وادنون، حيث الشهيد بعد رجوعه من الغربة عانق من جديد هموم جماهير الفقراء، بشوارع كلميم المهمشة، المعزولة، يقود مجموعة الرفض، مجموعة المعطلين، المحرومين من الحق في الشغل، ينظمهم، يوجههم، يعلمهم معنى أن تكون مثقفا عضويا، مرتبطا بهموم جماهير الفقراء، أن تكون منحازا للمضطهدين، أن تترجم مضمون المقدمة في أرض الواقع، أن ترفض هذا الواقع، أن تعمل على تغيير هذا الواقع، هكذا انخرط الشهيد في الحركة الجماهيرية بكلميم، ليس من أجل الشغل فقط، بل أيضا من أجل وضع أسس البناء الجماهيري لتغيير الواقع الملموس، ذلك ما أزعج البوليس السياسي، الذي قرر اعتقال الشهيد، في عز استعداده لتحمل مسؤولية قيادة النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين بكلميم.

خرج الشهيد من بيته، كما هي عادة، دائما يكون الأول في موعد المعارك النضالية، في اتجاه مكان الوقفة الاحتجاجية، في الشارع العام مع رفيق له، مرافق له في كل حركاته، تنقض عليه ذئاب البوليس السياسي، تعتقله، تكبل يديه، تحجب عينيه عن النظر، تطرحه بداخل عربة الاعتقال، تنقض عليه الذئاب بكل وحشية، تنهال عليه بالضرب عشوائيا، تنتزع منه مفاتيح البيت، تداهم منزل العائلة، تفتش المنزل، غرفة، غرفة، أمي عائشة لم تفهم أي شيء، غير أنه الهجوم الوحشي، عبرت عن رفضها لهذه الممارسة الحاطة بالكرامة، رفضت اعتقال ابنها الشهيد، إنها ممارسات سنوات القمع الأسود، في أبشع تجلياتها، في شروط مأساوية، في واضحة النهار، في السبعينات كانت تقع في أوقات متأخرة من الليل، ما يسمى زوار الليل، يداهمون منازل المناضلين يعتقلونهم، هي نفس الممارسات ضد المناضلين، اليوم في واضحة النهار.

الهدف من اعتقال الشهيد، هو لجم الحركة الجماهيرية بكلميم، التي بلغت أشدها، بعد عزمه معانقة هموم الفلاحين الفقراء بواد أسكا بعد اشتغاله أربعة أشهر في صفوف المعطلين بكلميم، بواد نون، بأيت باعمران، البوليس السياسي قرر اعتقاله، اغتياله، ضرب هذه الحركة من مهدها، بتهم ملفقة، مضحكة، تنم عن تخلف البوليس السياسي المغربي، تهم الضرب والجرح، إهانة موظفين، من يقرأ محاضر الشرطة القضائية، يفهم جيدا معنى القمع، معنى قمع الحريات، معنى إعادة سيناريوهات اعتقال الشهيد وهو طالب، تم إقحام تلك التهم فيما يسمى سوابق، إدراجها في محاضرهم المزورة، كل ذلك من أجل إهانته كمثقف عضوي، مرتبط بهموم الجماهير، من أجل فصله عن الجماهير، بمخافر البوليس السياسي، تعرض للتعذيب، تم نقله عدة مرات إلى المستشفى، رفض التوقيع على المحاضر المزورة، أخبر قاضي النيابة العامة بالتعذيب الذي تعرض له، تمت تزكية جميع التهم التي سجلها البوليس ضده من طرف القاضي، بدأت محاكمته دون مراعاة حالته الصحية المتدهورة، ينهار بالسجن، يتم نقله إلى المستشفى الجهوي بأكادير، في طريق الشهادة.