انقسام سبتمبر 1970


الحزب الشيوعي السوداني
2019 / 10 / 1 - 20:37     

من أرشيف الحزب الشيوعي السوداني
انقسام سبتمبر 1970
الصراع الداخلي عقب انقلاب 25 مايو 1969م
عرف حزبنا الصراعات الداخلية والانقسامات منذ تأسيسه عام 1946م، تطور حزبنا وتعرف علي الواقع السوداني وبني استرانيجيته وتكتيكاته وغرس جذوره بين الطبقة العاملة والجماهير الكادحة عبر الصراع الداخلي ضد مختلف الاتجاهات الانتهازية والتخلف والجمود.
المصدر الأساسي للصراع الداخلي كان الاحاطة البورجوازية الصغيرة في بلد متخلف اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وفي المراحل الأولي من حياة حزبنا كان الصراع يدور حول حول الطبيعة الطبقية للحزب وحول استقلاله التنظيمي والفكري والسياسي، وبالتالي حول هويته المستقلة كحزب طبقي يناضل في سبيل الاشتراكية علي أرض السودان.
وفي المراحل التالية وخاصة في الستينيات، تركز الصراع حول التكييكات: أساليب وأشكال النضال ، التحالفات (وخاصة مع البورجوازية الوطنية)، الدور القيادي للطبقة العاملة ، دور البورجوازية الصغيرة ( مدنية وعسكرية) لقيادة الحركة الشعبية،..الخ.
* غني عن القول أن هذه الصراعات داخل الحزب كانت انعكاسا ونتاجا للصراع الطبقي والاجتماعي في المجتمع المحيط به، وكانت بشكل أو بآخر وبهذا القدر أو ذاك تعبيرا عن الصراع بين الطبقة العاملة والقوي الطبقية الأخري، وخاصة البورجوازية الصغيرة الديمقراطية، لاحتلال مواقع الزعامة في الحركة السياسية والشعبية.
كما عبرت هذه الصراعات من جهة أخري عن نزعات البورجوازية الصغيرة داخل الحزب في مواجهة تعرجات الصراع السياسي والاجتماعي وانتقال الطبقات الحاكمة من اسلوب الي آخر في الحكم وما الي ذلك.
وخلال فترة الستينيات تجلي بوضوح أن قوي خارج الحزب – أجهزة الأمن ودوائر سياسية واجتماعية، بل وحتي دوائر اجنبية – كانت تشارك في توسيع رقعة الصراع الداخلي وتعويق معالجته اضافة الي مناصرة جانب علي آخر بالاشاعات ونقل النميمة وتدمير الكادر وربما بتقديم مساعدات مادية.
*استفاد حزبنا كثيرا من تجربة الحركة الشيوعية المصرية في معالجة الصراعات الداخلية، وفي عام 1949م كتب عدد من الرفاق العائدين من مصر تقريرا هاما عن تلك التجربة توصلوا فيه الي أن الصراع الداخلي حقيقة طبيعية وموضوعية، وأنه انعكاس ونتاج لما يحيط بالحزب ، وأن من الضروري معالجته بما ينفع تطور الحزب وتقدمه ( ربما لم يكن بكل هذا الوضوح ولكن كان هذا اتجاهه الأساسي).
وخلص التقرير الي ضرورة تجنب ماحدث في مصر : الاستغراق في المناقشة وترك العمل من ناحية، ورفض المناقشة علي أساس أنها تعوق العمل . وأصبح موقف الحزب من الصراعات الداخلية هو: نعمل ونناقش ، ونناقش ونعمل.
• ومع ذلك فقد قاد عدد من الصراعات الداخلية الي انقسامات: أهمها ماجري في فبراير 1952م وأغسطس 1964م وسبتمبر 1970م.
الانقسام الأخير في سبتمبر 70 ، كان أخطرها علي الاطلاق سياسيا وفكريا وتنظيميا، فقد شق الحزب من القمة الي القاعدة، وخرج فيه اثنان من أعضاء المكتب السياسي( من مجموع 10)، و12 من أعضاء اللجنة المركزية ( من 33) وعديد من المتفرغين والكوادر الجماهيرية وقادة لجان المناطق والمكاتب المركزية والأعضاء العاديين ، وأدي الانقسام الي اضرار سياسية وتنظيمية لاتزال باقية.
*يمكن فهم انقسام 1970م ونتائجه بالنظر الي خلفيته والظروف التي دار فيها ، والتي تعود الي التحولات التي اعقبت ثورة 21 اكتوبر 1964.
1- خرج الحزب من الثورة وقد توفرت له امكانات الاشتراك في السلطة وتحوله الي حزب جماهيري يطرق أبواب العمل في مجالات جديدة ومتعددة.
- وكانت الظروف التي اعقبت ثورة اكتوبر نموذجا كلاسيكيا للاسباب التي تقود الي ظهور خلافات حول التكتيك داخل الحزب (والتي عددها لينين دائما): انعطاف أقسام واسعة من الجماهير الي الحزب ودخولها في صفوفه، ضم كوادر شابة الي القطاع القيادي بما في ذلك ل.م. اشتراك الحزب في الحكومة ودخول نواب منه في البرلمان ومواجهة مسؤولية طرح برامج وحلول عملية للقضايا الوطنية، تغيير الطبقات الحاكمة لتكتيكاتها من الليبرالية الي العنف ثم الي خليط من هذا وذاك.
- طرأت تغييرات علي الأوضاع االاجتماعية لأقسام من كادر الحزب وانتقلوا في حيز الثروة الي فئات الميسورين من السكان (محامين وكبار موظفين ومهنيين ومزارعين في مشروع الجزيرة. الخ).
2- نتيجة لهذه الظروف يمكن تفسير الارتباك الذي شمل الحزب عندما أشهر اليمين سلاح العنف البدني والقانوني ضد الحزب واستصدر قانونا في الجمعية التأسيسية بحظره في نوفمبر 1965م. وفي جو الارتباك قرر اجتماع موسع ضم اللجنة المركزية وعددا من الكادر القيادي العمل علي بناء حزب واسع تكون نواته الصلبة من الشيوعيين. وكان القرار يعني عمليا حل الحزب الشيوعي القائم. وقد تم تصحيح هذا القرار فيما بعد وبمساعدة رفاقية من الأحزاب الشقيقة وخاصة الحزب السوفيتي. وكان ذلك في منتصف عام 1966. غير أن هذه الفترة علي قصرها الحقت ضررا كبيرا بالحزب في لحظة حاسمة من تطوره.
3- بعد التصحيح بدأ التحضير للمؤتمر الرابع الذي تأخر انعقاده نحوا من ثماني أو تسع سنوات، اذ انعقد في اكتوبر 1967. حقق المؤتمر نجاحا كبيرا في دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي السوداني وصياغة تكتيك صحيح وثوري وصياغة خط تنظيمي للحزب. ولكنه فشل في معالجة قضية القيادة. وكان هذا الفشل أحد الأسباب الرئيسية في :
أ- عجز اللجنة المركزية عن مواجهة وقيادة الصراع الداخلي الذي احتدم بعد المؤتمر.
ب- عجز اللجنة المركزية عن تلبية تطلعات الحركة الثورية الي قيادة مقتدرة في ظروف كانت ملائمة لتغييرات كبري.
4- تبلور الصراع الداخلي أساسا حول قضيتين:
أ- الموقف من البورجوازية الوطنية كاحدي قوي الجبهة الوطنية الديمقراطية ( موقعها الفعلي في التنظيمات السياسية القائمة علما بأنه ليس لها تنظيم مستقل – برنامجنا ازاء مصالحها – ودورها في الحركة السياسية..الخ).
ب- الموقف من التكتيكات والعقلية الانقلابية.
5- الخلافات داخل الحزب لم تكن محل اهتمام الشيوعيين وحدهم ، بل وأيضا محل اهتمام ومصلحة دوائر خارج الحزب ، ونتجت عن ذلك ضغوط هائلة استهدفت منع الحزب من التحول الي حزب يتصدي لقيادة الجماهير والحركة الثورية كما استهدفت تمزيقه وتصفيته.
6- مع كل ذلك ينبغي القول أن القوي الماركسية اللينينية داخل الحزب صارعت وحققت انتصارات كبيرة ووضعت أقدام الحزب علي طريق الخروج من أزمة امتدت منذ نهاية عام 1965م، ولكن قبل أن يرسّخ الحزب أقدامه تماما خارج الأزمة وقع انقلاب 25 مايو 69 الذي قادته شريحة من البورجوازية الصغيرة العسكرية تنتمي الي الفكر الناصري.
* لعب الانقلاب دورا رئيسيا وخطيرا في تطور الصراع داخل الحزب الشيوعي. أولا: لأن تغييرا في السلطة السياسية وتركيبها الاجتماعي قد حدث بانقلاب وبسهولة وتحت شعارات تقدمية وبرنامج معلن يلتقي في اكثر من نقطة مع البرنامج الوطني الديمقراطي الذي طرحه الحزب. وثانيا: لأن السلطة التي اقامها الانقلاب كانت من البورجوازية الصغيرة في المدن.
وهكذا دفعة واحدة، وجد ممثلو البورجوازية الصغيرة داخل الحزب وقودا لنظرياتهم.
• بشكل عام دار الصراع بعد الانقلاب علي المحورين التاليين:
أ‌- التيار الثوري بقيادة عبد الخالق محجوب ، لخص موقفه في النقاط الأساسية الأتية:
- ان ماحدث يمثل نقلا للسلطة من ايدي تحالف قوي شبه الاقطاع الطائفي والعشائري الي ايدي البورجوازية الصغيرة والتي هي بمصالحها احدي قوي الجبهة الوطنية الديمقراطية.
- اذا استطاعت السلطة الجديدة أن تحافظ علي بقائها ، فان ظروفا جديدة تتهيأ لانجاز مهام التطور الوطني الديمقراطي. لكن ليس لها طريق غير تحقيق المطالب الثورية للجماهير، فاذا ما اختطت طريقا معاديا لتلك المطالب فستلقي الفشل.
- التطور الوطني الديمقراطي لن يتم الا بالمبادرة الثورية للجماهير وبقيادة الطبقة العاملة – أي أنه يعتمد علي درجة تنظيم الجماهير ومستوي وعيها ومقدرتها الفعلّية علي النضال والوحدة والالتفاف حول مطالبها الأساسية التي تستهدف التغيير الاجتماعي الديمقراطي.
- مسلك الحزب هو أن يلعب دورا بارزا في دعم السلطة الجديدة وحمايتها من خطر الثورة المضادة، وأن يحتفظ بقدراته علي نقد وكشف مناهج البورجوازية الصغيرة وتطلعاتها غير المؤسسة لتسلم زمام الحركة الثورية، وأن يهتم اهتماما بالغا بنشر الايديولوجية الماركسية بين صفوف الحزب والجماهير الثورية وخاصة الطبقة العاملة وأي تراخ في هذه المهمة يؤدي الي انتشار أفكار الديمقراطيين الثوريين من البورجوازية الصغيرة مما يعد انتكاسة بين الجماهير الثورية.
ب‌- التيار الانتهازي التصفوي لخص مواقفه في النقاط التالية:
- ان ماحدث يوم 25 مايو لم يكن انقلابا، وانما كان ثورة. وأنه كانت قد نضجت بالبلاد أزمة ثورية كانت القوي الوحيدة المستعدة لحلها هي مجموعة الضباط والجنود التي قامت بالانقلاب.
- ان الانقلاب الذي حدث يمكن أن يفجر طاقة الجماهير في عملية ثورية.
- ان قيادة الانقلاب من الديمقراطيين الثوريين الذين يمكن أن يرودوا الاشتراكية ولايتوقفوا عند المهام الوطنية الديمقراطية، وأنهم بالفعل يمكن أن يصبحوا بالفعل قيادة للحركة الثورية.
- ان علي الحزب الشيوعي أن يتحالف مع قادة انقلاب 25 مايو لانجاز المهام الوطنية الديمقراطية والاشتراكية وأن وصفهم بأنهم بورجوازية صغيرة يعوق عملية التحالف هذا ويدمرها.
• في وجه الخلاف والصراع الذي اندلعا عقب الانقلاب مباشرة دعت اللجنة المركزية في أغسطس 1969م الي مؤتمر تداولي لكادر الحزب.
وتواصل الصراع في اجتماعات الهيئات الحزبية وخلال تحضير طويل للمؤتمر التداولي استمر عاما كاملا. وخلال هذه الفترة الممتدة تبينت - لا بالاقوال وانما بالاعمال ايضا – طبيعة الانقلاب والسلطة التي جاء بها ، كما تبينت مواقع التيارين المتصارعين لكل اعضاء الحزب. وعندما وقع الانقسام تجسد هذا الوضع ايديولوجيا وتنظيميا وسياسيا. وكان الانقسام كدمل انفجر بعد (نضجه) وتجمع القيح من كل جسد الحزب فيه. ومنذ سبتمبر 1970(حتي كتابة الوثيقة عام 1976م – المحرر) لم تتكرر في الحزب تلك الأزمات والانقسامات الدورية التي كانت تعتريه.
• ظروف احاطت بالصراع عقب 25 مايو:
1- وجود سلطة لها مصلحة فعلية في قسم الحزب الشيوعي وتصفيته، وقد شاركت بنشاط الي جانب التيار التصفوي الانتهازي ودعمته بكل السبل والوسائل.
2- احتدام أزمة حركة التحرر الوطني العربية والأفريقية عقب الهجمة الامبريالية الشاملة علي كامل منطقة التحرر الوطني العالمية، واليأس الذي اصاب البورجوازية الصغيرة الديمقراطية من امكانات النضال الجماهيري والمراهنة علي ورقة الانقلابات العسكرية.
3- الأوهام حول شريحة الديمقراطيين الثوريين من فئة البورجوازية الصغيرة، وخاصة العسكرية، في امكان قيادتها للثورة وريادتها للاشتراكية. عذت هذه الاوهام ترسانة من التحليلات والتقييمات النظرية الفطيرة حول دور الجيوش في بلدان العالم الثالث وحول قدرات الديمقراطيين الثوريين.
4- التحول اليميني الرجعي في السلطة وسيطرة قوي الدستور الاسلامي والفراغ من وضع دستور يخرج الحزب الشيوعي والمنظمات الديمقراطية والنقابية من الشرعية واقتراب ليل رجعي بدت امكانات الاطاحة به بعيدة، مما غذي الاتجاهات اليائسة التي لم تكن تري مخرجا في غير الانقلابات العسكرية، وقد شارك قادة الانقسام باقلامهم وبالنشاط العملي في التحضير للاتقلاب.
5- عدم توحد التيار الثوري وأغلبية الحزب حول تكتيكات المؤتمر الرابع، وحول قرارات ومداولات اللجنة المركزية في مارس 1969م حول الموقف من التكتيكات الانقلابية قبل وقت كاف من 25 مايو 69.
• في أغسطس 1970 انعقد المؤتمر التداولي وقرر بأغلبية ساحقة مساندة التيار الثوري. وانعقدت اللجنة المركزية (ل.م) لاقرار توصيات المؤتمر، بما فيها التدابير الخاصة بالتحضير للمؤتمر الخامس للحزب. لكن العناصر الانتهازية التصفوية رفضت، ودبرت الانقسام، في 20 اكتوبر 1970، وبعد عدة محاولات فاشلة لاثناء المنقسمين اتخذت ل.م قرارا بطردهم من الحزب.
• بعد الانقسام اسفروا علانية عن كل خطهم ووقفوا مع السلطة تماما ضد الحزب الشيوعي، وفي يوليو 71 شاركوا في تنظيم الردة الدموية وشاركوا في المجازر والاعدامات.
_____________
انقسام سبتمبر 1970 ، وثيقة صادرة من الحزب الشيوعي السوداني 1976 .