لماذا فشلت أنظمة الدفاع في حماية السعودية؟


ناجح شاهين
2019 / 9 / 30 - 21:32     

لماذا فشلت أنظمة الدفاع في حماية السعودية؟
قراءة في
صفقات الأسلحة الأمريكية للسعودية
أندرو كوكبيرن
ترجمة: ناجح شاهين
المبدأ القديم القائل بأن "الحكومة الأمريكية موجودة لشراء الأسلحة من الداخل وبيعها إلى الخارج" لم يكن أكثر صدقًا مما هو اليوم. اليوم ترتفع ميزانيتنا الدفاعية إلى مستويات غير مسبوقة من وتسجل صفقات الأسلحة في الخارج أرقاما قياسيا جديدة.
في الواقع، أصبحت صناعة مبيعات الأسلحة متعددة الأوجه لدرجة أنه في حين أن بعض الشركات الأمريكية تبيع الأسلحة، فإن شركات أمريكية أخرى تجني الأموال من خلال العمل نيابة عن المشترين. هكذا، أرسلت شركة لوكهيد مارتن - رايثيون مؤخرًا فريقاً إلى الرياض للتفاوض على النقاط الدقيقة للصفقة الحالية التي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار لسبع بطاريات للدفاع في وجه الهجمات الآتية على ارتفاعات "ثاد" تم تصنيعها بشكل مشترك بين الشركتين، لكن أعضاء الفريق وجدوا أنفسهم في مواجهة أشخاص غير سعوديين. لقد وجدوا فريقاً من المديرين التنفيذيين من مجموعة بوسطن الاستشارية. هذه الشركة العملاقة ، التي تمتلك 7.5 مليار دولار من العائدات الكونية، ليست سوى واحدة من الشركات التي تخدم الفاسد "أبومنشار" محمد بن سلمان في تعزيز سلطته الشرسة والقوية في المملكة.
ومن بين تدفق العائدات المربحة الأخرى، تتمتع مجموعة بوسطن الاستشارية بعقد لإصلاح ممارسات شراء الأسلحة في وزارة الدفاع، وهي مهمة صعبة بالنظر إلى سجل الأسلحة التي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات والتي كان محمد بن سلمان قد أمر بابتياعها.
بالنسبة لتجار الأسلحة الذين يمارسون أعمالهم في المملكة، كان الإصلاح الأكثر بروزاً حتى الآن هو تعزيز السيطرة على مشتريات الأسلحة السعودية، علماً أن فروع القوات المسلحة كلها غدت خاضعة لسلطة محمد بن سلمان نفسه.
فيما مضى كانت السيطرة في هذا المجال موزعة بين جهات مختلفة من أجنحة العائلة الحاكمة، مما مكّن كل منها من التمتع بالمكافآت المالية (اقرأ: الرشاوى) المرتبطة تقليديًا بمثل هذه الصفقات. لكن محمد بن سلمان جعلها جزءاً من عمله الحصري بكل معنى الكلمة، فقام باستبعاد الوسطاء الذين يحتمل أن يكونوا منافسين له عن طريق تركيز جميع أعمال الدفاع السعودية تحت مظلة الهيئة العامة للصناعات العسكرية، مع وضع الإدارة في أيدي جديرة بالثقة (مثلما يأمل) من أقارب وأتباع مخلصين من قبيل مطلق بن حمد المرشد، المهندس النووي المدرب في برينستون والمكلف بتطوير البرنامج النووي السعودي.
قامت مجموعة بوسطن بتطوير سوق يتصل بتقديم المشورة للحكومات الأجنبية بشأن شراء الأسلحة، وتحفيز إنشاء وتطوير المجمعات العسكرية الصناعية الخاصة بها، أو كما يقول المسؤولون التنفيذيون مجموعة بوسطن في ورقتهم الاستراتيجية للعام 2018: "على عكس الطريقة التي تم بها تنفيذ الأعمال في الماضي، يريد المشترون اليوم من مقاول الأسلحة الاستثمار في البنية التحتية لبلدهم، والمساعدة في تطوير قدراتهم الدفاعية المحلية، وتنويع اقتصاداتهم ".
لطالما كان ما يسمى باتفاقات التعويض أو المكافأة، سمة من سمات صفقات تصدير الأسلحة الكبرى التي يتعهد فيها المصدر بمنح العقود من الباطن لجهاز التسلح في البلد المشتري، أو يقدم شيئاً آخر مقابل ذلك في شكل أعمال تجارية أو نقل للتكنولوجيا. ولا بد أن التوسع الهائل في الآونة الأخيرة، كما هو موضح في ورقة مجموعة بوسطن، يجلب فائدة إضافية لجميع الأطراف المعنية. غير أن ذلك يتهدده خطر إرسال وظائف الدفاع الأمريكية إلى الخارج، وفتح ثغرات أمنية، حيث يتم الآن تقاسم التكنولوجيا الحساسة مع شركات تصنيع الأسلحة في الدول الأجنبية.
لكن الوعد بعقد تعويضي مربح لشركة تقودها شخصية مؤثرة في جانب المشتري يمكن أن يكون حافزًا قويًا على توجيه القرار في الاتجاه المفضل، وهو حل أنيق للحظر المزعج ضد الرشوة، بما في ذلك تشريع 1977 سيء الصيبت ضد الممارسات الأجنبية الفاسدة والناجك جزئياً عن الكشف عن رشاوى صفقات الأسلحة التي قامت بها شركة لوكهيد من بين شركات أخرى.
وكما أوضحت خدمة الأخبار الأمنية المطلعة التي تتخذ من باريس مقراً لها فإن: "أحد أسباب [نجاح مثل هذه الترتيبات] هو أنها ليست مشمولة بالكامل بمعايير الشفافية التي تحكم عملية دفع العمولات [بكلمة أخرى الرشاوى ] والتي كانت قد دخلت حيز التنفيذ من قبل اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في عام 1997.
بطبيعة الحال لو كان مكتب مجموعة بوسطن في الرياض ("الدائم التمتع بأسلوب تحفيزي ملهم" ، وفقًا لموقع الويب الخاص بالشركات) لديه أي اهتمام مخلص بالمصالح الحقيقية للمملكة العربية السعودية في صميمها، لكانوا قد طردوا فريق مبيعات لوكهيد على الفور. ذلك أن نظام دفاعها المقدم للسعودية هو نظام لا يمتاز بتكلفته الهائلة (1 مليار دولار لكل بطارية ذات ست قاذفات) فقط، ولكنه عديم الجدوى بالنسبة للسعوديين. إذ من المفترض أن السعوديين قد تم بيعهم نظام الدفاع "ثاد" كدفاع ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية مثل صواريخ سكود السوفيتية القديمة وتحديثاتها الإيرانية المختلفة.
يهدف النظام المباع للسعودية إلى اعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة المدى أو متوسطة المدى التي تصل إلى أعلى الغلاف الجوي من مسافة 25 إلى 90 ميلًا وليس أبعد من 125 ميلًا. لذلك يجب على رادار النظام أن يحدد الرأس الحربي الفعلي للصاروخ، ويميزه عن القطع المقطوعة القريبة لصاروخه الداعم أو عن الأفخاخ التي يتم إطلاقها عمداً. يجب على الرادار بعد ذلك تتبع المسار المستقبلي للرأس الحربي نفسه والتنبؤ به، وعدم الخلط بينه وبين أي من الأجزاء والقطع المصاحبة. بالاعتماد على تنبؤات الرادار، يجب على صاروخ نظام الاعتراض، بمجرد إطلاقه، الانطلاق بسرعة 8 أضعاف الصاروخ المهاجم ليضرب رأس الصاروخ الحربي المستهدف مباشرةً، مثل الرصاصة تماماً.
بعد سلسلة من الإخفاقات المبكرة والكارثية التي تعرض لها نظام الدفاع ثاد، يروج البنتاغون الآن أخبارا عن نجاح عمليات إطلاق خمسة عشر صاروخاً من خمسة عشر. غني عن القول إنه لم يكن أي من هذه الاختبارات ضد أهداف الصواريخ الباليستية المصحوبة بالحطام المساند أو الأفخاخ. وقد أطلق عدد قليل ضد الصواريخ البالستية المشار إليها.
هذا وحده يجب أن يكون سبباً كافياً للسعوديين لعدم إبرام الصفقة. ولكن حتى لو كان نظام ثاد قادراً على تحقيق الوعود التي تزعمها الدعاية والإعلانات، فإن ذلك غير ذي صلة تمامًا كدفاع ضد هجمات 14 أيلول الحوثية على أرامكو في البقيق . الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز المستخدمة، جاءت بشكل واضح في ارتفاعات منخفضة، في حين تم تصميم ثاد للعمل ضد أهداف مرتفعة. وبطبيعة الحال، لا تعد بطاريات باتريوت وهوك الموجودة أصلاً مناسبة بشكل أفضل لمواجهة تهديدات الارتفاع المنخفض، والتي يتم تمويهها بشكل حتمي بالمعميات الأرضية.
وحتى لو كان المهاجمون ملزمين بإرسال صواريخ باليستية بمسار على ارتفاع عالٍ، فإن ثاد كانت ستقدم القليل من العوائق، نظرًا لأن الباحث عن الأشعة تحت الحمراء، كما لوحظ ، لا يمكنه التمييز بين الرؤوس الحربية الفعلية والشراك الخداعية التمويهية. كما أن نظام S-400 الروسي الذي عرضه بوتين على نحو خفي في أعقاب الهجوم، ليس أفضل حالًا، ولأسباب كثيرة.
لم تجد مثل هذه الحقائق مكانًا كبيراً في سيل التعليقات على الهجمات، مع القليل من الاهتمام بالأدلة المتاحة بسهولة. وعلى سبيل المثال، تظهر الصور المنشورة للأضرار في بقيق بوضوح عددًا من صهاريج تخزين الغاز الطبيعي المسال التي اخترقت من جوانبها الغربية. وكما أشار بيير سبري، المحلل السابق في البنتاغون، فإن هذا يدل بوضوح على أن الهجمات جاءت من الغرب، وليس من الشمال، كما ورد في العديد من التقارير الإعلامية.
إن الدقة الواضحة التي تظهرها ثقوب الصهاريج تشير إلى أن التوجيه لم يكن عن طريق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وإنما أجهزة التحكم بالطائرات البشرية بدون طيار، التي توجه يدويًا تلك الطائرات البطيئة عبر كاميرات فيديو الطائرات المسيرة إلى الهدف. ولأغراض التحكم، كان يتعين على الموجهين أن يكونوا قاردين على رؤية الطائرات المسيرة (لأن البديل الوحيد هو وجود وصلة بالأقمار الصناعية يمكن اكتشافها بسهولة) بحيث لا يمكنهم أن يكونوا على بعد أكثر من 36 ميلًا على الأكثر، بافتراض أن الطائرات المسيرة تسير على ارتفاع 300 قدم.
بدلاً من مثل هذا التحليل المقنع، تم تزويدنا بتقارير لا جدال فيها عن "أدلة" سعودية على أن الهجمات جاءت مباشرة من إيران في صورة صور لطائرة بدون طيار إيرانية محطمة تم اكتشافها في مكان ما بالقرب من المنطقة المستهدفة.
يدفعهم الإلهام الذي تحركه المبالغ الضخمة التي يتعين جنيها، يجب ألا يكون لدى استشاريي بوسطن وغيرهم من ناصحي النظام السعودي مصلحة تذكر في لفت الانتباه إلى مثل هذه التفاصيل المرهقة. هناك أسلحة يمكن شراؤها وبيعها، وهذا هو بيت القصيد. وذلك يعيدنا إلى المبدأ القديم القائل إن "الحكومة الأمريكية موجودة لشراء الأسلحة من الداخل وبيعها إلى الخارج". لكن المبدأ في هذه الحالة يتجلى في صورة حادة وملتوية على نحو أكثر من المعتاد.
حاشية: تم ترجمة هذا المقال عن موقع غلوبال ريسرتش الذي نشره يوم 30 أيلول 2019
Globalresearch.ca