التغيير في السودان معادلة إثيوبية


خالد حسن يوسف
2019 / 9 / 30 - 18:59     

# التغيير في السودان معادلة إثيوبية.

نعم الواقع الذي إنتهى إليه السودان في الحاضر يمثل صياغة إثيوبية، إذ أنها قطعت الطريق على بلوغ الحراك الشعبي وجهته الأخيرة وهي إسقاط نظام الكيزان والعسكر، وذلك من خلال مبادرة التسوية بين القوى السياسية المعارضة والمجلس العسكري وحلفائه في المؤتمر الوطني الحاكم.

وبحكم أن الاتحاد الافريقي ومنظمة الإيجاد يتماهان مع وزارة الخارجية الإثيوبية، فقد تم تبني مبادرتها، لأجل التسوية بين الفرقاء السودانيين وبالمحصلة استيعاب الشعب السوداني من خلال هؤلاء الممثلين، أكانوا معارضتا أو سلطة.

والمفارقة أن الاتحاد الافريقي كان أعلن عن مطالبته برحيل المجلس العسكري، إلا أن النفوذ أديس أبابا في المنظمة دفعه إلى التراجع عن موقفه المعلن، وتبنيه للمبادرة الإثيوبية، وبذلك تراجع عن مطالبته برحيل المجلس العسكري، وتم تمرير تكريس التأقلم مع السلطة في الخرطوم على خطى مثيلاتها في القاهرة.

أيضا تجلت مفارقة أخرى تبنتها الجامعة العربية ممثلة بالدور المصري الذي أرادت نكايتا الدخول على الخط، إلا أن تأثيرها الضعيف في الشأن السوداني أنتهى بوأد تدخلها الغير موفق، وفي المحصلة فإن إخفاق الجامعة لقطع الطريق على الحراك الشعبي حققته المبادرة الإثيوبية.

بينما أصبح التغيير السوداني محاكاة لتجربة الجبهة الديمقراطية لشعوب إثيوبيا، إذ أن رئيس الوزراء أبيي أحمد ومجموعته في الخارجية الإثيوبية، جعلوا من فحوى مبادرتهم تجاه السودان استنساخ لتجربتهم السياسية، والتي قضت بتبادل الأدوار في إطار الجبهة الحاكمة، والتي أصبحت قيادتها بالمنظمة الأورومية كبديل للجبهة الشعبية لتحرير التجري.

وهو ما يقابله في السودان تبادل الأدوار ما بين حزب المؤتمر الوطني والمجلس العسكري، حيث يقابل عبدالفتاح برهان نظيره أبيي أحمد في المشهد العام، فكلاهما ينتمي إلى رحم القوى السياسية الحاكمة في البلدين، وبالتالي فإن التغيير على المستوى الثوري قطع عليه الطريق في البلدين.

حرص خصوم الكيزان في إطار قوى الحرية والتغيير على السلطة والتخلي عن الحراك الشعبي، جسده التخلي عن المراهنة على الحراك الشعبي، وعدم قيادته إلى واجهته الأخيرة نحو التغيير المنشود، وبفعل دفع المبادرة الإثيوبية والخلافات في أوساط تلك القوى، ناهيك عن رغبة بعض قيادتها في الوصول سريعا إلى السلطة، أسفر عن التراجع للعمل لأجل التغيير الثوري.

ومع بدايات تشكل حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، بدأت التصريحات الاعلامية ذات الصلة بالصراع العربي- الاسرائيلي تظهر أكان من قبله أو من جانب وزيرة خارجيته أسماء محمد عبدالله، حيث قام كلاهما بالإشارة إلى عدم ممانعة الحكومة مستقبلا في التطبيع، وأعلنوا عن مغازلتهم للقوى الخارجية التي تقف وراء التسوية المجحفة في حق الفلسطينيين، واكدوا عن رغبتهم الضمنية في الانغماس بصفقة القرن قبل أن ترى حكومتهم النور!

ووقعت الحكومة الجديدة في اشكالية تناقض التعاطي مع حضور الدعم السريع والسعي لاستيعابه في مقابل إقصاء الحركات المسلحة، والتي كان بإمكان الحكومة أن تقوم ببرنامج لاستيعابها سياسيا، وفي المحصلة الاستقواء بها تجاه المجلس العسكري، وإتخاذها كقوى ضغط، ويبدو أن الكيزان والمجلس العسكري الذي لا زال قائما، يعملون على الفتنة ما بين الحكومة والحركات المسلحة.

وبالنظر إلى ملامح البنية السياسية الجديدة فإن المجلس السيادي والحكومة لا يجتمعان، لكونهما في واقع المشادة على الصلاحيات، خاصة وأن سلطات السيادي ليست شرفية، بل فعلية، وهو ما سينتج عنه الممحاكة السياسية بين الطرفين في القادم، وإضاعة الفرصة على الحكومة ووضعها في موقف قطيعة مع المواطنيين، من خلال تحميلها إخفاقات القادم، خاصة في ظل علو سقف التوقعات والمطالبات الشعبية.

ومنذ البداية أكدت رموز النخبة السياسية التي ظلت مرشحة للمشاركة في الحكومة، عن عدم استيعابها لشأن العام الداخلي، ورمزية التعاطي مع الفاشر وغيره مؤشر لعدم التعاطي الجدي مع قضايا الهامش واقعيا، رغم أن كل السودان هامش بما في ذلك العاصمة.

وفي المقابل فإن دفع الحكومة لتغيير سينتهي بها للغرق في النيل، حيث يرفع الشارع سقف المطالب، وذلك في ظل حكومة واقعة تحث سيطرة العسكر والكيزان على مؤسسات الدولة ، وفي ظل دور عسكر المجلس السيادي الأكبر من صلاحيات الحكومة نظرا لنفوذهم في الأجهزة العسكرية والمدنية، ووجود ثركة المؤتمر الوطني التي تقف ورائهم.

وعلى المستوى الخارجي في حين أن عسكر السيادي مرتبطين مع دول الخليج، وبدورها الحكومة برجماتيا ترغب في ركوب القطار ذاته علها تحقق علاقات متكافئة تجد النفع لسودان ، إلا أن الأنظمة الخليجية اللاعبة هناك، جل ما ترغب به هو عدم حدوث التغيير وفي واقع تخوفهم من امتداد تاثير التغيير على بلدانهم، كما أن أقصى اهتمامهم يشكل طمعا في موارد شرق افريقيا وليس تغييره سياسيا، والتعاطي مع الخرطوم يأتي في هذا السياق.

إلا أن مشروع الكيزان والتخطيط لخلافة الحكومة، هو الأكثر خطورة على السودان، لكونه لا زال قابضا على كل أدوات القوة والسيطرة، ويشكل الأكثر تنظيما مقارنة مع القوى السياسية الأخرى، وهو الحاكم الفعلي للبلاد، ولن يتنازل عن إمتيازاته إلا من خلال إسقاطه، خاصة وأنه يتربص بالحكومة والأعضاء المتعاطفين لتغيير في المجلس السيادي والقوى السياسية الرافضة لسياسته.

قيام التسوية أصبح واقع، ولكن لا يمكن المراهنة على الحكومة والتي لا تمثلك أدوات على غرار العسكر والكيزان في مؤسسات الدولة، لذلك تتطلب الضرورة إستمرار الحراك الشعبي كضمان لمستقبل السودان، ومؤازرة الحكومة في ظل تغول العسكر والكيزان، فالحراك وحده من سيسقط وجود الاستبداد بشقيه الداخلي والخارجي، وسيظل الشعب يدفع ثمن اعاقته عن مواصلة حراكه وثورته، لحين إسقاط التسلط وهو ما سيفضي إلى بلوغ التغيير الحقيقي وإعادة النظر في المعادلة الإثيوبية التي اجهضت الثورة التي تخوفت أديس أبابا بدورها أن يمتد تأثيرها إليها.

خالد حسن يوسف