صورة منتصر الجميل المشعة التي بيننا...


أحمد الناصري
2019 / 9 / 29 - 23:22     

صورة منتصر الجميل، المشعة والبهية التي بيننا تقاوم الصمت المريب والنسيان واللفلفة...
توقفت موقتاً عن الكتابة والنشر عن منتصر، وجريمة تعذيبنا وقتله واخفاء قبره في حفرة سرية (قبر حزبي) عام 84، في منطقة بارزان، ورفض كل المحاولات والمبادرات للكشف عن رفاته وتسليمه إلى امه وعائلته الكبيرة في بغداد، والاعتراف والاعتذار عن الجريمة كحق ومطلب إنساني قائم وثابت.
بسبب التوقف المؤقت هو سماعي من الأصدقاء الذين حضروا المؤتمر التاسع للأنصار في أربيل، بأن هناك مبادرات فردية (غير رسمية) قدمها رفيق للبحث (بصورة شخصية) عن قبره وكشفه ونقل الرفات. يبدو لي الان إن كل شيء توقف او فشل، وإن الوقت قد أزف، حيث لم اطلع على أية متابعة او تفاصيل جديدة عن تلك المبادرة، ولا يوجد أي اهتمام رسمي جدي وحقيقي بالقضية، في ظل الاستمرار حالة الانكار (التطنيش)، رغم مرور عقود على تلك الجريمة، بكل بشاعتها ومعانيها وخطئها وتفاصيلها المرعبة.
أما السبب الثاني لهذه الكتابة والعودة، هو إن الصديق العزيز سلام إبراهيم قد كتب عن الشهيد منتصر، في موقع الحوار المتمدن، وقضية أساليب الصراع، وجريمة التعذيب والتصفية والقتل. فعلق شخص لا اعرفه وقال له أين (أسانيدك) على الحادثة، عدا شهادة أحمد الناصري في التلفزيون، وهي بلا أسانيد. لا أعرف المعلق، ولا صلته بالملف، وهل كان موجود بالمكان، أم هو مجرد مستمع ومتلقي من بعيد عن الحدث والتفاصيل والأسانيد والشهادات، يرد عشوائياً بقوة التكليف والواجب؟ من هنا تأتي عدم اهمية وقيمة تعليقه الخارجي والشكلي، حول الأسانيد والوثائق والشهادات، وهي كثيرة، قاطعة مانعة. وهذا الشخص مطالب بتقديم أسانيد ووثائق تثبت العكس.
كل ما ورد ما يقال، في ظل صمت مريب وعدم وجود أي رد وتوضيح رسميين، هو عادي وبسيط ويومي ومتوقع، لكن غير الطبيعي وغير المتوقع، بل يجب ألا يكون ولا يخطر على بال، هو موقف رفيق وصديق قيادي سابق في الحزب، التقينا في مكان عام، وقد فاجئني بل صدمني وأدهشني، بأن قال لي (بأنه يعاتبني، ويعتبر قضية تعذيبنا وقتل منتصر غير صحيحة (مبالغ ولم يحصل التعذيب)، كما وردت في شهادتي، وهي لا تنفع اليسار والماركسية والشيوعية... كذا. واضاف إن ص ولد حباب وطيب يعرفه من الطفولة، وقد أنكر حصول أي تعذيب لنا).
فعلاً الأمر غريب ومحير ومدهش، وكان على الرفيق البحث والتحقيق في الملف من مصادر حزبية ومن رفاق كثر كانوا في عين المكان، بحكم موقعه، أطلعوا على أدق التفاصيل، حيث لا أحد في الحزب ينكر حصول التعذيب والتجاوزات البشعة علينا، عدا هذا الرفيق والشرطي المحقق ص ، الذي يخاف من العواقب، وهو ليس طرف محايد، بل شخص مدان بفعل الجريمة، لأنه مرتكب وجاني ومجرم، ومن الطبيعي أن ينكر ذلك العمل والسلوك البشع والشائن (غير الطبيعي) بين أصدقائه، خارج المحاسبة والاستجواب.
يا صديقي العزيز، كنت اتوقع أسمع مواقف وحالات عديدة إلا حالتك وموقفك المؤسف هذا. فكنت اتوقع أن يؤيد البعض هذه الاجراءات الانتقامية العدوانية ضدنا، تحت مسمى (حماية أمن الحزب ووحدته)، كما حصل في الوشايات القاتلة ضد رفاق القيادة المركزية، وقد يصمت البعض، خوفاً من حملات وأجواء القمع والطوارئ وفرض الصمت التي سادت في الجزب، او يطالب البعض بعدم النبش وترك القضية فهي قديمة، رغم إن دواء وعامل الزمن لم يعالج جراحها وآثارها البالغة والوخيمة، حيث إن الجرائم لا تسقط بالتقادم، أو هناك من لا يهمه الأمر ولا يكترث بكشف ونقل جثمان منتصر من عدمه، لأسباب كثيرة تخصه، إلا أن تقول لم يحصل تعذيب لنا وتدوس على جراحنا وآلامنا، والسبب (لأنك تعرف المجرم من الطفولة!) ، فقد عذبنا بطريقة وحشية خسيسة، ادت إلى قتل منتصر واخفاء جثمانه، وعلى الإدارة السابقة والإدارات اللاحقة، التي كنت عضواً فيها، ان تفتح الملف وتعترف وتعتذر عن تلك الخطيئة والحماقة التي انتهت بجريمة قتل منتصر وابعادنا عن أرض وطننا تحت السلاح! أو ألا تتدخل في امر لا تعرفه ولم تطلع عليه من الطرفين، فهذا تجاوز سافر ودوس على عذاباتنا.
وعندما شرحت له عن تهديد الشرطي ص المباشر لنا، بأن السكرتير اعطانا صلاحيات كاملة باستخدام كافة الأساليب للوصول إلى نتائج سريعة، وإن السكرتير قال في ندوة عامة في مقر دراو، ضدنا (بأنهم سرطان يجب اجتثاثه (قتلهم)! وأنه أطلق نكته شبه بذيئة، لا تليق بشيوعي، وهو يسخر من دم منتصر القتيل وعذابنا. فأندهش واستغرب وقال (قابل عزيز ما عنده شغل وعمل؟). طبعا أعرف كل أسباب ذلك! طيب الم تسمع بقصة الرفيق الكادر (رفيق معروف وموجود)، الذي قدم قميص منتصر المدمى مع أدوات التعذيب ورماها على عزيز محمد، وقال له كيف ندين عدونا ونستخدم نفس أساليبه؟ اعتقد انك سمعت بالحادثة.
ربما خسرنا إمكانية العثور على الحفرة التي تحوي رفات منتصر (القبر الحزبي) الذي يعرفه المجرم التافه ص و س الذي ساهم بتعذيبنا وانتقل إلى صف الجحوش، وعناصر اخرى ساهمت بعملية اخفاء الجثة. ربما شهدت المنطقة بناء معسكر كبير للبارزاني على أرض المكان ووجود بناء، أو عدم وجود إمكانية للوصول وتحديد المكان. لكن يجب اتخاذ قرار نهائي بعد مسح المنطقة والتأكد من الوضع الجديد، مع التأكيد إن ما حصل قد حصل بسبب الاهمال المتعمد والطويل لعقود طويلة (من آذار 84 تاريخ حصول الجريمة)، وهو لا يقلل من المسؤولية عن كل ما حصل، وهذه النتيجة.
تبقى قضية وذكرى منتصر مشعة بين اهله ورفاقه، ومزعجة تؤرق الأغبياء القتلة، ومن يدافع عنهم او ينسى ويصمت.
هناك من يطالب بالتوقف عن (نبش) ملف الجريمة (هل هو نبش؟)، دون ذكر سبب منطقي واحد، ولا أدرى لماذا؟ وهو نفس الموقف من ملفات كثيرة خطيرة مهملة وممنوعة، اخطرها قضية الاندساس الشامل في الحزب وضحاياه وضحايا الأنفال في بهدينان ومفرزة عباس في أربيل!
لست الوحيد الذي يتابع ملف منتصر وملف جريمة بشتآشان وضحاياها الكثر، لكننا قليلون، بل قليلين جداً، وفي تناقص. هناك تخلي وصمت عام مريب...
• لا يوجد رد رسمي على شهادتي العلنية الموثقة، رغم استعدادي للحور الداخلي أو العلني. وهذا تأكيد جديد مني على موقفي وشهادتي. المحاولات الباقية، من هنا وهناك، غير مهمة وبلا قيمة، لذلك لا أرد عليها، لكنني أطلب ممن لا يعرف بالقضية أن لا يتدخل بشكل عشوائي ومن بعيد.