البلشفية طريق الثورة: الفصل الخامس: سنوات الحرب – العمل بين النساء


آلان وودز
2019 / 9 / 24 - 09:18     



واجه العمل الاشتراكي الديمقراطي الثوري صعوبات هائلة في روسيا خلال الحرب العالمية الأولى. كان الحزب والنقابات منظمات محضورة. لكن بحلول عام 1915 بدأت الحركة تتعافى من الضربات التي كانت قد تلقتها خلال الأشهر الأولى من الحرب. ومن بين المجالات التي بدأت تتحقق فيها مكاسب مهمة مجال العمل بين النساء، اللائي كن قد ولجن سوق العمل الصناعي بأعداد كبيرة. شكلت النساء عند اندلاع الحرب ما يقرب من ثلث العمال الصناعيين، وكان القسم الأكبر منهن يعملن في صناعة النسيج. وقد ارتفع هذا العدد أكثر مع استمرار الحرب بسبب تعبئة الرجال للخدمة العسكرية. ازدادت حالة النساء سوءا خلال الحرب حيث أصبح العديد منهن العائل الوحيد لأسرهن وصارت ضروريات الحياة أكثر ندرة وأكثر تكلفة. وقد شاركت النساء العاملات في العديد من الإضرابات والمظاهرات ضد المصاعب الاقتصادية الناجمة عن تورط روسيا في الحرب.

«وضع الطبقة العاملة صعب، لكن وضع المرأة العاملة أسوأ بكثير. ففي المصنع والورشة، تعمل لصالح رب العمل الرأسمالي، وفي المنزل تعمل لصالح العائلة.

آلاف النساء تبعن عملهن لرأس المال؛ الآلاف منهن يدفعن إلى لجة العمل المأجور؛ والآلاف ومئات الآلاف منهن يعانين تحت نير الأسرة والاضطهاد الاجتماعي. إن الغالبية العظمى من النساء العاملات تعتقدن أن هذا هو ما يجب أن يكون عليه الوضع. لكن هل صحيح حقا أن المرأة العاملة لا يمكنها أن تأمل بمستقبل أفضل، وأن القدر حكم عليها بأن تعيش كل حياتها في الكدح والكدح، ليلا ونهارا دون راحة ؟»[1].

الفقرة السابقة مأخوذة من منشور بعنوان: “إلى النساء العاملات في كييف”، والذي تم توزيعه من قبل البلاشفة في كييف (أوكرانيا)، في 08 مارس (اليوم العالمي للمرأة)، 1915. يعطينا المنشور فكرة عن كيف كان البلاشفة يطرحون المسألة النسائية في تحريضهم العام. كان نداءهم يربط اضطهاد النساء بمعاناة العمال الذكور، وببرنامج لتحرر الطبقة العاملة بأكملها.

كانت الحرب كارثة على شعب روسيا. فمنذ بدايتها وجه الألمان ضربات مدمرة متتالية للقوات الروسية. وفي الحملة الصيفية لعام 1915، تم طرد الروس من غاليسيا[2] وكان الجيش الألماني على وشك الاستيلاء على كل بولندا ودول البلطيق وبيلاروسيا. لقد عانت الجيوش القيصرية ضعيفة الاستعداد من هزائم مذلة متتالية. ومع حلول صيف عام 1914، كان هناك 150 ألف روسي بين أسرى الحرب. ومع نهاية الحرب ارتفع عدد الروس الذين قتلوا في الجبهة إلى 1,8 مليون. جيوش القيصر التي كانت في السابق تبدو وكأنها لا تقهر، بدأت تتحول تدريجيا إلى أشلاء. لتعويض تلك الخسائر الفظيعة، تم استدعاء ملايين العمال والفلاحين (ما يقرب من 16 مليون بحلول نهاية الحرب). ولتعويض اليد العاملة المفقودة في الصناعة، تم سحب فئات جديدة إلى المصانع -النساء والشباب والفلاحين- والتي كانت بدون أي خبرة سابقة في حياة المصنع أو النضال الطبقي. تسبب ذلك في مزيد من الصعوبات للثوريين. لكن ظروف الحرب القاسية سرعان ما قامت بتعليم تلك الفئات الجديدة.

كانت النساء هن الضحايا الرئيسيات للحرب. لم تكن المعاناة والموت في الجبهة سوى أحد وجهي الحرب، أما الوجه الآخر، الذي هو أقل شهرة لكنه ليس أقل رعبا، فقد كان مصير تلك الملايين من نساء الطبقة العاملة والفلاحين اللائي رأين عالمهم ينهار إلى أنقاض كما لو كان بأمر من إله قاس وجبار. بعد أن تم تجنيدهن في المصانع لاستبدال رجالهن الذين تم إرسالهم إلى الجبهة، كان على النساء البروليتاريات تحمل العبء الأكبر من المشاكل الاجتماعية للحرب. تلك النساء، اللائي كن في السابق متخلفات وغير منظمات، سرعان ما تعلمن درسا قاسيا في مدرسة حياة المصنع، وتغيرن. كن يتعرضن للاستغلال والقمع في المصنع والمنزل، ويعملن لساعات طويلة في ظل ظروف سيئة، وذلك فقط لكي يجدن في نهاية الشهر أن أجورهن قد تآكلت بسبب الارتفاع الحاد في الأسعار، كن يرين أن أرباب العمل الأثرياء يسرقون حرفيا لقمة الخبز من أفواه أبنائهن. وبعد أن نحين جانبا كل الأفكار المسبقة التقليدية حول دور المرأة، قمن باحتلال الخط الأمامي للمعركة.

«وجد تحقيق أجراه المجلس الخاص للدفاع بين 700.000 من العاملين في مجال الصناعة الحربية، في عام 1917، أن 17% من العمال كن نساء و12,5% من المراهقين. وفي الصناعة التحويلية عموما ارتفعت نسبة النساء من 27,4% في عام 1914، إلى 34,2% في يناير 1917؛ بينما ارتفعت نسبة المراهقين والأحداث (من الجنسين) من 10,9% إلى 14%. وفي صناعة الهندسة، كانت النساء العاملات لا تشكلن سوى 1,1% من إجمالي عدد العمال في عام 1913، لكن النسبة ارتفعت إلى 14,3% في يناير 1917؛ بينما ارتفعت النسبة المائوية للمراهقين والأحداث من 9,4% إلى 11,7%. وفي صناعة النسيج، حيث كانت النساء تلعبن دائما دورا مهما للغاية، تضاعفت نسبتهن الآن [1917] لتصل إلى 43,4%. تم تشغيل النساء للعمل حتى تحت سطح الأرض في المناجم. وقد أظهرت سجلات تفتيش المصانع أن عدد النساء والشباب كان مساويا لعدد الرجال»[3].

لقد أكد لينين باستمرار على الإمكانيات الثورية لهؤلاء النساء البروليتاريات وأصر على أن يتخذ الحزب تدابير خاصة لكسبهن للقضية الثورية. ومن أجل هذه الغاية قام البلاشفة، في عام 1914، بإصدار صحيفة نسائية تدعى رابوتنيتسا (المرأة العاملة). وكان الحزب خلال النهوض الثوري لسنوات 1912-1914، قد بدأ بالفعل في القيام بعمل ثابت بين النساء، ونظم أول نشاط لتخليد اليوم العالمي للمرأة في روسيا في عام 1913. وفي الوقت نفسه بدأت برافدا في نشر صفحة ثابتة مكرسة للقضايا التي تؤثر على النساء. صدر العدد الأول من رابوتنيتسا في اليوم العالمي للمرأة، ليتزامن مع مظاهرة نظمها الحزب. كان تمويل رابوتنيتسا يتم، على غرار برافدا، بفضل المساهمات التي كانت النساء تجمعنها في المصانع. وقد تضمنت مقالات عن ظروف النساء العاملات وأخبارا عن نضالاتهن. كما تضمنت مقالات عن وضع النساء في البلدان الأخرى. وفي نفس العام الذي ظهرت فيه رابوتنيتسا، كان المناشفة قد بدأوا بدورهم في نشر صحيفة نسائية. لكن هذه المنشورات شاطرت نفس المصير الذي عرفته بقية الصحافة العمالية في روسيا بعد يوليوز 1914.

لم يكن لعمل الحزب البلشفي بين النساء أي علاقة على الإطلاق مع النزعة النسوية البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة، فقد كان مشبعا بروح ثورية وطبقية عنيدة. ومنذ البداية شجع البلاشفة النساء على تنظيم صفوفهن والانضمام إلى نضال العمال الذكور، وحثوهن على مقاطعة الحركات التي أنشأتها النساء البرجوازيات بعد هزيمة ثورة 1905. وفي النشرة التي أشرنا إليها مسبقا نقرأ ما يلي:

«أيتها الرفيقات! أيتها النساء العاملات! إن رفاقنا الرجال يكدحون معنا. مصيرهم ومصيرنا واحد. لكنهم وجدوا منذ فترة طويلة الطريق الوحيد نحو حياة أفضل: طريق النضال العمالي المنظم ضد رأس المال، طريق الكفاح ضد كل أشكال القمع والشر والعنف. أيتها النساء العاملات، لا يوجد طريق آخر أمامنا. إن مصالح رجال ونساء الطبقة العاملة متشابهة، إنها مصلحة واحدة. ولن نحصل على حقوقنا ونكسب حياة أفضل إلا من خلال خوض صراع موحد إلى جانب العمال الرجال، وفي المنظمات العمالية المشتركة، في الحزب الاشتراكي الديمقراطي والنقابات والنوادي العمالية والتعاونيات».

لقد تبنى الحزب بالطبع المطالب ذات الأهمية الخاصة بالنسبة للنساء، مثل عطلة الحمل والأمومة والمساواة الكاملة في الحقوق المدنية والعائلية بين الرجال والنساء، وما إلى ذلك. لكن كل هذه المطالب أخذت كجزء من النضال العام للطبقة العاملة ككل وربطت بشكل لا ينفصل بمنظور الثورة الاشتراكية: «أيتها الرفيقات! أيتها النساء العاملات، لنذهب إلى العمل! فلنوقظ كل من ما زالوا نائمين؛ فلنتحد في النضال من أجل مطالب الطبقة العاملة بأكملها»[4].

ومع تدهور الأوضاع بدأت النساء في المشاركة أكثر فأكثر في الإضرابات والمظاهرات ضد الظروف المروعة التي تسببت فيها الحرب، ولم يتوقفن عند المطالب الاقتصادية فقط. قامت العاملات في صناعة النسيج في كوستروما بتوزيع منشور بين الجنود بعنوان: “من المرأة الروسية إلى الجندي الروسي”. فقام النظام المذعور بشن حملة قمع، حيث تم إرسال القوات والقوزاق إلى كوستروما، وفي 05 يوليوز وقعت اشتباكات دموية قتل فيها 12 شخصا وجرح 45 آخرون. في عام 1915 شكلت الإضرابات السياسية 20% من بين جميع الإضرابات، في حين كانت النسبة خلال 1914 هي 11% فقط. وقد أسفر عمل الحزب البلشفي بين النساء عن نتائج باهرة. وخلال أيام الحرب المظلمة لعبت النساء البلشفيات دورا رئيسيا في التحريض ضد الحرب وضد الشوفينية. ليس من قبيل المصادفة أن الثورة الروسية في فبراير 1917 بدأت في اليوم العالمي للنساء، وأن المبادرة الأولى جاءت من جانب العاملات اللائي كن قد صقلن بنار الحرب.

آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

هوامش:

[1]: John Riddel : Lenin’s Struggle for a Revolutionary International, p. 268.