التوق الأخير مع شاعر المهجر والمثقف العضوي خلدون جاويد من – الوعي الكتابي وفتنته - الحلقة العاشرة من حوارنا معه في -بؤرة ضوء-


فاطمة الفلاحي
2019 / 9 / 22 - 16:28     


• نتوق لما يتوق إليه من حديث عمن لامست بتلات التوق في الجنبات وبددت وحشة الألم والعوز والفاقة، فتشبث بالحياة، كلهفة حبات المطر وهي تتمسك بالأديم .

أدين بحياتي كلها إلى الأغلى "أم نوار مطلقتي" التي حنت عليّ كما تقول الخنساء " حنوّ المرضعات على الفطيم ِ " بأن تركتني أيام كنا متزوجين لعالمي وتكفلت هي برعاية البنين والاعتناء بكل صغيرة وكبيرة في البيت ولولاها لما كان لي هذا المنجز الهائل من الكتب 13 كتابًا مطبوعًا وقرابة 20 على الطريق .
إنها "هي "وسواها من "أصدقائي" من دفعوا بي إلى نبل القراع في سوح المهرجانات فكانت قصيدة مشمسة العينين التي كنت مترددًا في قرائتها لصخب الجمهور وسخريته من شعراء وشعراء بينما هي التي قالت:" اذهب أن قصيدتك عصى موسى" وبذا كانت القصيدة المدوية في زمن الموت والخوف في مهرجان كلية التربية .
من يصدق أن أم نوار حبستني ذات يوم في الحجرة وخرجت مع لفيف من صديقاتها وإخوتها وحرمتني من التجوال معهم في صوفيا عاصمة بلغاريا الفاتنة ، قالت لن تخرج حتى تكتبها قصيدة حارقة كما مشمسة العينين . وكانت القصيدة قصيدة 31 آذار عام 1979 في قاعة كارل ماركس التي وقف فيها الجمهور ليهتف بعد قراءة القصيدة وبكل حماس سنمضي سنمضي إلى مانريد "وطن حر وشعب سعيد" وكانت هي الوحيدة الدامعة العينين والتي لاتصفق .

• كلنا حلمنا بعالم سعيد
• وأمل دنقل يقول: "لا تحلُموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموتُ: قيصر جديد!"

كان لها ذات الدور في مراقبة ما اكتب وخصوصا القصيدة التي قرأتها في قاعة موسكو في روسيا . وقصائدي إلى الفقيد الغالي الجواهري ومصطفي جمال الدين ومئآت القصائد.
أم نوار العظيمة ربحي وخسارتي كما هي سعادتي وفقداني والدمار الذي آلت اليه حياتي طلاقا وعزلة وكآبة مرضية وبعدها شلل والمكوث في زنزانة البيت ومعي كم هائل عليّ انجاز تنسيقه لإظهاره في كتب . أم نوار الساحرة الجمال لم يبق من نورها إلاّ الكوابيس وأشباح تتلاطم بي ، وأمواج من ذكريات ٍ استيقظ من لججها في ظلام الحجرة صارخًا مناديا اسمها هيام ..هيام.. هيام .
وهكذا تتوالى أيامي وأعوامي حتى أموت شوقًا إلى من لا تبتعد عني سوى مسيرة نصف ساعة أو أكثر حيث سكنها ومرضها ويقينا كوابيسها فأنا وحدي طروادة طاحنة الرماح والسيوف في ذاكرتها وحسب المرء أن لايظن أنه وحده الذي يتألم .
إلى أم نوار أهدي خطاباتي وأوراقي وكتبي فهي الأحق بهذا الأهداء . إلى سميرة العمر وخيبة العمر اكتب محبتي بسطور دمعتي .


إذكريني بحنينٍ كلما
مالَ جوريٌ بغصنٍ وسكرْ
مات ، ياقيثارتي
عهدُ الهوى
ماتَ من كثرة ما اشتاقَ وترْ
أنتِ نهرٌ باذخ ٌ في وسعِهِ
وانا قطرة ُ دمعٍ ٍ
في نهَرْ
يبست ْ سيدتي
غاباتنا
فمتى تسألُ عنـّـا يامطرْ .

ـ خلدون جاويد

******

ـ توق أخير :

" لعل الموت ينسينا ....بغير الموت لاننسى "

كنا مع شاعر المهجر والمثقف العضوي خلدون جاويد .. انتظروا قادم حوارنا مع شخصية مثقفة أخرى ..