دور الأزهر في تخلف الخطاب الدينى


رياض حسن محرم
2019 / 9 / 16 - 23:18     

يمكن تجزيئ الموضوع الى مرحلتين تاريخيتين، الأولى منذ نشأة جامع الأزهر على يد جوهر الصقلى الذى قاد جيش الفتح الفاطمى وأسس مدينة القاهرة، والثانية هي ما يجرى في الوقت الحالي منذ ارهاصات ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن.
الأزهر قديما
المشكلة الأساسية أن نشأة الأزهر إرتبطت بمرحلة إنهيار ما يسمى بالحضارة الإسلامية بعد انهيار الخلافة العباسية وقيام أشكال من الدويلات في المشرق والمغرب على أنقاضها، فمنذ تأسيس الأزهروبدأ الدراسه فيه كان مركزا مهما، إن لم يكن الأهم من مراكز الدعوه الشيعيه الإسماعيليه وهي العقيده الرسميه للدوله الفاطميه الحاكمة لمصر ولأكثر من 260 سنه،كانت كافة العلوم التي دُرست فيه كانت وفقا للفقه الشيعي الإسماعيلي وتم اهمال باقي المذاهب ومناصبتها العداء المذهبي، وهناك من الفتاوي الأزهريه الإسماعيليه الشيئ الكثير الذي تكفّر به مذاهب اسلاميه غيرها تناغما مع اهواء وتوجهات الحكام الفاطميين، كان الأزهر في هذه الحقبه من تاريخه وكما كان دائما، أداة طيعه بيد الحكام، ومع سقوط الدوله الفاطميه على يد صلاح الدين الأيوبي، تم إغلاق الجامع الأزهر لمدة ثلاث سنوات، وجرى إحراق مكتبته الضخمه بعد توزيعها على افران وحمامات قاهرة المعز لتعمل ولطيلة سبعة ايام على وقود من نوع جديد بدلا عن الحطب الذي كانت تعمل به، وبسهوله استدار الأزهر عن فقهه الشيعي الذي حكمه سنوات طويله الى الفقه السني وعلى مذهب الإمام الشافعي متناغما ايضا مع توجهات حكام مصر من الأيوبيين الذين كانوا على ذلك المذهب، وكما كان هناك فتاوى ازهريه شيعيه تكفر طوائف اسلاميه اخرى، جاءت فتاوي أزهريه جديده تكفر وتلعن الشيعه وفقههم بل وفتاوى تحرم اقامة صلاة الجمعه في الجامع الأزهر ( فتوى قاض القضاه الشافعي، صدر الدين عبد الملك بن درباس ) كونه أزهرا تأسس على يد الطائفه الشيعيه، وقد كان ان ابطلت الجمعه فيه لنحو مائة عام ولم تقام من جديد الا في عهد السلطان الظاهر بيبرس . ليس الشيعه وحدهم من كفرهم الفقه الأزهري الجديد، بل كان للحنابله حصة كبيره من هذا التكفير كما افتى الأزهر بالكفر وعدم صحة الإقتداء بالمخالف للمذهب ( الشافعي .. مذهب الحكام آنذاك ) وان ابن تيميه كافر لا تصح الصلاه خلفه.
وباحتلال العثمانيين لمصر وهزيمة المماليك تحول الأزهر والمصريون الى مذهب الإمام أبوحنيفة النعمان، وهو مذهب العثمانيين " حيث يبيح الأحناف تولى الخلافة لغير العرب"، وعند قدوم الفرنسيين لمصر صدر قرار نابليون باعطاء إستقلالية للأزهر وتعيين مجلسا من علماء الأزهر يدير شؤونه وشؤون البلد المحتل من عشرة من المشايخ على رأسهم الشيخ الشرقاوي، هذا المجلس الذي اصدر فتواه الشهيره من ان الجنرال نابليون " يحب المسلمين، ويعز الرسول، ويهذب نفسه بقراءة القرآن كل يوم، ويريد بناء مسجد لا نظير له في بهائه وفخامته، ويود اعتناق الإسلام"، وفى عام 1924 انهى مصطفى كمال اتاتورك نظام الخلافه الإسلاميه، وأقام مكانها نظاما علمانيا استبداديا، فانبرى الأزهر بمحاولة تولية الملك فؤاد لخلافة العالم الإسلامي، وعندما قاوم ذلك شاب أزهرى هو الشيخ "على عبد الرازق" باصداره كتيب يذكر فيه أن الإسلام ينأى بنفسه عن أي شكل لنظام الحكم (الإسلام وأصول الحكم)، إثر ذلك تم طرده من الأزهر وتجريده من شهادة العالمية الأزهرية، وتكررت المحاولة مع الملك الشاب "فاروق" بواسطة شيخ الأزهر "مصطفى المراغى" ولكن معاه فشل، إن معارك الأزهر ضد التنوير كثيره وفتاويهم تكال بالقناطير في هذا المجال، يكفي ان نستذكر فتاواهم ضد طه حسين بعد كتابه " في الشعر الجاهلي " وعدم جواز الصلاه على االشيخ محمد عبده .
الأزهر وثورة 25 يناير 2011
في مارس 2010 رحل الشيخ "محمد سيد طنطاوى" شيخ الأزهر وبذا خلا منصب مشيخة الأزهر الذى تنافس عليه أكثر من شخص، وتم اختيار الشيخ "أحمد الطيب لهذا المنصب.
في قرية "القرنة" بمحافظة الأقصر، نشأ أحمد الطيب ليجد نفسه في بيت صوفي، فجده الأكبر الشيخ "الطيب الحساني" مؤسس الطريقة "الخلواتية الحسانية" التي تولى والده شؤونها ثم تركها لأبنه الأكبر الشيخ محمد الطيب.
تعلّم الطيب في الأزهر، فحفظ القرآنَ وقرأ المتون العلميَّة على الطريقة الأزهرية القديمة، ثم التحَقَ بشُعبة العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة حتى تخرَّج فيها بتفوق وحصل فيها على الدكتوراه عام 1977م، ليرحل بعدها إلى باريس فيُجيد الفرنسية لدرجة الترجمة منها وإليها، إذ ترجم عن الفرنسية بحوثا متصلة بفلسفة المتصوفة، هذا النمط الصوفي التقليدي، المتمثل في الأزهرية العلمية والطُرقية الصوفية، مع النبوغ العلمي للطيب والإجادة لعدد من اللغات والإيمان بثقافة التعايش العالمي، كل ذلك ساهم في ضمه لصفوة الدولة السياسية، حيث اُختيرعضوا في لجنة السياسات بالحزب الوطني التي ترأسها جمال مبارك. لكن النبوغ العلمي والتصوف الأزهري والانخراط في مؤسسات الدولة لم يُكونوا كافيين وحدهم لاختيار الطيب في لجنة السياسة، فهناك عامل محوري آخر تمثل في "بُعد الطيب عن الإسلام السياسي وجماعاته" وعداوته الشديدة لجماعة الإخوان المسلمين، فقد كان للطيب مواقفه الحازمة تجاه أفرادهم.
منذ تعيين الطيب شيخا للأزهر وحتى ثورة يناير سار الطيب على الخط الرسمي للأزهر، فقد أظهر الولاء لرئيس الجمهورية وللحزب الحاكم، وصرّح " إن الحزب الوطني والأزهر يؤدي كلٌّ منهما وظيفة مختلفة لكنها متكاملة، كالشمس والقمر والليل والنهار، "فالحزب يحتاج إلى الأزهر كي يُسدد وجهته إلى الوجهة الصحيحة، والأزهر محتاج إلى الحزب لكي يقويه".
باغتت أحداث 25 يناير الكثيرين، ولم يتوقع معظم المصريين أن تتحول إلى ثورة، فمال أحمد الطيب بالأزهر إلى الاتجاه الرسمي للدولة، وأفتى بحرمة المظاهرات. بيد أن الطيب للأمانة لم يمنع الأزهريين من المشاركة في المظاهرات بل في الإعتصام بميدان التحرير، ولكنه رفض استقالة المتحدث باسم الأزهر المستشار محمد رفاعة الطهطاوي "مستشار محمد مرسى"ـ وبعد الثورة، عقد الطيب عدة لقاءات لبيان موقفه وموقف الأزهر الرسمي من الثورة، فأعلن أن هذا الموقف كان ينبع من الحرص قائلا بأن الأزهر "لم يكن ليمسك بالعصا من الوسط كما قيل، بل أمسك بالعصا وهو يتقلب بين خوفين: خوف قطرة دم تراق من هؤلاء الشباب، وخوف على الوطن أن ينفرط عقده ويدخل فى مجهول لا تُرى فيه يمين من شمال"، كما استطاع الطيب بدهائه أن يحصل على ما عُرف بقانون استقلال الأزهر، والذي يضمن "عدم المساس بمنصب شيخ الأزهر وتحصينه ليصبح منصبه مستقلا لا يقبل العزل، بل ويُختار شيخ الأزهر من بين هيئة كبار العلماء ويعامل شيخ الأزهر معاملة رئيس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش"، وهو ما تم تضمينه في دستور 2014، ويشير البعض إلى أن الصراع بين الرئيس والشيخ يبدأ من هذه الحيثية، إذ يروا أن الحصانة التي حظي بها جعلته يخوض صراعاته مع السيسي بقوة وجرأة، ولكن جاءت الثلاثين من يونيو لتمثل اختبارا جديدا له.
خلف عبد الفتاح السيسي، وعلى مقربة من الأنبا تواضرس، بابا الإسكندرية، وممثل عن حزب النور، ومحمد البرادعي، وقف الطيب لإلقاء كلمته أمام الأمة المصرية فيما يتصل بالثلاثين من يونيو، دعا الطيب لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وإلغاء فترة حكم محمد مرسي، لكن المواقف المتعددة بعد ذلك، إذ إن الطيب الذي ظهر في موقف الثلاثين من يونيو مؤيدا، سيرفض -بعد قليل- عنف الجيش ضد المتظاهرين الذي بدأ بأحداث الحرس الجمهوري، إذ طالب الطيب "في تصريحات للتلفزيون الرسمي للدولة بفتح تحقيق في الأحداث وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية وإعطاء اللجنة صلاحيات كاملة والإعلان عن جدول للفترة الانتقالية التي لا يجب أن تزيد على ستة أشهر، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، ثم أعلن اعتكافه في بيته رفضا للأجواء التي تفوح منها رائحة الدماء -وفقا لقوله-"، وسيتكرر الموقف بعد فض رابعة، إذ دعا الأزهر إلى الحوار ووقف نزيف الدم وأنه لم يكن على علم بما جرى قائلا: "وإيضاحا للحقائق وإبراء للذمة أمام الله والوطن يعلن الأزهر للمصريين جميعا أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح ذلك اليوم".
أدّت نشأة الطيب في الصوفية الطُرقية إلى القبول بموقف الدولة من الإسلام السياسي وعلى وجه خاص جماعة الإخوان المسلمين، وتكمن منازعات الطيب والسيسي فيما يتصل بملف "تجديد الخطاب الديني"، إذ يريد السيسي عمل قطيعة مع التدين الأزهري العام وتعاطيه مع التراث وعلوم الدين، للخروج بأقوال أكثر عصرية تُساعد في حرب التيارات الدينية صاحبة الفهم المغلوط للدين -على حد تعبيره-، أما الطيب فيرى أن مجابهة التيارات المتشددة لا يأتي بالقطيعة مع التراث أو تغيير مناهج الإسلام، وإنما بالحجة ونشر صحيح الإسلام، ومن هنا يمكننا تفسير العديد من المواقف التي قد تبدو للوهلة الأولى غامضة عند الشيخ الطيب، المناوشات التي يشنها الطيب بين زمن وآخر، ومن أي نقطة يفكر الطيب في إدارة صراعاته مع السيسي مستصحبا هويته الأزهرية، ومن أين يبدأ وأين ينتهي، أن الخلاف الغامض بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأزهر يدور فعلياً حول القيادة الأخلاقية والروحية في المجتمع المصري، ومنها ذلك الخلاف العلني حول قانون الطلاق الشفهى الذى تبناه الرئيس السيسى وعارضه فيه الأزهر.
لقد ألقى كلٌّ من الإمام الأكبر شيخ جامع الأزهر، أحمد الطيب، والرئيس عبد الفتاح السيسي، خطاباً رسمياً أمام كبار الشخصيات الذين اجتمعوا لمناسبة عيد المولد النبوي في 19 نوفمبر 2017، وقد انتقد الطيب، في كلمته، مَن يُشكّكون في صحة الحديث، نظراً إلى أنه يُشكّل أساس الشريعة الإسلامية في جزء كبير منها، لكن السيسي، وأثناء إلقائه كلمته، أضاف تعليقات مرتجَلة إلى النص المُعَدّ مسبقاً، مؤنِّباً الطيب بصورة غير مباشرة، منبّهاً إلى أن التهديد الحقيقي لا يتأتى من التشكيك بالحديث بل من التفسيرات المشوَّهة للدين "من الطبيعى أن علم السيسى في الأمور الدينية لا يمكن مقارنته بعلم الشيخ الطيب"، الخلاف سياسيٌّ في ناحية من النواحي، وسبق أن خرج إلى العلن في مناسبات عامة، فيما تسعى الرئاسة جاهدةً إلى ترسيخ قبضتها على الدولة والمجتمع في مصر.
باتت الدولة المصرية تخضع اليوم للرئاسة والمؤسسات الأمنية، وقُصَّت أجنحة مؤسسات الدولة التي كانت تتمتّع باستقلال ذاتي سابقاً، مثل المحاكم الإدارية والمحكمة الدستورية العليا، وفي المجتمع، أُطبق على جميع الوجوه السياسية تقريباً، وسُحِب منها قدرتها على ممارسة أي تأثير، فمعظم المصريين الذين أدّوا أدواراً مهمة في ثورة 25 يناير هم في السجن أو في المنفى خارج البلاد، كذلك فرض النظام سطوته على النقابات العمالية والاتحادات المهنية التي هى مصادر للحراك المستقل في البلاد.
يمكن القول دون تردد أن الأزهر مؤسسة محافظة جداً ويغلب عليها المذهب الحنبلي لأول مرّة في تاريخها مع تحوّل الكثيرين من مشايخه إلى الفضاء السلفي بسبب السفر إلى السعودية والمصالح ذات الصلة بها، الأزهر كما الوهابية يردّد نفس آراء داعش على المستوى الفقهي ويدرّس نفس الكتب التي يستند إليها داعش. وبرغم أنه مستاء من بعض أعمال داعش كالذبح ولكنه متوافق مع الفقه الأساسي الذي يحكم هذه الأعمال، إن الأزهر عبّر طوال عمره عن رغبات السلطة الحاكمة في مصر وطبّق النصوص الدينية بحسب إرادة الحاكم، فهو يميل الى تكفير الإنحياز الى اليهود زمن عبد الناصر، وبعد كامب ديقيد فهو يذكّر بصلح الحديبة ويردد فان مالوا للصلح وغيرها من آيات التصالح والعفو..وهكذا.
إن جذور الفكر الإسلامي في مصر التي يمثلها الأزهر لا تقدم قراءة حداثية جديدة للإسلام، في الوقت الذي تنتشر فيه شبكة واسعة من المعاهد والمدارس الأزهرية في جميع أنحاء مصر، التي تنقل نسخة ثابتة من الإسلام الذي لا يزال يصغي لتعاليم تعود إلى قرون طويلة في الماضي.. السلام عليكم.