سيناريوهات المستقبل في مصر


محمد دوير
2019 / 9 / 17 - 18:48     

" يقلب الحاكم توجسه وغيرته من شعبه الي خوف علي ملكه فيأخذهم بالقتل والإهانة" ابن خلدون
دائما هناك عوامل موضوعية وراء كل موقف شخصي أو نزوع فردي باتجاه فعل ما أو موقف ما، فالظروف التي أعقبت ثورة يناير وتحولاتها شكلت عاملا موضوعيا في إنتاج حالة ذاتية تخص صعود السيسي رئيسا لمصر ، ثم شكلت أيضا الظروف الموضوعية في إنتاج حالة المقاول محمد علي فأنتجت في النهاية مشهدا عبثيا مثيرا للشفقة والسخرية علي حالة بلد كان المنتظر منه أن يقود المنطقة – منذ مائتي عام تقريبا – لنقلة علي جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والحضارية.
ويبدو المشهد اليوم – في تلك اللحظة – سخيفا ومشوها ومختلطا بصورة غير مسبوقة ففي الشهور التي سبقت بداية ظهور المقاول علي الميديا بفيديوهات ناقدة وكاشفة عن نفقات رأس السلطة وحوارييه ؛ كانت الطغمة الغنية تمارس أبشع صور " الكيد " الطبقي أمام أعين الجميع دون مواربة أو خجل أو رحمة بهؤلاء الذين لا يجدون قوت يومهم .. كان الحبل علي الجرار اعتقالات في كل محافظات مصر، تكميم أفواه ، إعلام تافه ومنحط ومنحاز . دين داخلي يتعاظم مع موجات تضخم متلاحقة ، دين خارجي يزيد بانتظام مع ارتفاع فوائد ذلك الدين كل عام ويقوم بتجريف ميزانية الدولة علي حساب نفقات الصحة والتعليم والخدمات، فوصلة الصحة الي أسوأ مستوياته وانحدر التعليم الحكومي حتي صار الأمر أضحوكة تدعو للبكاء.. كل هذا في ظل رئيس دول يتباهي بأنه يبني قصورا رئاسية لتتفوق مصر علي معظم بلدان العالم في معدلات بناء القصور والسجون، في إشارة طبقية وسياسية واضحة المعالم عن دولة يحاول نظامها أن يوقف عجلة الزمان ويفرض علي العقل الجمعي الإيمان بثوابت هذا التمييز الطبقي..
وفي ظل هذا الوضع العبثي المعقد في الوقت نفسه نطرح سؤال ، وماذا عن المستقبل وسيناريوهاته ؟
هناك عدة سيناريوهات مطروحة أمام الشعب والسلطة
السيناريو الأول: تشديد القبضة الأمنية ومزيد من مصادرة الحريات وتكميم الأفواه ، مع نزوع نحو الشعبوية واختزال الدولة والسلطة والنظام في شخص الرئيس وتصبح المعركة علي نزاهة وقدوة ومصداقية الرئيس هي الحرب القادمة .. وخطورة هذا السيناريو أنه لكي ينجح لابد وأن يمر علي رقاب الكثيرين سواء في السلطة أو من القوي السياسية المعارضة ، وربما تصل الأمور إلي حالة تشنج مجتمعي يتركز الصراع فيه حول عصمة الرئيس وأسرته والمجموعة الصغيرة المحيطة به. وهنا سنكون أمام رسم خط همايوني داخل السلطة نفسها ،هذا الخط بفصل بين مستويين من السلطة ، المستوي الأول والذي لن يسمح أبدا الاعتداء عليه أو الاقتراب منه وهو الرئيس وأسرته وقادة الجيش. المستوي الثاني والذي يحتمل إن تناور به السلطة مع الشعب والمعارضين سنجده يتكون من بعض رجال الأعمال المقربين من السلطة وبعض قادة الجيش المستفيدين ولكنه يمكن التخلص منهم قربانا لتطهير ذمة الرئيس، وكذلك بعض الإعلاميين والسياسيين ....الخ .
هذا الوضع ربما يخطط له أن يستمر لعدة سنوات ربما من 5 – 7 سنوات قادمة ، بعدها قد تحدث انفراجه سياسية متواضعة، حيث تتخيل السلطة الحالية أن مرحلة البناء – فيما يعتقدون – ليست في حاجة إلي سفسطة السياسيين الذين لا يقدمون سوي اللغو الفارغ .
السيناريو الثاني: اقتناع النظام أنه لن يستطيع أن يستمر وهو في حالة عداء مع الجميع ، خاصة مع خسارته لقطاعات كبيرة من المصريين نتيجة غلاء المعيشة، الآمر الذي يدفعه إلي فتح المجال العام بدرجات ونسب بسيطة ومحدودة مثل السماح ببعض النشاطات للأحزاب، ظهور معارضين في الإعلام ، تخفيف حدة الهجوم علي الجميع دون استثناء ، التخفيف من حدة شعار " من ليس معي فهو ضدي " ، تقديم بعض الرشاوى الاقتصادية مثل زيادات في بعض المرتبات هنا أو هناك ، تخفيف أعباء ضريبية ما ، بناء عدة مدارس ومستشفيات ، إعادة النظر في حقوق المعاشات ، ...الخ . ولهذا السيناريو مخاطرة علي النظام ، فتحقيق خطوات إصلاحية - ولو من خلال السلطة - سوف يدفع المعارضين نحو مزيد من الضغط والهجوم ، فاحتمال هدوء العاصفة المعارضة غير وارد بالمرة مهما تم تنفيذ أي من السيناريوهين السابقين.
السيناريو الثالث: حدوث انقلاب عسكري داخل مؤسسة الجيش نفسها ، وهذا الاحتمال سيكون من الخطورة الشديدة علي المجتمع المصري، فالمؤسسة العسكرية مهمة للغاية في تلك اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة، وحدوث أي انقلاب ربما يدخلها ويدخل المجتمع نفسه في حالة تزيد من ضعفه واستباحته من الآخرين وخاصة العلميات الإرهابية التي لا يجب التقليل من شأنها، وإن كنا نختلف مع النظام في طرق معالجتها والتصدي لها .
السيناريو الرابع : لاعتبارات دولية ما ربما يجبر العالم الخارجي والضغوط الداخلية السيسي علي أن يتنحي عن منصبه، تاركا الفرصة لمن يخلفه ليدير البلاد، وبعيدا عن توقعات الاعتبارات الدولية هذه سنضع تصورا لما يمكن أن يكون في ظل هذا السيناريو.. هنا ليس أمام السيسي سوي تسليم البلاد مرة آخري للمجلس العسكري وهذا هو الاحتمال الأقوي والأقرب، أو تكوين مجلس رئاسي مختلط من السياسيين والقضاة والعسكريين لإدارة البلاد لمدة معلومة ثم انتخابات رئاسية تضع البلاد علي الطريق الصحيح.. هنا ستواجهنا عدة معضلات منها دور الإخوان في السياسية .. فمن المؤكد أن هذا الموضوع سيثير الكثير من الخلافات . وإن كنت اعتقد أنه سيكون هناك إجماع علي عزلهم عن المشاركة في أية فاعلية أو استحقاق سياسي رسمي.
تبقي التساؤلات الاتية ..
هل هذه السناريوهات جميعها لها نفس الحظوظ في الإمكانية ؟ بالطبع لا.. فأنا شخصيا أميل إلي أن السيناريو الثاني هو الأقرب للتنفيذ ، وهو مزيد من الانفتاح المحدود ووفق شروط قاسية ومنضبطة من وجهة نظر السلطة الحالية.إن النظام الحالي لديه ثلاثة أسس لا يمكنه التخلي عنها أبدا مهما تكلف من تضحيات له أو للشعب
الاول : لا تفريط أو تنازل عن السلطة.. بدواعي كثيرة منها الحفاظ علي الأمن القومي المصري.
الثاني : لا مشاركة للإخوان المسلمين ولا تفاوض معهم بأية صورة من الصورة . وان حدث سيكون وفق شروط السلطة تماما
الثالث: غير مسموح بأية حالة التهاون أمام اي حراك شعبي قادم أو محتمل، وسيتم تهيئة الرأي العام من الآن لخطورة ذلك الحراك ..مهددين الجميع دائما باحتمال الفشل .. أو كما قال باولو كوبلو " ليس هناك سوي شيئا واحدا يجعل الحلم مستحيلا هو الخوف من الفشل " وهذا ما سيلعب عليه النظام سرا وعلانية .
ومن ثم سيصبح تحرك الشعب المصري مرهونا بمدي قدرة المعارضة المدنية الديمقراطية وأصحاب المصلحة في التغيير علي ضبط إيقاع الحركة الجماهيرية، والإيمان بأن التغيير لن يتم في لحظة خاطفة أو فترة زمنية صغيرة ..ولو حدث ذلك – لاعتبارات ما – سيكون التغيير في بنية النظام وتوجهاته متواضعة جدا ومحدودة. وتلك القضية في حاجة إلي مقال آخر في مقام أخر.