ملخص لكتاب فريدريك انجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة-


عمر الماوي
2020 / 11 / 30 - 08:58     

اليكم ملخص من كتاب فريدريك انجلز "اصل العائلة والملكية الخاصة و الدولة" الذي تم اصداره في العام 1884 ويعالج المجتمعات البشرية بمنظور تطوري انثروبولوجي بمنطق المادية التاريخية الصحيح ـ فينظر الكتاب الى العائلة و الملكية الخاصة و الدولة كمترابطات ثلاثة ادت الى تطور المجتمعات البشرية من الوحشية مروراً بالبربرية وصولا ً الى الحضارة . الكتاب يقع على 129 صفحة و استعان فريدريك انجلز بعدة مصادر ومراجع من ابرزها ابحاث عالم البيلوجيا الاميركي لويس هنري مورغان.

العائلة منذ بداية التاريخ دخلت في عدة اشكال :
عائلة قربى الدم ـ زواج الاخ من اخته و الابن من امه .
العائلة البونالوانية التي حرم فيها زواج قربى الدم و فرض تغريب الزواج خاصة من نفس القبيلة .. وهذا تحول حاسم للبشرية كلها ولتطور النوع البشري فمنع زواج قربى الدم حمى الجنس البشري من الإنقراض بسبب الاضطرابات التي يتسبب فيها ـ فحجم دماغ الانسان في صيرورة تطوره لم يكبر الا عندها ابتعد عن سفاح القربى .
العائلة الثنائية يحيث تعدد الازواج للزوج و الزوجة
العائلة الاحادية حيث تكون السلطة المطلقة في يد الرجل و نسب الاولاد يعود للأب بعكس كل الأشكال السابقة حيث كانت السلطة في يد المرأة او الزوجة ويعود نسب الأبناء اليها بحكم أن تعدد الازواج كان يمنع من معرفة الأب الحقيقي للأبناء الا أن شكل العائلة الاحادية مع ظهور الملكية الخاصة كان بدافع تحديد ابوة الأبناء و تقييد الخيانة الزوجية لأجل ذلك ـ لان الملكية الخاصة افرزت الثروة التي اصبحت في يد الرجل و كان لا بد من تحديد الابناء الورثة.
ان تلك الاختلافات في طرق الزواج كانت بسبب تغير وتعدد الافكار الدينية ودخول الألهة الجديد بمفاهيمها الجديدة لتحل تدريجيا محل ألالهة القديمة ومفاهيمها .وان الانعكاس الديني على البشر هو الذي ادى الى هذه التغييرات التاريخية في وضع المرأه والرجل الاجتماعي هذا بالاضافة الى وجود عوامل اخرى ادت الى ذلك منها ان بعض القبائل المتوحشة (في منطقتنا خصوصاً) كانت تقتل مواليدها من الاناث وهذا ما ادى في النهاية الى مضاعفة اعداد الرجال مقابل اعداد الاناث ماسبب ظهور بعض الحالات من الزواج الجماعي للرجال من امرأة واحدة وهناك عامل اخر ادى الى عدم معرف ابو المولود وهو ايضا ً كان موجود في منطقتنا وهو ان الزواج الجماعي عند القبائل القديمة كان متعارف عليه ما ادى الى عدم معرفة والد المولود الجديد بينما كانت تعرف والدته و هذا ما تسبب بأن ينسب المولود الى أمه .
وكانت اطوار العائلة قبل بلوغ الطور الاحادي اطوار شيوعية بدائية بحيث كان الاقتصاد البيتي الشيوعي هو الشكل الإقتصادي للعائلة و الإقتصاد الشيوعي البيتي هو انعكاس للبيئة الاجتماعية في المجتمع الذي كان يخلو من الملكية الفردية حيث كانت الملكية عامة و كان كل المجتمع ينتج ويتحد في وجه الطبيعة لكي يأكل .
وعليه فإن انتصار الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ودخول المجتمعات طور الزواج الاحادي وتحول العائلة من شكلها الامومي الى شكلها الابوي يعتبر سقوط كبير للمرأة ولمكانتها الاجتماعية و الغاء الزواج الاحادي بشكله الحالي بالضرورة لا يتم الا بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بحيث لا يمكن لأحد أن يرث.. فأحادية الزواج بشكلها الحالي تستهدف المرأة لا الرجل الذي يستطيع أن يتزوج ولديه تشريع بتعدد الزوجات وحتى خيانته الزوجية لا تنظر لها كما ينظر لخيانة الزوجة ـ فخيانة الزوج عادة ما ينظر لها كسقطة مشرفة لفحولته ولذلك فإن الملكية العامة لوسائل الإنتاج لن تزيل الزواج الاحادي كمفهوم بل ستجعله يشمل الرجل لانها بالضرورة ستنهي الفوارق الطبقية بإنهاء العمل المأجور و ايضا ً بالتالي لن يكون هناك حاجة للجنس مقابل الأجر (البغاء) وسيتحول الزواج الاحادي من شكله الحالي على المرأة فقط ليشمل الرجل أيضا ً.
كان الغاء الزواج الجماعي نحو الزواج الثنائي خطوة تقدمية انجزتها المرأة لتحرر نفسها من فوضى تعدد العلاقات الجنسية ـ الا ان الإنتقال من الزواج الثنائي الى الزواج الاحادي كان بفعل وانجاز الرجل لدوافعه الإقتصادية بعد انتصار الملكية الخاصة التي وضعت السلطة المطلقة في العائلة و المجتمع في يده.
ومن مظاهر السيادة المطلقة للرجل في الزواج الأحادي هي فسخ الزواج يكون من جانبه هو فقط وهذا يؤكد ما سبق ذكره عن الإعتبارات الإقتصادية التي أوصلت المجتمعات الى أحادية الزواج.
المجتمعات البشرية تقسم الى 3 مراحل :
الوحشية ويناسبها شكل الزواج الجماعي
البربرية ويناسبها شكل الزواج الثنائي
والحضارة يناسبها شكل الزواج الأحادي
تعدد الزوجات بالتاريخ لم يكن الا نتاج للعبودية فتعدد الزوجات يعتبر حكرا ً على سادة المجتمع الذين يشغلون مراكز عليا ـ وحتى اليوم يعتبر تعدد الزوجات امتياز للأغنياء فقط.
لا يمكن تحرير الزواج من كل الإعتبارات الإقتصادية والدينية ليكون دافع الزواج الاول هو الميل المتبادل (الحب) الا بإلغاء كافة اشكال علاقات الانتاج الإقتصادي علاقات الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لان انقسام المجتمع الى طبقات سيلقي بظلاله حتما ً على العلاقات الإجتماعية وبالتالي على الزواج الذي يجسد هذه العلاقات .
يوضح الكتاب أن أصل العشيرة يعود الى تطور العائلة في الزواج البونالواني عند قبائل الهنود الحمر في اميركا حيث تعود الى هناك اصول العشيرة بكل عاداتها العشائرية التي لا زالت موجودة حتى اليوم مثل المجلس العشائري و الثأر و الميراث و المدافن العشائرية وغيرها.و حتى النزاعات القلبلية بين القبائل حيث كانت القبائل المنتصرة تفرض شروطا ً على القبائل المهزومة بدفع الجزية. ويقسم الكتاب الأطوار العليا كالتالي : فالعائلة تشكل العشيرة والعشيرة تشكل الفراتزية و الفراتزية تشكل القبيلة.
وتعتبر تجمعات قبائل الهنود الحمر (كل قبيلة على حدى) في اميركا اساس شكل الأمم المعروف حيث كانت هذه القبائل تجمعها لغات ولهجات مشتركة او متقاربة و اراضي ممتدة مما شكل الاساس لنشأة الأمة عبر اتحاد القبائل من خلال وضع مجلس قيادي مشترك مكون من زعماء هذه القبائل المنتخبين من قبل ابناء القبيلة الذكور و الإناث فقد كان للإناث حق التصويت والمشاركة في اتخاذ القرارات.

ويتحدث الكتاب أيضا ً عن العشيرة اليونانية التي كانت غالباً مبنية على حق النسب الابوي لا الأمومي وكانت تجمعات العشائر والقبائل اليونانية محصورة في رقعة جغرافية اصغر من الهنود الحمر في اميركا وبينهم لغات و لهجات مشتركة .
ايضاً شكل ادارة القبائل اليونانية القديمة فقد كانت التجمعات تدار من قبل مجالس منتخبة وهذه المجالس ـ مجالس شيوخ القبائل هي النواة الاولى لما يعرف بمجالس الشيوخ senat بعد تأسيس الدول فالسيناتور أي عضو مجلس الشيوخ أصل هذه الكلمة تعود الى اليونان القديمة ومجالس زعماء العشائر الارستقراطيين.
اتسم نظام العشيرة و القبيلة اليوناني بالملكية الخاصة ـ فقد كانت القبائل تغزو بعضها للظفر بالغنائم والعبيد الأمر الذي ساهم في تركز الثروة و مما ساهم في استعباد كبار العشائر لابناء عشائرهم أيضا ً فقد اخذت روابط قربى الدم تظمحل امام نمو الصراع الطبقي بين أبناء نفس العشيرة والقبيلة.
ويذهب الكتاب الى أن كل هذا لم ينقصه الا شيء واحد فقط وهو الدولة ـ الدولة كمؤسسة لتنظيم وتكريس الإستغلال الطبقي وحماية الملكية الخاصة عند الطبقات العليا في المجتمع اليوناني الأثيني القديم الذي كان يتكون من أربع قبائل .
هكذا نشأت الدولة كما يقول الكتاب حيث تمت الاستعاضة عن سلطة التنظيم العشائري و القبلي بسلطة الدولة كجهاز يحتكر ادوات القمع و القوة ـ وهذا تطور عن نظام العشائر والقبائل التي كانت تحمي نفسها بنفسها عبر امتلاكها لهذه الأدوات . فإنقسمت العشائر والقبائل نفسها الى طبقات و اصبحت الدولة نقيض للعشائرية والقبلية وطغت عليها .
ويشير الكتاب الى أن الدولة الأثينية التي توطدت فيها الملكية الخاصة هي من وضعت الرهن العقاري في التعاملات الإقتصادية والأعراف لحماية الدائنين من المدينين وقد شرعت لوضع الفائدة على الدين في حين أن الدائنين كانوا من الطبقات الارستقراطية المرابية كانوا يستغلون الفلاحين و يصادرون ملكية اراضيهم في حال عجزهم عن السداد ـ فقد كانوا يفرضون على الفلاحين اما بيع الارض لسداد الدين او البقاء فيها و اخذ خمس اسداس المحصول هذا بأفضل الاحوال وكانوا احيانا ً يجبرون الفلاحين على بيع ابنائهم كعبيد في حال لم يكفي ثمن بينع الارض لسداد كل الدين و في احيان اخرى كان الفلاحين يبيعون انفسهم هم كعبيد!
تأسست الدولة الأثينية وكان لا بد لها من انشاء هيئات لحماية مصالح الطبقات العليا فأنشئت الدرك (الشرطة) الجهاز الذي كان مكون من العبيد و اغلب سكان أثينا كانوا من العبيد .
بينما النسبة الأقل كانت من العبيد المحررين و كان تطور الصناعة الحرفية و التجارة قد ادى الى اوضاع جديدة وضعت الاحرار امام خيارين اما ان يمارسوا حرف ومهن العبيد او يصبحون فقراء ـ و من هنا كانت ما تسمى اليوم ثقافة العيب بعدم قبول الكثير من الناس ممارسة مهن تعتبر مهينة وغير لائقة اجتماعيا ً.
يقول الكتاب ايضا ً ان الاثينيين عرفوا قبل غيرهم كيف يسود المنتوج وقيمته الاجتماعية
على المنتج ــ فقد انتج الاثينيون العملات النقدية وبصورة غير واعية لم يكونوا مدركين الى أن قيمة هذه العملات ستسود وستحكم المجتمع كقوة إجتماعية ينحني لها الجميع وبشكل خارج عن ارادة من صنعوها .
وفي اثينا كان انتصار الملكية الخاصة الذي ادى الى نشوء الدولة هزيمة كبرى للنظام العشائري القديم ـ فقد أصبحت اهمية الفرد في المجتمع وحقوقه السياسية وفقا ً لما يملكه
إن نشأة الدولة في اثينا وروما كانت عبر احلال الجديد بدلا ً من النظام العشائري القديم ـ فقد انتصر منطق الدولة على منطق العشيرة ولم تعد تقسيمات السكان وفق قربى الدم بل وفق المناطقية في أثينا كما في روما .

يقول الكتاب ان نمط الانتاج العبودي كأول مراحل الصراع الطبقي في التاريخ البشري قد نشأ في اطوار الحقبة البربرية ـ حيث طور الانسان ادواته الحجرية و المعدنية و اصبح بمقدوره أن يصنع وينتج ما يزيد عن حاجته لليقاء في شتى المجالات الحرفية و الزراعية و الرعوية لذا فقد اصبح الانسان بحاجة لقوة عمل اضافية حصل عليها بالفعل من خلال الحرب بتحويل اسرى الحرب الى عبيد ومن هنا نشأت العبودية و نشأت اولى المراحل الطبقية في التاريخ ـ سادة وعبيد .
ايضا ً يقول الكتاب أن انتصار الملكية الخاصة غير من وضع العائلة ففي اطوار الوحشية كان الرجل المتوحش الذي يصطاد بالمرتبة الثانية بعد المرأة في حين أنه في البربرية كان الراعي الوديع بالمرتبة الاولى لأنه كان يرعى الماشية و العبيد و يجيد الحرف وينتج فوائض القيمة التي كانت تستهلكها المرأة التي قبلت هنا ان تتراجع الى المرتبة الثانية بعد انتصار الملكية الخاصة للرجل وتقسيم العمل بهذه الشاكلة فأول تقسيم للعمل كان بين الرجل و المرأة .
ملكية الرجل وتقسيم العمل خارج البيت قد حددت دور تافه وملحق للمرأة في تسيير الشؤون البيتية بعكس ما كانت عليه سابقا ً في اطوار الوحشية حيث كانت تدير الاقتصاد المنزلي الشيوعي البدائي كمشاركة منها في الإنتاج ـ بينما الان اصبح الرجل هو الذي ينتج ـ وهنا تتجلى مسألة حقوق المرأة و مساواتها مع الرجل فهي غير ممكنة بالمطلق طالما بقيت المرأة مغيبة عن عملية الإنتاج ومقيدة في عملها البيتي الملحق التافه فتحرر المرأة ومساواتها تتطلب أن تشارك في الانتاج الاجتماعي.
يقول الكتاب ان في اطوار البربرية تطورت الزراعة في "العصر الحديدي" حيث استخرج الانسان الحديد وصنع ادواته التي استخدمها بالزراعة ـ ففي تلك الفترة اكتشفت زراعة البطاطا.
ومع تطور الانتاج الزراعي والحرفي بسبب ادوات الانتاج المعدنية و العبيد صار الانتاج انتاج بضاعي اي لاجل التبادل التجاري فقد تطورت التجارة في تلك الحقبة ولو بشكل بدائي الى ما خلف البحار لا فقط داخل حدود القبيلة او المدينة وكان التبادل التجاري عبر النقود (المعادن الثمينة) لم تكن في وقتها النقود قد سكت بعد بل كان التبادل يتم بوزن هذه النقود المعدنية التي استحدثت واصبحت اداة لسيطرة غير المنتجين (الملاكين) على المنتجين.
فمن يمتلك هذه النقود المعدنية هو من صار يسود في عالم الانتاج و مع ظهور هذه النقود في اثينا ظهر الربا و الفائدة على الديون فهذه النقود علاوة على ذلك صارت بمثابة تجسيد لللثروة . واضافة الى النقد والبضاعة والعبيد صار بالإمكان ايضا ً امتلاك الأرض التي كانت ملك للعشيرة و هذا ما افضى في نهاية المطاف الى تكريس الحالة الطبقية و نكدس الثروة في ايدي قلة قليلة بالمجتمع الاثيني وبالمقابل اشتد الفقر عند الاكثرية فقد تزايد عدد الفقراء و تزايد عدد العبيد في اليونان .. حيث كان عملهم القسري هو الاساس الذي انتصب عليه البناء الفوقي في المجتمع الاثيني .
يقول الكتاب ايضا ً ان تحلل النظام العشائري كان نتيجة حتمية لتقسيم العمل ـ حيث اظمحل النظام العشائري بسبب تقسيم المجتمع الى طبقات نتيجة لتقسيم العمل ونتيجة لتقسيم المجتمع الى طبقات اجتماعية جاءت الدولة . فالدولة كما يرى الكتاب هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره فالمجتمع الطبقي بعد انتصار الملكية الخاصة تحول الى طبقات ومتضادات متناحرة و صار لا بد من تنظيم هذا التناحر الطبقي و تلطيفه من خلال قوة تقدم نفسها ظاهريا ً انها فوق هذا المجتمع تسعى لإبقاء هذا التناحر الطبقي ضمن حدود النظام و القانون حيث أن السلطة العامة ترتبط قوتها بمقدار تفاقم التناقضات الطبقية بالمجتمع ـ ولاجل تمويل السلطة العامة فرضت الدولة الضرائب على مواطنيها .
وبما ان الدولة قد نشأت لتنظيم الصراع الطبقي فإنها اداة في يد طبقة لقمع ولجم طبقة اخرى و الدولة في المجتمع هي اداة الطبقة السائدة اقتصاديا ً حيث تحتكر ادوات القمع لقمع الطبقات المظلومة واستثمارها فالدولة القديمة كانت قبل كل شيء دولة مالكي العبيد لقمع العبيد و الدولة الإقطاعية دولة النبلاء لقمع الفلاحين والأقنان والدولة الحديثة وجدت لإستثمار العمل المأجور من قبل رأس المال.
ويرى الكتاب ان الدولة الحديثة حتى في شكلها الديمقراطي الانتخابي تعبر عن أغلبية العمال والكادحين الغير ناضجين سياسيا ً وطبقيا ً ويسيرون في ذيل الطبقة الرأسمالية التي تصل الى الحكم عبر هذه الانتخابات ـ ولن يكون الوضع بهذه الصورة اذا صار للعمال والكادحين حزبهم الخاص الذي ينتزعون السلطة من خلاله كأغلبية في المجتمع .
فهكذا حسب ما يقول الكتاب نشأت الدولة التي لم تكن أزلية فقد كانت المجتمعات القديمة تعيش في انماط حياة اجتماعية واقتصادية تغنيها عن الدولة و لم تكن تعرف الدولة و عندما تطور المجتمع الى درجة معينة اقتصاديا ً انقسم المجتمع الى طبقات و صار من الضروري أن تنشأ الدولة لتنظيم التناحر الطبقي و ستزول الطبقات كما نشأت و زوال الطبقات يعني بالضرورة زوال الدولة وعندئذ فإن المجتمع سينظم عملية الانتاج على أساس إتحاد المنتجين بحرية وعلى قدم المساواة حينها كما يقول الكتاب سترسل الة الدولة الى متاحف التاريخ الى جانب المغزل البدائي والفأس البرونزية.
ان دخول المجتمعات البشرية مرحلة الحضارة بعد الوحشية والبربرية ليس الا تطور نتج عن تقسيم العمل والتبادل الناجم عنه بين الأفراد من خلال الانتاج البضاعي .
وفي مجتمعات ما قبل الدولة البدائية كانت الجماعات الشيوعية هي من تنتج وهي من تستهلك وتوزع المنتج ونظرا ً لبدائيتها فقد كانت على مستوى ضيق الا أنها كانت تجسد سيادة المنتجين على منتجاتهم بعكس ما الت اليه المجتمعات اللاحقة بعد دخول الملكية الخاصة حيث فقد المنتجون السيادة على منتجاتهم بعد ان كانوا يعرفون مصير منتجاتهم لانهم كانوا هم من يستهلكها فلم تكن بعد القيمة التبادلة قد ظهرت .. فكان الإنتاج لغرض الإستهلاك .. لكن لاحقا ً بدأ تقسيم العمل يسود وبدأت الملكية الخاصة تتغلغل لتلغى جماعية الإنتاج ويغدو الانتاج البضاعي لغرض التبادل هو السائد بدلا ً من الانتاج الشيوعي الذي كان قبلها حيث صار المنتج او البضاعة تنتقل من يد الى يد وغدى مصيرها مجهولا ً وصارت غريبة عن من انتجها بفعل التبادل ولا يٌعرف بأي سوق ستباع فصارت المنتجات تخضع لسلطان الصدفة بدلا ً من سلطان من انتجها .
في عصر الحضارة تغدو قوانين هذه الصدفة العفوية والغير مفهومة والعمياء هي المسيطرة و السائدة على عملية الانتاج ـ حيث يسود المنتوج على المنتج فتصبح عملية الانتاج عملية مشوشة ومعقدة وغير منظمة ما يجعل هذه الصدف وقوانينها العامل الحاسم في الازمات المالية والتجارية الدورية .
ولان الانسان قادر على انتاج ما يفيض عن حاجته فإنه هو بالضرورة يصبح سلعة ـ اصبح الانسان سلعة عندما دخلت عملية التبادل التجاري ـ فقد أصبح الانسان صاحب قوة العمل بفعل ذلك سلعة تباع وتشترى وتدخل ضمن قوانين الصدفة المهيمنة .
يرى فريدريك انجلز ان العبودية بلغت اعلى درجاتها في عصر الحضارة فالعبودية هي الشكل الاول من اشكال الإستثمار – استثنار الانسان للانسان - الذي بدأ كشكل ملازم للعالم القديم و على إثره جاءت القنانة في القرون الوسطى (الإقطاعية) و العمل المأجور في الأزمنة الحضارية الحديثة (الرأسمالية).

في الازمنة الحضارية التي تبدأ من الإنتاج البضاعي كما الازمنة التي ادت اليها ظهرت النقود بشكلها الحديث ومعها الرأسمال النقدي والربا والفائدة المئوية و التجارة والملكية الخاصة وعمل العبيد كشكل إنتاج سائد .
وان شكل العائلة الذي يناسب مرحلة الحضارة هو شكل العائلة الاحادية بالسيادة المطلقة للرجل على المرأة بفعل انتصار الملكية الخاصة لوسائل الانتاج .
يرى انجلز ان الحضارة التي قامت على استثمار طبقة لطبقة اخرى وبفعل التناقض الموجود فإنه ومع كل خطوة للامام في عملية الانتاج تكون بذات الوقت خطوة للوراء عند الطبقة المظلومة التي تشكل الاغلبية الساحقة فكل خير عند طبقة يكون شر عند الاخرى و كل تحرر جديد عند طبقة يكون اضطهاد جديد عند الطبقة الاخرى ويوضح أن المثال على ذلك هو دخول الالات و التكنولوجيا الى عملية الإنتاج (التركيب العضوي لرأس المال).
و أمام ذلك ولان الطبقة السائدة هي شكل المجتمع وصورته فإنها تحاول بقدر ما تستطيع إخفاء وتغطية كل الظواهر السلبية بوقاحة غير مسبوقة في كل الاطوار السابقة من عمر المجتمعات البشرية تصل الى حد الزعم بأن الطبقة الظالمة لا تضطهد الطبقة المظلومة التي يحرم عليها التمرد .
ختاما ً يقول الكتاب في التحول التحمي للمجتمع نحو نظم ارقى واكثر عدالة اجتماعية : على درجة من الاتساع، و إدارتها في مصلحة المالكين على درجة من المهارة، بحيث أن هذه الثروة أصبحت قوة لا تقهر، تجاه الشعب. إن العقل البشري يقف حائراً قلقاً أمام صنيعته بالذات. و لكنه سيأتي مع ذلك زمن يبلغ فيه العقل البشري من القوة و القدرة ما يمكنه من السيطرة على الثروة، و يقرر فيه على السواء موقف الدولة من الملكية التي تحميها الدولة، و حدود حقوق المالكين. لا ريب أن مصالح المجتمع تعلو على مصالح الأفراد، و ينبغي إقامة علاقات عادلة و متناسقة بين هذه و تلك. إن مجرد السعي وراء الثروة ليس هدف البشرية النهائي إذا ظل التقدم قانون المستقبل كما كان قانون الماضي. إن الزمن الذي تصرم منذ فجر الحضارة إنما هو جزء تافه من الزمن الذي عاشته البشرية، جزء تافه من الزمن الذي ستعيشه. إن هلاك المجتمع ينتصب إمامنا مهدداً بوصفه خاتمة مرحلة تاريخية تشكل الثروة هدفها النهائي الوحيد، لأنه هذه المرحلة تنطوي على عناصر دمارها بالذات. إن الديموقراطية في الإدارة، و الإخاء في المجتمع، و المساواة في الحقوق، و التعليم العام، كل هذا سيقدس المرحلة التالية العليا من المجتمع التي يسعى إليها الاختبار و العقل و العلم على الدوام. و ستكون بمثابة انبعاث- و لكن بشكل أرقى- للحرية و المساواة و الإخاء في العشائر القديمة.

انتهى