رؤية كونية بعَيْن -الثلاثية الهيجلية-!


جواد البشيتي
2019 / 9 / 13 - 17:58     

رؤية كونية بعَيْن "الثلاثية الهيجلية"!

جواد البشيتي

الكون في مستقبله البعيد لن يكون إلاَّ كما كان في ماضيه السحيق؛ لكن ثمَّة أشياء في ماضيه السحيق لن تُستعاد في مستقبله البعيد؛ وثمَّة أشياء في حاضره تبقى ولا تزول في مستقبله البعيد.
إنَّه، في لغة فلسفية جدلية، طور "التركيب" Synthesis الذي فيه، وبه، يُنفى التضاد، ويتغلَّب الكون على التناقض والنزاع بين طوري "الأطروحة" Thesis و"النقيض" Antithesis.
الكون في طوره الأوَّل (طور "الأطروحة" Thesis) كان، على ما اصطُلِح على تسميته، "النقطة عديمة الحجم، لانهائية الكثافة" Singularity.
إنني، وفي سبيل تنقية الفيزياء من شوائب الميتافيزياء، في مفهوم "النقطة" هذا، يمكن أنْ أتحدث عن "نقطة (كونية) حجمها من الضآلة بمكان (يمكن أنْ يَعدِل حجماً يقل عن حجم الإلكترون بمليون مرَّة مثلاً) وتتركَّز فيها كل الكتلة الكونية؛ ولن أقول، من ثمَّ، بـ "نقطة منزوعة الزمان والمكان والفضاء".
هذه "النقطة" نُفِيَت جدلياً؛ و"النفي الجدلي" لا يعني القضاء على القديم قضاءً مبرماً؛ إنَّه يعني "التغلُّب على القديم والاحتفاظ به في الوقت نفسه". وبهذا النفي انتقل الكون من طور "الأطروحة" Thesis إلى طور "النقيض" Antithesis.
في هذا الطور الثاني (طور "النقيض" Antithesis) اتَّخذ الكون شكله الذي نراه عليه الآن: كون يتألَّف من النجوم المشتعلة المضيئة، ومن المجرَّات، وعناقيد المجرَّات، والكتلة الداكنة، والمادة المضادة ضئيلة المقدار، والفضاء (بين عناقيد المجرَّات) الذي يزداد ويتسارع تمدُّداً واتِّساعاً بفضل "الطاقة الداكنة".
جدلياً، لا بدَّ لكوننا (في مستقبله البعيد) من أنْ يَدخُل في طور "التركيب" Synthesis الذي فيه، وبه، يُنفى التضاد، ويتغلَّب الكون على التناقض والنزاع بين طوري "الأطروحة" Thesis و"النقيض" Antithesis.
في هذا الطور (الثالث) يُستعاد بعض (وليس كل) الأشياء التي اشتمل عليها طور "الأطروحة"، ويُسْتَبْقى بعض (وليس كل) الأشياء التي اشتمل عليها طور "النقيض" الذي نُفي؛ فنرى، من ثمَّ، جَمْعَاً أو تركيباً جدلياً (لا ميكانيكياً) بين الطورين السابقين (طور "الأطروحة" وطور "النقيض").
وفي طور "التركيب" Synthesis يمكن أنْ نرى الكون في الشكل الآتي: مكاناً فسيحاً مظلماً، فضاؤه مستمرٌ في التمدُّد؛ وفي هذا المكان
تنتشر "الثقوب السوداء" بكل أنواعها وأشكالها وحجومها وكُتلها، وكأنَّ "النقطة" الواحدة Singularity تعدَّدت كما تتعدَّد حبَّة الشعير الواحدة في السنبلة.
كل مادة (كتلة وطاقة) الكون ستُؤسَر في بطون "الثقوب السوداء"، التي سيلتهم كبيرها صغيرها؛ فتُهَيْمِن العمالقة من "الثقوب السوداء" على الكون؛ وفي الوقت نفسه، يستمر ويَعظُم التباعد (الفضائي) بين هذه "الثقوب السوداء" بسبب استمرار وتعاظُم تمدُّد الفضاء.
يترتَّب على ذلك أنْ يصبح كل "ثقب أسود" عملاق كوناً قائماً بذاته؛ فالكون الواحد شرع يتعدَّد.
ونحن لو أمعنا النظر في هذا الطور، طور "التركيب"، لتبيَّن لنا كيف جُمِعَت فيه، واندمجت، أشياء، بعضها وُجِدَ في الطور الأوَّل، طور "الأطروحة"، وبعضها وُجِدَ في الطور الثاني، طور "النقيض".
قلنا إنَّ كل "ثقب أسود" عملاق، منفصل فضائياً عن سائر "الثقوب السوداء" العملاقة، يمثِّل كوناً قائماً بذاته، يشبه كوننا في طوره الأوَّل، طور "النقطة" Singularity.
هذا "الثقب الأسود" العملاق يشرع "يتبخَّر" بما يسمَّى "إشعاع هوكينج"، فتعود "المادة العادية" إلى الوجود، لتبدأ دورة حياة كون جديد.