البريكست والديمقراطية !


عادل احمد
2019 / 9 / 3 - 19:38     

حددت نهاية شهر أكتوبر من هذا العام موعدا زمنيا لعملية طلاق بريطانيا او الخروج من الاتحاد الأوروبي والتي اجري الاستفتاء عليها في حزيران من عام 2016. منذ ذلك الاستفتاء والذي حصل على الأكثرية بنسبة اكثر قليلا من النصف، حدثت أزمة سياسية بالنسبة للطبقة البرجوازية البريطانية استمرت تداعياتها حتى اليوم. ان هذه الأزمة تعمقت بعد ان رفض البرلمان البريطاني خطة العمل والاتفاق الذي توصلت اليه حكومة تيريزا ماي مع بروكسل أي مع الاتحاد الأوروبي والذي أدى في النهاية الى إسقاط تريزا ماي من الحكومة واستقالتها. والآن وبعد ان ترأس بوريس جونسون الحكومة البريطانية على رأس حزب المحافظين ، تعمقت الأزمة الى ابد حدودها وانقسم معها المجتمع البريطاني الى شطرين اما الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق او البقاء مع الاتحاد عن طريق الاستفتاء الثاني. ان حقيقة كل هذه الأمور تكمن جذورها في المرحلة الحالية التي يمر بها النظام الرأسمال العالمي والتي تعصف تأثيراتها بكل دول العالم بطرق مختلفة، مثلا في أمريكا تغير موقع أمريكا كقوة عظمى بلا منازع امام نمو الأقطاب الأخرى روسيا والصين وهذا ما أدى الى بروز ظاهرة الترامبية في أمريكا محاولة حل الأزمة السياسية ، وفي أوروبا بدأت تنكسر الأواصر المتينة التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية واختلفت مصالح الكل على قضية التعامل مع روسيا او مع الأزمات في الشرق الأوسط وفي أفريقيا . ان أزمة الرأسمالية العالمية او أزمة الطبقة البرجوازية العالمية هي عدم وجود آفاق واضحة لترتيب العالم وإنعاش النظام الرأسمالي من ازمته الاقتصادية والتي طالت لأكثر من عقد من الزمن، واظهرت ان الصيغ القديمة فقدت فعاليتها ولهذا على الرغم من فوز مناصري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولكن مخاوف هذه العملية خطير جدا في نتائجها المحتملة بعد الطلاق. وليس هنالك أي رؤية واضحة عن مستقبل بريطانيا السياسي والاقتصادي فيما بعد الخروج.
بعد ان وافقت الملكة البريطانية على خطة تعليق عمل البرلمان والتي قدمها لها جونسون، والتي تعني عمليا تعطيل البرلمان حتى إقرار الحكومة البريطانية عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون مناقشة او موافقة النواب في البرلمان وهذا يعني ابطال دور النواب وتمثيل الشعب في النظام الديمقراطي. ان إيجاد طريقة او حيلة و الالتفاف حول دور البرلمان بطرق قانونية او إيجاد صيغ مختلفة لتمرير القرارات كما وقعت في زمن توني بلير لاحتلال العراق عن طريق تضليل الشعب بالاكاذيب المخابراتية وخطر الأمن القومي واليوم اجبار بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي وحسم الأمور عن طريق تعطيل البرلمان بحجة المصلحة العامة للشعب البريطاني ، وهذا في حد ذاته تعبير دقيق عن ازمة النظام الديمقراطي و دور البرلمانات البرجوازية التي ترادف الطبقة البرجوازية مع الحرية ! وهذا ما يثبت ان الديمقراطية ما هي الا تعبيرا بورجوازياً ورأسماليا عن الحرية بمعنى حرية الخداع وحرية استغلال الشعب وخاصة استغلال الطبقة العاملة. ان الديمقراطية البرلمانية ليست شيئا الا حامي مصالح الأغنياء والرأسماليين بطرق مختلفة وبأسم عامة الشعب وان الأصوات والانتخابات ليس شيئا الا لإضفاء الشرعية على سلطة الرأسماليين وحماية عملية تراكم الثروة بيد الأقلية المتطفلة. وعندما تتحدث البرجوازية عن الإنسانية وحقوق الانسان لا ترى من الانسان الا فردا حاملا السلعة أي حامل قوة العمل لكي يخلق العمل المجاني للبرجوازية .. وحقوق الانسان بالنسبة للبورجوازية تعني حقوق كيفية البيع والشراء لقوة العمل وهذا ما ينعكس في جميع القوانين. مثلا في كيفية تحديد الأجور وسن التقاعد والتقاعد نفسه كلها مرتبطة بكيفية أداء الفرد الانسان لعمله ومقدار الخدمة التي يقدمها العامل لخدمة الرأسمال، الفرد العامل التي اشترك بمقدار اكثر في العملية التقاعدية يحصل على نسبة اكثر من العمل من الذي اشترك بمقدار اقل وان العامل الذي لم يشترك في العملية التقاعدية يحصل على حق العيش بطريقة محدودة جدا تكاد لا تلبي حاجياته المعيشية حتى في ادنى مستوى لها من المعيشة. ان الديمقراطية هي هذه الحياة البائسة بالنسبة للطبقة العاملة والجنة بالنسبة للطبقة البرجوازية.
وعندما تفرض الأوضاع كما نراها في بريطانيا اختبار مصالح البرجوازية ، يصبح البرلمان صورا كاريكاتيرية لآداء التمثيل الكوميدي عن الحرية وعن حقوق الانسان وحقوق المواطنة ورأي الشعب وما الى ذلك...
ان تعليق البرلمان و تخويل رئيس الوزراء بوريس جونسون حق الإقرار عن كيفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي اكبر ديكتاتورية ولكن بطريقة قانونية وبصيغة خداع قانوني حول تمثيل الشعب والتي هي حسب التعبير البرجوازي تتجسد في الممثلين السياسيين والنواب في البرلمان. وهذا ما اثبت أيضا بانه عندما تأتي اوضاع تكون فيها مصالح الطبقة البرجوازية في خطر ، فان دور البرلمان لا يعني شيئا حتى وان نزل الى الشارع عشرات الملايين من الناس بالضد من القرارات ... وثبت أيضا انه مهما تكن قيمة الديمقراطية في البلاد التي تعتبر مهد الديمقراطية مثل بريطانيا، فان مصالح الأغنياء والطبقة البرجوازية والرأسمالية لها الأولوية وان البرلمان ليس الا مكان لحل وفصل الصراعات بين الأحزاب البرجوازية من اجل خلق الثروة لطبقة الأغنياء .. وان هذه الأزمة في البرلمان البريطاني هي في الحقيقة أزمة الطبقة البرجوازية والرأسمالية البريطانية أي عدم قدرتها على مواجهة العاصفة الضخمة التي تعصف بالعالم الرأسمالي المعاصر والتي لا توجد لديها صورة واضحة عن مصلحتها في البقاء او الانفصال من الاتحاد الأوروبي ، وهذه الاوضاع المأزومة ينقصها فقط الهبة العمالية لكنس كل المخلفات البرجوازية التي تراكمت الى يومنا هذا.