النقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - 2


الأماميون الثوريون
2019 / 9 / 3 - 09:43     

ينتقل بنا المناضل فؤاد الهيلالي إلى دور الحركة الطلابية في نشأة منظمة "إلى الأمام" هذا الشق من موضوعاته يريد اختصاره حيث يعتبره في قوله "قد يطول بنا نظرا لما لهاته العلاقة من أهمية بالغة" هذا الارتباط العضوي بالحركة الطلابية طالما قيد عقول المساهمين في تجربة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، ونشاهد تداعياته اليوم في الجامعات وما خلفه ذلك من تطاحنات ميدانية بين جل الفصائل الطلابية التي تدعي انتسابها إلى الخط الأيديولوجي والسياسي للمنظمة، فرغم أن المؤسسين الحقيقيين للحركة الماركسية ـ اللينينية من السياسيين المنحدرين من التجربة اليسارية الثورية الشيوعية والاشتراكية إلا أن الكاتب يحاول إعطاء المنظمة الطلابية أكثر مما تستحقه لكونها فقط مجالا من مجالات العمل السياسي للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، ونظرا لعجز المنظمة أو بالأحرى مناضلي المنظمة عن توسيع هذه المجالات لتشمل الطبقة العاملة كطبقة أساسية في المشروع الثوري للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية يتم اختزال نشاط المنظمة في مجال الحركة الطلابية، ذلك ما ذهب الكاتب إلى إبرازه لكن دون تكليف نفسه عناء نقد هذا النهج الذي ساهم في عقم دينامية الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وأدخلها في طاحونة الهواء داخل أسوار الجامعات.

وبدل أن يعمل المناضل فؤاد الهيلالي على إبراز دور الحركة الطلابية في إغناء مجالات عمل المنظمة أخذ في إبراز دور الطلبة الشيوعيين في تطوير الحركة الطلابية في اتجاه تثويرها في مواجهة الإصلاحية مبرزا ذلك في قوله "اتساع دائرة نفوذهم(أي الطلبة الشيوعيين) بل سيطرتهم على مجموعة من المعاهد والمدارس العليا مثال: المدرسة المحمدية للمهندسين(EMI)، المدرسة الوطنية للادارة(ENA)، وINSEA الشيء الذي استمر إلى حدود ما قبل تشكيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين"، مما يجعل الكاتب يسقط في الوصف بدل التحليل المادي التاريخي والذاتية بدل الموضوعية في تناول الحركة الطلابية ودورها في تطوير الحركة الماركسية ـ اللينينية وخاصة منظمة "إلى الأمام"، دون أن يستطيع الكاتب منح المنظمة الطلابية حقها في ذلك دون تجاوز حدود العمل السياسي على المستوى الجماهيري العام خاصة دور المنظمة في قيادة نضالات الطبقة العاملة والفلاحين.

ويواصل الكاتب سرد مجمل الوقائع والأحداث والمواقف السياسية لحزب التحرر والاشتراكية ليبرز سدادة موقف الانسحاب من هذا الحزب الإصلاحي من طرف مجموعة من المناضلين من بينهم شباب تلاميذ (الكاتب من بينهم) وطلبة اختاروا صف الثورة بدل الإصلاحية، إلا أنه لم يعر اهتماما لدور الأطر السياسية الذين ساهموا في قيادة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وضمنها هؤلاء الشباب، كما لم يعر اهتماما يذكر للطلبة الوافدين الجدد على هذه التجربة ومن بينهم الشهيد عبد اللطيف زروال الذي لم يعش تجربة الحزب الإصلاحي إنما هو مناضل ثوري أصبح قياديا لهذه المنظمة، وبدل التركيز على دور الجامعة في فرز أطر ثورية جديدة استطاعت ضخ الدماء في صفوف المنظمة يسهب الكاتب في سرد أحداث حزبه الإصلاحي وظروف وشروط وأسباب الانسحاب كأنما التحريفية هي وليدة 1968 عند تغيير اسم الحزب الشيوعي المغربي.

إن مثل هذا التعاطي السردي الوصفي الخالي من عناصر أدب السيرة الذاتية إنما هو خروج عن إطار التحليل الماركسي للأحداث التاريخية ونقدها نقدا بناء يستطيع تقويمها وإعطاءها نفسا طويلا للاستمرار في التطور بدل تقديمها على أنها جامدة لا حركة فيها. وهنا نضع السؤال التالي على الكاتب وهو ألا يمكن أن نعتبر انحدار قيادات المنظمة من الحزب الشيوعي التحريفي المغربي عاملا أساسيا في إبراز التحريفية من جديد داخل المنظمة في وقت مبكر ؟ إن مثل هذه التساؤلات الحرجة يتفاداها الكاتب ولم يكلف نفسه عناء طرحها فبالأحرى تحليلها وإبراز أهميتها في نقد تجربة منظمة "إلى الأمام" بل أكثر من ذلك يغض الطرف عنها ويقدم المغادرين لهذا الحزب الإصلاحي على أنهم ثوريون.

واستمرارا في نهج السرد والوصف الخالي من التحليل المادي التاريخي يمطرنا الكاتب بمزيد من الوقائع والأحداث الطلابية التي تركز على الشكليات بدل تحليل مضمونها الطبقي كقوله مثلا "هكذا وفي هذا السياق ستعرف الجامعة أول مرة انتخابات دون لوائح مضمونة ومسبقة بل تعتمد على تقديم البرنامج والشعار مما ساهم في بث الحماس لدى الطلبة الذين بدأوا يشاركون بقوة في الانتخابات حيت ستعرف هذه الأخيرة حضورا قياسيا من حيت عدد المشاركين ( 600 مشارك بدل 160 أو 200 مشارك في الانتخابات). ضمن هذا التوجه بدأت اللوائح الشيوعية تحظى بأغلب الأصوات"، هنا يسقط الكاتب في التعاطي البورجوازي لمؤشرات تطور الحركة الماركسية ـ اللينينية بالجامعات حيث يعتبر عملية الانتخابات من بين العوامل التي يمكن أن تساهم في تطور الفكر الماركسي اللينيني داخل الحركة الطلابية وأن السيطرة على أجهزة المنظمة الطلابية كفيل بنشر هذا الفكر الجديد على الساحة الطلابية والتاريخ يكذب ذلك، فما بالنا إذا ربطنا هذا التعاطي البورجوازي الصغير مع الأحداث بالجامعات ودور المنظمة الطلابية في قيادة الحركة الثورية في غياب وجود منظمة ثورية مرتبطة بالطبقة العاملة واختزال كل هذا الدور في التواجد داخل الحركة الطلابية، فمتى كانت الانتخابات تعبيرا عن طريق الثورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا ؟ ومتى كانت السيطرة على أجهزة المنظمة الطلابية أداة لبناء منظمة ثورية صلبة جماهيريا ؟ ذلك ما كذبه التاريخ المأساوي للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية التي تعيش اليوم نكسات اختيار طريق الثورة في صفوف البورجوازية الصغيرة.

لا نريد هنا الإسهاب في سرد الأمثلة المملة التي قدمها الكاتب على شكل أحداث ووقائع منفصلة عن مضمونها المادي التاريخي إلى حد شخصنة المواقف وتسمية المجموعات بأسماء زعمائها الموهومين إنما يهمنا هنا هو إبراز عدم قدرة الكاتب على الخروج عن المألوف في تناول مثل هذه القضايا السياسية الكبرى.

لم يستطع المناضل فؤاد الهيلالي التخلص من ثقافة سائدة في صفوف المحللين البورجوازيين الصغار حتى بلوغ مستوى التناول الميكانيكي للأرقام وتوظيفها بشكل تجزيئي واعتبارها مؤشرات على تقدم الفكر الماركسي اللينيني في صفوف الحركة الطلابية، هذا الأسلوب الذي ما زال مستمرا في صفوف التيارات اليسارية داخل الحركة الطلابية إلى حد إبراز تيارات تحريفية تقودها مخلفات العناصر التحريفية المنبثقة من جديد في صفوف منظمة "إلى الأمام"، ولن يكون بعيدا مثل هذا التعاطي كتعبير عن ارتباط الكاتب بمخلفات التحريفية لتجربة منظمة "إلى الأمام" التي يقودها حزب النهج الديمقراطي الذي أسس فصيلا تحريفيا بالجامعات المغربية، فهل المناضل فؤاد الهيلالي اختار العمل في صفوف ما يسمى طلبة اليسار التقدمي بعد فشله في ربط علاقات ناجحة مع فصيل الطلبة القاعديين ؟

إن تناول تجربة منظمة "إلى الأمام" بهذا الشكل اللامادي اللاتاريخي إنما يضر بتاريخها أكثر مما يخدم الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية ويقدمها على أنها عبارة عن رقم سياسي كان في الماضي ولم يصبح له وجود اليوم بل نقدها وتقييمها وتقويمها لخدمة طريق الثورة المغربية، والذي يجب من تناول هذه التجربة هو تقديمها على أنها بالفعل حركة مليئة بالتناقضات التي يجب الوقوف عند أهم هذه التناقضات التي لها دور كبير في استمرارها في الوجود أي في تناول جوهرها المتحرك الذي يعطيها قوة وحركة لتلعب دورها في الحياة السياسية الثورية ببلادنا.

يجب تناول هذه التجربة الثورية بالنقد والنقد الذاتي لكون الكاتب تحمل المسؤولية داخل المنظمة كما يقدم نفسه للقراء وعليه دمج كيانه وتجسيده داخل هذه التجربة بدل جعل نفسه أحد المشاهدين لأحداثها ووقائعها المنفصلة عن الذات، فالكاتب لم ينجح في جعل القراء يشعرون بالاندماج في حياة هذه التجربة كمكون من مكونات التجارب الثورية المغربية بقدر ما وضعهم بعيدا عن أحداثها ووقائعها مما يجعل المطلعين على هذه الكتابات يسقطون في ملل من قوة تأثير الوصف والسرد المتواصل والمجرد من الإثارة والتشويق ناهيك عن التحليل المادي التاريخي.

وفي نهاية تناوله لدور الحركة الطلابية في تطور الحركة الماركسية ـ اللينيننية المغربية والتناقضات بين مكوناتها وبين الأحزاب الإصلاحية وبروز تعبيراتها في صفوف الفصائل الطلابية المتناقضة ختم الكاتب هذا الفصل بالسبب الرئيس في عرقلة مسار الثورة المغربية في قوله "ويبقى أن تقاطع العوامل الموضوعية والذاتية وخاصة غياب حزب الطبقة العاملة المغربية المفتقدة لأداتها السياسية بعد فشل تجربة الحزب الشيوعي في التشكل كحزب ثوري للطبقة العاملة، كان حاسما في توفير شروط النشأة لمنظمة "إلى الأمام" أي توفر الضرورة الموضوعية المعبرة عن نفسها في تلاقي الظروف الموضوعية وتضافر الجهود الذاتية نهاية الستينات لإطلاق مسلسل البناء هذا" انتهى قول الكاتب، ويرجع بنا الكاتب إلى صلب الموضوع ألا وهو فشل نشأة الحزب الشيوعي الإصلاحي في التطور إلى حزب ثوري متناسيا أن هذا الحزب قد استمد تحريفية بارتباطه بالحزب الشيوعي السوفييتي الذي انحرف منذ 1956، ذلك ما شكل بالنسبة إليه عاملا من عوامل نشأة منظمة "إلى الأمام" كضرورة موضوعية من أجل بناء الحزب الثوري المغربي.

مع الأسف الشديد لم يختلف نهج كتابات المناضل فؤاد الهيلالي عن باقي كتابات التحريفيين التي يناهضها رغم أنه تحمل عناء البحث في تاريخ المنظمة طويلا قد تجاوز 20 سنة منذ خروجه من السجن.

الحسين الزروالي