الدساتير والانتخابات أدوات الهيمنة الناعمة على الأغلبية التي لا تملك


بشير الحامدي
2019 / 9 / 2 - 20:48     

الدساتير والانتخابات أدوات الهيمنة الناعمة على الأغلبية التي لا تملك
عبر كل التاريخ لم تحقق الدساتير شيئا مما كان يراد منها فواضعوها كانوا ولا يزالون هم أول من يدوس عليها لما يكونون في السلطة ببساطة لأن السلطة هي تكريس نفوذ وسياسة أصحاب المال والسلاح والمخابرات وليست لتطبيق الدساتير .
الدساتير تاريخيا كانت حاصل مساومات واتفاقات بين أحزاب النظام ولم تعكس في شيء سيادة الأغلبية على قرارها .
سيادة الأغلبية على قرارها لا تحققها الانتخابات البرجوازية لأنها في الحقيقة ليست إلا للتشريع لديكتاتورية من بيدهم رأس المال أي الأقلية .
سيادة الأغلبية على قرارها لا تتحقق في ظل هيمنة الأقلية على الموارد والثروة والعمل ورأس المال.
والتجربة الملموسة لأربع سنوات من وضع دستور الانقلاب أثبتت أننا لم نكن نحتاج دستورا الانقلاب على 17 ديسمبر بقدر ما كنا نحتاج سيادة حقيقية على القرار لا تكون بغير السيادة على الموارد والثروات ووسائل الإنتاج.
...
أطروحة التعاون الطبقي ومنافسة مافيات الانقلاب عبر الانتخابات المعششة في رؤوس من ينسبون لأنفسهم تمثيل الطبقات الفقيرة وجماهير الأغلبية المتحكمة في ذهنية يسار الكراسات السوفياتية بكل تلويناته وفي وعي وطرائق الانخراط في السياسة لشريحة كبيرة ممن يطلقون على أنفسهم "مستقلون" هذه منشؤها أطروحة التعاون الطبقي التي تعني في الأخير تواصل سياسة من بيدهم الثروة والسلاح والإعلام وما الانتخابات إلا لضمان هيمنة الكتل الأقوى داخل هذه الطغمة.
السياسة لدى كتل هذه الطغمة الفاسدة ليست مبادئ وأخلاق ونزاهة وديمقراطية وعدالة إنها حرب مصالح ونفوذ كتل هذه الطغمة فيما بينها للهيمنة وحرب على الأغلبية من قبلهم جميعا حين يصير المطلوب رأسه هو النظام نظامهم
السياسة بالنسبة لهم دفاع عن مصالح طبقية وعن النظام القائم بكل فساده وكل الوسائل مشروعة في هذه الحرب من الانتخابات إلى القمع السافر وما لا يحققونه بالانتخابات وببرلماناتهم يحققونه بالقمع السافر وبالحذاء العسكري حين تفلس أدوات هيمنتهم الناعمة.
لنتحدث عن واقعنا الآن.
هل الشعب من يحتاج برلمانا برجوازيا ؟
هل الأغلبية التي لا تملك تحتاج برلمانا برجوازيا ؟
هل المعطلين يحتاجون برلمانا برجوازيا ؟
هل شباب تونس يحتاج برلمانا برجوازيا؟
هل نساء تونس يحتجن برلمانا برجوازيا؟
كفوا عن الكذب وقولوا لنا متى كان برلمان برجوازي في خدمة الشعب منذ أول جلسة للجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1789 إلى آخر برلمان يمكن أن يشكل اليوم أو غدا.
لا يحتاج برلمانا برجوازيا اليوم غير طغم رأس المال.
لنتحدث أكثر عن واقعنا.
هل بالبرلمان وبأغلبية نداء تونس وحزب النهضة أو بأية أغلبية أخرى سننهي مسار رهن تونس للبنوك والشركات العالمية؟
هل بالبرلمان سنحقق سيادتنا على ثروتنا ومواردنا وعلى التخطيط والعمل و وسائل الانتاج؟
هل بالبرلمان سنتمكن من محاسبة قتلة الشهداء؟
هل بالبرلمان سنشغل مليون عاطل ؟
هل بالبرلمان سننهي مع املاءات البنك الدولي ؟
لنتعمق أكثر في واقعنا.
هل بالبرلمان سننهي مع ما يسمى إرهابا والذي تقف وراءه ـ وقد صار ذلك معلوما من القاصي والداني ـ بعض أجهزة الدولة ومراكز القوى في وزارة القمع وزارة الداخلية وبعض خلايا الحركة الاسلامية المسلحة المخترقة والمسيرة مخابراتيا .
هل بالبرلمان سنكشف ملفات خمس عشريات من القمع والترهيب والجريمة السياسية والاقتصادية في حق الشعب والبلاد؟
هل بالبرلمان سنعيد فتح ملف جرحى وشهداء الثورة ونحل ونحاسب جهاز القضاء العسكري المجرم في حق هؤلاء؟
هل بالبرلمان سنتمكن من اصلاح قطاعي التعليم والصحة وكل قطاعات الخدمات ومحاسبة من باعوا القطاع العمومي ومؤسسات الشعب لرأس المال الأجنبي والمحلي ؟
لا شيء من كل المهمات التي ذكرنا يمكن أن يتحقق دون القطع جذريا مع الأطروحة القائلة بالنضال من داخل مؤسسات النظام.
بعد 17 ديسمبر سقطت هذه الأطروحة سقوطا مدويا.
فك الارتباط بمؤسسات النظام صار ضرورة لكل عمل مقاوم جذري.
كل بديل يجب أن يبنى على أنقاض مؤسسات النظام.
الاستقلال الذاتي للأغلبية أي الاستقلال تنظيميا وسياسيا عن النظام وأجهزته هو الشرط الذي عبره يمكن للأغلبية أن تغير ميزان القوى لصالحها وضد الأقلية المسيطرة فلم يبق خيار وَسَطٌ فإما مع المقاومة أو مع اللبرالية.
...
نحن لا نردد شعارات ثورجية كما يعتقد البعض دون أن يكلفوا أنفسهم مهمة تفكيك هذا الخطاب وتحليله والخروج منه باستنتاجات عملية لمشروع تغيير جذري والانخراط فيه مكتفين بترديد مقولات تعويمية فضفاضة تبدأ وتنتهي بالتبرير لانخراطهم في مسار الانقلاب والتشريع له أو بالتمويه باستقلالية جوفاء وثرثرة بائسة عن اختلافهم عن السائد ونقدهم للوضع القائم ثرثرة أشبه بلوثة مرضية لذوات عاجزة عن الفعل ومستكينة لسحر الجملة الجوفاء.
...
حتى وإن سلختم جلودكم هناك في باردو أو في قرطاج فلن تغيروا شيئا فذلك المجلس وذاك الكرسي موجودان أصلا لتتواصل سياسات الانتقال ولتتواصل هيمنة الأقلية المالكة للثروة والسلاح والاعلام.
ــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي