حادثة إفك مارية القبطية


رياض حسن محرم
2019 / 9 / 2 - 01:10     

لم يحظ ما حدث مع مارية من حديث خيانة وصل الى سمع الرسول فأوغره، بذلك القدر من الضجة والجدال فيما قيل عن عائشة ومروان بن المعطل، وذلك تحديدا للوضع المحسوب للسيدة عائشة بصفتها بنت الصدّيق الذى آزر الرسول ودعوته بالمال والنفس، وكان أحد الداعمين الأساسيين للدعوة الجديدة بحيث أصبح لاحقا خليفة الرسول في الحكم، وذلك في مقارنة مع "مارية ابنة شمعون" المكناة بالقبطية، والتي إعتبرها معظم كتّاب السيرة مجرد محظّية للرسول ولا يمكن إعتبارها "أم للمؤمنين" كباقى الزوجات، ولم يعل قدرها كثيرا منذ أهداها المقوقس "عظيم قبط مصر" ومعها الكثير من الهدايا التي قيل أنها )ألف مثقال ذهب، وعشرين ثوباً قبطيّاً ليّناً، وبغلةً اسمها "دلدل" وحماراً اسمه "عفير"، بالإضافة لثلاثة بشر هم: "سيرين"، وأختها "مارية"، وشخص ثالث اسمه "مأبورأو (هابو)" الذى تركه في خدمة أمته أو زوجته مارية تلك التي إحتفظ بها الرسول لنفسه بينما أعطى سيرين لشاعره حسان بن ثابت، عموما ففي تقديرى أن السيدة مارية القبطية زوجة للرسول هي أم للمؤمنسن وليست "محظية"، الم تكن هي الزوجة الوحيدة التي أنجبت للرسول ابنا، ألم يعلمنا الإسلام أن الأمة إذا أنجبت لوليّها ابنا فانها تصبح حرة وزوجة شرعية فما بالنا بالرسول الكريم نفسه، إن كتب التراث وعلماء السير "أسقطوا" اسم "مارية بنت شمعون" من زوجات النبى وأمهات المسلمين.. واعتبروها "جارية" دون سند من الكتاب والسنة، وقد اختلفت المصادر التراثية فيما بينها، حول عدد وأسماء أمهات المسلمين، فعدهن الإمام الطبرى بـ12، وهن على حسب الترتيب "السيدة خديجة بنت خويلد وسودة بنت قيس وعائشة بنت أبى بكر وحفصة بنت عمر، وزينب بنت زمعة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث وأم حبيبة بنت أبى سفيان، وصفية بنت حيى بن الأخطب، وميمونة بنت الحارث، وريحانة بنت زيد النضرية"، وأسقط السيدة "مارية" من زوجات الرسول، وهو ما تكرر فى «البداية والنهاية» و«زاد المعاد» وفى أغلب كتب التراث فكلها يسقط أم المؤمنين «مارية» من مدونة أسماء زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
الذي يزيد من وقع تلك الشائعة التي انطلقت عن مارية وأهّمت الرسول بشدة، أنها لا تضرب في عرض الرسول فقط ولكنها مسته في أعز ما تمناه على الله، نسب إبنه إبراهيم ابنه اليه.
كانت غيرة نساء النبى من الوافدة الجديدة كسهم غائر في أجسادهم، لم لا وقد كانت مارية جميلة شديدة البياض تشوبها حمرة، جعداء الشعر، هيفاء العود، إختصها الرسول بمسكن خاص بمنزل لحارثة بن النعمان وما لبث أن حولها لمسكن آخر بمنطقة يقال عليها العالية، وكان أكثر المتضررات هي عائشة " أحب نسائه الى قلبه" وأكثرها تدللا وجرأة عليه، من جانب آخر فإن كتب الشيعة نسبت الآيات المنزلة في القرآن عن تبرأة السيدة عائشة الى مارية، (معروف أنها نكاية منهم في السيدة عائشة لكرههم لها)، ومن القصص الشهيرة ما رددته أغلب كتب السيرة ورواتها عن مواقعة الرسول لمارية بحجرة " حفصة بنت عمر" التي شاهدت تلك الواقعة فصرخت: "على فراشى وفى ليلتى"، فطلب منها الرسول أن تسكت وأنه لن يقرب مارية بعد اليوم، ولكنها نقلت ذلك الى عائشة "أن ابشري إن النبي صلى الله عليه وآله قد حرم عليه فتاته" ما أغضب الرسول عليهم وقرر تطليق جميع نساؤه الى أن نزل الوحى من السماء "يا أيها النبي لِمَ تُحرّم ما أحلَّ اللهُ لكَ" الآية 1 من سورة التحريم، واشتعلت الغيرة حين علمن بأن مارية قد حملت من الرسول، على إثر هذا الحمل، تناثرت وقائع لخّصتها كتب التاريخ في مروية، خلّدت واقعةَ إفكٍ ثانيةً تعرّضت لها زوجة أخرى للنبي، والتي تنقل لنا كتب السيرة أن النبي شكّ ليس فقط في زوجته القبطيّة حين كانت لاتزال حاملاً في إبراهيم، وإنما أمر بقتل ابن عمّها الذي كان يزورها كثيراً بدون مَحْرَم "كما كانت عاداتهم ببلاد مصر"، كما يحكي ابن كثير في "البداية والنهاية"، حتى وإن لم يُخضعه لأي تحقيقٍ مسبقٍ، ما يؤكّد أن الشائعات بلغت من القوّة أن ولّدت عنه قراراً غاضباً لم يستشر فيه أحداً، ولم يكن مستعداً لأن يستمع به لأي رأي، وعن نفس الواقعة كتب الشيخ عبد الحميد كشك روى النسائى بسنده عن أنس أنّ رسول الله كانت له أمة (عبدة) يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرّمها فأنزل الله "يا أيها النبى لمَ تـُحرّم ما أحلّ الله لك إلى آخر الآية" (فى رحاب التفسير للشيخ عبد الحميد كشك- الجزء 28- تفسير سورة التحريم- ص7267- الناشر المكتب المصرى الحديث)، وكما ورد في "المعجم الأوسط" للطبراني، بأن بعض الناس قالوا بحقِّ مارية وابن عمّها "عِلْجٌ يأوي إلى عِلْجَة"، وأن النبي ظلّ "في قلبه شك حتى جاءه جبريل - عليه السلام - فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، فاطمأنَّ إلى ذلك"، وعن علي قال : " أكثر على مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم في قبطي "المعروف أن مأبور ظل على دينه ولم يسلم" ، ابن عم لها ، كان يزورها ، ويختلف إليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي : (خذ هذا السيف فانطلق إليه فإن وجدته عندها فاقتله) قال فأقبلت متوشحا السيف ، فوجدته عندها ، فاخترطت السيف ، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده فأتى نخلة فرقى فيها ، ثم رمى بنفسه على قفاه ، وشفر برجليه ، فإذا هو أجب "كونه مجبوبا" (المجبوب فى اللغة العربية المخصى بالكامل) أمسح ما له ما للرجال قليل ولا كثير ، فأغمدت سيفي ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : (الحمد لله الذي يصرف عنا الشر أهل البيت)، ذكرت ذلك أيضا الدكتورة "عائشة عبد الرحمن – بنت الشاطئ" فى كتابها (نساء النبى). عن دار الريان للتراث- مطابع الشروق- عام 87- ص405)، الملفت هنا ماذا لو لم يحدث ما حدث بين على ومأبور وقام على بضرب عنق الرجل، على من يقع دمه في هذه الحالة، الله أدرى وأعلم.
ربما كان لحادثة الإفك عن عائشة صدى أقوى وأكبر، ذلك لأنه حدث في قافلة كبيرة على رأسها رسول الله وتجمع معظم الصحابة، أن تتخلف زوجة له عن الركب، بحجة أن عقدها قد انفرط على الرمال بليل فجلست تجمع حباته، بينما انطلقت القافلة بدونها وذلك لعدم إحساس المسؤولين عن الركب لغيابها، حتى يلحق بها ابن المعطل فيحملها في رحله ليوصلها الى المدينة، وهو ما جعل معظم من حضروا الواقعة ترديد ما قيل من كلام، حتى نسب الى على قوله "طلقها يا رسول الله فالنساء كثيرات" .."وهو ما أسرتّه عائشة في نفسها لترده لعلى في واقعة الجمل كما أشيع"، إذن فالحادثين غير متكافئين، فعائشة بنت ابى بكر ليست كمارية بنت شمعون، وصفوان بن المعطل ليس كمأبور، كما ان الحديث على عائشة كان علنيا وعلى مارية كان مجرد اشاعات تتناقل هنا وهناك. السلام عليكم.