تعديل الدستور الجزائري ضرورة.. لتفادي بوتفليقة أخر


مولود مدي
2019 / 8 / 31 - 17:08     

لا يوجد شيء يمكن توقعه من النظام الجزائري ، بسبب لا أخلاقيته وجهله الأصليان ، لذلك قرر الشعب في 22 فبراير تغيير حكامه ومؤسساته. إن سماع المواطنين في شوارع الجزائر يرددون (الجزائر حرة وديمقراطية) ، وأين ترى الطلاب الطلاب الشباب يطالبون بدولة مدنية لا عسكرية قيام ، يبعث على السرور ، ومما يبعث على الرضا أن الجزائر كانت نموذجًا بسلمية مسيراتها وهذا لا يمكن تفسيره في نظر الغرب الذي يجب أن يغيّر نظرته حول هذا الشعب وهذا البلد، نظرة الغرب لا تزال جامدة عند أحداث التسعينات الدموية ؛ المسألة الجزائرية مليئة بالدروس التي يجب تعلمها.

لقد مر أكثر من ستة أشهر منذ إنطلاق الحراك الشعبي ، وهو في نظري وقت كاف لفهم أن الدستور الحالي الذي تم تعديله سلبيا في عام 2016 يجب تغييره ، في رأيي أن الناس يدركون حقيقة أن الدستور باالشكل الحالي قد ولد نظامًا حصر كل السلطات بيد رئيس الجمهورية الذي أصبحت تصرفاته وقراراته خارج التحكم والمساءلة ، يعني الدستور خلق ديكتاتورا، وهذه مفارقة عجيبة كون أن الدستور بني على قاعدة جوهرية لا تتغير هي أن السلطة للشعب ، كنتيجة لذلك ، لا توجد مؤسسة ، يمكن أن تقيد سلطات الرئيس ، هذا الوضع قد عرّض حقوق وحريات الجزائريين للخطر ، فقد سمح بنهب ثروات بلادهم.

يمنح الدستور الحالي الرئيس سلطات "فرعونية" ، والنتيجة: أصبحت المؤسسة التشريعية المتمثلة في البرلمان عديمة الفائدة ، بحيث يتمتع النواب بالأجور العالية و بالامتيازات والحصانات لكنهم لا يمثلون مصالح الشعب ، ولم يقترحوا أبدًا مشروع قانون خدم الجزائريين ، ولم يسبق أن رأيناهم يرفضون لمرة واحدة قانونًا اقترحته الحكومات السابقة.

تمنح المادة 180 من "الدستور" الحق في مجلسي البرلمان كجزء من صلاحياته في أي وقت لإنشاء لجان للتحقيق في المسائل ذات المصلحة العامة ، لكن هل تذكّر جزائريّ أنّ هذا "البرلمان" أمر بفتح تحقيق عن مصدر ممتلكات الرئيس على سبيل المثال؟ أم أن معرفة من أين تأتي ملكية الرئيس ليست مسألة مصلحة عامة؟ لا عجب ، لأن الرئيس الجزائري له الحق في حل البرلمان ، متى أراد.

بالنسبة للقضاء، فهو لم يكن امستقلاً ولا فعالاً. منذ عشرين عامًا كان أداة مفيدة للدائرة الرئاسية لتعزيز تعسفها وتخليص جماعتها من العقاب، وحكم القانون.
لتوضيح القضية ، فمثلا الدستور يعطي للرئيس الحق للرئيس تعيين رئيس المحكمة العليا (المادة 92) ، ووفقًا للمادة 147 المتعلقة بالجهاز القضائي ، يرأس رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للقضاء ، لاحظ أن مهمة هذا على المجلس هي تعيين القضاة ومراقبتهم ، في هذه الظروف ، هل من المشروع لنا أن نأمل في الحصول على عدالة حرة وشفافة تعمل بشكل مستقل عن السلطة التنفيذية وعن أصدقاء الرئيس ؟.

مع هذا الدستور ، يكاد يكون من المستحيل أن تقلق ما أسماه رئيس الأركان أحمد قايد صلاح ؛ "العصابة" المرتبطة بالحكومة. لاحظ أن العصابة هنا هي نظام كامل من اللصوصية ، حيث لم يقتصر الأمر على وجود شخصين أو ثلاثة أشخاص قادوا الاقتصاد كله نحو الكارثة ، هذا ما يريدوه من الجزائريين تصديقه، ومحاولة استغفالهم عن حقيقة أن عمليات النهب والسلب كان مسؤولا عنها نظام بأكمله مرتبط بدول خارجية هرّبوا اليها أموالهم او قاموا بتبييضها هناك.

يدعي النظام الفعلي اعتزامه تنظيم "حوار" لإيجاد حل لما يسمّيه "أزمة". انه يعتبر الحراك أزمة سياسية. في الواقع ، الحراك الشعبي هو أزمة من زاوية النظام، وليس الشعب ، إن النظام هو الذي يمر بأزمة قد تعصف به ، بسبب أن الجزائريين قرروا أن يكونوا أكثر حرصًا على السياسة المنتهجة في بلدهم بعد عقود طويلة من اهمالها ، فشهدوا منذ الاستقلال حروبا منظمة ضد السياسة والعمل السياسي وصلت بالنظام الى محاولة اسقاط تخصص العلوم السياسية من الجامعات ، كل هذا في اطار مخطط لإلغاء تسييس المجتمع الجزائري.

لا أحد يستطيع أن ينكر أنه لا يوجد حل في الدستور يمكنه تلبية مطالب الحراك ، فلماذا لم يعد النظام الذي يريد الحوار (بمعنى آخر ، أن يفرض خريطة الطريق) يتحدث عن هذا ؟.
إنه خائف من الأصوات التي تدعو إلى مراجعة الدستور الحالي ، والتي يمكن أن تشكك في حدود صلاحيات رئيس الجمهورية وتطالب بإعادة النظر في هذا المهزلة الدستورية.

عزم الحراك على استعادة الفضاء العام و أن الشارع هو ملك الشعب، ومن خلال هذا الفضاء العام تم كشف المشاكل المختلفة التي تواجه المجتمع الجزائري. وهكذا ، لا يزال الشعب يوميا يسلّط الضوء على معيقات بناء الدولة الحديثة ، من الفساد والإفلات من العقاب وغياب حرية الوصول إلى استغلال الثروة التي تتمتع بها البلاد. وهو يطالب منذ أكثر من نصف عام بإرساء دولة القانون ، واحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (الحق في الصحة ، والعمل ، والسكن ، إلخ) ، ورحيل المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو إهدار الأموال العامة.

لقد قام الحراك بالتخلّص من بوتيفليقة بسلام ، لكن الجزائريين لا يرغبون في رؤية شخص آخر يعيد إنتاج سياساته وإخفاقاته وعمليات النهب المنظمة لحاشيته ، يجب أن ننهي هذا التفوق الرئاسي ، والخطوة الأولى للقيام بذلك هي دستور انتقالي ، من أجل للعودة إلى الحالة الطبيعية الديمقراطية ، حيث يتم الفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ان أي تغيير دون اعادة النظر في الدستور الحالي، سيكون تغييرا منقوصا.