أيها العمّال ... وحدتنا قُوّة لنا


جهاد عقل
2019 / 8 / 29 - 09:48     


عندما قرر القائمون على جائزة النقابي النرويجي الراحل آرثر سيفنسون منح "جائزة سيفنسون " لعام 2018 للقادة النقابيين الثلاثة من كازخستان كان ذلك بسبب ما " يواجهه قادة ونشطاء النقابات العمالية في كازخستان من قمع شديد بسبب قيامهم في الدفاع عن حقوق العمال وحرية التنظيم النقابي في بلدهم." ومنهم القائد النقابي السجين إرلان بالتاباي.

لجنة الجائزة أشارت في قرارها الى ما قامت به السلطات في كازخستان، ليس فقط التنكر للحق بتشكيل النقابات، بل الى قيام قوات الشرطة الحكومية بقمع إضراب عمال النفط في مدينة Zhanaozen عام 2011 وبإطلاق النار على العمال المضربين مما أدى الى مقتل 14 عاملا وجرح العشرات، مما يؤكد فظاعة وبشاعة التعامل مع العمال وقادتهم النقابيين.

بالإضافة الى ذلك قامت لجنة الجائزة بشرح مختلف الاسباب لقرارها بمنح الجائزة لهم خاصة التعرض للملاحقة والسجن والتعذيب والثلاثة هم النقابيون من كازخستان، نوريك كوشاكبايف وأمين إليوسينوف ولاريسا خاركوفا،وكانت الحكومة الكازخستانية قد منعتهم من السفر الى أوسلو لتسلم الجائزة لكن بفضل الضغوطات المتواصلة من قبل الحكومة النرويجية تم السماح لهم بالسفر الى أوسلو لتسلم الجائزه في الوقت الذي واصلت الحكومة الكازخستانية فرض العقوبات والقيود على القادة النقابيين ومنعهم من الحق بتشكيل النقابات المستقلة .



تقارير دولية تكشف بشاعة تعامل الحكومة

تعرُض عمال النفط لإطلاق النار سبقها قيام الحكومة قي كازخستان بملاحقة مستمرة للقادة النقابيين في نقابة عمال النفط، ففي العام 2013 قامت هذه الحكومة بتقديم القائد النقابي لنقابة عمال النفط إرلان بالتاباي رئيس نقابة عمال النفط المستقلة، للتحقيق تحت وطأة الإتهام بمخالفة جنائية وهي "التحريض على إثارة الفتنة الإجتماعية"، لكن وبعد القيام بالملاحقة والتحقيق بل والتعذيب، جرى إسقاط التهمة والقضية التي قدمها الدعي العام ضده لعدم ثبوتها قضائيا، وقد جاء هذا الإتهام بعد قيام النقابي إرلان بالتاباي بتقديم طلب لتسجيل نقابة عمال النفط والطاقة إثر قيامه بحملة تنظيم العضوية للعاملين في هذا المجال، وطلبهم تسجيل النقابة قانونيا إلا أن الحكومة رفضت الإعتراف بالنقابة وبقيادتها وبعضوية الأعضاء، بالرغم من قيام الحركة النقابية العالمية بحملة من أجل الضغط على حكومة كازخستان للإعتراف بالنقابة لكن الجواب كان الرفض، بل تشديد الملاحقة والتضييق على النقابيين وفي مقدمتهم القائد النقابي إرلان بالتاباي .



رسوم العضوية وتهمة الإختلاس!

بعد فشل الحكومة الكازخستانية في فك وحدة النقابيين وثبات عضوية عمال النفط في نقابتهم، أي وحدتهم كانت أقوى من القمع والتعسف الحكومي ووقوفهم الى جانب قائدهم النقابي إرلان بالتاباي ومواصلتهم دفع رسوم العضوية للنقابة لتثبيت وتأكيد أنهم إنضموا للنقابة بقرارهم وبحريتهم، رسوم العضوية بلغت ما يساوي حوالي 28000 دولار أمريكي، تم رصدها في صندوق خاص بإشراف مجموعه من النقابيين من قيادة النقابة ومنهم النقابي إرلان بالتاباي بسبب رفض الحكومة الإعتراف بالنقابة الأمر الذي أدى الى عدم تمكنهم من رصدها في حساب بنكي باسم نقابة عمال النفط.

ضمن الملاحقة الحكومية وبحثها عن أسباب لإفشال التنظيم النقابي، قام المدعي العام الحكومي مرة أخرى بتوجيه تهمة اختلاس أموال الجمهور للنقابي إرلان بالتاباي، بإدعاء أن جمع رسوم العضوية غير قانوني، وذلك بعد اعتقاله على ذمة التحقيق ومن أجل تقديمه للمحاكمة التي بحثت بالتهمة يوم 25 حزيران / يونيو الماضي، وتقدم المدعي العام بطلب فرض عقوبة السجن لمدة ثماني سنوات على النقابي إرلان بالتاباي، ومنعه من إشغال أية مناصب قيادية في النقابات مدى الحياة.

تزامنت المحاكمة والاعتقال للنقابي إرلان بالتاباي مع إنعقاد مؤتمر منظمة العمل الدولية في حزيران هذا العام، حيث جرى توجيه انتقاد شديد اللهجة للحكومة الكازخستانية ورئيسها قاسم جومارت توكاييف الذي كان حاضرا المؤتمر، وعدم تنفيذ إلتزاماتها وتعهداتها بخصوص إحترام حرية التنظيم النقابي،والحق بتشكيل النقابات العمالية المستقلة، مما دفع المنظمة الى تخصيص بند خاص في القرارات الصادرة عن المؤتمر تدين فيه تصرف الحكومة الكازخستانية بما يتعلق بملاحقتها للقادة النقابيين ومنعها حرية تشكيل النقابات العمالية.



حكم بالسجن على النقابي بالتاباي

بالرغم من قرارات الإدانة للحكومة الكازخستانية، إلا انها واصلت تجاهل القرارات الدولية وما رافقها من حملات من الحركة النقابية العالمية ومن منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تابعت هذه القضية أيضا وغيرها من المنظمات الدولية،التي تطالب بإطلاق سراح النقابيين وتوفير حرية التنظيم النقابي، إلا أن المدعي العام وبتوجيه من الحكومة واصل ملاحقة النقابي إرلان بالتاباي وجرى تقديمه للمحاكمة يوم 17 تموز الشهر الماضي حيث صدر قرار حكم بحقه يفرض عليه عقوبة السجن الفعلي لمدة 7 سنوات وفرض عقوبة إضافية أخرى وهي منعه من القيام بأي نشاط عام او نقابي لمدة 7 سنوات أخرى.

جاء هذا الحكم الجائر والذي جرى تنفيذه فورا، إضافة الى القيود والملاحقات الجنائية التي تعرض لها رفاقه النقابيين الذين سبق وذكرناهم لاريسا خاركوفا وأمين إليوسينوف ونوريك كوشاكبايف، وكان الإتحاد الدولي للنقابات العمالية وفي تقريره الصادر يوم 19/6/2019 بخصوص الحريات النقابية في العالم قد صنّف كازخستان من بين أسوأ عشرة دول في العالم بما يتعلق بتعاملها مع حرية التنظيم النقابي .



حملة نقابية دولية تطالب بإلغاء الحكم

في بيان أولي صادر عن الإتحاد الدولي للنقابات العمالية بعد صدور قرار الحكم الجائربحق النقابي إرلان بالتاباي جاء "تستنكر الحركة العمالية الدولية هذا الإنتهاك للحريات النقابية، ونحن على إستعداد لمواصلة الدفاع والمساعدة من أجل وقف الإنتهاكات للحقوق النقابية وإطلاق سراح النقابي بالتاباي".

تلى هذا البيان الأولي القيام بتنظيم حملة نقابية دولية بإشتراك كل من الإتحاد الدولي للنقابات العمالية (ITUC) وإتحاد النقابات المهنية (Industriall) بعد أسبوع من صدور الحكم بحق النقابي إرلان بالتاباي والقيام بتوجيه برقيات ورسائل إحتجاج للرئيس الكازخستاني قاسم جومارت توكاييف مكثفه (شاركنا في هذه الحملة)، وخلال حوالي عشرة أيام من بدء الحملة والمطالبة بالغاء الحكم التعسفي وإطلاق سراح النقابي إرلان بالتاباي والإعتراف بنقابة عمال النفط إضافة الى المطالبة بوقف الملاحقة وفرض القيود على جميع النقابيين ومنهم النقابيين لاريسا خاركوفا وأمين إليوسينوف ونوريك كوشاكبايف، رضخت الحكومة الكازخستانية، للمطلب النقابي الدولي وصدر يوم 8/8/2019 قرار حكومي بالغاء حُكم السجن والتقييد على نشاط النقابي إرلان بالتاباي وتخفيف العقوبات المفروضه على بقية القادة النقابيين في عموم كازخستان، وعند عودة بالتاباي الى بيته وأسرته صرح الى وسائل الإعلام بقوله: "أُعرب عن إمتناني وشكري للحركة النقابية الدولية ولجميع المنظمات والناشطين الذين ساندوني وإنضموا للحملة الدولية التي أدت الى إطلاق سراحي".

نحن نعود ونؤكد بأن وحدتنا كطبقة عاملة وكحركة نقابية محلية وعالمية هي قوّة لا يُمكن كسرها، مهما بلغ جبروت قوى رأس المال والحكومات التي تحكم بإمرتها، فيا رفاقي العُمال والنقابيين أقول لكم لا تنازل عن هذه الوحدة لأن ... وحدتنا قُوّة لنا .