خلية الأمل .. بين الحصار وضياع الأمل.


رياض حسن محرم
2019 / 8 / 25 - 21:30     

معظم القوى السياسية تريد أن تصنع شيئا جماهيريا ذو قيمة، ولكنها لا تعرف من أين تبدأ، بعضهم طموحه أعلى بكثير من إمكانياته، يطرح معارك لا يستطيعها أو يقدر عليها ، حالما بجماهيرية مفقودة، كأن يطرح القيام بمظاهرة كبرى تزحف من الأحياء الشعبية وتنتهى بالتجمع في ميدان التحرير واحتلاله "أو تحريره"، وهو تفكير بائس، يشبه ما حاول تنفيذه يوما "صالح سرية" عام 1974 فيما عرف وقتها بتنظيم " الفنية العسكرية" حين خطط للإستيلاء على الكلية الفنية العسكرية من خلال وضع مخدر في العصير وتقديمه لحرّاس تلك الكلية، وبعد تخديرهم يتم اقتحام تلك الكلية من خلال أعضاء التنظيم "الذى هم في معظمهم طلاب حديثى السن"، والإستيلاء على ما تحويه الكلية من أسلحة وتجهيزات والتوجه به الى مبنى "اللجنة المركزية" للاتحاد الإشتراكى على النيل لإعتقال الرئيس " أنور السادات" وأعضاء اللجنة المركزية، بينما فريق آخر يتوجه الى مبنى ماسبيرو لإلقاء البيان الأول (هذا البيان "بخط يده"وجد في جيب صالح سرية "الفلسطيني-الأردني بعد القبض عليه وفيه اعلان الجمهورية الإسلامية التي يرأسها طبعا).
المقصود من ذلك المثال هو مدى طوباوية وسعة خيال من يفكرون بهذه الطريقة، وهذا دليل على الإحباط واليأس من عدم القدرة على مواجهة سلطة الدولة المدججة بكافة أنواع القوة، وتمتلك من الأجهزة الغاشمة مالا يمكن مواجهتها وجها لوجه، من هنا جاء الحديث عن القضية المعروفة إعلاميا باسم "خلية الأمل" المتهم فيها حتى الآن أكثر من 50 شخصا جميعهم يساريون "بمختلف تلاوين اليسار" إبتداءا من الليبراليين الديموقراطيين الى الإشتراكيين الثوريين.
لفت نظرى القبض على "رامى نبيل شعث" ابن القيادى الفلسطيني الشهير "نبيل شعث" والحاصل على الجنسية المصرية، بل وترحيل زوجته الفرنسية "التي تعمل معلمة لغة فرنسية" الى باريس، وأعتقد "ان لم تكن الذاكرة قد خانتنى" أن رامى وابنه الطفل "نبيل" قد ظهرا في الفيلم التسجيلى (سلطة بلدى) الذى صنعته المخرجة المبدعة نادية كامل عن سيرة ذاتية لأسرتها (ابوها المناضل اليسارى "سعد كامل" رئيس تحرير جريدة الأخبار القاهرية، ووالدتها يهودية مصرية من أصل ايطالى)، عموما فقد لقى خبرالقبض على رامى شعث والحاقه بقضية خلية الأمل أصداء محلية ودولية واسعة، ما زالت تتفاعل حتى الآن.
ويبلغ رامي من العمر 48 عاما، وكان يقيم في القاهرة مع زوجته الفرنسية، وشارك في العمل السياسي في مصر، حيث انضم إلى تحالف الناشطين الذين انخرطوا في ثورة "25 من يناير" عام 2011، وعمل رامي أمينا عاما لحزب الدستور قبل تأسيسه الرسمي. وفي عام 2015، شارك في تأسيس حركة مقاطعة إسرائيل في مصر، وقبيل اعتقاله أعلن رفضه لصفقة القرن، وانتقاده لمشاركة مصر في ورشة عمل البحرين،.
كانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على عدد من المعارضين، على ذمة القضية المشار إليها والتي تحمل رقم 35 لسنة 2019، ووجهت إليهم تهما عدة هي على وجه التحديد:
1- الإنضمام لجماعة إرهابية أنشأت على خلاف أحكام للقانون.
2- تمويل تلك الجماعة لمساعدتها فى تنفيذ أغراضها.
3- التنسيق مع أعضاء الجماعة الهاربين لمحاربة الدولة وإسقاطها
4- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التحريض ضد الدولة.
5- الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها.
6- نشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام
7- التخطيط لضرب الاقتصاد القومى للبلاد.
ومن المسلم به أن هذه الإتهامات تحديدا تمثل "أكلشيه" جاهز يمهر به كل مواطن تريد السلطة أن تعتقله أو تعاقبه من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، واللافت أن تركيبة هذه الإتهامات لا تتفق مع التركيبة الشخصية ولا تاريخ تلك الشخصيات من "خلية أمل" التي عرفت بتناقضها العميق مع الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسى بمجمله، ولتزين وجه تورتة تلك الإعتقالات قامت أجهزة الأمن بإضافة بعض عناصر الإخوان الهاربة الى قطر وتركيا الى قائمة خلية الأمل تلك، يتزعمهم الإخوانيين محمود حسين وعلى بطيخ، والإعلاميين معتز مطر ومحمد ناصر وأيمن نور، إن أي حديث عن تحالف اليسار المصري والإخوان هو أمر غير منطقي ولم يحدث من قبل، حتى ما ذكر عن تحالف بين الإخوان والتنظيمات الشيوعية قبل ثورة 1952 ينفيه مؤرخى اليسار، وحتى ان كان قد تم فلفترة محدودة جدا لا يمكن حسابها.
لكن "تحالف الأمل" هو حقيقة واقعة، هو في الواقع مجرد تحالف إنتخابى بين بعض الكتل السياسية من اليساريين والليبراليين ويضم تنظيمات قائمة مثل حزب الدستور وعيش وحرية والحزب المصرى الوطنى الديموقراطى وحزب المحافظين وحزب التحالف الشعبى والتيار الوطنى الديموقرطى وحزب الكرامة وبعض اليساريين المستقلين وكان الغرض منه التنسيق لإنتخابات المجالس المحلية المزمعة، وعقدت مجموعة من الإجتماعات لهذا الغرض في مقار تلك الأحزاب بشكل علنى، آخرها اجتماع تم في مقر حزب المحافظين قبيل الضربة الأمنية مباشرة، اذن تحالف الأمل هذا أشبه بما حدث قبل الانتخابات التشريعية الأولى من تحالف "الكتلة المصرية" أو "الثورة مستمرة"، والذي كان من المقرر الإعلان عنه خلال أيام في مؤتمر صحفي.إن النظام المصري يكره السياسة والتنظيم وحرية الرأي والتعبير ولا يؤمن إلا بوجود رأي واحد فقط وهذا ما رأيناه في انتخابات مجلس النواب والانتخابات الرئاسية الأولى والثانية، إن موقف السلطات المصرية من إغلاق كافة منافذ التعبير السلمي عن الرأي ما يؤدى بالضرورة الى أن تغذية الأفكار والجماعات المتطرفة وأن يلقى خطابها رواجاً بسبب ذلك النهج السلطوى الضار، ووفقًا لوزارة الداخلية، فإن سبب القبض على هؤلاء الاشخاص هو قيامهم بتمويل التحركات المناهضة بالبلاد للقيام بأعمال عنف وشغب ضد مؤسسات الدولة في توقيتات متزامنة، مع إحداث حالة زخم ثوري"من بيان الداخلية" لدى المواطنين وتكثيف الدعوات الإعلامية التحريضية خاصة من العناصر الإثارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية التي تبث من الخارج، كما قررت لجنة حكومية التحفظ والإدارة والتصرف فى أموال أعضاء تلك الخلية، برئاسة المستشار الدكتور محمد ياسر أبو الفتوح، وتقرر مصادرة 137 شركة، بينها 19 مملوكة لعناصر من تنظيم الأمل، وضمها إلى الخزانة العامة للدولة وذلك وفق القانون 22 لسنة 2018 الخاص بتنظيم إجراءات التحفظ ومصادرة أموال الجماعات الإرهابية، ذلك بالإضافة الى القبض على مجموعة من اليساريين والزج بهم في السجن ومصادرة أموالهم "ان وجدت". لقد حاول النظام من خلال إعلامييه العملاء ووسائل اعلامه ولجانه الإلكترونية تشويه تلك الكوكبة (كما صنع مع كافة المناضلين "الذين ينتمون بأى صلة الى ثورة 25 يناير) ، مثال ذلك مقال بعنوان "زياد العليمى .. الإنتهازى" الذى يدعى فيه كاتبه أن المحامى اليسارى زياد العليمى الذى كان وكيل مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وعضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة"، قدأثبتت تحريات الأجهزة الأمنية " بحسب كاتب المقال" أنه متهم للتخطيط لإنشاء مسارات للتدفقات النقدية الواردة من الخارج بطرق غير شرعية، وانه بعد وصول الإخوان للحكم سارع بالتودد اليهم حتى يحظى بكرسى في البرلمان، على الرغم من أن العليمى قد فاز بعضوية البرلمان عبر وجوده في تكتل "الكتلة المصرية" (والذى يعتبر أبرز مكونيه "حزب التجمع" برئاسة الراحل "رفعت السعيد" المعروف بعدائه التاريخى للإخوان)، كما تحدث المقال عن سلاطة لسان العليمى وأشياء شخصية أخرى، وهذا ليس بغريب على النظام السلطوى القائم..السلام عليكم.