مصطفى الحسناوي: بين سبينوزا وبوكوفسكي


محمد الهلالي
2019 / 8 / 18 - 03:38     

الكاتب المغربي مصطفى الحسناوي سكن الكتابة ودروبها منذ أواخر السبعينات. كاتب متجول بين المدن والأمكنة والحانات والأجساد، ومتجول أيضا بين النصوص والعوالم والفلسفات. يقول في روايته الأخيرة " دليل الحائرين" (الصادرة سنة 2019، عن مطابع الرباط نيت، الرباط، ص: 26) "عشت أغلب سنوات حياتي متنقلا عبر المدن، أقيم بضع سنوات في هذه، وأخرى في تلك (...) علمني الترحال الدائم درس الفقدان".
يكتب مصطفى الحسناوي كمنقب عن معاني حياة تنفلت منه فلا ييأس من تتعبها وملاحقتها في أمكنة وأجساد وحالات ووضعيات تحتاج لمفاتيح سرية ولدربة دائمة التجدد. لم يفارق نصوص سبينوزا منذ أن اقتطع لنفسه حيزا خاصا به في اللغة العربية وعالمها. حيز ملأه بنصوصه المتعددة والمتنوعة والمختلفة (كتاب "خرائطية الكتابة"، الصادر عن منشورات كراس للفن والإبداع المغاير ببيروت سنة 1998، كتاب "نسيج الصداقة" الصادر عن منشورات اختلاف سنة 2001 بالرباط، كتاب "في الفكر والشعر" الصادر عن اتحاد كتاب المغرب سنة 2001 بالرباط، كتاب "فوكو والسياسة" الصادر عن منشورا اختلاف سنة 2003 بالرباط، كتاب "كتابات الأحياء" الصادر عن منشورات الشاطئ الثالث سنة 2006، مجموعة قصص تحت عنوان "هذيان الأعضاء" صدرت عن منشورات الشاطئ الثالث سنة 2007، كتاب "نيتشه وجوه الفيلسوف"، الصادر عن دار التوحيدي سنة 2010، كتاب "الحياة والسلطة" الصادر عن دال لنشر بسوريا سنة 2012، رواية "مقبرة الفيلة" الصادرة عن "منشورات اتحاد المغرب" بالرباط سنة 2013، كتاب "سياسة فوكو" الصادر عن منشورات التوحيدي سنة 2015، رواية "في الطريق" الصادرة عن "مؤسسة الرحاب الحديثة بلبنان سنة 2017، رواية "عندما عبرنا النهر" الصادر عن مؤسسة الرحاب الحديثة" بلبنان سنة 2018، رواية "دليل الحائرين" الصادر عن "الرباط نيت" سنة 2019)، كما ملأه بشخصيات الفلاسفة والكتاب والروائيين والسينمائيين والموسيقيين.
يوجد سبينوزا في صدارة الفلاسفة الذين سكنوا نصوص وحياة مصطفى الحسناوي، بحيث تحول فضاؤه الفكري إلى مسكن قلق ومتمرد يتعايش فيه سبينوزا مع نيتشه وجيل دولوز وميشيل فوكو.
لكنه فضاء يسكنه خلسة وبعناد واضح كاتب متمرد هو شارل بوكوفسكي. فالكتابة الأدبية لمصطفى الحسناوي تذكرنا، من حيث مبدئها المتحكم فيها، بعالم شارل بوكوڤسكي. فالكتابة تمتزج بالحياة الواقعية الفعلية، والجرأة تتحدى الخيال والعوامل المفبركة، وتنتصر للواقع الحي الصارخ الذي يملأ سكنات ونبضات المشاعر والكلمات.
في مجال الفلسفة، يواجه مصطفى الحسناوي إشكالات من قبيل الحقيقة واقتصادها والمثقفين والسياسة والأنوار والسلطة والحرية والسلم والحرب والصداقة... أما في مجال الرواية فيحول واقع الأمكنة والنساء اللواتي لا تملكن شيئا آخر غير أجسادهن لاستعمالها في العمل الاقتصادي أو العمل الجنسي والحانات والمدن... إلى بوح وشكوى وتمرد واستسلام.
يحكي مصطفى الحسناوي عن واقعة مؤسسة لذاكرته، تعود لسنة 1965 حيث كاد أن يفقد الحياة في الدار البيضاء، في شريط وثائقي أعد حوله.
عنوان الشريط هو: "الهامش كَيْتكلّم". ويمكن مشاهدته من خلال الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=ednCiRlgdE8
ولقد حكى هذا الحدث بالتفصيل في روايته التي تحمل العنوان التالي: "عندما عبرنا النهر" حيث يكتب في الصفحة 8 ما يلي: "كان بإمكان الطفل ذو الثمان سنوات أن يموت حينها، أن يسقط هو الآخر ضحية. مر بوليسي غاضب من أمامه حاملا مسدسا والشرر يتطاير من عينيهن استدار نحوه وصرخ في وجهه: (اطلعْ لْداركمْ لْدِينْ مّكْ). لكن شغبه الطفولي أبقى عليه جالسا هناك، ليرى ما يقع. فاحت رائحة الدم والموت من المكان، أفغمت خياشيم الطفل. أجساد المعطوبين وجثث القتلى متناثرة فوق الإسفلت، كما لو أن الأمر يتعلق بساحة معركة بعد أن انتهى صخب الحرب ووطيسها. الجنود يحملون الجثث ويلقون بها في الشاحنات، لا يفرقون بين الجرحى والمعطوبين والقتلى، يلقون بها مثل النفايات".
يسافر مصطفى الحسناوي في نصوصه من سبينوزا (الذي يعتبره مرجعا حاسما في تصوره للفكر وللحقيقة وللسياسة) إلى بوكوفسكي (الذي يعتبره نموذجا في الإخلاص لحقيقة الحياة).