بندلى جوزى وكتابه من تاريخ الحركات الفكرية فى الإسلام


سعيد العليمى
2019 / 8 / 17 - 04:50     

يأتى فى طليعة رواد المؤرخين المعاصرين الفلسطينى بندلى جوزى الذى كان أول من حاول تفسير وقائع التاريخ العربي الاسلامي على ضوء المادية التاريخية ، وقد أولى اهتماما خاصة لحركات المعارضة الثورية خاصة للبابكية والقرامطة . وكان كتابه المعروف من تاريخ الحركات الفكرية فى الاسلام (32).فاتحه تطبيق المنهج العلمى وطرائقة الانتقادية على واقعنا التاريخى . فلم يأخذ بأقوال مؤرخى القرون الوسطى واتهاماتهم التقليدية لحركات المعارضة الثورية ، كما لم يساير بعض المستشرقين فى ضلالاتهم ، وانما تحقق من طبيعة هذه الحركات من خلال دراسة موضوعية نقدية . ولم تكن أولى المحاولات الرائدة لتخلو من بعض القصور تفرضه ضآله المادة العلمية المتوفرة حول هذه الحركات الراديكالية فيما يتعلق بالكثير من جوانبها ،فضلا عن أن حداثه استخدام المادية التاريخية ومحاولة اكتشاف الأوضاع الخاصة ،، الشرقية ،، من خلال منهجها والغريزة الثورية التى قادته الى التعاطف مع المنتفضين ، كل ذلك أدى به الى رؤية التجربة القرمطية من واقع معايشته للثورة الاشتراكيه وانجازاتها فى الاتحاد السوفيتى . فقد اعتبرها تجربه شيوعية دون أن يحدد طبيعتها الاجتماعية بالنسبة الى عصرها والبيئة التاريخية التى ظهرت فيها . ولم يميز بين طابع مشاعية الكوفة التى أقامها قرامطة العراق ، وبين النظام ،، المشاعي ،، الذى أقيم فى البحرين على قاعدة جموع العبيد . وقد وثق آراء البغدادى فى ،، الفرق بين الفرق ،، بشأن بعض مظاهر التجربة دون نقد وتمحيص ، وخلط بين أساليب الضم الى الدعوة وبين مراتب العلم وهى البلاغات ، كما أنه قد تجاهل أيضا واقع وجود الرقيق الزنج فى ظل نظام قرامطة البحرين . وأخيراً فانه قد رأى أن الحرب الاسماعيلي أراد بناء نظام اجتماعي جديد اشتراكي دون أن يوضح طبيعته ،وما اذا كان ممكنا اقامة مثل هذا النظام فى شروط ذلك العصر ولم لم يتم بناؤه بالفعل حين سيطر الاسماعيليون على المغرب ثم مصر .
ولا يبدوا أنه كان مطلعاً على كل آراء مؤسسى الماركسية بشأن المجتمعات الشرقية وربما كانت مقدمة كتابه الآنف الذكر تشير الى أنه كان متابعاً للمناقشات التى دارت فى العشرينات فى أوساط العلماء والمؤرخين السوفييت حول أسلوب الانتاج الآسيوى ، فهو يؤكد فى هذه المقدمة على وحدة قوانين التطور الاجتماعي ، ووحدة المراحل التاريخية التى مر بها كل من الشرق والغرب على السواء . ولكنه من البين أن بندلى جوزى لم يعتمد على بعض الدراسات الماركسية التى كان من شأنها أن تنير بشكل أعمق الطريق أمام بحث الحركات الثورية ، أعنى بصفة خاصة مؤلف انجلز حول حرب الفلاحين فى ألمانيا . وكذلك مقالاته حول المسيحية البدائية ، أضف الى ذلك مؤلفات كاوتسكى حول نشأة وتطور المسيحية ، خاصة كتابه ،، أسس المسيحية ،، فهى جميعا تعطى نقاطا ممتازة للمقارنه التاريخية. ومع ذلك يظل لبندلى جوزى فضل الريادة فى بحث حركات المعارضة الثورية فى التاريخ العربي الاسلامي من منظور المادية التاريخية . ورغم أن كتابه قد صدر فى أواخر العشرينات ، فقد ظل يمارس تأثيرا عميقاً على أجيال من الباحثين الذين كانت دراسة حركات المعارضة الثورية موضع اهتمامهم .