الثورة قد تؤسس الدولة أو تفشل


المنصور جعفر
2019 / 8 / 15 - 22:34     


يثبت علم تاريخ النظم الاجتماعية والقانونية ان الدولة تنشأ أولاً ثم تكون نظمها أو حكوماتها التي لا تدوم بل تتغير. وفي ظروف نجاح الثورات يتغير الاثنان النظام والحكومة معاً، وبهما معاً، تنشأ تغييرات في فاعلية الدولة، وفي مكانتها العالمية، وقد يرتبط تغير الفاعلية قوة أو ضعفاً بتغيير في مساحة الجغرافيا السياسية للدولة أو في عدد او اثنية سكانها أو تعداد اللاجئين منها أو إليها زيادةً أو نقصاً.

التغيير الطبقي هو بطبيعته نتيجة من تناقضات الوضع القديم وناف له، وهو الذي يكون بثوريته نظام دولته الجديد وحكومته ولا يكونانه. وضع جديد لا يصنعه ركام نصف نظام ونصف حكومة، هما من بقايا انهيار القديم.

وفق ما سبق بالامكان القول ان التغيير الطبقي الثوري الناجح المكون لنظام دولة جديد وهيئات حكمها هو التغيير المنطقي.

أيضاً ننتبه إلى ان تاريخ السودان سجل فشل كل محاولات التغيير من داخل أي نظام حاكم.

لهذا السبب فإن تأجيل حل الأزمة الكبرى بتركيز على معالجة أزمة صغرى ضمن عدد من الأزمات المتفاقمة، في داخل إطار الحكم القديم، انما هو تأجيل لا يبشر بحل متكامل مفيد في تغيير مضمون الوضع العام، خاصة في مسائل المعيشة، والطبقات ونصيب الأقاليم من ثروات صادراتها، وكل مسائل الاستقلال الاقتصادي والتنمية، إلخ.

كذلك يتعذر تغيير الوضع العام بحكم ان تركيبة اتفاق تحالف بعض الحزبيين الليبراليين والرجعيين مع العسكريين تركيبة توافقية سواء بطبيعتها السياسية مع العسكر، أو بطبيعتها الإقتصادية مع نظام السوق. وبهذا التوافق وما فيه من موالاة يعجز إتفاق المدنيين والعسكريين عن تحقيق شعارات الشعب الأولية: "حرية سلام وعدالة".

بعد أبريل 2019 وتنحية راس الإسلاميين من حكم السودان صارت "قوى الحرية والتغيير" ومشروع "الحكومة" الجديدة منصات لتجديد نظام الإستعمار الداخلي، وتكوين وزارة ومفوضيات جديدة له أكثر من كونها منصات تصعيد للنضال الثوري.

حدث هذا التغير في أغلب ثورات العالم الفاشلة أو المؤودة، وذلك بانشغال كثير من قادة الثورة بموضوعات تكوين الحكومة وما فيه من مساومات غير مفيدة، وبقاء أقلية الثوار متمسكين بتحقيق أهداف الثورة، بإصرارهم على القبض على رؤوس الحكم القديم وكسر سلطته، قبل بداية تكوين نظام سياسي جديد وحكومته.

مع تنوع الصراع الطبقي في المجتمع تستمر الصراعات الثانوية في علاقات الإقاليم مع مركز الدولة، وفي علاقات المدنيين والعسكريين مع الدولة، إلخ، وكذلك تستمر الصراعات في علاقات الدولة مع جيرانها، بينما تنمو عوامل ثورة جديدة، قد تفشل هي الأخرى وقد تنجح.