بعد 31 سنة على نهايتها - هل كانت الحرب العراقية - الإيرانية حربا إستراتيجية بالمستوى العسكري ؟


جاسم محمد كاظم
2019 / 8 / 8 - 22:36     

شكلت إيران تهديدا مباشرا للكيان العراقي منذ وجودة عام 1921لانها ترى أن بعض المناطق قد تم اقتطاعها منها بالقوة من قبل التاج البريطاني .
وتذهب إلى ابعد من ذلك بالادعاء بان ارض كربلاء والنجف تابعة لها لأنها تمثل القوة الرئيسية للنفوذ الشيعي . .
وبقيت إيران غير معترفة بهذا الكيان الوليد تتحين الفرصة والضعف من اجل الانقضاض علية لذلك فقد هادنت المملكة العراقية الناشئة إمبراطورية فارس ولم تثر حنقها لأنها تعرف مقدار قوتها مع قوة هذه الإمبراطورية الهائلة .
تتفوق إيران على العراق بعدد السكان بما نسبته 4-1 وبالمساحة 6-1 و تمتلك موارد قوية غير البترول ويمتد ساحلها المائي من البصرة والخليج العربي حتى يصل إلى المحيط الهندي وحدود الباكستان .
وعندما تسعر الحكومة الإيرانية الموقف أو تفتعل بعض الإحداث تلجا المملكة العراقية إلى العراب البريطاني لحل الأزمة ولهذا السبب تمسكت الحكومة العراقية بشدة على بقاء القواعد البريطانية في العراق خوفا من التدخل العسكري الإيراني المفاجئ واحتلال المملكة .
ويعود جوهر الخلاف العراقي - الإيراني الحديث حول ترسيم الحدود بين الدولتين التي بقيت مشكلة وخاصة في شط العرب الذي تصر الدولة العراقية على اعتباره عراقيا بالكامل بينما ترى إيران أن لها حقا بسبب مياه نهر الكارون وبقي شط العرب شطا عراقيا بالكامل يستند إلى الاتفاقيات المقامة بين الدولة الفارسية والعثمانية في القرن التاسع عشر حتى توقيع المعاهدة العراقية الفارسية في عام 1937 بحيث تمنع الحكومة العراقية أي صياد سمك إيراني يريد الصيد في هذا النهر .
تجددت الخلافات بين البلدين بعد الثورة العراقية وانتصار تموز الظافر بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم وقيام الجمهورية العراقية ومطالبته الزعيم بإقليم عربستان العربية وبقي الأمر معلقا حتى بعد الحكومات التي تلت الجمهورية العراقية الأولى.

وبعد وصول البعث إلى السلطة عام 1968 استغل الشاه الضعف في القيادة العراقية وألغى معاهدة 1937 من جانب واحد، وأزمت إيران الوضع العسكري على طول الحدود وقامت بدعم الانفصاليين الأكراد في الشمال وشكلت تهديدا واضحا على امن الدولة العراقية وقامت من جانب واجد برسم خط وهمي للملاحة أسمته خط التالوك .
وإزاء هذا التهديد الشديد للسيادة العراقية وقعت الحكومة العراقية متمثلة بنائب الرئيس صدام حسين مع الشاة الإيراني معاهدة الجزائر في 6- آذار عام1975
واقر العراق لأول مرة تنازله عن نصف شط العرب لإيران مقابل إنهاء التمرد الكردي في الشمال .
تغير الموقف العسكري بعد وصول الخميني إلى سدة الحكم نتيجة الضعف في الجانب الإيراني الذي عانى من انهيار الدولة والقوة العسكرية وتصاعد المد الفوضوي والخلافات العنيفة التي تلت التغيير واستغل العراق هذه المواقف فقام الرئيس صدام حسين بإلغاء معاهدة الجزائر في السابع عشر من أيلول عام 1980
لم تتقبل القيادة الإيرانية ذلك وبدئت المناوشات على الحدود .حتى قام العراق في الثاني والعشرين من أيلول بالتوغل داخل الحدود الإيرانية وبدء الحرب العراقية - الإيرانية بشكل رسمي .
أدركت الحكومة العراقية في عهد البعث خطئها الكبير بالتنازل عن شط العرب وأنة وقع في ظروف قسرية هددت بقاء الدولة.
لم يستطع العراق رغم كل قواته العسكرية التي تقول عنها الموسوعة البريطانية في عام 1974 أنها بلغت 250 ألف مقاتل مع 500 دبابة ومائة وخمسين طائرة بعضها قديمة الأنواع مع قيادة برية تشكل أربعة فيالق عسكرية منقوصة التسليح من الوقوف بوجه الخطر الإيراني .
وبقي العراق ينظر إلى إيران بأنها قوة هائلة قادرة على ابتلاع العراق بضربة واحدة ولم يخطر ببال أي شخص أن العراق يستطيع يوما من التحرش بإيران أو يستطيع خرق حدودها .
واجه العراق مشكلة كبيرة في بداية الحرب تتمثل بطول خط الجبهة وبعثرة القوات وخلال سنة واحدة توقفت عجلات القوة العراقية عن السير إلى أمام وواجهت مقاومة شعبية هائلة.
جندت إيران مقاومتها الشعبية المتمثلة بالمجاهدين وبحلول عام 1982 تغير الموقف العسكري وأصبحت إيران في موقف الهجوم بينما توقفت القوات العراقية تدافع عن نفسها بصعوبة كبيرة .
ومع حلول كارثة المحمرة والشوش عام 1982 قررت القيادة العراقية سحب القوات إلى الحدود العراقية والدعوة لإنهاء الحرب مع التمسك بشط العرب وأوقفت القيادة العراقية إطلاق النار من جانب واحد لمدة أربع وعشرين ساعة .
وكلف العراق كل الدول الاسلامية لتشكيل لجنة المساعي الحسنة والحميدة من اجل إقناع الخميني بذلك ولم تنفع كل الجهود لان إيران لم ترضى بذلك وأصرت على اتفاقية الجزائر بكل قوة وبقي الشط مصدر استمرار الحرب ثمان سنوات مرعبة
وجدت إيران في الضعف العراقي مصدرا لاحتلال العراق من خلال الهجومات الكبيرة بالقوة البشرية واستطاعت هذه القوات خرق الدفاعات العراقية قي أكثر من مكان والتوغل في مناطق الجنوب من اجل إشعال ثورة شيعية تساند هذه القوات والتقدم بها لاحتلال بغداد بعد ذلك.
وهنا حل الفصل الثالث في هذه الحرب وهو استخدام السلاح الكيماوي من قبل العراق لضرب القوات الإيرانية المهاجمة مكبدا إياها خسائر هائلة في الأرواح لتصبح الحرب بعد ذلك حرب خنادق ثابتة على طول جبهة طويلة تعدت ال1100 كيلو متر .
جند العراق ما نسبته 15 % من السكان وهو أعلى نسبة تجنيد في العالم وبلغت مجموع قواته المقاتلة مليون ونصف المليون مقاتل إضافة إلى تنظيمات الجيش الشعبي والمهمات الخاصة وقوى الحزب .
وكل هذه الأرقام والمعطيات فان الحرب العراقية - الإيرانية لم ترتقي إلى بقية الحروب الأخرى مثل الحرب الكورية لأنها بقيت حرب خنادق ثابتة على طول الجبهة ولم تلعب المدفعية دورها الفعال في هذه الحرب بإيقاع الخسائر الهائلة بالقوات واستهدافها بشكل مركز كما كانت مدفعية الحرب العالمية الثانية.
وبقي سلاح المدرعات العراقي عاجزا عن أداء دورة الحقيقي بإنهاء الحرب بضربة واحدة وفرض الأمر الواقع على الجانب الإيراني رغم وصول عدد المدرعات العراقية إلى 5000 مدرعة ودبابة والقيام بالالتفاف الكبير والخرق المباشر وغير المباشر والهجوم على المستوى السوقي فبقيت المدرعات مدافع ثابتة على الأرض.
وشاطرة الدور كذلك سلاح القوة الجوية الضارب بعدم استطاعته تدمير البني التحتية الإيرانية وتجميد الدولة وبالتالي أجبار القيادة الإيرانية على الاستسلام وإنهاء الحرب كما فعل سلاح الجو الإسرائيلي في عام 1967.
لذلك بقيت الحرب العراقية - الإيرانية حربا تقليدية بكل معنى الكلمة لأنها تعتمد على الجانب البشري الكثيف للخرق ومسك الأرض ولم تختلف عن بدايات الحرب العالمية الأولى من الصولة وهجوم المشاة ولم ترتقي إلى معارك الحرب العالمية الثانية أو الحرب الكورية - الأميركية .
سياسيا وجدت الدول الكبرى في هذه الحرب فرصة لبيع الأسلحة وازدهار تجارتها وسعت هذه الدول إلى استمرار هذه الحرب بكل الوسائل من اجل أضعاف النفوذ العراقي لأنة يمثل خط المواجهة الأول مع إسرائيل وكذلك تدمير الاقتصاد الإيراني .
أدركت القيادة الإيرانية بعد ثمان سنوات من القتال بأنها لا تستطيع احتلال العراق وعرف العراق بأنة لا يستطيع فرض الأمر الواقع على إيران فعاد كل شي إلى ما قبل أيلول عام 1980 وفكر العراق بعد ذلك بحفر قناة ثانية لشط العرب تقع تماما داخل الأرض العراقية بإقامة سد ترابي كبير كحد مع إيران لم يتم تنفيذه بسبب دخول الكويت .
كلفت الحرب الجانب الإيراني مليون قتيل ومليون ومائتي ألف جريح وخمسين إلف أسير وخسرت إيران ما يقارب ال70 مليار دولار على تكلفة هذه الحرب ودمرت مدن إيرانية كبيرة بسبب القتال داخلها .
بينما خسر العراق 400 ألف قتيل ونصف مليون جريح وأكثر من ستين ألف أسير وبلغت ديونه ما يقارب ال100 مليار دولار .
وخلاصة الأمر استطاع العراق من كبح جماح إيران لأول مرة في تاريخه السياسي وحقق على المستوى الاستراتيجي العسكري نصرا على هذه القوة الهائلة وأثبت أن دولته الصغيرة قادرة على ردعها وإعادة توازن التاريخ معها .
خرج العراق من الحرب كدولة قوية جدا تمتلك قوة عسكرية هائلة ومطاولة كبيرة على الحرب وشعب قادر على استخدام السلاح بكاملة وقوة تهدد كل المنطقة
لا يمكن الوقوف بوجهها ألا من قبل دولة كبرى في التاريخ .