الامبرلالية .. أو نحو تعريف جديد للمثقف .

بعد عودة "ملحم" و" جميل" ، بطلي مسلسل "الخربة" ، من المدينة الى القرية ، وذلك لأن الحياة في المدينة أصبحت صعبة نتيجة الغلاء الفاحش ... "يُدخلان" إلى قاموس أهل الخربة مصطلحات جديدة ومُعقدة ، لم يتداولها سُكان الخربة سابقا، فهم مشغولون بالصراعات والتنافس بين عائلتي "بو مالحة " و "بوقعقور" ، وبين "زعيمي" العائلتين " بو نمر " و"بو نايف"... واللذان أُشتهرا بأكاذيبهما وخاصة "بو نايف" .... (ولكم أن تتخيلوا رمزية هذه الثنائية ، "الزعامة والقبلية " )
ويستطيع المشاهد للمسلسل أن يتكهن ، ودونما بذل مجهود كبير ، بأن جميل وملحم ، عضوان في حزب ماركسي وتحديدا عضوان في الحزب الشيوعي ، الشريك في الحكومة ، والذي ومع ذلك، ليس له أي تأثير على الساحة السياسية ، والتي يتحكم فيها الحزب العروبي ، المُمثل "بجوهر بو مالحة " والذي يُقسم دائما ب "عروبتي" وبالرفيق " بو طارق"، الذي ورغم إشغاله منصبا حزبيا قياديا ، إلّا أنه "لا يهش ولا يكش" في واقع الحال . بل السلطة في أيدي العسكر ممثلة ب "معلمو لأكرم " الذي لا يظهر في المسلسل ، لكن تأثيره هائل.
أدخل جميل وملحم مصطلحات كالإمبريالية ( والتي تستصعب هيام زوجة العجّال، نطقها) ، فتنطقها إمبرلالية ، بالإضافة الى مصطلح البرجوازية والطبقات المستغلة ، بفتح الغين ، والمستغلة بكسر الغين ، كما يحلو لملحم ، القول ...
مصطلحات كثيرة يتداولها الثنائي ، ملحم – المثقف الكبير ، وجميل – تلميذ ملحم ، منها ، الكومونة ، الرأسمالية ، الإشتراكية وغيرها ... لكن حينما يسأل "طارق بو مالحة"، الشاب الوحيد والذي انضم للحزب الثوري، (لكي يستطيع الزواج من "فلوديا" إبنة جميل")، عن معنى مصطلح ما ... يرتبك جميل فيتوجه الى ملحم والذي يرتبك بدوره، فيسأل ابنه الطالب الجامعي عن معنى المصطلح ، (للحقيقة نسيت المصطلح وقد يكون "الديسيبلين" )، يجاوبه ابنه بأن هذا المصطلح ورد في الصحيفة الحزبية من يوم أمس أو في كتاب لماركس، يقوم ملحم بقراءته .... ويا للسخرية أو الكوميديا السوداء .... الذي ميزت هذا المسلسل والذي اعتبره من أفضل ما أنتجته الدراما السورية على الإطلاق .
وهذا هو الحال ، مع بعض المثقفين والذين حينما يكتبون أو يتحدثون مع البسطاء من أبناء الشعب ، تراهم يزجون في احاديثهم وكتاباتهم بالمصطلحات الغريبة ، ويتعمدون التعقيد ، لكي "يبرهنوا" للمتلقي وللآخر بأنهم مثقفون ، واسعو الإطلاع وعلى دراية كبيرة بمستجدات التنظير ...
وفي رأيي، فإن قدرة المثقف ، معرفته ووعيه تتجلى جميعا في تعاطيه مع أعقد النظريات ، ببساطة ،سهولة ويُسر ،بحيث يفهمها ودون عناء بسطاء الناس المُخاطبين من قبل هذا المثقف ..
لا يكفي الإلتحام بالبسطاء ومشاركتهم حياتهم ، بل يجب أن يكون المثقف رافعةً لتثقيفهم ، بسهولة تواصله معهم ...
فليس المهم أن يُصبح المصطلح مُتداولا في " أفواه" البسطاء ، كالإمبريالية مثلا ، بل الأشدُّ أهمية أن يُدرك هؤلاء البسطاء كُنه المصطلح وكيف تؤثر الإمبريالية على حياتهم ..
فالنيو – ليبرالية في الاقتصاد أو السوق الحر ، ليس بالضرورة أن تكون مصطلحات متداولة في أوساط الطبقة العاملة ، لكن شرح تأثيرها على مستوى معيشة هؤلاء ، يُسهّل وصول الفكرة الى أذهانهم ...
العبقرية تتجلى في بساطة الفكرة ، سهولة وصولها ، مما يؤدي الى فهم عميق وتذويت للفكرة ، وتجلياتها في الحياة اليومية ..