القائد حسن سريع وانتفاضة معسكر الرشيد


محمد جواد فارس
2019 / 8 / 8 - 10:08     


أحدثت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 انعطاف كبير في تاريخ العراق الحديث ، غيرت النظام من ملكي ارتبط بالاستعمار البريطاني منذ عام 1917 بعد ان تخلص من الاستعمار العثماني ، والاستعمار البريطاني كان يعول على خيرات العراق بلد وادي الرافدين ، وفيه نهري دجلة والفرات وانهار صغيرة أخرى تصب في نهر دجلة وتنبع من أيران ، وهم كانوا يراهنون على الذهب الأسود النفط الذي يتواجد في العراق وبكميات كبيرة ،حتى عندما اكتشف النفط في بابا كركر في مدينة كركوك ، استغلت الشركات البريطانية هذه الثروة في مجال البحث والاستكشاف ومن ثم الاستخراج والإنتاج ، مما حدى بالمستعمر ان يهيمن على البلد والمجيئ بقادة للبلد في انتخابات رمزية تضمن لهم حصتهم بشراء النفط وبسعر يتوافق مع رغباتهم . وعندما جاءت ثورة تموز واسقطت النظام الملكي وإقامة الجمهورية ، بدئت حكومة الثورة بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ورفاقه من الضباط الاحرار واعتمد في تشكيلة الوزارة على قوى سياسية من جبهة الاتحاد الوطني وضمت الحزب الوطني الديمقراطي ،حزب الاستقلال وحزب البعث ، واستثنت الحزب الشيوعي العراقي ، أقدمت الحكومة على انجاز مكتسبات كان الشعب يناضل من أجلها ، ومنها الخروج من حلف بغداد ، وكذلك تحرير الدينار العراق بالخروج من الكتلة الإسترليني ، وعملت من اجل التسلح من الدول الاشتراكية ، وأقدمت على سن قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين ، وجاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ليقر حقوق المرأة والاسرة ، وسمحت حكومة الثورة بتأسيس النقابات والمنضمات المهنية ، ومن ثم أقدمت الحكومة على التفاوض مع شركات النفط لحماية ثروة العراق النفطية ومن ثم صيغ القانون رقم 80 لتأسيس شركة النفط الوطنية . وكل هذه المكاسب والخطوات التي اقدم عليها النظام الوطني ، اثارة حفيظة الامبريالية والرجعية وحلفائهم من البعثين والقومين وبدء التآمر على العراق منذ تآمر عبد الوهاب الشواف عام 1959 أي بعد عام من الثورة واخرها انقلاب شباط الدموي عام 1963 في الثامن من شباط ، اشترك فيه حزب البعث ومجموعة القومين بدعم من الرجعية ، وكان للولايات المتحدة الامريكية متمثل في المخابرات المركزية الامريكية ، كما قال زعيم الانقلابين امين عام حزب البعث علي صالح السعدي جئنا بقطار امريكي . هذا الانقلاب الدموي الذي اغرق العراق ببحر من الدم حيث اعدم الكثير من قادة وكوادر وأعضاء في الحزب الشيوعي العراقي ، إضافة لقوى ديمقراطية ومن انصار عبد الكريم قاسم ، ومعروف لدى من عاصر هذا اليوم ب بيان رقم 13 الذي صاغه رشيد مصلح بقتل الشيوعين معتمدا على فتوى محسن الحكيم ( الشيوعية كفر والحاد ) .

كانت الضربة للحزب الشيوعي ضربة كبيرة وقد خسر الكثير من قادته أمثال سكرتير الحزب سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعبد الجبار وهبي وحسن عوينة والقائمة تطول ، واصبح قصر النهاية عنوان الجريمة التي ارتكبها جلادي الهيئة التحقيقية ، واصبح أعضاء الحزب بدون ارتباط تنظيمي وتشتت هيئاته ومنظماته ، ولكن الشيوعيين واصدقائهم لم يستكينوا ووجدت منظمات في الفرات الأوسط كان يقودها الرفاق باقر إبراهيم وزكي خيري وعدنان عباس و محمد الخضري واخرين ، وشكلت تنظيمات ليس لديها صلات بقيادة الحزب وظهر تنظيم لمجموعة من العسكرين ضباط صف ومدنين اختمرت لديهم فكرة الانتفاضة المسلحة لتخليص البلد من العبث بمقدرات الشعب وإيقاف المجزرة .



من هو حسن سريع

حسن سريع كما يعرفه أصدقائه هو شاب نحيف اسمر السحنة متوسط القامة ، عيناه صغيرتان وسوداوان حاد النظر وله من سنوات العمر خمسة وعشرون عاما ، ولد أوائل الاربعينات بمنطقة عين التمر ، متزوج واه ابنة وحيدة كان عمرها آنذاك ستة أشهر ،عائلته تنتمي الى بني حجيم ، جاءت من اصل مدينة السماوة وهناك اراء تقول انه من ال ازيرج وأخرى تقول انه من عشيرة اليسار في كربلاء . وكان من شاركه زنزانته نعيم الزهيري يقول عنه : كان حسن ذو شخصية فذة الكل يحترمه في وحدته العسكرية ويستمع اليه بتقدير حتى المراتب الذين هم أعلى منه رتبة، وقد تميز بقدرة فائقة على الحوار والإقناع ، ربما لهجة المتدفقة الظاهرة ، وقد تمكن فيما بعد من البرهان على إنه كان مخلصا لوعوده باحتفاظه بأسرار رفاقه وبروح التحدي الهادئة التي لازمته حتى وهو يرحل نهائيا . ويذكر بعض المقربين من الحركة إن حسن سريع كان شيوعيا ومؤمنا متدينا بنفس الوقت ، إذ شاهده بعضهم يصلي مع إخوانه الجنود عندما يحين موعد الصلاة . درس الابتدائية ، تطوع بمدرسة قطع المعادن المهنية بمعسكر الرشيد في بغداد واصبح معلما في نفس المدرسة وترفع الى رتبة نائب عريف ، ومن اجل تلبية طموحه إلتحق بثانوية مسائية لإكمال دراسته وتطوير مستواه العلمي وادراكه المعرفي ، لعب الشهيد حسن سريع دورا مهما في قيادة الحركة قيادة محكمة ومتوازنة على الرغم من هناك صعوبات رافقة الحركة ومنها جبن احدهم في التنفيذ واعترافه لعبد السلام عارف انه من المشاركين ووجه دبابته لرفاقه ، وكذلك عدم تمكن المكلفين بكسر سجن رقم واحد ليتم مشاركة العسكر في الحركة كل في مجال تخصصه . وبعد فشل الحركة وقتيد حسن سريع ورفاقه الى السجن وقدموا الى محكمة رئيسها شاكر مدحت السعود وكان لحسن سريع موقف البطولة في هذه المحكمة حيث حمل نفسه كل ما يترتب على قيادة الحركة ، وعندما قامت الحركة طلب من رفاقه عدم قتل أي من البعثين والاحتفاظ بهم للمحاكمة امام القانون وكان من الذين القي القبض عليهم هم حازم جواد وطالب شبيب ونجاد الصافي ومنذر الونداوي ، وعندما سأله رئيس المحكمة انت نائب عريف ماذا تريد ان تكون تريد ان تكون رئيسا للجمهورية قال انت تعرف ان هناك تشكيلة الدولة وهي لديكم وليس لي أي منصب ، والقائمة هي كالتالي : الدولة المقترحة بعد الانتصار هي كامل الجادرجي او إسماعيل صفوت رئيسا للجمهورية ، الملا مصطفى البارزاني نائب رئيسا للجمهورية ، سليم الفخري رئيسا للوزراء ، إبراهيم كبة وزيرا للاقتصاد ، محمد حديد وزيرا للمالية ، عبد الوهاب محمود وزيرا للخارجية ، عبد الوهاب القيسي وزيرا للعدل ، جلال الطالباني وزيرا للاسكان ، مصطفى علي وزيرا للاوقاف ، عزيز شريف وزيرا للعمل ، عبد الفتاح إبراهيم وزيرا للنفط ، رافد صبحي اديب وزيرا للمعارف ، محمد مهدي الجواهري وزيرا للثقافة والإرشاد ، عباس البلداوي وزيرا للبلديات ، محمد صالح بحر العلوم وزيرا للدولة ، ووزير دولة اخر من الحزب الديمقراطي الكردستاني .

اما قادة الفرق فهم : سعيد مطر ، عبد القادر محمود ، احمد محسن محمد علي ، عبد الله سعيد ، وتعين العميد الركن عبد الرحمن الناجي حاكما عسكريا عاما . وفي تقرير المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العراقي جاء فيه انتفاضة الرشيد أعادة الثقة بالحزب وبعودة الشعب في مكافحة الإرهاب .



وعندما جاءت لحظة الموت صوبت فوهات البنادق نحو صدره ترنم بصوت مسموع ...السجن لي مرتبة والقيد لي خلخال .. والمشنقة يا شعب مرجوحة الابطال .

وبعده ردد رفيقه عبد الواحد نائب العريف وهو يتقدم الى منصة الإعدام : لنا شعب يأخذ بثأرنا ولن تضيع دمائنا . هكذا واجه حسن سريع ورفاقه رصاص القتلة في صدور عارية وقلوب مؤمنة بعدالة قضية الشيوعية .

المجد والخلود احسن سريع ورفاقه وستبقى انتفاضة معسكر الرشيد منارة تنير الطريق للثائرين من اجل الوطن الحر والشعب السعيد .



طبيب وكاتب