اتفاق الإعلان الدستورى في الخرطوم.. خطوة للأمام


رياض حسن محرم
2019 / 8 / 4 - 21:31     


أخيرا وبعد طول انتظار تصاعد الدخان الأبيض من غرفة التفاوض في إحدى فنادق السودان، ورغم أن هذا الاتفاق لا يلبى بشكل كامل تلك الأهداف الى يصل اليها توق الشعب السودانى العظيم للحرية والديموقراطية، الاّ أنه يشكل خطوة مهمة الى الأمام يمكن البناء عليها.
اعتراض الحزب الشيوعى على الاتفاق هو أمر مفهوم وضرورى، وعلى الحزب أن يواصل النضال لإستكمال ثورته الوطنية والديموقراطية والمشاركة في إجتثاث قوى الثورة المضادة المتمثلة في حزب المؤتمر الوطنى وسدنته من جماعة الإخوان المسلمين وتجار السلاح والحروب ولهذا تم تمديد الفترة الإنتقالية لأكثر من ثلاث سنوات الى أن يتم انتخاب إدارة مدنية كاملة.
وحسب ما تسرّب من بنود ذلك الاتفاق فانه خلال الأشهر الـ21 الأولى من تلك الفترة سيرأس العسكريون المجلس السيادي المكون من 11 شخصًا من بينهم 5+1 مدنيين، فيما يرأس شخصية مدنية المجلس خلال 18 شهرًا الباقية، ووفقا لما جاء في تلك الوثيقة فإن الجانبين اتفقا على تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في جميع الحوادث التي وقعت في السودان منذ إسقاط الرئيس السوداني السابق عمر البشير وحتى الآن.
وبحسب قوى "اعلان الحرية والتغيير" فان ابرز نقاط الاتفاق تتلخ في التالى:
1- الفترة الإنتقالية كاملة مدتها ثلاثة سنوات وثلاث أشهر على النحو التالى
أ‌- الستة أشهر الأولى لعملية السلام.
ب‌- الواحد والعشرين شهرا الأولى (متضمنة الست أشهر الأولى) تكون رئاستها للعسكريين.
ج- الثمانية عشر شهرا المتبقية تكون رئاستها للمدنيين.
د- مجلس وزراء يتكون من كفاءات مدنية تقوم بتشكيله قوى الثورة والتغيير.
ه- المجلس السيادى يتكون من خمسة عسكريين وخمسة مدنيين بالإضافة لعضو مدنى يتوافق عليه الطرفان، بحيث يصبح المجموع احدى عشر عضوا.
ى- تأجيل تشكيل المجلس التشريعى لما بعد تشكيل المجلس السيادى ومجلس الوزراء.
2- لجنة تحقيق وطنية مستقلة للتحقيق في الأحداث منذ 11 إبريل 2019.
من المهم جدا أن نعرف أن وثيقة الإعلان الدستورى هي بمثابة الدستور المؤقت للمرحلة الإنتقالية وهى من سيحكم العلاقة بين السلطات الثلاث في تلك المرحلة، من هنا تأتى أهميتها على ماغيرها من وثائق، ولكن هناك أخبار أخرى حول اعتماد دستور انتقالي، بعنوان "دستور جمهورية السودان الانتقالى" وهو مؤلف من أربعين مادة تبيّن صلاحيات كلّ من السلطات، وتعرّف السودان بأنه "جمهورية ديموقراطية فدرالية حديثة موحدة"، وتلغي أحكام القوانين التي تتعارض مع «أحكام هذا الدستور الانتقالي»، على أن تتم خلال هذه الفترة «تصفية نظام الحكم القائم وأجهزته، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قومية»، و"تنفيذ برنامج البديل الديموقراطي المتفق عليه بين القوى الموقعة على هذا الدستور"، وينص كذلك على أن يضطلع مجلس الوزراء بإعادة بناء الأجهزة والمؤسسات العدلية في البلاد، ويبدأ ذلك بالفصل بين منصب وزير العدل ومنصب النائب العام، وتعيين عناصر مؤهلة مهنياً ومستقلة وذات كفاءة، كما تمسكت قوى الحرية والتغيير بنسبة 67 في المئة للمجلس التشريعي على أن تكون الـ 33 في المئة من نصيب القوى غير الموقعة على وثيقة الحرية والتغيير، ولم تشترط عدم المشاركة في النظام السابق وهو ما يسمح لبعض العناصر المنشقة على حزب الأمة وغيرها من قوى المؤتمر الشعبى بالمشاركة في المجلس.
عودة الى موقف الحزب الشيوعى السودانى من هذا الاتفاق وفقا لما أعلن حتى الآن، فيما أصدره الحزب لا نرى تباينا كبيرا بين الموقفين، فقد استنكر الحزب أن يصدر الإعلان الدستورى بتوقيع وخاتم المجلس العسكرى وفى ذلك اعتراف بأن المجلس هو ﻣﺼﺪﺭ ﺷﺮﻋﻨﺔ ﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ، كما أشار الى ﻏﻴﺎﺏ ﺁﻟﻴﺔ ﻟﻠﺘﻮﺍﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻀﻮ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﻱ، ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ، كما ﻭﺃﻋﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺗﻘﺮﻳﺮﻫﺎ ﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺗﺄﺭﻳﺦ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺗﺄﺭﻳﺦ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ، وأشار الى ﺇﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻴﻦ ﻟﻮﺯﻳﺮﻱ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻭﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻴﻦ ﺗﻤﻴﻴﺰﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﻱ ﻭﻳﺴﻠﺐ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟـﻮﺯﺭﺍء ﺟـﺰءﺍً ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﺗﻪ ﺑﺴﺤﺐ ﻭﻻﻳﺔ ﻭﺯﺍﺭﺗﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻭﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺘﻪ، ﻭﺗـﺴـﺎءﻝ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﻘﺐ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻲ ﻭﺳﻠﻄﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺳﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ، ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﺗﻴﻦ، ومواضيع أخرى عديدة.
وفى رأيي أن مثل هذه النقاط الإختلافية قد تعنى الأعضاء المسيسين في الأحزاب وليس عموم الجماهير التي لا يعنيها كثيرا مثل ذلك بل أن ما يعنيها حقيقة هو تشكيل حكومة مدنية تمسك بالأوضاع المنفلتة وتسيطر على الأسواق وتسعى لتوفير الوقود والخبز وغيرها من ضروريات الحياة، ولكنى على قناعة من واقعية الرفاق في الحزب وعدم الإبحار بعيدا في مثل تلك الخلافات ليظل ارتباطهم بقوى الثورة والتغيير وثيقا وقوى "الثورة والتغيير" يعتبرون بشكل اساسى رافعتهم الجماهيرية.
يقارن البعض بين تفوق الثوّار السودانيين وثورة 25 يناير، وخصوصا فيما يعود الى مغادرة ميدان التحرير بمجرد تنحى مبارك وبين ماحدث في الخرطوم من البقاء في المياديين والشوارع لأكثر من 6 شهور حتى تحققت مطالب الجماهيير، ولكن الحقيقة أن الوضعين مختلفين فجزء كبير ممن كانوا بميدان التحرير في ذلك الوقت كانوا من تيار الإسلام السياسى بقيادة الإخوان المسلمين، بينما قامت ثورة السودان أساسا ضد هذا الفصيل، في 11 فبراير صدرت الأوامر للإخوان بالإنسحاب من الميدان فانكشف ظهر بقية القوى الوطنية، ولم يمنع ذلك تلك القوى من رفع شعار "مجلس حكم وطنى"، وتمكنوا في ظل سيطرة المجلس العسكرى وتحالفه مع الإخوان من إيصال الدكتور " عصام شرف" القادم من الميدان، والدكتور "حازم الببلاوى" عضو حزب مصر الديموقراطى الى مقعد رئيس الوزراء مع عدد لا بأس به من النواب والوزراء المحسوبين على اليسار والقوميين والليبراليين الى مقاعد الوزراء، وصولا الى جبهة الإنقاذ التي لعبت الدور الأول في اسقاط الإخوان، ولكن لذلك قصة أخرى.. السلام عليكم.