نقد الدين و ترهل الأحزاب الشيوعية


عمر الماوي
2019 / 8 / 4 - 21:05     

مسألة الدين في الوقع الاجتماعي مسألة معقدة و لا شك ان نقد الدين مهم فنقد الدين هو نقد للوعي المزيف و السعادة الوهمية كما سماها ماركس، لان النضال ضد الدين يأخذ شكل من اشكال النضال ضد الواقع الاجتماعي و تأثيرات الدين فيه، فلا يمكن بث الوعي الطبقي بدون النضال ضد الدين و انتزاعه من حيث هو سعادة وهمية من وعي و وجدان جماهير الكادحين و المسحوقيتن لان الاستلاب الديني يشكل عائق كبير امام حركة التطور التاريخي فالطبقات المهيمنة و المسيطرة تستخدم الدين لتأبيد هيمنتها وسيطرتها ويدل على ذلك تحول الكنيسة و رجال الدين في اوروبا من عدو للثورة البرجوازية الى حليف للطبقة البرجوازية بعد الثورة حيث كانت البرجوازية تخوض حرب شعواء ضد رجال الدين حلفاء الطبقة الارستقراطية في مرحلة الاقطاع الا ان البرجوازية ادركت سريعا بعد انتصار ثورتها انها بحاجة الى الدين لتغييب وعي البروليتاريا فعمدت الى التقرب من رجال الدين و الكنيسة التي تحولت و تحالفت مع الطبقة البرجوازية المهيمنة في مسعاها لتأبيد سيطرتها و من هنا نكتشف ان الدين بكل تجلياته التاريخية ليس اكثر من مطية تمتطيها الطبقة المهيمنة اجتماعيا لتأبيد هيمنتها على الطبقات الاخرى و رجال الدين الذين استفادوا نظير تلك الخدمات من الامتيازات الاجتماعية و الاقتصادية فهم يحصلون على حصصهم من الناتج الاجتماعي كما ان الكنيسة في اوروبا امتلكت مساحات شاسعة جدا من الاراضي في المرحلة الاقطاعية. لذا فالدين و ممثلوه يستحيل ان يكونوا في الموقع التقدمي اجتماعيا الدين و من يمثلوه تاريخيا لم يكونوا الا في الموقع الرجعي و المحافظ فهل حدث وان تبنى رجال الدين يوما فكرة العدالة الاجتماعية عبر اذابة الفوارق الطبقية بتأميم وسائل الانتاج و انهاء استغلال الانسان للانسان ؟ على العكس كان رجال الدين دوما في صف الطبقات المهيمنة و المستغلة و المستبدة
فمهمة رجل الدين مسخ وتغييب وعي الفقير المستلب و المغترب و ابقاء وعيه الطبقي محصور في طور المثاليات الدينية التي تحثه على الصبر و طاعة الله الذي فضل الناس بعضهم على بعض درجات بالرزق و ان هذه الارزاق المقدرة لا يجوز بأي حال من الاحوال الاعتراض عليها لان هذا يضعه امام اثم و بهتان التعدي على حدود الله الذي قسم الارزاق و اباح للبرجوازي ان ينهب و يسرق جهد العامل المستغل من خلال شفط فائض القيمة الذي ينتجه فهذه السرقة مباحة في عرف الله رب البرجوازي الذي يعمل على استغلال عامل مسحوق لا يملك الا قوة عمله ليبيعها بثمن بخس لا يعادل ما انتجه وبذله في الانتاج ليجدد قوة عمله و يعود للكدح في اليوم التالي
ان هذا الرب الذي يفصله رجال الدين وفق ما تقتضيه اهواء و مصالح الطبقة البرجوازية لتأبيد بقاءها وهيمنتها كطبقة رجعية محافظة تسعى بكل قواها الى ان تكون هي نهاية التاريخ بإعتبارها تقدم نظامها الرأسمالي كنظام طبيعي عادل اتت به الطبيعة كتطور تاريخي اخير للمجتمعات البشرية عبر دعايات و اباطيل تروجها الطبقات عبر اذرعها المختلفة تقول بأن الطمع الرأسمالي يدخل بطبيعة الانسان فهذا النظام الرأسمالي يبيح للانسان ان يعبر عن ذاتيته من خلال حافز الربح و ان ما دون ذلك هو قتل للروح و الحوافز التنافسية عند البشر و طبعا يسوغون هذه الاباطيل الرجعية بنصوص دينية تقول بأن البشر خلقهم االه وفضلهم على بعضهم بالارزاق، ذات الانسان لن تتحقق و لن يعبر الانسان عنها الا من خلال التخلص من النظام الرأسمالي فبتجاوز النظام الرأسمالي الذي شييء البشر يعود الانسان الى ذاته الانسانية و يتحول العمل من شر لا بد منه يضطر له الانسان حتى يعيش و يوفر متطلبات بقاءه الى حاجة انسانية لتحقيق ذات الانسان.. فالانسان الذي تطور من قرد في صيرورته التاريخية تطور بفضل العمل و التفاعل مع الطبيعة و صناعة و تطوير ادواته. اي ان العمل هو اساس و جوهر كينونة هذا الانسان و تحقيق ذاته كأرقى الكائنات و اكثرها تطورا.
فالدين اذا هو زفرة الانسان المسحوق الذي يبحث عن واقع خيالي يهرب فيه من واقعه الذي يعيش فيه فهذا الدين وفق هذا الواقع الاجتماعي المعقد الذي يوجد فيه يعتبر وجوده عائق كبير امام اي نضال اجتماعي يرمي الى اسقاط الطبقة البرجوازية و اذرعها الرجعية المحافظة و هنا يحضرني ما قاله ماركس في نقد فلسفة الحق عند هيغل بأن القضاء على الوهم (اي الدين) لا يتم الا بالقضاء على الحاجة اليه
و من هنا تبدأ اهمية نقد الدين.. فنقد الدين لا يجب ان يبقى في شكله الاجوف الذي لا طائل منه ولا يحقق اي فائدة سوى زيادة تأليب. الناس المغيبين عقليا و ثقافيا ضد الافكار الشيوعية و الماركسية التي تنطلق من هموم هؤولاء الناس البسطاء ذات القدر المحدود من الوعي و الثقافة فهؤولاء البسطاء المتدينين حتى و ان كانت لهم اراء و توجهات معادية للفكر الماركسي الشيوعي فهم ضحايا في نهاية المطاف ليسوا الا متلقين للدعايات الامبريالية و الرجعية ضد الحركة الشيوعية.. و لا غنى امام اي حركة شيوعية ثورية عن ممارسة دورها الطليعي في تثقيف هؤولاء الضحايا و بث الوعي الطبقي لديهم فبطبيعة الحال ان الذين ينتمون الى الطبقات الدنيا في المجتمعات البرجوازية هم افراد مغيبين محدودي الثقافة غير واعيين لذاتهم طبقيا و ان كانوا واعيين بذاتهم و من موقعهم في الواقع الاجتماعي بالمجتمع البرجوازي فحين تسأل اي انسان بسيط تصادفه عن موقعه في الطبقات الاجتماعية فهو يعرف اين موقعه و الى اي طبقة ينتمي لكنه لا يملك اي دراية عن الدور الذي يجب عليه ان يقوم فيه بالنضال لتغيير الواقع الاجتماعي.
لذا فإن نقد الدين يجب ان يكون بشكل بناء و في اتجاه يخدم النضال لتغيير الواقع الاجتماعي و نقد الدين من منطلق دور الدين في تكريس البؤس الطبقي عند الطبقات المسحوقة ليس نقد الدين بشكله الاجوف المنفر الذي كل ما يقوم عليه هو نقد النص الديني بذاته بعيدا عن دور هذا النص بالواقع الاجتماعي.. ان نقد الدين هو نقد للسماء و نقد للارض كما ذكر ماركس. فنقد الدين بدون الاخذ بدور هذا الدين في تكريس البؤس هو نقد اجوف لا فائدة منه بل هو انزلاق نحو ما يراد لهذه المجتمعات ان تنزلق اليهفنقد الدين يجب ان يبنى على قاعدة نضالية لتغيير الواقع وليس نقد لمحاربة الدين باعتباره يمثل منظومة اخلاقية وقيمية في هذه المجتمعات المحافظة فالكثير من السذج البلهاء و السطحيين ينقدون الدين لانه يقيد حياتهم و رغباتهم التي تتنافى مع القيم الاجتماعية و هؤولاء ضيقي الافق ليسوا سوى تعبير فظ وتافه عن النزعة البرجوازية الصغيرة.
لذا فدور الاحزاب الشيوعية يجب ان يكون دور تثقيفي و توعوي و تنويري لخدمة الهدف النهائي لوجود هذه الاحزاب الا وهو اقامة المجتمعات العادلة و انهاء استغلال و استثمار الانسان لاخيه الانسان و اعادة الانسان لانسانيته الا انه و للاسف الشديد غياب دور هذه الاحزاب الشيوعية في بلادنا عن الواقع الاجتماعي هو ما يفسر وصول الحالة الثقافية و الوعي الجمعي لهذا المستوى الرديء وعدم الادراك لحقيقة الصراع ضد الامبريالية وخدامها الرجعيين و بل ان الاحزاب الشيوعية في هذه البلاد ليست اكثر من ديكور في دول الاستعمار الجديد ولمنع قيام اي احزاب شيوعية حقيقية فليست الاحزاب الشيوعية من تهادن الرجعية و الاستعمار على غرار الحزب الشيوعي العراقي الذي خان كل المرة ئ الشيوعية عبر مهادنة الاحتلال الاميركي فهؤولاؤء اليمينيين الرجعيين هادنوا الصهيوني بول بريمر و وافقوا على دستوره بالعراق لا وبل عبروا عن رغبتهم بدخول حكومة محاصصة طائفية!
الشيء ذاته بالنسبة للحزب الشيوعي اللبناني الذي هادن الرجعية و اصطف معها.. فقد تحالف هذا الحزب مع الطغمة الرجعية في اليمين الانعزالي الصهيوني المدعوم من ال سعود.
هذا هو واقع الاحزاب الشيوعية في دول الاستعمار الجديد مجرد ديكور وتعبير زائف عن حياة سياسية فيها كل الاحزاب من كافة المشارب و الاتجاهات.. ان الحزب الشيوعي الحقيقي لا يهادن ولا يقبل بالواقع بقدر ما يسعى للتغيير بالقوة.. فالحزب الشيوعي الصيني مع قائده العظيم ماوتسي تونغ لم يهادن رجعية الكومينتانغ (القوميين الصينيين) وان هادنها مؤقتا بسبب الهجوم الياباني لكنه سرعان ما حاربها وقضى عليها و اجتثها من الوجود.
ما احوجنا لماوتسي تونغ عربي.. فهذه الاحزاب الشيوعية في دول الاستعمار الجديد لا تملك اي رؤية لتغيير الواقع الاجتماعي ولذلك تجد الاحزاب و الجماعات الرجعية كالاخوان المسلمين اكثر قبولا عند جموع الجماهير المغيبة.. فهؤولاء الرجعيين اصحاب الخطابات الديماغوجية المحافظة التي قتلت كل ما هو ايجابي عند الشعوب ما كان ليكون لهم وجود لو وجدت احزاب شيوعية حقيقية امتلكت رؤية اجتماعية لتغيير الواقع الاجتماعي بعيدا عن المهادنة و الانبطاح بتوعية الجماهير لحقيقة لدور الخطير الذي يلعبه الافيون وتجاره الاسلامويون.