و يحدثونك عن الإصلاح ! نهاية التضليل ؟

إبراهيم إستنبولي
2006 / 5 / 12 - 10:16     

يومياً تمرّ بنا أحداث و أخبار مثيرة ، تجعل الإنسان العاقل ( من فصيلة و ذو العقل يشقى ) يتعرض للتوتر و إلى طرح كميات كبيرة من الأدرينالين في الدم ! و ذلك دون أن نستطيع من التعبير عن همومنا أو عن رأينا و عن حقنا في يكون لنا رأي في كل ما يتعلق بمستقبلنا و بمستقبل أوطاننا . و لا تبقى أمامنا من طريقة لتفريغ شحنة التوتر سوى الكتابة ... و الكآبة . و لكني غالباً ما أفشل و أنا أحاول الكتابة في الآونة الأخيرة . على الأرجح ، لقد بلغ الإحباط و اليأس مرحلة متقدمة .. آمل أن لا يكون الآخرون مصابين بها ! يا لـه من تشتت و قرف مريع . القرف سيد الموقف . القرف من الكتابة و من السياسة ، من التفاؤل من لعبة السلطة و هي تتحدث عن الإصلاح و من الانخراط في لعبة المعارضة و هي تعبر عن تشتتها و عجزها كل يوم عن طرح مشروع سياسي متكامل للخروج من مأزق وطن في ظلّ سلطة تثبت كل يوم أنها عاجزة عن إدارة سليمة لمستقبل وطن و تجعلنا نخشى أن تغرقنا و تذهب بالوطن إلى مآزق خطيرة لا يحمد عقباها . فلا السلطة تريد أن تبني وطناً و دولة عزيزة لمواطنيها ، و لا المعارضة تعرف كيف تكسب شارعاً و كيف تمارس السياسة فراحت تنتظر سقوط نظام و وطن لتعلن انتصارها .. و لذلك اكتفت بأن راحت تدبج البيانات المنددة بالسلطة ، التي صارت بدورها تمارس لعبة التنديد و التهديد .. فتدك مَن تدك من المعارضة اليسارية ! في السجن ( و هم لم يخرجوا منه بعد ) و تشيد بـ " المتهافتين لخدمتها " من أتباعها في ما يسمى أحزاب الجبهة ( أحزاب تفطر و تتعشى على فتات مائدة السلطة و أجهزتها فتسمح لها الأخيرة بعقد مؤتمرات تجمع الثمار الساقطة أو مَن في حكمها حصراً ) ، تلك الجبهة التي لم تعد منذ زمن طويل أكثر من قفا يستر مؤخرة السلطة .. و أفضل مَن يساعدها في لعبة التخفي تلك بعض الوافدين الجدد إلى كعكة البعث المتيبسة تحت مسميات مضللة ليس أقلها " شركاء في الوطن " !!
و بالفعل ، قولوا لي بربكم كيف يمكن للمعارضة أن تكسب الشارع ( أقصد المعارضة الديموقراطية العلمانية و ليس المعارضة الدينية ، التي تتخذ طابعاً مختلفاً قد تشكل ( أقول قد ) خطراً على مستقبل البلد في ظلّ استفحال الخطاب الطائفي في بلدان المنطقة و هيمنة أجندة ذات خلفية طائفية و لا يكفي هنا التفاؤل بتحول إيجابي في برامج المعارضة الدينية .. إذ أن الواقع غالباً ما يفرز معطيات مختلفة تماماً .. و لنا في تجربة العراق عبرة ) إذا كانت رموزها و قياديوها اكتفت بأن أعلنت معارضتها للنظام و حصرت نشاطها في دائرة مغلقة ضيقة من محازبيها و نشطائها .. علماً أن الواقع و الحياة و غباء السلطة و كل شيء يقدم يومياً كماً هائلاً من المواد الدسمة ، التي يمكن للمعارضة أن تشتغل عليها .. و بدلاً من أن ينأى ساسة المعارضة بأنفسهم عن أنشطة السلطة فيبينون للناس مفاسدها و إفلاسها ، أرى أنه يجب عليهم الحضور و بكثافة في صالات المراكز الثقافية ( و هذه للشعب و ليست ملكاً للسلطة ) و في الندوات و المهرجانات ، حيث يمكنهم الإدلاء توجيه النقد الشديد و السديد لأداء مختلف مستويات السلطة .. و المهم أن يتم ذلك بلغة ذكية و بأسلوب معبّر .. لا أن يكتفي المعارض بشتيمة هذا أو ذاك من المسؤولين أو أن يكرر عبارات و أفكاراً قد لا تهم المواطن و الحضور كثيراً أو قد لا تجد لديه أذناً صاغية ؟!
و من هذا المنطلق أدعو جميع كوادر المعارضة لتكثيف حضورهم في جميع المناسبات السياسية و الفكرية و الاجتماعية ، و أدعوهم للمشاركة بهدوء و بذكاء في إعادة تشكيل وعي اجتماعي معارض وديموقراطي و بناء الثقة بقوى المعارضة الوطنية على طرح القضايا الوطنية و المعيشية بروح علمية و بناءة . فأجهزة السلطة تمارس التضليل على المواطن بشكل يومي . و هنا تكمن مهمة المعارضة- فضح التضليل ، الذي تمارسه هذه الأجهزة الفاسدة و كشف زيف ادعاءاتها بخصوص حرصها على مصلحة الوطن و المواطن . و أفضل طريقة لكشف الخداع و التضليل ، اللذين تمارسهما السلطة هو التوجه بالنقد إلى المواطنين المحتشدين مباشرة في باحات الدعاية الرسمية .. طالما أن الصحف الرسمية موصدة أبوابها أما أقلام المعارضة الوطنية و بما أن غالبية الناس غير قادرين على التواصل مع شبكة الأنترنيت .
و للعلم إن السلطة ما زالت تمارس نفس الأساليب التي كانت تعتمدها منذ عقود .. و كأن النظام في سوريا غائب تماماً عن مقتضيات التطور و العولمة ، كما لو أنهم قي القيادة يعيشون على كوكب آخر غير أرضي !
و المثير للدهشة هو ذلك الغياب التام لرموز السلطة و للمسؤولين عن هموم و مشاكل الناس و الوطن ، و عن الحوار الصامت الدائر بين مختلف قطاعات الشعب .. كما في مسرحية لكاتب أسوجي عكس فيها ما كان يدور من حوارات في الاتحاد السوفييتي السابق . و كلنا يعرف ماذا كانت النتيجة . فلا يكترثون إلا بما يزيد من بلبلة المواطن . و كأن الناس في واد و القيّمين على الوطن في واد آخر .
و آخر محطات التضليل كان ما يسمى بمهرجان الطلائع – طلائع البعث و أقسم أنني لم أعد أعرف عن أي بعث يتحدثون إذا كانت فرقة الدراويش في مقدمة المشاركين في المهرجان و قدمت رقصات محض دينية معروفة ! و إذا كانت السادة المشايخ يطلعون علينا صباح مساء من شاشات التلفزيون السوري و إذا كان يوجد في سوريا لأكثر من 15.000 جامع أو كما عبر كاتبنا الكبير ذكريا تامر : هناك بين الجامع و الجامع يوجد جامع !! فعن أي بعث يكون الكلام ؟ – الذي أقيمت فعالياته في مدينة طرطوس .. فالواقع يبرهن أن الأوطان لا تبنى بالكلام وحده .. و أن الواقع أقسى من أن يتم تزيين شوارع المدينة بأعلام زاهية تستخدم وسيلة لسرقة أموال الشعب .. أو أن يستغل المهرجان لتعبيد بعض الطرقات بشكل سيئ .. مما يكشف عن حجم النفاق في مؤسسة تربوية .. و قد انتشرت بين المواطنين إشاعة تقول أن كلفة المهرجان تجاوزت 140 مليون ليرة !! علماً أنهم قاموا بتوزيع الأطفال ليبيتوا لياليهم عند عائلات المحافظة و قاموا بنقلهم في سرافيس قديمة .. و ربما لو بحثت لوجدتم أن مالكيها إما مسؤولون أو مقربون من مسؤولين . و الأكثر مرارة هو أن تستمر الجهات الحزبية بتنظيم مثل هذه المهرجانات على مدى عقود .. في حين كان الأجدى و الأفضل لتربية الجيل الناشئ هو خلق شعور بالطمأنينة لديهم من خلال خلق فرص عمل لهم و لأخواتهم و إخوانهم .. و المشكلة أن هؤلاء الأولاد يتابعون يومياً مسلسل الكبت و التناقض في بيوتهم ، حيث : الأب عاجز عن تلبية متطلبات العائلة ، و الأخ يعاني من الكآبة لعدم تمكنه من العمل بالرغم من مرور سنتين على تخرجه من الجامعة ، و الأخت تكاد تصاب بالجلطة لأنها حبيسة المنزل و ليس من يطلب يدها ، و الأم مريضة و ليس في متناول اليد ثمن الدواء ...
و المشكلة هي أكثر دهاء و أعمق ، و هي تكمن في أنه بدلاً من تنظيم مهرجانات لعدة أيام في السنة ، من المفترض أن يفكر المسؤولون عليها بضرورة تهيئة الظروف المناسبة لأن يمارس الأطفال هوايتهم المختلفة في مجال الرياضة و السباحة و غير ذلك من هوايات نعرف جميعاً مدى أهميتها بالنسبة للفتى الناشئ ، خصوصاً في ظروف الضغوط النفسية و الفيزيولوجية و الاجتماعية ، التي يتعرض لها الأطفال .. و كيف السبيل لأن يمارس الأطفال الرياضة بعد أن سحبت المدرسة يدها من مادة الرياضة و حولت الإدارة درس الرياضة إلى ساعة من الضجر و الملل .. و كيف للطفل أن ينمو نمواً متوازناً بعد أن قضى الزحف العمراني و سوء التخطيط و سوء التنظيم في المدن على جميع المساحات .. فأصبحت المدرسة أشبه بسجن يكاد التلميذ يضيع بين دهاليزه .. و بعد أن غابت عن أذهان المسؤولين و اهتماماتهم أية خطط لبناء ملاعب و أماكن التسلية و بعد أن سُدّ شاطئ البحر أمام الناس العاديين فتحول إلى محميات خاصة و إلى جمعيات سياحية تشوه جمال الشاطئ الطبيعي !!؟؟؟
و ما يزيد الدهشة هو أن السلطات الرسمية في محافظة طرطوس قامت بتنظيم ذلك المهرجان في الوقت الذي انتشرت فيه إشاعات عدة تتعلق بمدى احترام المحافظ لواجباته و لوظيفته و لمصالح الناس .. فتم نشر عدة مقالات و تعليقات كثيرة بهذا الخصوص دون أن يسمع المواطن أي تعليق من قبل جهة رسمية في المحافظة أو غيرها .. و كأن السلطة تريد أنة تقول للمواطن : طق .. طق و اضرب رأسك بالحيط كمان . و ما يؤكد هذا الاستنتاج هو ذلك الإهمال المتعمد لحياة الناس في محافظة طرطوس إذ يمكنك أن تسمع الناس يشكون و يصرخون من كثرة الحفريات و المطبات و المخالفات و الروائح التي ينشرها مكب النفايات على مقربة من المدينة .. هذه المدينة البحرية الرائعة بطبيعتها و الغنية بآثارها ..فإذ بهم يحولونها إلى أسوأ و أقذر مدينة في سوريا: و لا حياة لمن تنادي .
و ليس أقل فظاعة تلك الشائعات المتعلقة بأسعار العقارات و ما يدور حولها من قصص و لا في الخيال : مثلاً ، يروى أن هذا اشترى عقاراً في طرطوس بمبلغ مليار و سبعمائة مليون ليرة سورية ؟؟!! و ذاك ( المدير الذي كان يمكن أن يُشحذ عليه كما عبّر لي مسؤول سابق ) اشترى عقارات بمئات ملايين الليرات السورية .. بل بالدولارات و أصبح سعر المتر المربع الواحد للمحلات التجارية في شارع الثورة بأكثر من 500.000 ليرة سورية !!!! و أصبح سعر الشقة السكنية العادية من حيث المساحة و في حي شعبي يزيد عن مليونين ليرة سورية !!؟؟ فكيف سيعيش الشاب الطليعي في المستقبل القريب ، و كيف ستمكن الشباب و الصبايا من تامين منزل و من ثم الزواج و .. بناء وطن لمقارعة الإمبريالية و الاستعمار على طريقة بيانات اللجنة من أجل وحدة الشيوعيين السوريين و جماعة آل بكداش و الفيصل !؟؟
و هذه الإشاعات ، للعلم ، تذكي القلق و الخوف لدى المواطنين و كأن البلد على كف عفريت ، بل إن بعض الفتيان أعربوا عن قلقهم بشأن إمكانية نشوب حرب في سوريا على غرار ما جرى في العراق ! كل هذا و المسؤولون في خبر كان .. في غيبوبة اللهم أعلم .
بل الأنكى أننا كثيراً ما نشاهد صور وزير الإعلام السوري على شاشة التلفزيون و هو مع زواره يقوم بحركات بهلوانية كثيرة بيديه دون أن نسمع و لو مرة واحدة تصريحاً حياً لسعادة الوزير ؟! لدرجة أن البعض يتمنى لو يعرف طبقة صوته قبل أن يهتم بعمق إطلاعه على دور الإعلام و مشاكله . و بهذه الخصوص ، كان قد لفت نظري اللقاء الذي أجراه وزير الإعلام مع الصحفيين العاملين في جريدة الثورة .. فجاءت نتيجته في اليوم التالي و لا أغرب و لا أفقر : كان المشرفون على جريدة الثورة كرماء فقدموا للمشاركين في اللقاء صفحتين كاملتين لتغطيته .. و لكن القارئ تفاجأ بأن مساحة الصور – صور الوزير و هو يدخل ، و هو ينهض .. الخ – أكبر بكثير من مساحة هيفاء و هبي أو عمرو دياب في مجلة فنية ؟؟!!! و كأنه لم يتوفر للصحفيين الموقرين ما يكفي من الكلام لملأ أكثر من 50 % من مساحة الصفحتين ؟ و كأنه لا توجد مشاكل في الإعلام تستحق من الوزير و من المشاركين حواراً أعمق فكيف و مشاكل وطن و شعب لا قاع لها .
و الكلام لا ينتهي ... لكن المشكلة أن الجميع يمنينا بالإصلاح !
لذلك و باختصار :
مُــلَّ المقــامُ فكـــم أعاشــرُ أمـــة أَمَرَتْ بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعيّة و استجازوا كيدها فَعَدوا مصالحَها وهم أجراؤها