دروس أساسية في الماركسية اللينينية الماوية . ترجمة : ابراهيم شيبة . الحلقة الرابعة


حزب الكادحين
2019 / 7 / 29 - 15:46     

الفصل 3

الحياة المبكرة لماركس وإنجلز حتى أصبحا ماركسيين.
من الواضح أنه لا يمكن لأحد أن يولد ماركسيًا - حتى ماركس نفسه. بل يجب أن تكون هناك عملية يتم من خلالها تطوير الأفكار والآراء وصياغتها حتى تتبلور في شكل معين والذي يمكن أن يسمى إيديولوجيا. بطبيعة الحال ، كان على ماركس وإنجلز أن يمرا بمثل هذه العملية قبل أن يكتشفا و يفهما المبادئ الأساسية لما نعرفه اليوم بالماركسية. لقد تم تحديد هذه العملية بشكل طبيعي من خلال التجارب الملموسة التي مر بها كلاهما. من أجل فهم هذا بعمق، علينا النظر بإيجاز إلى تجارب حياتهما المبكرة.
ولد كارل ماركس في 5 ماي 1818 ، في مدينة ترير في ما كان يسمى آنذاك (راينلاند البروسية)والتي هي اليوم جزء من ألمانيا. كان والده ، هاينريش ماركس ، أحد كبار المحامين في المدينة. كان للأسرة مستوى ثقافي جيد ولكنها لم تكن ثورية. وقد انحدر والدا ماركس من سلالة طويلة من الكهنة اليهود وبالتالي ، على الرغم من أنهم كانوا ميسورين اقتصاديًا ،كان عليهم مواجهة التمييز الاجتماعي في الجو المعادي لليهود في بروسيا.
في عام 1816 ، أُجبر والد ماركس على اعتناق المسيحية ، لأن الحكومة البروسية قامت بإصدار حكم يمنع اليهود من ممارسة القانون. و في عام 1824 ، تم تمرير قانون بروسي آخر لمنع غير المسيحيين من الدخول إلى المدارس العامة. للتغلب على هذا ، اضطر هاينريش ماركس مرة أخرى إلى تعميد ابنه كارل ، مع جميع إخوانه وأخواته. وهكذا ، على الرغم من أنه لم يكن مؤمنا بالدين الرسمي .اضطر والد ماركس إلى تبني إيمان جديد لمجرد مواصلة مهنته وإعطاء أبنائه تعليمًا جيدًا.
تعد مدينة ترير ، مسقط رأس ماركس ، أقدم مدينة في ألمانيا ، و كانت ، منذ قرون عديدة ، مقرًا لأباطرة الرومان ومن ثم مقرا لأساقفة الكاثوليك ، مع إدارة دينية للمدينة والمنطقة المحيطة بها. في أوت 1794 استولت الجيوش الفرنسية على المدينة ، وأقامت إدارة مدنية ، وجلبت أفكار ومؤسسات الثورة الفرنسية. ولم تعد المدينة إلى أيدي الملك البروسي إلا بعد هزيمة نابليون في عام 1815. وهكذا أثناء ولادة ماركس وشبابه ، كانت لا تزال تحمل أثر واحد وعشرين عامًا من الأفكار الثورية الفرنسية.
كانت ترير بلدة صغيرة ، مماثلة في حجمها لبلدات التالوكا الصغيرة ، ويبلغ عدد سكانها حوالي 12000 نسمة. كان في الأساس سوقا للمنطقة المحيطة بها ، وقد كانت منذ قرون منطقة مشهورة بزراعة العنب. وكان سكانها يتألفون من مهن نموذجية لمدينة "خدمية" - موظفو الخدمة المدنية ، والكهنة ، والتجار الصغار ، والحرفيون ، وما إلى ذلك. وقد ظلت هذه البلدة بمنأى عن الثورة الصناعية لذلك كانت متخلفة اقتصاديا نسبيا.
خلال شباب ماركس كانت فيها درجة عالية من الفقر. وقد أعطت الإحصاءات الرسمية في عام 1830 رقم بطالة واحد من كل أربعة ، على الرغم من أن الرقم الفعلي يجب أن يكون أعلى من ذلك بكثير. كان التسول والبغاء شائعين وكانت أرقام الجريمة البسيطة مثل السرقة عالية للغاية. وهكذا شهد ماركس منذ سن مبكرة جدا بؤس الطبقات العمالية و فقرها.
بعد التحاقه بالمدرسة الاعدادية ، دخل ماركس إلى مدرسة فريدريش فيلهيلم الثانوية في عام 1831 ، وتخرج منها في عام 1835.وفي غضون ثلاثة أسابيع ، تم إرساله لاكمال دراسته في كلية الحقوق في الجامعة على بعد أربعين ميلاً من ترير ، في مدينة بون (ألمانيا).
مع الرغبة في التعلم قدر الإمكان ،سجل ماركس على الفور في تسع دورات تكوينية إلى جانب القانون ، وقد شملت الشعر والأدب والفن ، وما إلى ذلك..... كان له اهتمام عميق بكتابة الشعر و كان في البداية يحظر المحاضرات بانتظام ولكنه فقد الاهتمام بها تدريجيا ، لا سيما المحاضرات القانونية ، التي وجدها جافة وغير مرضية. فقام بتخفيض دوراته إلى ستّة ثم إلى أربعة ثم قرر الدراسة بنفسه. انضم أيضا إلى دائرة من الكتاب الشباب أسسها طلاب ثوريون ليشارك في الحياة العاصفة للطلاب و في الصراع المستمر بين أبناء النبلاء الإقطاعيين وابناء البورجوازيين و سرعان ما أصبح قائداً للجماعة البرجوازية.وغالبًا ما كان يدخل في مشاجرات وأحيانًا في مبارزات بالسيف. كان يحمل سكينًا / خنجرًا (يشبه إلى حدٍ ما سكاكين جوبتي) ، وقد قبضت عليه الشرطة في إحدى المرات . كما حُكم عليه بالسجن لمدة يوم واحد في سجن الطلاب بالجامعة بتهمة "الصخب الليلي و السكر". وقد أصيب ماركس في إحدى المبارزات بالسيف ، على حاجبه الأيمن.أدى ذلك إلى قيام والده بسحبه من جامعة بون وإعادته إلى ترير في أوت 1836.
عند عودته ل(ترير) ، ارتبط ب(جيني فون فيستفالن) ، ابنة البارون فون فيستفالن ، وهو أحد النبلاء ومسؤول حكومي بروسي كبير.كانت جيني أكبر منه بأربع سنوات ،وقد كانت تعرفه منذ ايام المدرسة. وقد ارتبطا اولا بموافقة والدي ماركس ، لكن دون موافقة والدي جيني ، التي لم يتم الحصول عليها إلا في عام 1837.
في أكتوبر 1836 انتقل ماركس إلى جامعة برلين ، التي كانت عاصمة بروسيا. كانت الجامعة أكبر بكثير من بون وتشتهر كمركز رئيسي للتعليم. بعد التسجيل في دورات الجامعة ، قفز ماركس على الفور إلى عاصفة من العمل تشمل البقاء يقظا ليلة بعد ليلة ، وتناول الطعام بشكل غير منتظم ، والتدخين بكثافة ، وقراءة الكتب الثقيلة ، وملء دفاتر الملاحظات.و بدلا من الدراسة الرسمية تابع ماركس دراسته بنفسه.وانتقل بسرعة هائلة اثناء ذلك من القانون إلى الفلسفة إلى الشعر إلى الفن ثم كتابة المسرحيات والقصص ثم العودة إلى الفلسفة والشعر.كان إرهاقا له تأثير سيء على صحته ، المتأثرة بمرض السل الرئوي ،و قد أُجبر أحيانًا على أخذ استراحة.لكنه كان يعود دائما إلى عاداته في العمل المفرط و قراءة كل شيء من أقدم إلى أحدث أعمال العلماء والفلاسفة.، كان منكبا على الفلسفة ، يحاول دائما إيجاد معنى عالمي و يبحث دائما عن المطلق في المبادئ والتعاريف والمفاهيم.
خلال سنته الثانية في الجامعة انضم إلى مجموعة من طلاب ومعلمي الفلسفة يدعون الهيغليين الشباب. والذين كانوا من أتباع الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك هيغل ، الذي كان يدرس في جامعة برلين وتوفي في عام 1830.وقد حاولوا تقديم تفسير راديكالي لفلسفته ، وكان يطلق عليهم أحيانًا "الهيغليون اليساريون".
قائد المجموعة الفكري و أحد أصدقاء ماركس ، كان أستاذاً اسمه برونو باور.و قد كان أحد اشد الملحدين الذين يهاجمون تعاليم الكنيسة باستمرار . مثل هذه الهجمات إلى جانب الآراء السياسية الراديكالية للهيغليين الشباب ، جعلهم هدفا للسلطات البروسية. لذلك بعد الانتهاء من أطروحته في الفلسفة لم يتمكن ماركس من الحصول على شهادته من جامعة برلين ، التي كان يسيطر عليها الرجعيون المعينون من قبل الحكومة البروسية. فقدمها وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة يينا الليبرالية التي كانت خارج السيطرة البروسية. في أبريل 1841.
بعد الحصول على شهادته كان يأمل في أن يصبح محاضرا في جامعة بون التي انتقل اليها برونو باور في عام 1839. لكن باور نفسه كان في ورطة بسبب الاضطرابات الطلابية التي سببتها محاضراته المناهضة للدين.وأخيراً أمر الملك بنفسه بإزالة باور من جامعة بون.
هذا كان يعني نهاية مهنة التدريس لباور وكذلك قطع أي أمل في وظيفة التدريس لماركس.الذي بدأ في التركيز على الصحافة ، والتي كان قد بدأها على الفور بعد ترك الجامعة.وقد ساعده ذلك أيضًا على المشاركة بشكل أكبر في المعارضة الديمقراطية الراديكالية المتنامية بسرعة انذاك التي توسعت لتشمل مقاطعة راينلاند ثم مقاطعة ويستفاليا المجاورة.
مثلت هذه المقاطعات التي سبق ان شهدت التأثير التحرري للإصلاحات الفرنسية المناهضة للإقطاع مراكز معارضة رئيسية للملك البروسي. كما أدى التصنيع إلى نمو البرجوازية ، لا سيما في كولونيا ، أغنى مدينة في ولاية راينلاند.مما وفر دعمًا قويًا لحركة المعارضة الراديكالية هذه من قبل الصناعيين ، الذين سئموا تحكم الاقطاعين فيهم .
بدأ ماركس الكتابة الصحفية ،وأصبح في أكتوبر 1842 ، رئيس تحرير صحيفة Die Rheinische Zeitung (الصحيفة الرينانية نسبة الى مقاطعة الراين)، وهي صحيفة يومية يدعمها صناعيون. ، سرعان ما أصبحت الصحيفة على يديه مقاتلة من أجل الحقوق الديمقراطية الراديكالية. لكن هذا جعل ماركس في صراع مستمر مع الرقابة البروسية التي كانت قمعية للغاية. وأخيرًا ، عندما نشرت الصحيفة نقدًا لاستبداد القيصر الروسي ، مارس القيصر نفسه ضغوطًا على الملك البروسي لحظر الصحيفة. فكان لا بد من إغلاقها في مارس 1843. ثم بدأ ماركس الاستعداد لإصدار مجلة جديدة بعنوان The German-French Yearbooks. ) الحوليات الألمانية الفرنسية(.
خلال الفترة الممتدة من 1841 إلى 1843 ، انخرط ماركس بعمق في الحياة السياسية العاصفة. ومع ذلك كان لايزال ديمقراطيًا راديكاليًا ولم يكن يحمل وجهات نظر شيوعية بعد. على مستوى الفلسفة كان تحوله الرئيسي خلال هذه الفترة في عام 1841 بعد قراءة كتاب "جوهر المسيحية" لِ: لودفيغ فويرباخ الذي قدم نقدًا للدين من وجهة نظر مادية. لعب هذا الكتاب دورًا كبيرًا في تحويل أفكار ماركس من مثالية مجموعة الهغليين الشبان إلى المادية. عمل فلسفي آخر أثر على ماركس هو (الحكم الأوروبي الثلاثي) صدر عام 1841 وقد كان محاولة من صديقه ، موسى هيس ، لتطوير فلسفة شيوعية من خلال الجمع بين الاشتراكية الفرنسية و افكار اليسار الهيغلي.
لكن في ذلك الوقت لم يكن لدى ماركس سوى معرفة محدودة بأفكار الاشتراكيين والشيوعيين. كان أول اتصال له بها في عام 1842 عندما قرأ باهتمام أعمال العديد من المنظرين الفرنسيين الاشتراكيين البارزين. ومع ذلك لم تحوله هذه القراءات إلى الشيوعية أو الاشتراكية . جاء هذا التغيير أكثر من خلال اتصاله بجماعات الطبقة العاملة الشيوعية ودراسة الاقتصاد السياسي ، وقد حدث ذلك بشكل رئيسي بعد الانتقال إلى باريس في نهاية عام 1843.
بعد سبع سنوات من خطبتهما ، تزوج ماركس وجيني في جوان 1843. وكانا يقضيان شهر عسل قصير في سويسرا ، حينما اتم ماركس كتيبا قدم فيه انتقاداته الأولية لهيجل.و بعد شهر العسل بدأ الدراسة والتحضير للانتقال إلى باريس حيث تم إخراج الحوليات الألمانية الفرنسية السابقة. تم التخطيط لهذا الانتقال إلى باريس من أجل تجنب الرقابة البروسية. ومع ذلك ، على الرغم من أن المجلة كانت مخططا لها صدورها كل شهر ، إلا أنها حظرت بعد ظهور عددها الاول في فبراير 1844.
مع ذلك ، تميزت فترة ماركس في باريس بتجارب جديدة ومهمة للغاية. كان من الأهمية بمكان الاتصال المباشر مع مختلف المجموعات الاشتراكية والشيوعية التي كانت باريس مركزا لها. إلى جانب لقاء عدد كبير من المنظرين والثوريين ، استفاد ماركس بشكل كبير من التواصل المنتظم مع العديد من ثوريي الطبقة العاملة . في الوقت نفسه ، بدأ ماركس دراسة الاقتصاد السياسي فقام بقراءة معظم أعمال كبار الاقتصاديين الإنجليز . كان لتلك العلاقات الثورية والدراسات تأثير عميق عليه. وقد انعكس ذلك في كتاباته.
كان العدد الوحيد لمجلة الحوليات ذا أهمية كبيرة لأنه احتوى على أول صياغات ماركس للفهم المادي الماركسي للتاريخ الذي ورد في مقال ينتقد فلسفة هيغل. و في هذا المقال وضع ماركس الصيغة الهامة فيما يتعلق بالدور التاريخي للبروليتاريا و هنا أيضا وضع الاقتباس الشهير أن الدين هو أفيون الشعب. كما تضمن نفس العدد مقالة كتبها انجلز حول الاقتصاد السياسي ، والتي أعطت أيضا فهما ماديا فيما يتعلق بتطور الرأسمالية الحديثة.
لقد كان اهتمام ماركس بكتابات إنجلز هو الذي أدى إلى اجتماعهما في باريس بين 28 أوت و 6 سبتمبر 1844. وقد اتضح أن هذا الاجتماع التاريخي ساعد المفكرين العظيمين على توضيح أفكارهما ووضع الأسس الأولى للماركسية. وعلى الرغم من أنهما قد توصلا إلى استنتاجات مشابهة في وقت سابق ، فقد ساعدهما هذا الاجتماع على التوصل إلى اتفاق نظري كامل.و التوصل إلى فهم أوضح للتصورالمادي للتاريخ ، الذي اصبح فيما بعد حجر الزاوية في النظرية الماركسية.
ولد فريدريك إنجلز في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1820 في بلدة بارمينز للنسيج في مقاطعة الراين في بروسيا. كان والده مالكا ثريا لمصنع قطن وكان مسيحيًا بروتستانتًا متشددا وذا نظرة سياسية رجعية.
كانت بارمان ، مثل ترير ، تنتمي الى جزء بروسيا الذي شهد عشرين سنة من الاحتلال الفرنسي. وبالتالي كان لها أيضا تأثيرات تقدمية عليها. ومن أهم خصائصها ايضا أنها كانت واحدة من أكبر المراكز الصناعية في الراين. وهكذا رأى إنجلز منذ سن مبكرة الفقر الشديد واستغلال الطبقة العاملة و اضطرار الحرفيين للعمل من الصباح حتى الليل للبقاء على قيد الحياة في ظل منافسة المصانع اضافة الى كون عمالة الأطفال والأمراض الرئوية متفشية. لم يكن للفقراء حل سوى ان يحاولوا إغراق أحزانهم في الخمر.
التحق إنجلز بمدرسة مدينة بارمين حتى سن الرابعة عشرة. ثم تم إرساله إلى المدرسة الثانوية في بلدة إلبيرفيلد المجاورة ( تم دمج كل من بارمين وإلبرفيلد في مدينة واحدة في الوقت الحاضر). هذه (المدرسة الثانوية) كان تتمتع بسمعة كونها واحداً من الأفضل في بروسيا. كان انجلز طالباً ذكياً ذا ميل مبكر لتعلم اللغات. كان أيضا جزءًا من دائرة طلابية شعرية و كتب الشعر والقصص القصيرة. كان يخطط لدراسة الاقتصاد والقانون ولكن والده كان أكثر اهتماما في جعل ابنه البكر يتولى الأعمال العائلية. وفي سن السابعة عشرة ، أُخرج من المدرسة ووضع كمتدرب في مكتب والده.
على الرغم من أن هذه كانت نهاية التعليم الرسمي لإنجلز ، فقد استمر في استخدام وقت فراغه في دراسة التاريخ والفلسفة والأدب واللغويات وكتابة الشعر.و في العام التالي ، في جويلية 1838 ، تم إرسال إنجلز للعمل كموظف في شركة تجارية كبيرة في مدينة بريمن الساحلية الكبيرة. مكن جو المدينة الكبيرة انجلز من الاتصال بالأدب الأجنبي والصحافة. و بدأ في قراءة الروايات والكتب السياسية في أوقات فراغه. كما استمر في تعلم لغات جديدة فإلى جانب الألمانية حصل على بعض المعرفة باللغة اللاتينية واليونانية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية والإنجليزية والهولندية وغيرها. استمرت هذه القدرة على تعلم اللغات طوال حياة إنجلز التي تعلم خلالها الحديث بطلاقة بأكثر من 20 لغة بما في ذلك الفارسية والعربية. كما أصبح إنجلز في بريمن سباحا و مبارزا و متزلجا وفارسا بارعا.
انجذب انجلز إلى الأفكار الديمقراطية الراديكالية للثورة الديمقراطية البورجوازية التي بدأت تتشكل في ألمانيا.كانت المجموعة الأولى التي انجذب إليها )المجموعة الأدبية الشابة في ألمانيا( التي كانت تؤيد وجهات النظر السياسية الراديكالية و سرعان ما بدأ الكتابة للمجلة التي اصدروها من مدينة هامبورغ ، الغير بعيدة عن بريمن. وكتب مقالتين عن الوضع في مسقط رأسه. وكشف عن الاستغلال الشديد للعمال في بارمين وإلبيرفيلد والأمراض التي يعانون منها ، وحقيقة أن نصف أطفال المدينة حرموا من المدرسة وأجبروا على العمل في المصانع. هاجم بشكل خاص التدين الاجوف للصناعيين الاستغلاليين (بمن فيهم والده).
وبحلول نهاية عام 1839 ، بدأ دراسته لهيجل ، الذي حاول ربط فلسفته مع معتقداته الديمقراطية الراديكالية. إلا أنه لم يتمكن من التقدم في هذا الأمر الا بعد انهاء تدريبه في بريمن في عام 1841 ، وبعدها بعدة أشهر ، انتقل إلى برلين لخدمته العسكرية الإجبارية لمدة عام واحد.

أثناء عمله في الخدمة العسكرية التحق بجامعة برلين كطالب خارجي و اخذ دورة في الفلسفة. أصبح بعد ذلك مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمجموعة الهيغليين الشباب التي كان ماركس جزءًا منها.و قد تأثر مثل ماركس تماما بشكل كبير، بالآراء المادية في كتاب فيورباخ الذي صدر في ذلك العام.

بدأت كتابات إنجلز بعد ذلك في اكتساب بعض الابعاد المادية.وقد كان يشدد فيها دائما على العمل السياسي. هذا ما جعله ينشق عن مجموعته السابقة (المجموعة الأدبية الشابة في ألمانيا) في عام 1842 ، التي شعر بأنها مقتصرة على النقاش الأدبي الفارغ. ومع ذلك استمر في الارتباط بقوة بالشباب الهيجليين ، وخاصة برونو باور وشقيقه.

كان هذا التقارب بين إنجلز وبين باور هو الذي اخَر الصداقة مع ماركس ففي ذلك الوقت ، بدأ ماركس ينتقد الشباب الهيغليين ، ولا سيما الباوريين منهم ، لتركيزهم دعايتهم على الدين أكثر من السياسة. من هنا لم يتمكن ماركس وإنجلز ، اللذان كان لديهما انتماءات سياسية مختلفة ، من التقارب.

كان لقائهما الاول في نوفمبر 1842. حينها كان إنجلز قد أنهى خدمته العسكرية و متجها من مسقط رأسه الى مانشستر ، في إنجلترا للعمل كموظف في أعمال والده هناك.وفي طريقه زار ماركس في مكتب الصحيفة في كولونيا حيث كان ماركس رئيس التحرير.كانت تجارب إنجلز في إنجلترا هي التي جعلته شيوعياً. فقد طور علاقات وثيقة جدا مع عمال مانشستر ، فضلا عن قادة الحركة الثورية العمالية شارتر. المضطهدون لا يعانون فقط وانما يكافحون أيضا ، لذلك لا جدوى من حديث يفصل المعاناة عن الكفاح فتلك البكائية التي كثيرا ما يجري اجترارها لا تنفع فهي مجرد ترويح على النفس وتبرئة ذمة من قبل عجزة .
كانت مانشستر المركز الرئيسي لصناعة المنسوجات الحديثة في العالم مما مكن إنجلز من الدراسة المعمقة لظروف العمل والمعيشة للعمال هناك. فكان يزور مناطق الطبقة العاملة بانتظام للحصول على المعرفة المباشرة. اثناء هذه العملية نشأ حب بينه وبين ماري بيرنز ، عاملة مصنع إيرلندية شابة ، و التي أصبحت فيما بعد رفيقته وزوجته. و إلى جانب جمع مواد لكتابه المستقبلي عن ظروف الطبقة العاملة في إنجلترا ، توصل إنجلز إلى فهم الإمكانيات الثورية للبروليتاريا. لقد أقنعته مشاركته المنتظمة في الحركة بأن الطبقة العاملة ليست مجرد طبقة معاناة ، بل طبقة مكافحة من شأنها أن تبني المستقبل بأعمالها الثورية.
وبالإضافة إلى الاتصال بالطبقة العاملة ، قام إنجلز أيضًا بدراسة عميقة للنظريات الاشتراكية والشيوعية المختلفة ، بل واجتمع أيضًا بالعديد من القادة والكتاب الفرنسيين والألمان الذين صاغوا هذه النظريات. وعلى الرغم من أنه لم يتبنى أيًا من هذه النظريات ، فقد قام بتحليل نقاطها الإيجابية والسلبية. و بدأ في نفس الوقت دراسة عميقة للاقتصاد السياسي البرجوازي. من أجل مساعدته على تحليل العلاقات الاقتصادية للمجتمع ، والتي كان قد بدأ الشعور بانها أساس كل التغيير الاجتماعي. و وضع النتائج الأولية لدراسته في مقالته التي نشرها ماركس في جريدته التي صدرت من باريس. كما سبق أن ذكرنا ، أدت كل هذه المراسلات بين ماركس وإنجلز إلى اجتماعهما التاريخي في عام 1844.
عرَج إنجلز في طريق عودته من مانشستر إلى مسقط رأسه بارمين ،على ماركس الذي كان يقيم آنذاك في باريس . ساعدت مناقشاتهم ماركس على تحسين صياغة الفهم المادي للتاريخ الذي كانا قد بدآ يؤمنان به. كما أنهما ،بدآ في هذا الاجتماع ، العمل على أول كتاب مشترك لهما ، والذي كان هجومًا على برونو باور ومجموعة الهيغليين الشباب ،الذين انتميا اليهم في وقت سابق .قضى إنجلز الأشهر الثمانية التالية في القيام بالدعاية الشيوعية المكثفة والعمل التنظيمي في ألمانيا. خلال هذه الفترة كان في ثورة مستمرة ضد والده الذي عارض عمله الشيوعي وحاول إقناعه بالعمل في مصنعه. ولكنه بعد أسبوعين فقط في مكتب والده ترك بارمن للانضمام إلى ماركس. أصبح ماركس في ذلك الوقت مرة أخرى هدفا للسلطات الإقطاعية حتى في باريس. فقد مارس الملك البروسي الضغط على الملك الفرنسي. مما اضطره للانتقال إلى بروكسل في بلجيكا مع زوجته وطفله البالغ من العمر ثمانية أشهر.و الى هناك قدم أنجلز وأقام في منزل بجوار منزل ماركس.
وبدآ العمل المشترك المكثف. كما قال أنجلز ، لتطوير النظرة الجديدة في جميع الاتجاهات الممكنة. وكانت النتيجة هي الكتاب التاريخي "الأيديولوجية الألمانية" ، الذي لم ينشر إلا بعد مائة عام. و الذي كان سببه الرئيسي أن يقوم المفكران العظيمان بالتوضيح الذاتي فيما يتعلق بفهمهما القديم ووضع أركان النظرة العالمية الجديدة ، والتي أصبحت فيما بعد تعرف بالماركسية.