الليبرالية والإجتماعية والإشتراكية


المنصور جعفر
2019 / 7 / 25 - 07:24     


أساس الليبرالية في الحياة هو رسملة السوق وتحويل معيشة الناس من سيطرة الملوك إلى سيطرة البنوك. أما في مجال الفكر فمشروعها حرية التفكير ونسبية التعامل معه وفق سيادة تقديرات الفرد الواحد، وطبيعة تبجيل رأيه ضد ما تراه "سلطوية" في التفكير الاجتماعي!

"الليبرالية" حالة أنوية في الفكر والسياسة والمعيشة وفي نطاق الدولة الواحدة تقدس الفرد (على حساب المجتمع) وفي مجتمع الدول تناصر مصلحة دولتها وحليفاتها على حساب مصالح بقية دول العالم.

فأساس النظام الليبرالي هو حرية تكالب احاد الناس على فرص محدودة، وهو النظام المعروف ياسم "الحرية" (حرية امتلاك ماتريد مقابل ثمن) وشعارها الشهير ضد التراخيص العنصرية في عهود الاقطاع هو مقولة ((دعه يعمل دعه يمر)).

تنتج هذه "الحرية" أو "الليبرالية" في كل مجتمع رأسماليين ونجوم إعلام إلخ كصفوة من الناجحين في منافسة كبرى لكنها ضيقة الفرص. وهو وضع يغبش النظر إلي حقيقة أن أقصى نجاحات نظام الحرية أو الديمقراطية الليبرالية كانت هي "الإستعمار" و"الامبريالية" و"الإستغلال الطبقي" و"الإستغلال الدولي"، وما برتبط بذلك من "تهميش" داخل كل بلد وعلى نطاق العالم. وما يتبع هذا للتهميش واقصاءاته من تسول وذل أو رفض إجرامي.

النظام المضاد للليبرالية إجتماعي القوام وإشتراكي التنظيم والسمات، واع بمحدودية وظلم امتلاك الفرد وإدارته لأهم موارد المجتمع وشؤون الحياة، ومدرك للشر الكامن في إنفراد قلة من الأفراد بتملك موارد المجتمع ووسائل العمل، وبالتالي سيطرة هؤلاء الأفراد/التماسيح على إمكانات نمو ومعيشة غالبية الناس.

كينونة المجتمع الليبرالي حرية نسبية للأنانية والإحتكار والإستغلال والتهميش ولاختيار مزعوم بين عواقب قبول الدونية أو عواقب الرفض الفردي لهذه الدونية والتهميش في ظروف عامة تفتيتية وإقصائية.

ضد الليبرالية ينمو النظام الاجتماعي وقريبه الإشتراكي. معتمداً في نقضه الليبرالية على
(1) ترتيب وتنظيم مجتمعي لتحسين المتاح من موارد المعيشة أو زيادة الحد الأقصى الممكن بلوغه فيها،
(2) بناء أو تنمية (((أفضل))) تقسيماً وتوزيعاً لخيرات وجود أو عمل المجتمع ومعيشته، وزيادة الإمكانات العامة لتطور ونشاطات الفرد العملية والثقافية إلخ (= الإمكانات غير التجارية).

وفي رفضها سيطرة الأفراد على اتعاملات المجتمع وقبولها سيطرة المجتمعات على أعمال الإنتاج والتوزيع والتجارة تظهر كينونة النظام الاجتماعي وكذلك كينونة المجتمع الاشتراكي وطبيعتهما العقلانية، أنها كينونة "عملية-أخلاقية" متواضعة على ترابط حيوي لمثلث قيم ونظم متداخلة هي: "الحرية" و"السلام" و"الاشتراكية".

كينونة التنظيم الاجتماعي لمصالح الأفراد في عملية الافتصاد وكينونة النظام والترتيب الإشتراكي للموارد هو تنمية حياة الأفراد بتغذية اجتماعية وقاية حرية المجتمع من نموء وسموم نظم الأنانية والاستغلال والتهميش، وكل أنواع الاستعمار ومن الحروب الظالمة.



من مقارنة عامة بين النظامين الليبرالي الإشتراكي، نجد الآتي:


1- ان النظام الليبرالي قديم نشأ ونشط خلال مئات السنين في كل دول العالم، أما النظامين الاجتماعي أو متوسم الإشتراكية فهو جديد وليد عشرات السنين الكفاحية أولا في روسيا السوفيتية قبل وفاتها ثم في الصين منذ أكتوبر 1949 ودول أخرى تتوخى الاجتماعية أو الإشتراكية في تنظيم بعض أو كل أمورها أو تتجه إلى ذلك.

2- ان وجود الأفكار والنظم الإشتراكية ثم الشيوعية كأعلى مراحل النظم الإجتماعية كوجود المعادن النفيسة المفيدة وجود نادر، ليس له دول كثيرة. خاصة مع كونه حديث الولادة يبدو كمجرد تمرد ورفض للنظام الليبرالي القديم وما فيه من إستعمار خارجي أو داخلي، وهو اي النظام الإشتراكي لم يبلغ بعد مرحلة الإنفراد المطلق الحرية بحكم أي دولة -خارج تهديد أو خارج حرب أو خارج حصار- قطعاً لم يبلغ مرحلة تسيير كل نشاط عالمي مثلما كان النظام الليبرالي في العالم في العشرات الأوائل من القرن العشرين قبل ان تكسر جبروته العالمي الثورة السوفييتية ضده وتأثيراتها الموجبة على بقية دول العالم .

3- رغم ضعف سيطرته في العالم أتاح النظام الإشتراكي (مشكوراً) للدول التي وافقته إمكانات تحرر أكبر من التبعية والتخلف.

4- المقارنة الأخلاقية أو التكنولوجية بين النظامين لا تأتي نتيجتها لصالح السيطرة العالمية للنظام اللببرالي كونه مةلد ومعزز للأنانية والإستعمار والإستغلال والتهميش والتضليل والجهل، ومدمر للتنمية الإجتماعية وفرص التفرد الإنساني الضروري لكل واحد من الذين يشكلون غالبية الناس المعانين من الإستغلال والتهميش.


كل قيمة انسانية مطلقة تكون مثالية في حد ذاتها لكنها ضعيفة في النظام الليبرالي الذي يجعجع بكلمات "الإنسانية" و"الحرية" كلما نشط في استغلال تجاري! أو في حرب سيطرة ! كون "الإنسانية" في السياق الليبرالي مقيدة بأنانيات كبراء الرأسماليين وسيطرتهم باسم حرية الإنسان على موارد المعيشة في دولهم وفي دول العالم المستتبعة لها.

من ناحية عملية وواقعية فإن سمات أو قيم التعاون والإشتراكية أنسب لتحقيق الحرية والعدل والسلام وترسيخها كحالة اجتماعية وعالمية مستدامة من نشاط النظام الليبرالي الذي يكرس الأنانية والاحتكار والاستعمار الخارجي والداخلي ومافيهم من إستغلال وتهميش ةاقصاء ودونية وتسول وجريمة.

اي من نظام الأطر "الإجتماعية" أو نظام الأطر "الاشتراكية" هو نظام نسبي لتحقيق ديموقراطي شعبي للأمان والتقدم الاجتماعي المتناسق، أما الليبرالية فنظام استعماري أو تمساحي يحقق انفراد بعض التماسيح ببعض موارد معيشة أو امكانات المجتمع أو لموارد كثير من مجتمعات العالم ووسائل عمله وتعاملاته.



هل تتمتع التسميات السياسية بصحة مطلقة؟


كثير من التقييمات النظرية متهوم بالمثالية أو متهوم بالانحياز. وكثير من التصنيفات الواقعية متهوم بتجاهل بعض الأمور،

أهم سمات العلم الحديث خروجه من مأزق الكمال، واهتمامه بتقديم صورة نسبية تقريبية عن الموضوع الذي يدرسه.

إذا جرى النقاش حول الطبيعة الإقتصادية الإجتماعية لبعض الدول بمعيار المثاليات وشبه الكمال، وتحقيق دولة ما لغالبية الأسس والغايات في مجال نقاش، فلن نجد أسم أي دولة في العالم قابل لأن يوضع في أي قائمة مثالية، أما إذا جرى النقاش أو التقييم بمنطق التقدير الواقعي لطبيعة تعاملات دولة وكونها ليبرالية أو ذات سمات إجتماعية أو إشتراكية، فمهم للقياس أن يبدأ فرز معالمها من الطبيعة الفعلية لتملك وتوزيع الموارد العامة فيها، هل هي فردية تجارية حرة قوامها حق الانسان/تماسيح السوق في تملك أي شيء قانوني معروض للبيع مقابل دفع ثمن، أو أن تملك الأشياء محكوم بشبكة نظم تربط كل تملك بأسس وأهداف التنظيم الإجتماعي للدولة.

أيضاً في التصنيف الإجتماعي السياسي لوضع دولة مهم الإفادة بمعالم تاريخها ومعالم دستورها ووصفه طبيعة نظامها.


المنصور جعفر