علمانية بمرجعية دينية ...


قاسم حسن محاجنة
2019 / 7 / 19 - 18:38     

علمانية بمرجعية دينية ...
حاولت الدراما العربية ، خاصة الأردنية – الفلسطينية والسورية ، تناول الصراع على فلسطين ونكبة أهلها، برؤية مزاجية – ثيولوجية، بحيث يظهر "القائد" الصهيوني اليهودي وكأنه رجل دين يهودي ، مع سالفين وطاقية صغيرة على رأسه وهو يُصدر الأوامر لمرؤوسيه من الجنود والضباط ....
قد يكون الهدف من هذا التصوير الدرامي، للصهيوني- اليهودي المستوطن في فلسطين، هو هدفٌ ثيولوجي يضع الصراع في سياق حرب دينية إسلامية – يهودية ، يبتغي إلهاب المشاعر الدينية الإسلامية – المسيحية ضد الحركة الصهيونية .
لكن الحقيقة التي يتغاضى عنها الخطاب السياسي- الإسلامي الثيولوجي ، هي ان الحركة الصهيونية بغالبية تنظيماتها كانت حركة علمانية ، بل وأن أغلب قادتها القدماء وحتى المُحدثين هم من الملحدين الذين لا يؤمنون بإله ..
هم نظروا سابقا وينظرون راهنا ، الى التوراة وما تلاها من كتب ، نظرة تأريخية ، يستمدون منها مشروعية ومرجعية فكرية "لإعادة" بناء الدولة اليهودية في أرض الآباء والأجداد.
وهذا ما كتبه هرتسل عن دولة اليهود والتي ستقوم، " لن نُعطي لرجال الدين خاصتنا، ولو الفرصة (الإمكانية) الأصغر لتحقيق طموحاتهم. سنحصرهم في معابدهم ، كما نحصر الجيش النظامي في الثكنات. سيحظى الجيش والكهنوت بالإحترام الكبير ... لكن ليس لهم أن يتدخلوا في شؤون الدولة ، لأن تدخلهم سيجلب المصائب من الداخل والخارج " . (ترجمة من العبرية )
أما بن غوريون فيصفه كتاب "الزمن اليهودي الجديد" ، " .... لقد امتنع وطيلة حياته في البلاد، عن زيارة أي كنيس، واعتقد بأن المطالبة بتغطية الرأس، ليس لها أي أساس توراتي ، ورفض بشدة إعتمار الكيبا (الطاقية اليهودية)، رغم مشاركته في طقوس جنائزية دينية . لم يتقيد بحرمة السبت ، لم يمارس طقوس استقبال السبت ولم يُحضّر وجبة السبت ، لم يصم في يوم الغفران ، ولم يحتفل بليلة عيد الفصح بل وتناول الأطعمة الغير مسموح بها في الفصح اليهودي ، لم يحافظ في بيته على الطعام الكشير (الحلال)، بل واعتقد بأن من حق كل يهودي ، أن يأكل لحم الخنزير إذا أراد ..." (ترجمة من العبرية ).
وللتذكير فقط ، فحركة الكيبوتسات والتي عرّفت نفسها كحركة اشتراكية ، وما زالت كذلك، تعتبر نفسها علمانية ... كما أن هرتسل ذاته طمح أن يصبح اليهود كتلة من المسيحية (اعتمادا على المصدر العبري).
نعم ، لا أحد يُنكرُ بأن بن غوريون ذاته ، هو الذي خلقَ التحالف بين جزب مباي( حزب عمال ارض اسراائيل ) التاريخي ، والذي قاده بن غوريون لسنوات طويلة ، وبين الحركة الدينية – الصهيونية والممثلة بحزب ال- مفدال ( الحزب الديني القومي )، لكنه رفض الإكراه الديني ..
فالأحزاب والحركات السياسية- الاستيطانية الصهيونية ، والتي أنشأت حركات عسكرية ، لم تكن أحزاب وحركات دينية ، بل كانت علمانية في جوهرها ، تعتمد مرجعية ثيولوجية تاريخية .
أما اليوم ، فالحركات السياسية المسيطرة على الساحة ، كحزب نتانياهو (الليكود )، فهو يميل أكثر نحو اليمين الديني اليهودي ويحمل صبغة دينية ،بشكل أكبر مقارنة بالأحزاب التي أقامت دولة إسرائيل على انقاض وخرائب الشعب الفلسطيني المشرد.
وفي النهاية فالأحزاب الدينية اليهودية المتزمتة ، ترفض وليومنا هذا ، أن يتجند أبناؤها في الجيش ، بل ويُسقطون في الكنيست ، اقتراح قانون التجنيد للحريديم .
الصهيونية في جوهرها ، حركة علمانية تعتمد مرجعية دينية- قومية ، تستمد منها مشروعية بناء وطن قومي لليهود في فلسطين ...
كتبتُ هذا للتوضيح فقط ..