هَل أنتَ عراقيٌّ شريف ؟ إذن كُن معنا.


ييلماز جاويد
2019 / 7 / 12 - 12:56     

في الذكرى الحادية والستين لقيام ثورة الرابع عشر من تمّوز 1958 علينا أن نتوقف ونتدارك ما قمنا به ، وماذا حصل لنا ولماذا .
لم تكن حركة الضباط الأحرار العسكرية في إزالة النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري عملية عفوية خطرت ببال مجموعة من الضباط لتسلّق المناصب والحصول على مكاسب شخصية . ولم تأتِ حركتهم من فراغ أو بمعزل عن تمهيد طويل الأمد من حركات سياسية تعبوية لجماهير الشعب من أجل الخلاص من نظام قاسوا منه الكثير من الحرمان في إنسانيتهم بالقياس إلى حياة الشعوب الأخرى . إتصف نظام الحكم في العهد الملكي بخضوع سياسته لنفوذ بريطانيا وهي التي تتحكم في مَن يعتلي السلطة ويديرها ، وإقتصاده مرهون بالعجلة الإقتصادية الإسترلينية ، وحتى غطاء نقده من الذهب والعملات الصعبة مخزونة في خزائن لندن . لقد تم تكبيل العراق بحلف بغداد العسكري على الضد من إرادة شعبه ، وأصبح جزءاً من تحالفات عسكرية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وموجهة ضد الإتحاد السوفييتي مما جعل العراق معرضاً ليكون ساحة حرب ساحقة إن كانت قامت حرب بين الجبهتين العظميين . كان العراق بلداً زراعياً يتحكم في زراعته طبقة من الإقطاعيين وسراكيلهم ، وكان يعامل الفلاح كعبد مملوك للإقطاعي ، ولا يحصل من ناتج عمله إلاّ حد الكفاف . وكان قانون العشائر هو الفاعل لحل المشاكل التي تحدث بين العشائر . كانت الحركات السياسية ، على الرغم من شدة تعرضها إلى الملاحقات ، والأحكام الجائرة في المحاكم العسكرية المفروضة بموجب قوانين حالة الطوارئ والتي كانت نافذة لمدد تزيد على مدد الحالات الإعتيادية ، فكانت تصدر قراراتها بشكل إعتباطي يتبع مزاج القاضي العسكري ، تصل إلى الإعدام ، أو حتى كانت الحكومة تحصل على ما كان يُسمّى بالإرادة الملكية لنزع الجنسية العراقية عن قيادات الحركات السياسية وتسفيرهم خارج البلاد . لقد كان للقوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية دور فاصل في تهيئة ظروف الثورة سواء بالتثقيف على مستوى الجماهير أو العمل الجدي في بناء جبهة وطنية واسعة تضم جميع فئات الشعب دون تمييز سواء من الناحية الدينية أو القومية أو الإنتماء السياسي ، وذلك إيماناً من تلك القوى السياسية أن العراق بحاجة لجميع أبنائه لإنقاذه من ما حل به . قامت جبهة الإتحاد الوطني في عام 1957 وضمت كلاً من الحزب الوطني الديمقراطي ، وحزب الإستقلال والحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب البعث العربي الإشتراكي و ناضلت نضالاً قاسياَ للتمهيد وتهيئة الأرضية الشعبية لقيام الثورة ، ونجحت في مسعاها نجاحاً باهراً إذ هبّ شعب العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه هبة رجل واحد لدعم الثورة الوليدة حال سماع صوت الثورة .
قامت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وتمّت قراءة مبادئها من إذاعة الجمهورية العراقية ، وهلل الشعب العراقي فرحاً بها ، ولو أن بعض الأحداث غير الإنسانية حدثت من جراء إندفاعات الغوغاء في التعبير عن نفسها ، إلا أن الذي حدث وعلى الرغم من الإنزال العسكري الذي قامت به الولايات المتحدة في لبنان وقيام بريطانيا بإنزال مماثل في الأردن بحجة حفظ النظامين ، إلا أن ذلك لم يمنع عبد الناصر من التدخل في شؤون الوليد الجديد بعد يومين فقط من ولادته بإتفاقه مع نائب قائد الثورة عبد السلام عارف لدمج العراق بالجمهورية العربية المتحدة . كان هذا الإتفاق القدحة الأولى لشق الصف الوطني سواء في مستوى القيادة العسكرية للثورة أو القوى السياسية والشارع .
بعد حدوث الشق في الصف الوطني ، حصلت مماحكات بين القوى السياسية ، مهما كانت أسبابها ، فقد كان الواجب على كل شريف إعطاء الأولوية لمصلحة الوطن والشعب . ما يؤسف له ، أن الأحداث بعد ستة عقود من الزمن أثبتت أن لا جهة واحدة من تلك القوى السياسية كانت معصومة من الخطأ وبريئة من جريمة مساهمتها في فتح الثغرة التي نفذ منها إنقلابيو الثامن من شباط ووبها تحققت نقطة إنطلاق الثورة المضادة .
كان إنقلاب الثامن من شباط 1963 مخطط له في عواصم الدول الإستعمارية ، على الرغم من تنفيذه على أيدي شخوص تحمل الجنسية العراقية . كان الغرض من هذا الإنقلاب المباشرة بسحق جميع الإنجازات والمكتسبات التي تحققت خلال فترة نظام الجمهورية الأولى ، والمراقب يشهد أن مسيرة الثورة المضادة كانت ممنهجة ومستديمة على الرغم من تغيّر الحكومات والأنظمة ، ولذلك نرى اليوم بعد واحد وستين عاماً أن جميع تلك الإنجازات والمكتسبات قد سُحقت فعلاً وبالتمام ، وأن الثورة المضادة قد حققت غرضها ، وما أشبه اليوم بالعهد الملكي البائد !
" كنتِ بوحدة صرتِ بإثنين " كان العراق تحت النفوذ البريطاني ، أصبح اليوم تحت نفوذ الولايات المتحدة ونفوذ إيران وعدم إكتمال التشكيلة الوزارية على الرغم من مرور أكثر من ثمانية أشهر بسبب تصارع نفوذ الدولتين في مَن يعتلي السلطة ويقودها ،. كان العراق مكبلاً بحلف بغداد أصبح مكبلاً بالإتفاقية الستراتيجية مع الولايات المتحدة وأصبحنا نعيش حالة قلق من تحوّل العراق إلى ساحة حرب بين إيران وأمريكا ، وإقتصاد العراق تحوّل إلى إقتصاد ريعي وتهاوى سعر عملته واحد إلى ألفين مما كان عليه ( كان الدينار العراقي يساوي 3.37 دولار بينما الدولاريساوي 1200 دينار اليوم ) ، وبسبب فقدان الشفافية من جهة والثقة بتصريحات المسؤولين لا يمكن التحقق من مدى كفاية الغطاء النقدي للعملة لدى البنك المركزي العراقي . تم تدمير القطاع الزراعي سواء بسبب الحروب التي أدخل العراق فيها أو بمنهج تدمير الزراعة والصناعة التي نشأت ، وأعيدت سلطة شيوخ العشائر وعادت عملياً ممارسة حل الخلافات بين العشائر بذات الطرق السابقة ، بل علت أصوات لإعادة قانون العشائر ، وأصبح الفلاح مرة أخرى عبداً لا يتحكّم به شيخ العشيرة بسلطته فحسب بل أيضاً رجل الدين الذي حاز على موقع السيادة في المجتمع ولا يرضى إلاّ أن يُنادى " مولاي " . أما المرأة فقد أنزل قدرها إلى دون البشر ، بل أعتبرت عورة وفرض عليها الحجاب ، وترى خطباء في المساجد والحسينيات يقولون أن المرأة حيوان خلقها الله متعة للرجل . أما القضاء العراقي فقد تسيّس على يد السياسيين ، ووصلت في يوم أن ينصح صدّام القضاة أن يكفوا أنفسهم ، أي يرتشوا ويحققوا لأنفسهم الدخل أما اليوم فقد عمّت الرشوة جميع مفاصل الدولة ، ويكون العراقي محضوضاً إذا تمكن أن يسير بمعاملته في أية دائرة بدون دفع رشوة ، هذا بالإضافة إلى الفساد المالي الذي إستباح كل الميادين من دون خوف من مساءلة بسبب الحصانة لكل مرتشٍ مدعوم من مسؤول كبير في الدولة أو كتلة سياسية ذات بأس .
أدخل العراق من أجل تدميره إلى نظام محاصصي قسّم الناس ، على الرغم من عدم إمكان تقسيمهم ، إلى فئات سنية وشيعية وكردية تتصارع فيما بينها للحصول على المكاسب الشخصية والفئوية ، وأنجب هذا الصراع أساليب جديدة سلمية أحياناً وعنفية كالإغتيالات والسرقات والسطو على البنوك و المحلات التجارية وصولاً للصراع على المناصب الرسمية لتحقيق العمولات في العقود التي تبرمها الدوائر
وحبك المؤامرات الكيدية بين المتنافسين أو إستدعاء جهات خارجية دولية أو إرهابية . أما القضاء ففي مرحلة الموت السريري ، كما يسميها الأطباء .

هنا اليوم إمتحان القوى السياسية الوطنية الشريفة أن يسأل كل فرد فيها مَن بجانبه " هل أنت عراقيٌّ شريف ؟ " فإن قال " نعم " قل كُن معنا . لا تسأله ما إذا كان مسلما أم مسيحياً يزيديا أومندائياً صابئياً أو كاكائيّاً ، أو حتى يهودياً ، سنّياً أم شيعياً ، كاثوليكياً أم بروتستانياً . لا تسأله إن كان عربياً أو كرديا ، تركمانيا أوأرمنياً ، كلدانيا أو آثورياً ، سورانياً ، ولا تنظر إن كان رجلاً أو إمرأة . لا تسأله من أي حزب أنت فلا مجال للتفريق بين الديمقراطي والشيوعي والعلماني ومنتسبي الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني والتغيير والبعث العربي الإشتراكي والقوميين العرب أوغيرها من الأحزاب والقوى السياسية مادام أجابك على سؤالك أنه " عراقي شريف " فالعراق بحاجة لجميع أبنائه لإخراجه من الحالة المأساوية الحالية .

نداءٌ إلى جميع الأحزاب والحركات السياسية العراقية الشريفة أن تضع جميع خلافاتها مع غيرها وراء ظهرها وتقترب من بعضها وترفع شعار " كن معي أيها العراقي الشريف لإنقاذ العراق " .