التنظيم العمالي والوعي الطبقي! على هامش الاتفاقات الأخيرة في السودان.


عادل احمد
2019 / 7 / 10 - 02:36     

التنظيم العمالي والوعي الطبقي!
على هامش الاتفاقات الأخيرة في السودان..


اتفقت اخيرا قوى الحرية والتغير مع المجلس العسكري الانتقالي السوداني على المصالحة لتناوب السلطة السياسية لمدة ثلاث سنوات ومن ثم اجراء الانتخابات العامة، برعاية الاتحاد الأفريقي وممثل الدولة الإثيوبية . ان الاتفاق الأخير يبين تناسب القوى بين سلطة الجيش وبقية القوى السياسية المدنية والتي استطاعت ان تركب موجة الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية والمد الثوري للمجتمع. ان سقف مطاليب الجماهير المنتفضة لم يكن تجاوز إقصاء البشير والمؤسسة العسكرية الحاكمة بالرغم من بدء شرارتها بتأمين الخبز والوقوف بوجه غلاء المعيشة وتوفير الفرص العمل، وعلى هذا الأساس استطاعت قوى الحرية والتغير ان تقود مسار حركة الاحتجاجات الجماهيرية لصالحها والتي يكون في احسن حالاتها تحجيم سلطة المؤسسة العسكرية الحاكمة والتي امتدت ما يزيد عن ثلاث عقود وترسيخ السلطة المدنية في مكانها. لكن المد الثوري ونزول الجماهير الى ميدان المواجهة بالضد من الأوضاع المعيشية المأساوية والفقر والغلاء بالإضافة الى القمع العسكري للقوى الأمنية التابعة لنظام البشير والمجلس العسكري الحاكم. ان سير الأحداث وتوازن القوى لم يكن يتطابق مع مطاليب الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في السودان مع مرور الزمن وتبين لاحقا الخلل ونقاط الضعف للحركة الجماهيرية للطبقة العاملة والتي تتمثل في الضعف التنظيمي المستقل. اي ان جماهير العمال والكادحين ذوبت مطاليبها مع مطاليب الجماهير على العموم والتي تعبر عن مصالح طبقات وفئات اخرى غير العمالية والتي لها مصلحة بإزاحة الحاكم العسكري وإقامة الحاكم المدني بدلا منه . ان خلط مطاليب جماهير العمال والكادحين كليا في بودقة قوى الحرية والتغيير والانتظار لما تتوصل اليه هذه القوى مع الحكم العسكري لتناوب السلطة او المشاركة مع العسكر بتناسب اقل او اكثر لا يتجاوب ما تطمح اليه الجماهير المتعطشة للرفاه والحرية بعيدا عن الاستبداد. ان تأمين الخبز والحرية لا يأتي بتقاسم السلطة مع العسكر ولا يأتي بأستبدال العسكر بالمدنيين وإنما يمكن تحقيقه بأرادة الجماهير في ممارسة حقها الفعلي عبر مؤسساتها التنظيمية المستقلة.
ان تجربة الثورة السودانية هي تجربة حية امام الطبقة العاملة في المنطقة ان تأخذ العبر منها والتي لا تزال لم تحسم امرها ولكن بوادر الاتفاق وتناسب القوى و ضعف تنظيم الحركة العمالية وعدم استقلاليتها الكاملة بألامكان ان تعطي الصورة حتى وان لم تكن نهائية عن مستقبل المجتمع في السنوات اللاحقة. ان التنظيم العمالي في المنظمات العمالية المستقلة حتى وان لم يستطع استلام السلطة السياسية ، بامكانه ان يفرض مطاليبه الاقتصادية والسياسية على الطبقة البرجوازية والأغنياء وان يكون مراقبا لأي تحرك بالضد من العمال والكادحين وفي المطاف الأخير فهذا يقرب العمال اكثر الى السلطة السياسية. إذن ضعف التنظيم العمالي هي الظاهرة الإقليمية في عديد من المناطق العالم وخاصة الشرق الوسط والتي هي مكان البؤرة السياسية والتقلبات والأحداث الساخنة والمكان الأصلي لصراعات الدول الإمبريالية العالمية. رأينا الثورة المصرية والتونسية ورأينا الأحداث ما يسمى بالربيع العربي في سورية واليمن وليبيا والجزائر ورأينا الصراع الأمريكي -الإيراني في العراق ولبنان ورأينا خلق الصراع الطائفي في المنطقة في غياب حضور الجماهير العمالية المنظمة والمستقلة كيف تحولت كل منطقة الشرق الأوسط الى غابة وكل من يقتل اكثر ويقمع اكثر بأمكانه احراز النصر وان يصبح القوة الفاعلة. ان هذه التجربة لا يمكن تكرارها الا إذا أراد المجتمع ان يتقدم الى الإمام إيجابيا وان الطبقة العاملة لا تسطيع ان تحقق مطاليبها بدون تنظيم نفسها وبدون فصل صفوفها عن الطبقات الاخرى وهذا الضعف ظهر في كل الثورات خلال السنوات الماضية وفي المواجهات والاحتجاجات الجماهيرية في عديد من الدول.
ان تنظيم الجماهير العمالية والكادحة في منظماتها المستقلة هو الهدف الأصلي في هذه المرحلة كما بينت الاحداث أهميته وضرورته قبل الشروع في اي شئ .. ان جماهير العمال والكادحين على الرغم من سيطرة قوى الحرية والتغيير على مسار حركتها ، عليها ان تنظم نفسها وعليها ان يكون لها التمثيل السياسي اي ان تجد حزبها السياسي الطبقي وان تحمي مصالحها في كل الانعطافات السياسية والطبقية وان يكون مرشدا وقائدا لحركتها السياسية من الان وصاعدا وان تدرك عدم تواجدها السياسي والطبقي والتنظيمي في كل الأحداث التي مرت حتى الان. كماادركت الطبقة العاملة الإيرانية في الثورة الإيرانية عام ١٩٧٨ نقاط ضعفها على الرغم من تواجدها بشكل فعال ضد سلطة الشاه في ايران وأسست الحزب السياسي لها ومن ثم جمعت تحت لوائه اكثرية القادة العماليين الميدانيين. إذن التنظيم السياسي والجماهيري العمالي هي الحلقة الأصلية لملئ الفراغ والضعف ما عانت منه الجماهير العمالية والكادحة في الثورات والاحتجاجات الجماهيرية في الشرق الأوسط حتى الان ولم تحقق مطاليبها الا باستثناء عمال تونس وان يكن جزئيا كما في الثورة التونسية والتي تتمتع بنوع من التنظيم العمالي . ان التنظيم العمالي هو الكفيل بتحقيق سقف مطاليب الجماهير العمالية والكادحة والمحرومة ، وان الطبقة البرجوازية وأحزابها تحسب الف حساب لهذا التنظيم وتحاول عقد المساومات معه. ان حضور العمال في الاحتجاجات مهم جدا ولكن تنظيم انفسهم قضية ضرورية ومهمة وحاسمة في ان واحد. ان قوة الطبقة العاملة في تنظيمها وقوة وعيها الطبقي في حزبها السياسي وهذا ما تفتقر اليه الحركة العمالية في السودان والمنطقة بأكملها من اجل تحقيق مطاليبها واهدافها .