الأمل السعيد والأمل العارف


علي عامر
2019 / 7 / 7 - 12:38     

بين الأمل السعيد والأمل العارف

شربت البشريّةُ الأملَ تاريخيّاً من عدّة منابع،

- الأمل بحياة أخرى بعد الحياة، يُحَقّ فيها الحق ويقام العدل، حياة العدل المطلق والخير المطلق، حياة الجنّة أو النعيم بعد حياة الدنيا الضنكة والنكدة والظالمة والقاهرة، عادةً ترافق الأمل الآخريّ أو الأخرويّ بمعتقدات دينيّة وإيمان بآلهة أو إله، يقع على عاتقه مسؤوليّة العدل والخير، فيرضى المظلوم بالظلم، ويسلّم العبد بالعبوديّة، ويستسلم المقهور للقهر، في انتظار لدور الإله.

- الإيمان بمخلّص أو بطل، ذو صفات عالية وسامية وخارقة وفذّة، من البشر ولكنّه أعلى منهم، من الآلهة ولكنّه أقل منهم، مثل النبيّ أو القائد الأسطوري أو المخلّص التاريخيّ، ينتظر الناس أب حامي ومخلّص، فيستكينوا كأطفال في هذا الانتظار.

- الإيمان بحتميّة تاريخيّة تحق الحق وتقيم العدل المطلق والخير المطلق، حتميّة تاريخيّة قادرة على بناء حياة الجنّة أو النعيم بعد حياة الضنك والنكد والظلم والقهر، يشترك الايمان بالحتميّة مع المعتقدات الميتافيزيقيّة في أنّ العدل قادم لا محالة، ويفترقان في أنّ الأوّل يفترض العدل في عالم آخر أو عالم لاحق على هذا العالم، بينما تفترض الحتميّة العدل في شكل حياة آخر أو لاحق على هذه الحياة، أي الإيمان بالشيوعيّة القادمة من تلقاء ذاتها أو الخلافة التي سيقيمها الله بيديه على الأرض.

- الأمل النابع من تفاؤل الإرادة رغم تشاؤم العقل، أمل ينبع من إرادة صلبة وجبّارة قادرة على تغيير واقع الظلم نحو واقع العدل، إرادة منفصلة عن العقل العلمي الموضوعي الذي لا يرى أي فسحة للأمل في عالم يسوده الظلم والظلام. ولكن هنا يرد سؤال: كيف للإرادة أن تتفاءل إذا تشاءم العقل؟

- الأمل النابع من الانخراط في عمليّة التغيير والتحويل الثوري، فالأمل مدفون في صخر الواقع، لا يظهر إلّا تحت ضربات معاول التغيير والتثوير، ولكن يرد هنا سؤال مشابه للسؤال السابق: كيف يبدأ الانسان بالتغيير والتحويل الثوري إذا كان فاقداً للأمل من الأساس؟ من أين يأتي المحفّز لممارسة الانخراط الثوري هذا؟ إذا كان الانخراط الثوري منبع للأمل، فما هو محفّز هذا الانخراط قبل أن ينبع الأمل؟

أعتقد –وهذه ستكون إضافتي في هذا الصدد- أنّ إجابة هذه الأسئلة الأخيرة تكمن في عالم الحسّ والشعور والإيمان، فقبل الانخراط في التحويل الثوري، لا بدّ من بصيص أمل، ولكن هذا الأمل في هذه اللحظة –مقبل الانخراط الثوري- لا يوجد في الواقع الآن وهنا، بل يوجد في تاريخ طويل من الشعر والفن والايمان الذي يغذّي هذا الأمل حسّياً وشعوريّاً، دافعاً الانسان نحو التغيير، هذا التغيير والتصادم والانخراط في الواقع نحو تحويله، سيكون مبعثاً لأمل أكثر تحديداً وأكثر علميّة وأكثر ماديّة، أمل واعٍ وعارف.

لتكون المعادلة كالتالي:
واقعٌ ظالمٌ يثير حسّاً وشعوراً عالياً بضرورة التحويل، هذا الحسّ يتغذّى على الأمل الحسّي والشعوري، هذا الأمل الحسّي موجود في الفن والأدب والشعر والإيمان بحتمية التاريخ أو الإله، الحسّ برفض الواقع وضرورة تغييره والذي تغذّى على الأمل الحسّي، يدفع الانسان نحو الانخراط المادي في عملية تحويل الواقع، عملية تحويل الواقع ستكون منبع للأمل المادي والعلمي والعارف.