ترامب وإعادة الهيبة الأميركية


جاسم محمد كاظم
2019 / 7 / 6 - 14:21     

ظهرت الولايات المتحدة كعملاق حقيقي في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية وبرز معها قطبها المعاكس الاتحاد السوفيتي .
ومنذ ذلك الوقت برز مفهوم القوتان الأعظم في تاريخ القرن العشرين جاعلا النفوذ الانكليزي والفرنسي من المخلفات البائدة للقرن الثامن والتاسع عشر .
تغير شكل الصراع السياسي في المنطقة مابين العملاقين نحو نقطة تحدد مستقبل العالم كما رآها لينين تتمثل بقطع شرايين رأس المال العالمي عن مصادرة المغذية لينتقل الصراع إلى داخل دول الرأسمال نفسها بدل أخراجه إلى المحيط الخارجي .
بدئت الولايات المتحدة حربها المفتوحة ضد هذا الخصم اللدود بكل صنوف الأسلحة اللوجستية والمخابراتية وسباق التسلح وكسب الأعوان والعملاء و وتشكيل الأحلاف العسكرية لتطويق المارد السوفيتي في الشرق .
ومع اندلاع ثورات التحرر الوطني والثورات الاشتراكية بدء النفوذ الأميركي بالتقلص تدريجيا وانهارت قواعده في الشرق بدئا في الصين بانتصار ماو تسي تونغ والشرق المتوسط ووصل الأمر إلى الدول المجاورة لأميركا نفسها بعدما وصلتها حمى الشيوعية .
بدء الإخفاق الأميركي الأول في كوريا وتوقفت القوة العسكرية الأميركية الهائلة من حسم الصراع لصالحها ووجدت أن المد الشيوعي أقوى واكبر مما تتصور لذلك وجدت مصلحتها في الجنرال إيزنهاور كرجل المرحلة المقبلة بعد فشل ترومان واجتياح المطرقة والمنجل كل الأرض ليصبح أتباع ماركس ولينين أكثر بكثير من أتباع المسيح .
تلكأت خطط الجنرال إيزنهاور عن إيقاف المد الشيوعي بعد انتصار ثورات التحرر الوطني في كل دول العالم في شرق الأرض وغربها وحتى مع ظهور وكالة المخابرات الأميركية في بداية الستينات وانطلاقاتها نحو الشهرة بمؤسسها الأول ألن دالاس شقيق وزير الخارجية الأكثر كرها وعداءا للشيوعية جون فوستر دالاس .
وسجل التاريخ الإخفاق الثاني المدوي لهذه الوكالة في عهد جون كندي في خليج الخنازير وفهمت أميركا بان إرادة الشعوب الحية أقوى من بكثير من عصاها الغليظة .
وعاودت أميركا الظهور في فيتنام من جديد وبرغم ألقائها آلاف الأطنان من الحمم القاتلة التي أدت بالتالي إلى إرهاق الدولار انتصر النمر هوشي منة في فيتنام بأسلحة بدائية والتهم الفيل الأميركي حد العظم .
ليخرج جونسون بعد ذلك خالي الوفاض ويسلم الأمر إلى نكسون ليشهد العقد السبعيني عصر الفضائح للرؤساء بعد توازن القوى مابين العملاقين .
ومع وصول كارتر إلى سدة الحكم بعد خسارة جيرالد فورد توقفت عجلات القوى الثورية عن حسم المعركة لصالح البشرية ليبدأ الثور الأميركي هياجه في التاريخ من جديد رغم تعثره الكبير عن حسم ملف الرهائن الأميركيين لدى طهران وفشل عملية مخلب النسر التي أخرجت كارتر من البيت الأبيض ليأتي رونالد ريغان بحرب النجوم الخيالية ومبدأ النيو - ليبرالية بالشراكة مع المرأة الحديدة مارغريت تاتشر .
ومع نهاية عهد ريغان وبروز بوش الأب انهار الأمل العالمي المتمثل بالعملاق السوفيتي وذهب الحلم الجميل بانتصار الاشتراكية الكبير ورفع راية المطرقة والمنجل على تخوم البيت الأبيض ليظهر المارد الأميركي هائلا هذه المرة مثل قطعان الذئاب المتوحشة تريد التهام كل من ساهم مع دولة لينين .
وما هي ألا سنة واحدة حتى انهارت الحمم البركانية على ارض العراق لتدمر نتاج 40 سنة من منجزات الجمهورية .
وبعد 13 سنة من اقسي حصار أميركي في التاريخ وصلت دبابات بوش الابن تسير تحت نصب الحرية لتجهز على أخر منجزات دولة الزعيم عبد الكريم قاسم العراق وتعيد للتاريخ حكم نوري السعيد وشلل اللصوص .
واستمر الذئب الأميركي بإخراج حقد التاريخ القديم لتنهش أنيابة اللحم السوري بعد العراق وتسحق أنيابة قوى الثورة في ليبيا .
لكنة عضلات فك أوباما تكسرت بعد تدخل الدب الروسي قويا هذه المرة وتكرر الفشل الأميركي في مصر برغم صعود الإخوان إلى سدة الحكم بفعل صمود الشعب المصري .
ليجلس ترامب في آخر الأمر على أطلال خسائر ابوما ووجد أن الهيبة الأميركية قد نزلت نحو حضيض التاريخ وأصبحت بعض الدول المنسية تتطاول على هذه الهيبة وتفرض أوامرها ضد هذا العراب الكبير .
حتى وصل الأمر إلى الاستخفاف بكل القوة الأميركية وحاملات الطائرات العملاقة التي قصمت ظهر القوات اليابانية في الحرب العالمية الثانية وأنقذت استراليا ونيوزلاند من السقوط بيد قوات ياموموتو .
ترامب اليوم يواجه كارثة عظمى تتمثل بإعادة هذه الهيبة المفقودة لان أي خطا قد يكون قاتلا في جسد هذه الإمبراطورية العظيمة التي تقول عن نفسها بأنها وريثة كل التاريخ والسفر العالمي المتمثل بالإمبراطورية الرومانية المجيدة .
////////////////////////////
جاسم محمد كاظم