خميس أسود في تونس .


فريد العليبي
2019 / 7 / 5 - 15:01     


سرت يوم الخميس 27 جوان 2019 شائعة في تونس حول وفاة الرئيس بعد بيان من رئاسة الجمهورية يفيد اصابته بوعكة حادة ونقله على عجل الى المستشفى وغذى تلك الاشاعة تصريح المستشار المُكلّف بالإعلام في الرئاسة قال فيه إن الوضع الصحي للرئيس “حرج” ولكنه لم يمت . وكان الرئيس قد تعرض سابقا لوعكة أقل حدة استوجبت أيضا نقله الى المستشفى ، ثم ظهر للعموم وهو في بيته الى جانب عائلته يتابع مباراة كرة قدم .
ومع انتشار الاشاعة اتجهت الأنظار الى البرلمان فقد كان الساحة التي تكثفت فيها الصراعات على السلطة على ضوء مرض الرئيس واحتمال وفاته فالتحق نواب بالمجلس خلال ساعات مؤكدين وجود وضع طارئ يفرض اجتماعهم ، والمفاجأة كانت حضور رئيسه على عجل أيضا رغم مرضه هو الآخر . وبدا كما لو أن هناك سباقا مع الزمن لحل مشكلة فرضها مرض الرئيس فقد ذهب قيادي في حزب سياسي قريب من النهضة الى القول أن اخبارا وصلته تشير الى أن الرئيس وضع تحت الآلات الطبية وهو ما يفرض قيام البرلمان بمسؤوليته بالنظر الى انعدام وجود المحكمة الدستورية . كما أكد نائب عن كتلة الائتلاف الوطني المتحالفة مع حركة النهضة مساء الخميس أن الرئيس مر فعلا بوعكة صحية حادة وأن المعطيات التي بلغته تؤكد أنه كان حتى منتصف نهار اليوم في حالة شبه وفاة.
وسرعان ما سرت شائعة أخرى عن انقلاب تنفذه حركة النهضة وحلفاؤها تتمثل وقائعه في اتصال النائب الأول لرئيس البرلمان عبد الفتاح مورو ، وهو من تلك الحركة ومصطفى بن احمد ، وهو من كتلة الشاهد المتحالفة معها ببقية الكتل ودعوتها الى الالتحاق بالبرلمان لحل مشكلة الفراغ في السلطة و تشكيل لجنة طبية برلمانية لمعاينة الحالة الصحية للرئيس واتخاذ ما يلزم من إجراءات دستورية .
ثم تبين لاحقا ان خطة الانقلاب سقطت في الماء عندما حضر رئيس البرلمان وانه لو تخلف بسبب مرضه كما ذكرنا لأصبح عبد الفتاح مورو رئيسا لتونس خلال دقائق معدودات فالخطة كانت تتطلب ببساطة اثبات عجز رئيسي الجمهورية و البرلمان ، وهما من نداء تونس لإفساح المجال أمام مورو لتولي الرئاسة لفائدة النهضة . واذا كانت الحركة قد نفت تلك الخطة من أصلها فإن كتلة الجبهة الشعبية قد أكدتها بقول رئيسها أن ما حدث يوم الخميس بالبرلمان هو “انقلاب دستوري”، وهو ما عّبر عنه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أيضا ، الذي وصف مروجي إشاعة وفاة الرئيس "بعديمي الأخلاق ، الذين لا يريدون الخير لتونس" وأن من يجري بسرعة يسقط في النهاية ، في إشارة ضمنية الى حركة النهضة وحليفها يوسف الشاهد المتلهفين على السيطرة على السلطة كاملة .
واللافت تهرب رئيس البرلمان من الإجابة عن سؤال حول حقيقة الانقلاب فقد ترك الأمر دون تأكيد أو نفي، مفضلا تشكيل لجنة للنظر فيه ، وربما قدر أن الأجدى اثبات تلك الوقائع عبر لجنة عوضا عن تصريح فردي .
وذهبت بعض التخمينات في فهم " الخميس الأسود " الى أكثر من هذا ، منبهة الى التزامن بين استثمار مرض الرئيس بتلك السرعة ونشر شائعة وفاته ووقوع العمليتين الانتحاريتين في العاصمة ، فبدا كما لو أن الأمر يتعلق بتنسيق وانسجام بين الحدثين ، والهدف خلق حالة فوضى واضطراب ، وأن هناك علاقة متينة بين الإرهاب الأسود وأحزاب سوداء تشاركه الأيديولوجيا الدينية التكفيرية وتتقاسم معه الأدوار وتوفر له حاضنته السياسية .
وتم توجيه أصبع الاتهام الى حركة النهضة فهي متخوفة من الانتخابات القادمة على ضوء صعود الشعبوية وخشيتها رفض رئيس الدولة تعديل القانون الانتخابي وهى التي لا تخفى سعيها الى السيطرة على قصر قرطاج الذي قد يكون عصفورها النادر ومرشحها اليه شيخها نفسه ، ويبدو أنها تتعجل تلك السيطرة وقد فضح نواياها وأمنياتها مرض الرئيس ولسان حالها يقول : ما لن أحصل عليه بصندوق الاقتراع غدا ، يمكن نيله بالانقلاب الدستوري اليوم .
وعندما فشلت خطة الانقلاب غيرت جلدها بسرعة متقربة من الرئيس الذي فاجأها تحسن وضعه الصحي فتنصلت من شائعة وفاته متهمة من أصدرها بانعدام الاخلاق ، مدينة يوم الجمعة 28 جوان 2019، “الاشاعات المغرضة التي تم ترويجها عن الحالة الصحية لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي" منبهة الى “خطورة الانجرار وراء الاشاعات ”،‏ مجددة “ دعمها التام والقوي للرئيس وتثمينها دوره المتواصل في قيادة الانتقال الديمقراطي”. ، أما مورو ، أداتها الدستورية لتنفيذ الانقلاب فقد ذرف الدموع على السبسي بالقول “يُؤلمني ما يُقال حول إشاعة وفاة الرئيس. ” . و لكن الحركة لم تتخل عن خطتها فقد واصلتها بطرق أخرى من خلال دعوة الحبيب خضر النائب والقيادي فيها رئيس الدولة الى تفعيل أحكام الفصل 83 من الدستور بتفويض رئيس الحكومة صلاحياته إذا ظل غير قادر على القيام بمهامه .
واللافت فيما جرى يوم " الخميس الأسود " انخراط قوى دولية فيه فقد قال مستشار رئاسي أن الخطة كانت موضوعة سلفا وأن هناك سفارات استفسرت عن حالة الرئيس ثلاث ساعات قبل الوعكة ، كما قيام قناتين تلفزيونيتين ،احداهما جزائرية والأخرى سعودية بنشر خبر الوفاة ، مما استوجب لاحقا دعوة لجنة أخلاقيات العمل الصحفي، بالنقابة الوطنية للصحفيين ، مراسلي القنوات الأجنبية، إلى الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي.
وما يجدر ذكره أنه ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن انقلاب في تونس للسيطرة على قصر قرطاج فقد اشتكى الأمين العام السابق لحركة نداء تونس الى القضاء العسكري رئيس الحكومة الحالي ومقربين منه ، بتهمة التخطيط لتنفيذ ‏انقلاب على رئيس الجمهورية ، وتم تسريب شريط فيديو فيه حديث عن الخطة الانقلابية كما تحدث صحفي فرنسي عن خطة انقلابية اخرى رفع المتهم بها قضية ضده في باريس . ويبدو أن الصراع السياسي ضمن أجهزة الدولة التونسية أصبح شيئا فشيئا يسير على ايقاع الانقلابات ، وفي زمن الأزمات فإن أكثر ما ينبغي الحذر منه هو المفاجآت .