هذه الحرب لن تقوم


ييلماز جاويد
2019 / 6 / 28 - 22:51     

شهورٌ مضت ، لحد الآن ، ووسائل الإعلام مكتسحة الساحة العالمية ، وبالأخص ساحة بلدان الشرق الأوسط ، وتُشغل أفكار الشعوب ، وتحرف توجهات أذهان المثقفين والساسة ، بموضوع حرب " ستقوم " بين إيران والولايات المتحدة . إنها خدعة إعلامية ، إستخدمتها ، بذكاء ، إدارة ترمب ، لإلهاء الرأي العام العالمي وتوجيه الأذهان إلى " حرب سوف لن تقوم " ، حربٌ ، يعرف كل مًن له إلمام بسيط بقياسات الظروف الذاتية والموضوعية الواجب توفرها ، لكي تجد مجالاً لقيام الحرب . الظروف الذاتية في الولايات المتحدة بالنسبة إلى ترمب ، لا تسمح له بالمجازفة في الدخول في حرب ، وهو الذي وعد في برنامجه الإنتخابي العمل على عودة الجنود الأمريكان إلى أهلهم ، و حياة جندي أمريكي عنده أثمن من أي شيء ، ولذلك ليس فقط الشعب الأمريكي يطلب منه تحقيق ما وعد بل وقيادة الحزب الديمقراطي المعارض في الكونكرس وحتى أعضاء قياديون في حزبه الجمهوري . فعلى الرغم من إمتلاك الولايات المتحدة أضخم ماكنة حربية عالمياً ، فإن ترمب لا يملك الصلاحية المطلقة في إتخاذ القرار لإستخدامها كيفما يشاء . أما بالنسبة إلى إيران التي لما تزل تلعق جراحها من حرب السنوات الثمان مع العراق ، وتحاول لملمة وضعها الإقتصادي الذي أدخلتها فيه الحرب تحت ديون ثقيلة ، بالإضافة إلى التململ الحاصل داخل الشعب الإيراني تجاه نظام حكم الملالي ، مما أجبر النظام ، في محاولة للسيطرة على الشارع ، على توجيه الرأي العام المحلي إلى الخطر الخارجي من جهة وتخديره بالشعارات الدينية من جهة ثانية . على الرغم من إظهار القادة الإيرانيين الصلابة والتحدّي فإنهم يدركون ضعف قوتهم تجاه القوة العسكرية لعدوّهم ، وأنهم غير قادرين من إيصال أذاهم إلى الولايات المتحدة ، ولذلك يقصرون تهديداتهم على المصالح الأمريكية في المنطقة وعلى إسرائيل ، بإعتبارها الطفل المدلل لأمريكا . أما الظروف الدولية وضغوطها ، سواء من روسيا والصين أو الإتحاد الأوربي ، وحتى مواقف جميع الحركات السياسية التقدمية المناهضة للهيمنة الأمريكية على العالم ، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان فهي موجهة إلى الطرفين ، فهذه الجهات ، جميعها ، لا تريد حدوث حروب قد تؤثر على وضعها الدولي سواء من ناحية نفوذها أو مصالحها الإقتصادية ، أو مسيرة حركتها . إن أي حرب تقع في العالم تؤدّي ، بنتيجة واحدة ، ألا وهي إعادة تقسيم العالم بين القوى العالمية الكبرى ، فيتم تحويل دول من نفوذ دولة كبرى إلى ظل دولة كبرى أخرى ، وحرب الخليج الثانية نموذج ما زال حيّاً في الذاكرة ، كيف تحوّلت الكويت من نفوذ بريطاني إلى نفوذ أمريكي . إن تعكز بعض الساسة وبعض المثقفين على حجة كون مصلحة إسرائيل تكفي لدفع أمريكا للمجازفة والدخول في حرب ضد إيران إنما تحليل يدلّ على سذاجة ، فهؤلاء يهملون ما سيكون عليه موقف روسيا أو الصين تجاه مثل هذا القرار الأمريكي . كذا يذهب البعض إلى القول أن إيران مندفعة للحرب بأسرع وقت وقبل أن يتهالك إقتصادها بفعل العقوبات الإقتصادية الأمريكية ، وأصحاب هذا الرأي مخطئون أيضاً لأن القيادة الإيرانية تعرف ، جزماً ، أن أي حرب ، وفي أي زمان ، سوف تودي ليس بالنظام الإيراني فقط بل بمجموع دول المنطقة ، ولذلك ، فإن هذه القيادة ، على الرغم من إظهارها القوة والعزم ، في وسائل الإعلام ، فإن واقع سياستها يختلف جذريّاً عن الذي يعلنه قادتها .
المراقب لسياسة الولايات المتحدة للفترة الممتدة من إنتهاء الحرب العالمية الثانية إلى الوقت الراهن ، يلاحظ قيامها باشغال الرأي العام الدولي في قضية معينة ، ثم تقوم بعمل ثان في موقع آخر غير محسوب له :
1. إستغلال التظاهرات " الشعبية المصطنعة " في إيران في أوائل خمسينات القرن الماضي ، ودعمها وإسنادها ، وإسقاط حكومة مصدّق .
2. إستغلال حادثة " الهجوم الإرهابي المصطنع " على السفارة الأمريكية في بيروت ، وغزوها بنما وإلقاء القبض على رئيسها نورييغا ونقله إلى أمريكا .
3. إستغلال إنتفاضة الشعب التركي ضد حكومة عدنان مندريس ، في ستينات القرن الماضي ، وتكليف رئيس الأركان جمال كورسيل بتدبير إنقلاب ، لإجهاض ثورة الشعب التركي .
4. إستغلال غزوة صدام للكويت ، وتغيير هوية دولة الكويت من دولة تحت النفوذ البريطاني إلى النفوذ الأمريكي .
كل هذا يثير الإنتباه إلى أن هناك مواضيع عديدة ضمن مخططات الولايات المتحدة ، أكثر نضوجاً للبت فيها ، ولها أولوية على الموضوع الشائك بينها وبين إيران والمتعلق بإمتلاك إيران للسلاح النووي من عدمه ، مثل قضية فنزويلا ! ترى كيف يتحوّل الرأي العام العالمي من قضية الحرب الأمريكية الإيرانية الملتهبة إعلاميّاً ، إذا غزت أمريكا فنزويلا ، وقضت على حكومتها الوطنية ؟ وكذا ، ألا ننتبه كم إنشغل الرأي العام العربي والإسلامي بهذه " الحرب " مما جعل إنعقاد المؤتمر الإقتصاي ( صفقة القرن ) ، في البحرين ، والذي يُرادُ منه تشريع تصفية الحق الفلسطيني وبيع فلسطين ، يمر بدون تركيز الضوء على صوت الشعب الفلسطيني الرافض له ؟