العولمة وصناعة النخبة


محمد وهاب عبود
2019 / 6 / 27 - 15:01     

السمة المهمة للعولمة والتي عادة ما يتم تناسيها هي التغيير ألاساسي في طبيعة النشاط البشري. إن التقنيات ذاتها التي قامت بتبسيط الاتصالات بشكل غير مسبوق لقد حولت تكوين الوعي الإنساني ، الفردي والجماعي الى منطق الربح والخسارة ولفت اهتمامه إلى أكثر أنواع الأعمال التجارية ربحية والمتاحة للجمهور – بعبارة اخرى :النشاط الرئيسي للأعمال التجارية للجيل القادم هو تغيير وعي المستهلكين المحتملين. فقد اسدل الستار عن الأوقات التي يتم فيها تكييف السلع مع الذوق , المنطق الحالي تكييف المستهلك مع المُنتَج .

اما على الصعيد الاجتماعي والسياسي ولغرض تكوين وعي المجتمع فليست هناك حاجة لتحويل وعي جميع السكان – يكفي فقط التاثير على النخبة اي جهود مبذولة لتشكيل الوعي مع التركيز على وعي النخبة وتغييره بشكل أسرع من وعي المجتمع ككل ، ومن هنا يبدأ الاختلاف والتناقض بشكل حاد عن وعي الأغلبية. إنطلاقًا من المجتمع ، لا تفقد النخبة فعاليتها فحسب ، بل تتوقف عن أداء وظائفها التي تبرر وجودها. تبدأ تفكر النخبة التي تمر بعملية إعادة هيكلة قسرية بشكل مختلف عن المجتمع الذي تقوده ، وتعترف بالقيم الدخيلة ، وتتصور العالم بشكل مختلف وتتفاعل معه بشكل مغاير.

هذا يعد تدميرا لمعنى الديمقراطية ذاتها (ولا سيما حرمانها من هياكلها وقواعدها وتجريدها من المعنى) ، لأن الأفكار والقيم التي يولدها المجتمع (ناهيك عن آرائه ومصالحه) لم تعد تنتشر او تنتقل للأعلى من خلال الشرايين الاجتماعية الناقلة كما لا تحظى بالمقبولية من قبل النخبة عندها تفشل مهمة تطوير المجتمع وتغيير سلوكه.

إن الوعي المشكل حديثا لدى النخبة القائدة يفرض عليها وضع معاني واستخلاص استنتاجات مختلفة وأحيانًا متناقضة من نفس الحقائق القائمة. يمكن للنخبوي في هذه الحالة التوجه لمخاطبة الناس ، ولكن ليس من أجل افهامهم بشيء ما أوخلق شعور لديهم ، وانما لتحسين صورته وتوسيع قاعدته وزيادة رصيده الاجتماعي وهكذا ، في ظروف الاستخدام الواسع النطاق لأنظمة التحكم من خلال تقنيات تكوين الوعي ، لدى النخبة والمجتمع أنظمة قيمية مختلفة وتتبع أهدافًا غير موحدة, ,كلاهما يفقد القدرة على التركيزللتفاهم المتبادل. كما كتب دزرائيل (عن الفقراء والأغنياء) ، تنشأ "دولتان" واحدة للفقراء واخرى للاغنياء في البلاد

هذا الغياب في التفاهم المتبادل ، والغير ناجم عن نية خبيثة ، ولكن بسبب عوامل تقنية موضوعية بحتة ، يجهض الديمقراطية ويحل محلها دعاية فوضوية وحرب إعلامية دائمة لجماعات سياسية واقتصادية مهمة. فالوعي الاجتماعي ليس مجرد هدف ، بل هو" ساحة معركة".

ان انعدام الفهم المتبادل بين المجتمع والنخبة يفاقم بشكل موضوعي من خطر زعزعة الاستقرار العام , في الاثناء تتشكل حاجة النخبة لطلب المساعدة من الخارج وتلقي الدعم اللازم وهنا تكون العولمة وحلولها حاضرة وبقوة التي سرعان ما تلبي تلك الحاجة وتقدم الدعم بكل سرور.