من مأساة -اسخيليوس- الى محاورات - لوقيانوس - المفرد والجمع في الحرية والمساواة أو ارغام الظروف المتحجرة على الرقص.


برهان القاسمي
2019 / 6 / 26 - 22:26     

في قلب وتفكيك للمبتدا والخبر والذات والموضوع والموضوع والمحمول يعيد حمة الهمامي من جديد ونقول من جديد ذلك إن المواضيع المطروقة في الاصدار الأخير كان كان قد تعرض لها المؤلف منذ بواكير اصداراته الاولى وخاصة منها " ضد الظلامية في الرد على الاتجاه الاسلامي الصادر سنة 1989وكتاب "في الائيكية " ...فعلى امتداد 234 صفحة في مؤلفه الاخير " المفرد والجمع في الحرية والمساواة " صياغة العلاقة بين الطوابع الانساني والطابع الفردي ،باعتبارها المحور ،ونقطة ارتكاز الديموقراطية القائمة على أساس الحرية أي حسب خاصة وان هذا التحول في علاقة الفردي والجماعي ، ف"الحرية غير قابلة للتصرف " وحيث لم يعد من المقبول اليوم بالنسبة لشعب انجز ثورته مهما كانت المالات اللاحقة الممكنة لسير تطورها المطالبة بتحقيق نظام يتساوى فيه الجميع نظام اجتماعي عادل وفي نفس الوقت يغض الطرف عن الحرية الفردية حرية التعبير المعتقد والضمير خاصة و "ان أحد أهم المشاكل التي تعاني منها الحياة الفكرية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية هو الباس المسائل الدنيوية ،العلمانية ،لبوسا دينيا،وتحويلها إلى مسائل لاهوتية وإضفاء طابع قدسي وإطلاقي عليها وتحريم الخوض فيها وتكفير كل دعوة الى تعديلها او تغييرها."(احكام الشريعة التاريخ/النسبية ص 38 ).وهو الجامع المشترك بين جميع النصوص المواد الوردة في الكتاب ،ورفض كل ما هو قائم على رفض الاخر،حيث الاقصاء ورفض الاخر شكل ومازال الاساس الجوهري في اصل وجود واستمرار القوى الظلامية التي " نصبت ذاتها وكيلا عن الله" كما يقول صادق جلال العظم في كتابه ذهنية التحريم لتدمير العقل والثقافة و الانسان الكامنة في هذا الربط و المولد الدائم للقمع والاستبداد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني والعرقي .ويذهب حمة الهمامي بعيدا في تفكيك العلاقات الرابطة والكامنة في هذا الترابط والتلازم والخلط المتعمد بين الفكر الديني والعمل السياسي،وبين الاسلام كعقائد وعبادات وقيم وجدانية وأخلاقية وبين مشاريع و أهداف الاسلام السياسي.بين الدين كهوية حضارية ووجدانية وبين الهوية الدينية السياسية وهذا الربط الذي بقي كما قلنا ملازما منذ المنشآ التأسيسي الأول الاسلام والديني عموما ، وبداية التحول من الدين الى اللاهوت الى الاخلاق والكتاب يلج هذه الشعاب لنزع خواصها القدسية واللاهية الوهمية من جهة وضرب كل عمليات ومساعي الاحتكار والتوظيف التراث العربي الاسلامي ،وكل محاولات خلق هوية وهمية ومزيفة على القياس وقائمة على اعتبار الجميع اعداء ،ورفض الآخر وهو ما نعيشه اليوم .ويذهب الكتاب عميقا في تتبع العلاقات والروابط واجبار هذه الظروف المتحجرة والمتكلسة على النطق ،وفي تحديد وكشف جوهر واصول هذا المشروع،بعيدا عن النظرة العدمية للتراث وفي اتجاه تقدمي وديموقراطي وعقلاني وإنساني،ف"الثقافة العربية الإسلامية ليست «كلّا موحّدا» بل شقّتها، مثلها مثل كل الثقافات الإنسانية، تيارات متصارعة يمكن حصرها في النهاية في تيارين أساسيين بارزين: تيّار عقلاني، تقدمي يسعى، وفقا للظروف التاريخية، إلى زرع بذرة من بذور التحرر الإنساني، وتيّار نقلي رجعي متخلّف يحاول الحفاظ على السائد وعرقلة كلّ تطور " ( من مقدمة الطبعة الثانية ) وإنزال الصراع من " السماء إلى الأرض " في اطار نظرة كلية جدلية بين النظرية و البراكسيس تشمل المبادئ المعرفية والمفاهيم المثالية المجردة ،والشروط الاجتماعية التاريخية كل اشكال الوعي الزائف ، والممارسة السياسية وهي الخطوات التي ( في جانب منها ) خطاها لوقيانوس في محاوراته ومسرحياته باسلوبه التهكمي الساخر في نقده للمؤرخين الذين لا يكتبون إلا للاقوياء وفي نقده الساخر وكشفه لأكاذيب هيرودوتس وهوميروس وكامل الأسطورة الدينية الإغريقية والتي كانت ادت كما يقول التى تركيع الشعوب لقضاء مصالحها واصحب هذه الشعوب ضحية لهذه الاكاذيب ،واليوم كما الامس لونت جاهل الأسطورة الإغريقية الدينية لما بقي الإغريق شئ واحد يفتخرون به ولماتوا جوعا. فالإنسان لا يرث الخطيئة قبل ولادته بل يكتسبها في الحياة .فالالهه تمارس حتى ما لا تستسيغه البشر الانسان كالمثلية الجنسية (قصة هيام الالاه زيوس بالصبي الادمي "غاديمينوس") فكان لوقيانوس كما سمى نفسه عن حق ب(رسول حرية الكلام ).
ان هذا التناول والفهم الجدلي التاريخي المعروض في الكتاب جاء في اطار ما يسميه لينين ب" اطروحات الطوابع التام والتناقضي للسيرورة التاريخية " أو كحل داخل "المسالة العامة " كما عبر عن ذلك ماركس ، ولم يتوقوف عند صراع الالهة في السماء ،عند مأساة اسخيليوس في " بروميثيوس المكبل" ،بل في هدم المفاهيم وخلخلة الثوابت ،واعادة ربط المجريات والأحداث السياسية الراهنة والآنية بسياقاتها البيئية والحضارية والثقافية واخضاع ومحاكمة كل شئ امام العقل( فالخروج من العبودية ليس فقط فك القيود بل تحطيمها).وعدم الاكتفاء والوقوف عند اشكالية الاعتراف هذه ." فالهة اليونان الذين اصيبوا بجراح مميتة بصورة ماساوية في مسرحية اسخيليوس " بروميثيوس المكبل" عادوا هذه المرة فماتوا موتا هزليا في محاورات "لوقيانوس" .لما كان سياق التاريخ هكذا ؟ لكي تفصل الإنسانية نفسها بمرح عن ماضيها .ان وظيفة المرح هذه هي التي تطالب بها قوى ألمانيا السياسية " لذا " يجب ارغام الظروف المتحجرة على الرقص.بان نعني لها لحنها ذاتها" (ماركس نقد فلسفة الحق عند هيغل )
لقد بقي التاريخ العربي الاسلامي كما تاريخ الشرق عموما يظهر ومازال "على انه تاريخ الاديان ".هذا الوضع الذي تمكن ماركس وانجلز من المسك بمميزاته الجوهرية العامة في رسائلهما الشرقية في 24 ايار و 2 حزيران و6 حزيران من سنة 1853 "كردة فعل بدوية ضد الفلاحين المقيمين والمنحلين في المدن ،الذين كانوا قد اصبحوا منحطين حتى درجة كبيرة في ديانتهم في ذلك الحين ، بمزجهم بين عبادة فاسدة للطبيعة وبين يهودية ومسيحية فاسدتين . خاصة مع الانحطاط والخراب والدمار الذي اصاب مدنا ومناطق كانت مزدهرة مثل تدمر والبتراء واليمن ...،ودمار " التجارة في جنوبي الجزيرة العربية قبل محمد ...احد العوامل الرئيسية في الثورة المحمدية " والناتج عن الغزواة البدوية وقطع طرق القوافل التجارية ،و "الغزو الحبشي " وطرد الاحباش حوالي اربعين سنة قبل محمد ،و "خمسمائة عام "من الغزو والصراع الحبشي البيزنطي ،ان هذا الانحطاط التجاري اعطى قوة دافعة للإسلام ،وهو ،وهو ايضا ما ادى الى تغير الطرق التجارية تغيرا كبيرا في عهد محمد ،وقد كانت اساسا حسب بعض المؤرخين مع هاشم بن عبد مناف ،وهي ما تسمى في القران ، بايلاف قريش ( رحلة الشتاء و الصيف ) أي كمجموعة من المواثيق و المعاهدات التجارية السياسية ، غرضها ضمان قيام قريش بالتجارة عبر جزيرة العرب، و قامت عليه حركة تاريخية تعدّت النطاق التجاري إلى مشروع تجاري بدعم العلاقات الدينية والسياسية واللغوية والاجتماعية بين هذه القبائل العربية، مهدت لتوحدها شبه التام لدى ظهور الإسلام.
إن هذه الحركة التاريخية، بمظاهرها المختلفة وبتحركها في سياق الصراع الدولي بين القوى الكبرى، وبخاصة دولة الساسانيين الفارسية والدولة البيزنطية الرومانية ( انظر ايلاف قريش رحلة الشتاء و الصيف لفكتور سحاب )
وهذا الاقصاء القهر والإبادة ارتبط بعملية تحول من الديني إلى المقدس حيث تحول كل شئ الى قدر لا دخل للإنسان فيه .عملية فصل وعزل كامل عن كل ما هو تاريخي وحضاري لصالح كل ما هو مغلق و دغمائي للعقائد الدينية والتصورات والمسلمات الدينية عموما والإسلامية خصوصاً ." يذكر بن خلدون انه عندما وجد الفاتحون العرب بين غنائمهم كتبا تشتمل على علوم الإغريق والفرس اوفدوا مبعوثا الى الخليفة عمر يستفتون فيما يكون عليهم ان يفعلوا.فهل عليهم ان يتقاسموها كما تقاسموا النقود الذهبية أو الخيول ؟ فكتب اليهم عمر ان اطرحوها في الماء،فان يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله باهدى منه ،وان يكن ضلالا فقد كفانا الله .فطرحوها في الماء أو في النار ،وذهبت علوم الفريق فيها، عن ان تصل البنا " كما ذهبت فلسفة وعلوم ابن رشد كما ذهبت كتب صاحب المؤلف الذي بين ايدينا على يد الديكتاتور بن علي عندما أمر بجمعها من المطابع وحرقها . يتبع
برهان القاسمي