في ذكرى العدوان النازي على الاتحاد السوفيتي


جاسم ألصفار
2019 / 6 / 23 - 04:00     

في ذكرى العدوان النازي على الاتحاد السوفيتي
اليوم يصادف بداية العدوان النازي على الاتحاد السوفيتي وتنفيذ خطة "بارباروسا" ( الاسم الرمزي لخطة حرب ألمانيا النازية ضد الاتحاد السوفيتي) وذلك بشن هجوم خاطف على القوى الاساسية للجيش الاحمر غربي نهر الدنيبر ونهر دفينا الغربية، ومن ثم بلوغ خط ارخانغلسك – الفولغا – استراخان.
ففي فجر 22 يونيو/حزيران عام 1941 بدأت المانيا النازية، انتهاكا لمعاهدة عدم الاعتداء بين الطرفين ، العمليات القتالية ضد الاتحاد السوفيتي بصوة مباغتة. ووجه طيرانها ضربات مكثفة الى اراضي الاتحاد السوفيتي، وبعد القصف المدفعي التمهيدي اقتحمت القوات الرئيسية للجيش الالماني الفاشي اراضي الاتحاد السوفيتي .
وفي الوقت نفسه دخلت الحرب مع ألمانيا ضد الاتحاد السوفيتي، كل من رومانيا وايطاليا، ومن ثم في وقت لاحق فنلندا والمجر. وتكبدت قوات الدوائر العسكرية السوفيتية الحدودية خسائر فادحة. ففي اليوم الاول للحرب فقد الطيران السوفيتي حوالي 1200 طائرة تم تدمير القسم الاكبر منها في المطارات قبل ان تفلح في دخول المعركة. وبدى واضحا ان الاتحاد السوفيتي لم يكن مستعدا للحرب وكانت القيادة السوفيتية وقتها مطمئنة الى انها خارج دائرة الحرب وان النازيين سيلتزمون بالمعاهدة المعقودة معهم.
هذا مع ان ستالين كان قد استلم العديد من التقارير الاستخباراتية السوفيتية التي انذرت بأن النازيين يستعدون للعدوان على اراضي الاتحاد السوفيتي وقد حدد تاريخ الهجوم على الاراضي السوفيتية في يوم 22 يونيو/حزيران عام 1941 ولكن ستالين لم يصدق اي من تلك التقارير، وحتى عندما مثل امامه رئيس الاستخبارات السوفيتية ليؤكد ما تضمنته تقاريره عن موعد العدوان دعاه ستالين بقسوة الى ان ينصرف لأن كل هذه التقارير،كما قال ستالين، هي دعاية غربية مغرضة.
وربما كان وراء موقف ستالين تصديقه لرسالة ،كشف عنها اخيرا، ارسلها هتلر لستالين يؤكد له فيها انه لا ينوي مهاجمة الاتحاد السوفيتي ودعاه في رسالته تلك ان لا يرد على اي استفزاز قد يرتكبه بحماقة احد جنرالات الجيش الالماني.
يذكر الجنرال جوفكوف رئيس الاركان السوفيتية انذاك في مذكراته انه قد توجه الى مكتب ستالين منذ الصباح الباكر بعد سماعه باختراق القوات الالمانية للحدود السوفيتية في ذلك اليوم. وكما يقول جوفكوف فان الخبر قد اذهل ستالين فراح يخطو في مكتبه رواحا ومجيئا يفكر بالامر بينما جوفكوف ينتظر قرارا من القائد الاعلى. وبدل القرار التفت ستالين نحو رئيس اركان قواته ليسأله "ما العمل؟" وهنا ادرك جوفكوف ازمة ستالين فاجابه ببساطة" رفيق ستالين يجب ان تصدر امرا بمواجهة العدوان"، وهل هنالك حل غير ذلك في تلك الظروف.
على اي حال فمع ان الخطة الألمانية كانت تفترض كسب الحرب في غضون 2 – 3 أشهر(" بليتسكريغ"). بيد أن هذه الخطة قد أحبطت، وتواصلت الحرب على مدى اربعة اعوام تقريبا وانتهت باستسلام المانيا النازية. ولكن كم من الضحايا السوفيت سقطوا نتيجة ضعف الحذر عند القيادة السوفيتية التي كانت تدار من قبل شخص واحد هو ستالين الذي صدق رسالة يحلف فيها هتلر بشرفه انه لا ينوي شن حرب على الاتحاد السوفيتي.
مرة في السبعينات شاهدت فلما وثائقيا من سنوات الحرب العالمية الثانية. احداث الفلم في برلين، في ساحة تقابل، على ما يبدو، مبنى الريخستاغ وكانت الجماهير الغفيرة بانتضار خطاب الفوهرر ادولف هتلر ليوضح لهم ما يجري في جبهات القتال وافاق الحرب الدائرة.
ظهر الفوهرر على المنصة بعد طول انتظار، والقى ببصره على الجماهير المحتشدة التي كانت تؤدي له التحية، ثم قال بضع كلمات غادر بعدها المنصة وسط عاصفة من الهتافات المناصرة له والتي تصل الى درجة الهستيريا. مع ان خطاب الفوهرر لم يكن سوى بضع كلمات هي "ألمانيا هنا، المانيا هناك، المانيا في كل مكان". انها مبادئ هتلر التي اسقطتها مقاومة شعوب لا ترضى بالعبودية وعلى رأسها الشعب الروسي العظيم.
واذكر هنا بالذات الشعب الروسي مع عدم نسياني لدور شعوب الاتحاد السوفيتي الاخرى، ولكنه التاريخ الذي لن ينسى بأن الشعب الروسي كان رأس الحربة في المقاومة. ففي خطاب القاه ستالين (الجورجي الاصل) في الساحة الحمراء بموسكو وهو يستعرض القوات السوفيتية المتوجهة مباشرة الى الجبهة لرد الالمان عن تخوم موسكو العاصمة، في خطابه وجه ستالين ندائه الى الشعب الروسي اولا مذكرا اياه بمآثره التاريخية وامجاده العظيمة، معلقا عليه الامل في صناعة النصر.
كتب الروائي السوفيتي جنكيز ايتماتوف في روايته (جميلة) ان "الشجرة القوية ان اقتلعتها العاصفة لن تقف ابدا..." وهكذا فان روسيا، بتاريخها المجيد لم تسقط امام تهديد العبودية النازية الالمانية وبقت حتى يومنا هذا شجرة قوية تستعصي على الاعداء. اما الاتحاد السوفيتي كمنظومة اقتصادية اجتماعية سياسية، أو كتجربة اشتراكية لها خصوصيتها، فقد سقط لأسباب بنيوية لا مجال للحديث عنها الان ولكنه كشجرة ايتماتوف لم تعد قابلة على الانبات.