دهاء الغرب ويقضة الشعوب


محمد وهاب عبود
2019 / 6 / 22 - 02:04     

لقد سئم الناس في كل بقاع العالم من الامبريالية لكنهم لا يعرفون السبيل الامثل لصياغة اشمئزازهم وذلك بسبب حملة "الغرس القيمي" والمعلومات المضللة والمدروسة التي تصنع في الغرب ، لكنهم ايضا بشكل حدسي وشعوري يبحثون بشكل متزايد عن الاشتراكية - نوع من نظام إنساني رحيم قائم على أساس العدل الاجتماعي المناهض للإمبريالية. مثل هذه المشاعر اضحت شائعة في كل مكان - في بلدان مختلفة مثل الفلبين وبوليفيا وجنوب إفريقيا ودول عربية عديدة.

ان حكام الغرب الامبريالي يدركون هذا "الاتجاه الخطير". وهم يحاولون تغييره بالكامل ، مستخدمين الإيديولوجية تارة والقوة تارة اخرى. في الماضي كثفوا جهودهم على تشويه سمعة الأفكار الاشتراكية والشيوعية اذ تم إنفاق مليارات الدولارات على الدعاية والتضليل من اجل "إعادة تثقيف" الجماهير في جميع أنحاء الكوكب ، على أساليب وتكتيكات تقسيم واضعاف قوى اليسار. هذا النهج حقق نجاحا الى حد ما وخفت سطوع الأفكار الثورية اليسارية لبعض الوقت ثم اشرق من جديد وبهيئة مغايرة.

واثر ذلك الاشراق سارعت الإمبريالية الغربية الى تغيير استراتيجيتها وتكتيكاتها , فبدلاً من محاولة احتواء خصومها الرئيسيين ، قررت إبادتهم "فكريا" وإلى الأبد. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي نشر الارتباك والافكار العدمية واللامبالاة بين صفوف الشباب واشاعة الفوضى. وبدلاً من الهجمات المباشرة على الاشتراكية والشيوعية ، أطلقت الإمبريالية حملة شاملة لتشويه سمعة غالبية الدول التي تحكمها حكومات وحركات يسارية..

أن جهاز الدعاية الغربية قد بدأ في الإعلان عن أن الدول المعادية للإمبريالية ليست يسارية على الإطلاق بل إنها أكثر رأسمالية من الغرب نفسه كما إنها "معادية للإنسان" وحتى فاشية ايضا تم اختراع مصطلحات جديدة مثل "رأسمالية الدولة" ووضعها في صلب الجهاز الدعائي والخطابي اليومي و تتكرر هذه المصطلحات في كثير من الأحيان وفي وسائل الاعلام بحيث أصبحت مألوفة ، ويرددها "اليساريون المعتدلون" ، والمفكرون الليبراليون ، فضلاً عن حركات "تقدمية" لا حصر لها ولكن معادية للاشتراكية ، بما في ذلك الأناركيون/اللاسلطويون

كما تم نشر مفاهيم سامة ظاهرها حق يراد منها باطل مثلا "لا أريد المشاركة او الانضمام في أي حزب أو حركة سياسية او اي حراك شعبي " لانني حر ولدي فكري الخاص والمستقل ولا اريد ان احسب على اي طرف او جهة وارفض القيم الثورية لانها تجلب الفوضى وافضل السكوت والجلوس والصمت والتفرج."

وكما هو معروف طالما لا توجد هياكل ، ولا توجد منظمات قوية ، ولا رموز وأعلام ، فلا يمكن أن يكون هناك نصر حقيقي للانسان على مستغليه. وسرعان ما أصبح واضحًا للجميع أن "المعارضة" الغربية "التقدمية" لم تكن تسعى للحصول على السلطة لتحقيق تغييربنيوي او ايجاد بديل جذري. إنهم يريدون "تحسين الوضع في الداخل" ، بدلاً من إلغاء النظام العالمي الوحشي بأكمله. أنهم فقط يحاولون منع الإمبريالية من التهام الكوكب باكمله.
ونظرا لذلك نشأ تحالف كبير بين النخبة الغربية (الإمبريالية) ، والليبراليين وحركات محددة مثل اللاسلطويين. إنه تحالف يعبر عن كراهية مباشرة للبلدان المختلفة معه في التوجه والمتبنيات ويطلق عليها غير ديموقراطية وتنتهك حقوق الانسان وما ان يصل اليسار للسلطة حتى يبدا بالتعبير عن عدم ثقته بالرموز الثورية ويشرع بنقد الثورات والاحتجاجات العالمية.

أصبح العديد من اليساريين الزائفين والمنافقين في الغرب غارقون في مناقشات نظرية لا نهاية لها ولا معنى لها حول ماهية الاشتراكية أو الشيوعية الحقيقية.

كل هذا من صنع الامبريالية الغربية. إنها تستخدم اليساريين الغربيين المعتدلين ضد أعدائها الاشتراكيين . تستخدم بفعالية اليسار المعتدل لتهشيم صورة ضدها النوعي..

إن هذا التحالف الجديد"الخبيث" موجه ضد الصين ، وجنوب إفريقيا ، وفنزويلا ، وكوبا ، وكذلك تلك الدول التي قررت الشروع في مسار مستقل ومعاد للإمبريالية. كل هذه الدول تسمى من قبل الاميرياليين "شيطان". و ان حكامهم "يضطهدون شعوبهم بوحشية" و " هم أكثر وحشية من الغرب".

ان التزييف يخترق بشكل اكثر وأعمق في العقل الباطن للناس ليس فقط في البلدان الغربية ، ولكن لأولئك الذين توجه ضدهم هذه الدعاية. فلا أحد يجرؤ على الاحتجاج والصراخ بصوت عالٍ: "هذا هراء! هذه الدول هي اشتراكية وترفض التبعية للامبريالية!

إن استراتيجية الإمبريالية الغربية واضحة تمامًا: الخلط قدر الإمكان بين المعلومات وتعقيدها من اجل سوء فهم وتدمير الشفافية مثلا "الصين الرأسمالية ، ، جنوب إفريقيا المناهضة للسود ، فنزويلا الدولة الرأسمالية ، كوريا الشمالية الفاشية. ووجهة نظرهم هي من الأفضل التصالح مع الرأسمالية الراديكالية الغربية.

لقد قدحت عيون الاميراليين شررا مؤخرا وهم يشاهدون الاعلام الحمراء ترفرف في الصين وجنوب افريقيا وعدة بلدان عربية واجنبية اخرى مع هتافات حماسية وشعارات مستوحاة من الفكر والعقيدة الاشتراكية , كلها اشارات اذا ما قرأنا وراءها فهي اعتراف صريح بصحة ذلك الفكر وصدق غايته لسعادة الانسان وحريته ويمكن اعتبار رفرفة الاعلام هي بداية لتحرك بشري ارهقه الاستغلال و ينبئ بمواجهة محتملة بين قوى الخداع والاستغلال العالمي من جهة وبين اصحاب التطلعات الانسانية الحالمة بالعدل والتحرر والسعادة من جهة اخرى .