الدولة و الديمقراطية


غسان صمودي
2019 / 6 / 20 - 02:52     

الدولة و الديمقراطية (الجزء الأول)
إن الحديث عن الدولة تزامن دائما مع الحركات السياسية الكبرى التي تستهدف التغيير الجذري للمجتمع، أي الثورة. و الحديث عن الدولة في أشباه المستعمرات، أي دول الكمبرادور، له أهمية عملية من حيث «حقيقة وجود الدولة» ذلك أنه تقليديا تعرف التعرف بعناصرها المكونة لها و هي الشعب و الإقليم و السلطة السياسية (السلطة السياسية يجب أن تكون سيدة على كامل اقليمها). فإذا غاب عنصر السلطة السياسية لغياب السيادة، فإن الحديث عن وجود دولة قد يكون مستحيلا إلا إذا أمكن وصف هذا الكيان بـ«شبه دولة» quasi-Etat.
إننا نشهد في تونس اليوم ظاهرة خطيرة بدأت أسبابها منذ عقود خلت، تتمثل في إفلاس الدولة و هشاشتها اللذان يتجليان في عجز الحكومة عن ضمان الحقوق و الخدمات الأساسية من صحة و تعليم و دعم. هذا ناتج عن ضغط الأطراف الأجنبية، و هي الدول الإمبريالية و المنظمات المالية العالمية، لازاحة الأطراف التقليدية عن السلطة الاقتصادية ليمنحها للجهات الفاعلة المتعددة الجنسيات.و هذا ما تجسده إتفاقية التبادل الحر المعمق و الشامل بين تونس و الاتحاد الأوروبي ALECA .
لقد كشفت دراسة أجراها مسؤول سابق بالبنك الدولي William Easterley 2006 عن وجود علاقة محرجة بين تدخلات صندوق النقد الدولي و هشاشة الدولة و ذلك انطلاقا من تجارب حكومات الجنوب المطبقة لبرامج صندوق النقد الدولي و التي أفرزت فشلا كبيرا.
ما نطمح إليه، نحن الوطنيون الديمقراطيون، في تونس ما بعد 2011 هو ممارسة لديمقراطية وطنية في إطار جمهورية مدنية ديمقراطية إجتماعية تكون مسارا ديمقراطيا وطنيا لبناء دولة وطنية ذات سيادة. فدولة تونس اليوم تتموقع بين ديمقراطية الانتهازيين و هي ممارسة مشوهة للديمقراطية تتجسد في حرية التنظم السياسي و المشاركة في السلطة إلى جانب الديمقراطية الموجهة أي ديمقراطية الحاكم و هو ما عبرت مجلة الجماعات المحلية التي أرست لامركزية مشوهة من خلال إجراءين اثنين : أولا محاصرة سلطة اتخاذ القرار البلدي بابعاد البلديات من نطاق التصرف في الشأن التنموي المحلي و تهميش مؤسسة المجلس البلدي بتخويل الصلاحيات التقريرية لرئيس البلدية و ثانيا اخضاع البلديات في جميع القرارات التي تتخذها إلى المراقبة السابقة لاتخاذ القرار إلى الوالي بوصفه ممثلا للإدارة المركزية في جهته، و هذا ما يمثل ضربا للاستقلالية الادرارية و عليه ضرب مبدأ اللامركزية الذي جاء به دستور 27 جانفي 2014، و بين ديمقراطية الوطنيين الحقيقية و هي ممارسة الديمقراطية في كل جوانبها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. (يتبع)