تعقيب على ردود الفعل ضد ورقة عرب وأمازيغ


عبد السلام أديب
2019 / 6 / 17 - 09:05     

تحياتي لكافة الرفاق الذين عقبوا مباشرة لي وبشكل شخصي بحدة على مقالي السابق عرب وأمازيغ الوارد في الحوار المتمدن في الرابط التالي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=637577

واستسمحكم في هذا التعقيب أن أعبر لكم عن رأيي الشخصي حول ما قيل حول تلك الورقة، في البداية أود التأكيد على انني لست شوفينيا ولا عنصريا وأنني مع ذلك أمازيغي الأصل من أسرة فلاحة فقيرة عاشت بقرية جبلية نائية بمنطقة أجدير أو ما كان يعرف بمثلث الموت بالريف لكونها كان شكلت مهد المقاومة الريفية وتأسيس جيش التحرير سنة 1955، وسأضل أفتخر بأصلي الأمازيغي رغم انني لا أتقن اللغة الريفية لأسباب موضوعية ابعدتني عن مسقط رأسي مباشرة عقب ولادتي، كما أعتبر أن الشوفينية التي نعتني بها البعض، هو بالفعل تيار عنصري عرقي، يلجأ الى تحوير الصراع الاجتماعي من صراع طبقي الى صراع لغوي عرقي سطحي.

لكن القضية الأمازيغية تظل في العمق، مع ذلك، أعمق وأشرف من كل النعوتات السياسية القدحية التي توجه لها في منطقة شمال افريقيا، لكونها شكلت، عبر التاريخ، أصل الصراع الطبقي السياسي القائم فعلا في هذه المنطقة. ومن دون تحليل ملموس للواقع الملموس على أسس مادية تاريخية ومادية جدلية، سيظل حتى هذا الصراع السياسي الطبقي سطحيا، ولن يذهب الى عمق الأشياء، فلا حركة سياسية من دون نظرية سياسية تستمد من الحركة الاجتماعية الفعلية الملموسة. وسيضل عددا من الرفاق جلد الذات وممارسة السب والقذف فيما بينهم رغم أن أغلب الشيوعين هم أنفسهم ذوي أصول أمازيغية، ومن تم تقاذف مصطلحات العنصرية والشوفينية من منطلق ميتافيزيقي مثالي، دون النفاذ نحو فهم صميم المعضلة الأمازيغية المطروحة.

ذلك ما حاولت التعبير عنه بعجالة في ورقتي السابقة المشار اليها، الا أن سرعة ردود الفعل عليها من طرف بعض الرفاق بلغت درجة العدوانية، مع أنها أنها لم تحاول حتى ان تقرأ وتفهم بعمق ما جاء في الورقة أو انها فجرت عدوانيتها انطلاقا من ردود فعل سياسية تعادي أتوماتيكيا كل ما هو أمازيغي كرد فعل على ما حدث من اعتداءات دموية لتيارات شوفينية مدسوسة بالفعل على بعض الرفاق داخل الجامعات المغربية، ففضلوا نتيجة لذلك الاستمرار في تسطيح القضية واطلاق النار على كل من يطرح قضية الامازيغية للنقاش.

ردي على كل ذلك هو أن هناك حقائق تاريخية لا يمكن القفز فوقها لتسطيح القضية وحصرها في مجرد صراع شكلي لغوي، فالمعضلة الامازيغية تنطوي على منبع الصراع الاجتماعي الطبقي العميق القائم في شمال افريقيا، منذ انطلاق الغزو العربي الإسلامي للمنطقة، لا من أجل نشر الإسلام كما تم الترويج لذلك، وانما من أجل استعباد سكان هذه المنطقة وسلب خيراتها واستباحة نسائها، واستدامة هيمنتها الاجتماعية الطبقية، وكل هذه الوقائع تحدثت عنها كتب التاريخ ومن بينها مقدمة ابن خلدون بكل وضوح. ورغم هذا التاريخ الاستعماري والثقافي اللغوي الذي استهدف طمس الهوية الامازيغية، الا أنه يمكن الادلاء بالملاحظات المادية التالية:


فأولا: جميع شعوب العالم (مثل الشعوب السويدية والنرويجية والألمانية والهولندية والانجليزية والايطالية وحتى الشعوب الافريقية والاسيوية) تتحدث لغتها المحلية الاصلية وتمكنت من ترسيمها في دساتيرها، حتى وان اضطر بعض هذه الشعوب الى التوافق على اعتماد لغة رسمية مغايرة، ما عدا الشعوب الأمازيغية لشمال أفريقيا، التي فرض عليها بعد استقلالاتها الشكلية في النصف الثاني من القرن العشرين، لغة فوقية بالقوة مع استهداف مقصود لمحو لغتها الاصلية وهذا ما يفسر نشأة حركات ثقافية أمازيغية في هذه المنطقة.

وفي المغرب بعد سنة 1956 فقد تم فرض اللغة العربية كلغة رسمية مع اعتماد فعلي للغة الفرنسية، كلغة للتسيير والإدارة والتعليم، بينما ظلت اللغة الأمازيغية تعاني من التضييق والهجوم عليها الى اليوم، وخاصة باسم الدين وباسم الشوفينية (انظر التصريح الأخير للشيخ حسن الكتاني الذي دعى الى محاربة الأمازيغ والامازيغية لأنها تستهدف محو اللغة العربية كلغة للقرآن). قبل سنة 1956 وفي ظل جميع الأسر التي حكمت المغرب سابقا وحيث كان لكل أسرة حاكمة حدودها السياسية الخاصة بها والتي وصل حدود بعضها إلى الأندلس شمالا والسنغال جنوبا وليبيا شرقا. كان استعمال اللغة حرا، حتى في المدن الكبرى، وفي الإدارة، وحيث كانت اللغة الامازيغية هي السائدة بينما اللغة العربية كان تستعمل فقط من طرف العرب غير الأمازيغ، وبنسبة 2 في المائة التي يشكلونها في المجتمع المغربي.

ثانيا، فرضت الحدود السياسية للمغرب الحالي سنة 1956 من طرف الاستعمارين الفرنسي والاسباني، وحتى العلم المغربي الأحمر ذو النجمة الخضراء تم فرضه من طرف الجنرال الليوطي المقيم العام في بداية الحماية الفرنسية. فالحدود السياسية المغربية الحالية، منقوص منها جزء كبير يوجد حاليا ضمن الحدود السياسية الجزائرية، وهي الدولة الحديثة النشأة والتي لم يكن لها وجود كدولة مستقلة قبل الاستعمار الفرنسي سنة 1830، حيث كانت أراضيها قبل ذلك التاريخ خاضعة للاستعمار التركي لمدى خمسة قرون. كما أنتقص من الحدود المغربية الحالية مدينتي سبتة ومليلية وإحدى عشرة جزيرة بالبحر المتوسط والمحيط الاطلسي ومنطقة الصحراء وكامل الأراضي الموريتانية الحالية. فمطالب الشعب المغربي تتجاوز اعتماد لغته الأمازيغية الأصلية فقط الى مطالب اقتصادية واجتماعية وسياسية تحررية أفقيا وعموديا، بمعنى التقرير الحر لمصيره والقضاء على النظام الطبقي التبعي القائم واعتماد نظام ديموقراطي شعبي ليس شكلا فقط وانما قائم على مبادئ المساواة والتضامن والتوزيع العادل للثروات مع الاشتراكية في كل شيء عبر القضاء على الملكية الخاصة والعمل المأجور والاغتراب السلعي.

ثالثا، منذ أزيد من خمسة قرون وفي ظل هيمنة الأسرتين العربيتين الوحيدتين التي حكمت المغرب، أي السعديين والعلويين، أصبحت الحدود السياسية المغربية ضيقة جدا حتى في عهد إسماعيل السلطان الأكثر جبروتا، حيث كانت تلك الحدود تقف عند ما كان يسمى ببلاد المخزن أي عند السهول الغربية فقط أو ما أصبح يطلق عليه خلال عهد الحماية بالمغرب النافع، اما المناطق الجبلية والصحراوية والشرقية والتي كانت تسمى بمناطق قبائل السيبة فكانت مستقلة بالقوة سياسيا وخاصة بالقبائل الامازيغية. ولم يتم توحيد المغرب الحالي إلا بقوة الحديد والنار وبناء على طلب نظام الحماية من طرف الأسرة الحاكمة منذ سنة 1912 ومع ذلك لم تفرض اللغة العربية كلغة رسمية وتفرض الحدود السياسية الحالية المبتورة إلا منذ الاستقلال الشكلي سنة 1956. فعمر هيمنة اللغة العربية على اللغة الأمازيغية إذن هو عمر الاستقلال الشكلي الحالي، والذي تكرست خلاله الهيمنة الطبقية العربية على البروليتارية المغربية التي تتشكل غالبيتها من أصول أمازيغية أو أمازيغية مستعربة.

رابعا، جميع الأسر التي حكمت المغرب سابقا، قبل السعديين والعلويين، كانت اسرا امازيغية قوية مثل: المرابطين والموحدين والمرينيين، وكان استعمال اللغة الامازيغية منتشرا بقوة في عهدها في جميع المناطق التي امتد اليها حكم هذه الأسر، ولم تكن تستعمل اللغة العربية إلا للدراسة أو للتخصص في الشريعة الإسلامية بالمدن الكبرى.

خامسا، عندما جاء إدريس الأكبر الى المغرب هاربا من بطش العباسيين استقبلته قبائل امازيغية صنهاجية وحمته، خاصة قبيلة أوربة، ونصبته اماما وقاضيا لها في رقعة ضيقة جدا، حوالي منطقتي تازة وزرهون وفاس، كما أن الحدود السياسية لإدريس الأصغر وأبنائه لم تتجاوز النصف الشمالي للمغرب الحالي، وكانت اللغة الامازيغية هي السائدة دون أي هيمنة للغة العربية عليها، علما ان مناطق امازيغية شاسعة لم تكن تخضع لأية سلطة سياسية فوقية، وكانت تعيش في عشائر شيوعية متضامنة بدائية ذاتية التسيير. أما قبائل بنو هلال وبنو سليم الذين جاؤوا من اليمن والسعودية نتيجة طردهم بسبب التخريب الذي تسببوا فيه هناك، فقد انطلق من القرن الحادي عشر الى غاية القرن الثالث عشر، ولم يكن لهم أي دور في نشر الإسلام أو أية حضارة، بل كان يتعاطون فقط للتخريب والحرب والاستيلاء على الأراضي الامازيغية في كامل السهول الغربية من منطقة تامسنا وحتى جنوب سوس والصحراء، بدعوى الفتح الاسلامي. فهذا الغزو العربي هو الذي دفع الامازيغ الى اللجوء الى المناطق الجبلية، واستئثار القبائل الغازية بالمناطق السهلية. وبطبيعة الحال فان هذا الواقع الجديد سيحدث وقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي على تطور التشكيلة الطبقية منذ ذلك الحين وعلى الصراع الطبقي الدائر حاليا، بما في ذلك مطالب أمازيغية الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبهذا المعنى فإن هذه المطالب عبارة عن حقوق شعبية طبيعية تقرها كافة الشرائع البشرية وليست مجرد نزعات عنصرية شوفينية، بل أصبحت تحارب بثورة شوفينية رجعية وعنصرية مغرضة مضادة.

ان الحدود السياسية واللغة العربية الرسمية الحالية، فرضت إذن من طرف المستعمر الفرنسي والاسباني وما يسمى بالحركة الوطنية الرجعية حليفة الاستعمار، مهندسة الاستقلال الشكلي التبعي الحالي، وعبر تحكم الهيمنة الأيديولوجية العربية الاسلامية ومحاربة المطالب الشعبية بالفصل بين الدين والسياسة، الذي بلغ عند عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة السابق حد الدعوة الى مقاتلة كل من يطالب بفصل الدين عن الدولة.

الخلاصة هي أنه لا يحق لنا اليوم الافتخار بالحدود السياسية وباللغة الرسمية والعلم الوطني، لأنها رموز فرضت من طرف المستعمر وخدامه الرجعيين، فعن أية وحدة سياسية ولغوية سنتحدث في ظل هيمنة طبقية أحادية تابعة كلية للمستعمر السابق، والملايين من الجماهير المغربية مغتربة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فمن الطبيعي أن يصبح لسان حال الكثيرون يجمع على أن ما فرض من طرف المستعمر والرجعية بالقوة يجب أن يستعاد بالقوة، انسجاما مع منطق التاريخ.