الخرافة وعقل


محمد قاسم نصيف
2019 / 6 / 17 - 03:15     

العقل و الخرافة
طبيعتنا الثقافية والتربوية اكثر قابلية ذهنية وأهلية نفسية في صناعة الخرافة وممارسة السحر والتفاعل معهما والتصديق بهما.وامتد التأثير الخرافي الى طبيعة التعامل مع الاطفال والعمل على صياغة عقولهم على نحو الخوف والتخويف وشل العقل، فـ(البساط السحري) و(الفانوس السحري) و(شبيك لبيك) كلها تسهم في صياغة العقل الخرافي الذي يستسلم للخرافة والسحر والقوى الخارقة التي تفعل كل شيء ولايمكن مواجهتها بل لابد من الاعتماد عليها في تسيير امورنا الحياتية، فإن المشكلة الكبرى في الخرافات انها تغذّي الاستعداد النفسي للاستسلام للواقع.

يتعرض الإنسان للخرافة من خلال الثقافة الموروثة منذ ولادته وتشربه بما يمليه عليه الأهل والمدرسة والمجتمع من أفكار وتقاليد وأعراف وأديان ومذاهب، فكما يتعلم الطفل لغة الأم، يتلقى معها الثقافة الموروثة بكل ما فيها من محاسن ومساوئ. وعندما يبلغ هذا الإنسان سن الرشد تكون هذه الأفكار والمعتقدات، بما فيها الخرافات، قد ترسخت في تلافيف دماغه، فيعتقد أنها حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش، ومن يخالفه فيها، فهو على ضلال مبين. وهذا هو سبب الصراع الدائر بين المجتمعات...

أما عن الظروف التي رافقتها و عززت مكانتها ، فكان أهمها كما ذكرنا ، غياب التقدم العلمي. وشيء المهم اكثر هو عدم  تطور وسأل الإنتاج في البلاد الآسيوية لنه اي  شيء في الحياة مرتبط في الاقتصاد  . حسب النظرية العلمية الماركسة . . و مازال حتى الآن ذلك السبب مؤثراً ، حيث أن التعليم في البلاد المتخلفة لايزال يشكل عائقاً كبيراً أمام التفكير و التحليل المنطقي و العلمي . الذي يعاني منه المدرس يؤثر سلباً على الطلاب و يستنسخ شخصية المدرس المستنسخه من صغر حياة المدرس من قيم تقاليد موروثه قديمة وخاصتا مثل نظام الانقطاع أو الدين. طبعا وكل الحلات وضواهر هي ترتبط في الاقتصاد اليومي للنسان لان عصب الحياة هو راس المال

لأن المدرس لُقّن ، مذ كان صغيراً ، تفسيراً دينياً (غير منطقي) للظواهر و الأحداث ، و عندما كبر و درس في الجامعة ، تلقى تعليماً يقدم تفسيراً آخر لتلك الظواهر ، يناقض تماماً تفسيره الأول .. و هذا أدى إلى ذلك الشرخ  في شخصيته و الذي يرافقه و ينقله بدوره إلى طلابه ...

و كدليل على كلامنا هذا ، نقتبس من كتاب الدكتورة نوال السعداوي (الرجل و الجنس) هذا المقطع :

"عندما كنت في كلية الطب حيرني موقف أستاذ الفيسيولوجي المتناقض تجاه نظرية التطور ، حيث كان يعتقد أن الانسان الأول ولد من غوريلا و لكن يعتقد أيضاً أن المرأة خلقت من ضلع الرجل !! ، و عندما كان يشرحها لنا وجهت له الأسئلة التالية :
_تقول لنا يا أستاذ أن الغوريلا هي التي ولدت أول انسان ظهر في تاريخ البشرية
_قال : نعم
_و حيث أن هذا الانسان الأول عرف باسم آدم ... فإن آدم ولد من رحم غوريلا !!
_قال : نعم (و احمر وجهه و ارتجفت شفتاه)
_و بالمنطق فإن حواء أول أنثى أيضاً ولدت من رحم غوريلا !!
_قال نعم أيضاً و احمر وجهه أكثر ...

عرفت عندها أن هذا الاستاذ كان يفكر بطريقة علمية حتى أعطي هذا الانسان الأول اسم (آدم) ، عندها اعترى تفكيره شيء من العاطفة ، و ظهر الانفعال في نبرة صوته"

لنتحدث الآن عن الضرر الذي قد يسببه الإيمان بالخرافة ... على المستوى الطبي ، عندما تلجأ كثير من العائلات إلى الشيوخ بدلاً من الأطباء ، بحجة أن ولدهم أو بنتهم ، قد تلبسها أو تلبسه الجن ... ربما يؤدي ذلك الأمر إلى أذية نفسية و عصبية و جسدية دائمة لذلك الطفل الذي هو أساساً يعاني من مرض عصبي (صرع مثلاً) ... كذلك يؤثر الأمر على المستوى الاقتصادي حيث يطلب ذلك الشيخ أن تقدم الأضحية و العطايا للجن حتى يزول مفعول السحر ... بينما يكون أحياناً علاج المرض العصبي في كثير من البلدان مجانياً (على نفقة الدولة)

الخرافة هي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة. وترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب، حيث أن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال.   
وهو معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية، وقد تكون ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية..  
وأخيراً فإن بعض الأفراد يصنعون خرافاتهم بأنفسهم، في كثير من الأحيان. فقد يشتري المرء ورقة يانصيب منتهية برقم معين فيكسب إحدى الجوائز الكبرى، فلا يكون منه إلا أن يعتقد أن هذا الرقم هو رقمه الميمون فهو لا يشتري بعدُ إلا الأوراق التي تنتهي به. وقد تحل بامرئ كارثة في يوم بعينه من أيام الأسبوع، فلا يكون منه إلا أن ينزع إلى الاعتقاد بأن هذا اليوم يوم شؤم بالنسبة إليه فهو أبداً في خوف من أن تحلّ به فيه، على تعاقب الأيام، كارثة جديدة، وهكذا.